الكوتا... هل هي سبيل المرأة الوحيد في الوصول للبرلمان



مهدي حسانين
2008 / 7 / 13

وسط الحراك السياسي الصاعد على الساحة العربية، ومحاولات النهوض بالوضع السياسي والثقافي والاجتماعي للمرأة من قبل الحكومات والمؤسسات والأفراد على حدٍ سواء، ومن منطلق تمكين المرأة من تبوء مكانتها في مؤسسات صنع القرار، وأحقيتها في أن تعتلي مكانتها البرلمانية، تعالت الأصوات النسوية مطالبًة بتعديل القوانين الانتخابية المتبعة لتحقيق ما تسعى إليه من مقاعد في المجالس النيابية؛ لاسيما وأن نسبة تمثيلها في البرلمانات العربية برمتها بلغت 8% بحسب ما نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية ذات مرة عام 2006م، وهي أقل نسبة تمثيل برلماني في العالم، في حين تصل نسبة تمثيل النساء في دول بعينها إلى 30% أو تتجاوزها، ومن بينها رواندا وموزمبيق وجويانا وبوروندي، كما أن هناك ثلاثة دول مثل (شيلي وأسبانيا والسويد)، تتساوى فيها نسبة التمثيل البرلماني بين الرجال والنساء.
وعلى أثر ذلك تنوعت الآراء، حول الطرق التي من خلالها تستطيع المرأة العربية تبوء مكانتها التمثيلية في مواقع صنع القرار؛ في أن يصبح لها الحق في الأداء التشريعي والرقابي مثلها مثل الرجل، داعية إلى تطبيق نظام الحصص أو ما يطلق عليه "الكوتا"؛ معتبرين إياها المنفذ الوحيد للوصول إلى مقاعد المجالس البرلمانية بنسب تمثيل متميزة، لاسيما أنها تتيح فرصة للفئات الأقل حظًا في الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار، مثل (النساء والسود والأقليات)؛ إذ يؤدي الأخذ بنظام الكوتا فعليًا إلى ارتفاع نسبة تواجد المرأة في المجالس المنتخبة، مثل كل الدول التي أخذت بها، ويقدر عددها بـحوالي 72 دولة حول العالم، والتي أصبح يتراوح نسبة النساء في برلماناتها ما بين ربع وخمس إجمالي مقاعد هذه البرلمانات، كالسويد والنرويج وفنلندا والدانمارك وهولندا وأيسلندا وبعض الدول الإفريقية.
وتتطلب الكوتا في تحقيقها آليات وطرقًا معينة، خاصة في البلاد التي لا يزال تمثيل النساء فيها قليلاً، والتي ينظر فيها إلى المرأة نظرة سلبية تجاه مشاركتها في العمل السياسي، وهذه الطرق هي: أولاً- قيام الأحزاب السياسية بوضع المرأة على قوائمها الحزبية؛ وتطبق هذه الطريقة في البلاد التي يوجد بها أحزاب سياسية قادرة على تداول السلطة عن طريق الانتخاب، ولكنها تتعارض مع أغلب الدول العربية نظرًا لعدم وجود نظام حزبي في أغلبها، وإن وجدت الأحزاب تختفي عملية تداول السلطة في ظل سيطرة نظام الحزب الأوحد، إضافة إلى أنها تتطلب وجود حركة نسائية قادرة على إجبار الأحزاب بوجود المرأة على قوائمها، مع وجود إدراك حزبي لأهمية دور المرأة في النهوض بالمجتمع.
ثانياً- تغيير في الدستور أو قانون الانتخاب بحيث يتضمن نصًا صريحًا بتخصيص عدد أو نسبة معينة من مقاعد البرلمان للنساء، ولما يعنيه تغيير الدستور من صعوبة بالغة في الوقت الذي يستغرقه من الزمن حتى يتم تعديله، لذا فضل البعض تعديل قانون الانتخاب لأن الكوتا تدبير مؤقت وقانون الانتخاب يتعرض للتعديل أكثر من الدستور.
ثالثاً- قرار من السلطة السياسية بتطبيق الكوتا واتخاذها كنظام انتخابي، وهو ما يسمى بالإرادة السياسية، وتستخدم هذه الطريقة في حال عدم وجود أحزاب وقوى سياسية قادرة على تداول السلطة وتمثيل النساء في قوائمها، أو في حال عدم وجود منظمات مجتمع مدني قادرة على دعم الحركة النسائية والضغط معها لتحقيق مطالبها.
علاوة على ذلك تعددت أسباب المطالبين بها حتى أصبحت مطلبًا نسويًا يجتاح أغلب الدول العربية وعلى رأسها الدول الخليجية ومنها: العدالة الاجتماعية والحقوقية التي يمكن أن يحققها هذا النظام للفئات الاجتماعية المختلفة ومن ضمنها النساء؛ الذي يكاد يصل عددها في أي مجتمع إلى النصف إن لم يكن يزيد في بعض الحالات، وبالتالي من حقهن الوصول إلى المجالس البرلمانية؛ تمثيل المصالح، والذي ينطلق من أن للنساء مصالح خاصة تختلف عن الرجال ومن ثم يجب أن يكون هناك تمثيل مناسب للنساء داخل الهيئات النيابية، حتى يستطعن التعبير عن مصالحهن، كمناقشة قضايا الأحوال الشخصية ومحتوياتها من طلاق وزواج ونفقة وحضانة...ألخ؛ التدريب على العمل السياسي للمرأة، وتمكينها من القيام بدور تشريعي رقابي، وهذا لفترة معينة من الزمن حتى تستطيع المرأة التعود على الدخول في المعترك السياسي وتملك الخبرة البرلمانية، التي تؤهلها إلى دخول البرلمان تحت أي نظام انتخابي، كما أنه خلال هذه الفترة تتعلق صورة ذهنية عن المرأة في العمل التشريعي لدي الأجيال القادمة، وعندما تكون هذه الأجيال مؤهلة للإدلاء بأصواتها تكون قد انطبعت لديها صورة فعلية واقعية عن وجود المرأة في قلب العمل السياسي البرلماني، وبالتالي لا يكون هناك ضرورة من وجود نظام التخصيص لأنها اكتسبت الخبرة البرلمانية من نفسها ومن جمهور الأجيال القادمة.
وعلى الرغم من أن هذه الآليات والأسباب المطروحة تجعل منها نموذجًا للمشاركة السياسية جديرًا بالاقتداء، يمكن بدوره أن يسهم في زيادة المشاركة السياسية للمرأة، خاصة مع الدول العربية حديثة العهد بالديمقراطية، والتي مازالت تقع تحت سطوة العادات والتقاليد، والسيطرة الذكورية على مختلف مناحي الحياة السياسية؛ فأنه يشوبه الكثير من التناقضات والاعتراضات التي تحيل دون تطبيقه؛ فهو يدعو إلى العدالة التمثيلية بين الرجال والنساء وهذا أمر محمود، ولكن يتنافى مع عنصر من أهم عناصر المشاركة السياسية، وهى الكفاءة، فإن بتطبيقه يكون هناك إرغام للناخبين، بغض النظر عن كفاءة المرأة لهذا الموقع من عدمه.
كما أن الدعوة إلى تمثيل المصالح على اعتبار أنه يجب أن يكون للمرأة من يمثلها داخل البرلمان لكي يعبر عن قضاياها، يساعد على تمزيق المجتمع بأن تطالب كل فئة من فئات المجتمع بنسبة في البرلمان، وبالتالي تتحول القضية إلى قضية أقليات وفئات، ومن ناحية أخرى أثبتت العديد من الدراسات أن أغلب قضايا المرأة الخاصة بها، طُرحت ونُوقشت من قبل الرجال وليس النساء على أساس المزج الواضح بين قضايا الرجال والنساء.
ففي مصر الأعضاء الرجال كانوا بشكل عام أكثر طرحًا لقضية الأحوال الشخصية وأكثر اشتراكًا في مناقشة الاقتراحات بمشروعات قوانين أو مشروعات القوانين التي تعرضت لها، وذلك من خلال واقع الجلسات والمناقشات، فنجد أنه في مجلس الأمة كان الاقتراح بتقيد الطلاق وتعويض المطلقة الفقيرة مقدم من الرجال، وكذلك السؤال بإعادة النظر في تشريعات الأحوال الشخصية، الذي قدم خلال مجلس الوحدة بين سوريا ومصر، كما أنه عند مناقشة موضوع تنظيم الأسرة، والذي طرح عن طريق النائبات، كانت مشاركات الرجال أقوى، والتدخل الذكوري أكبر كمًا وكيفًا من الإناث في مناقشة القضية رغم أنها قضية من المفترض أنها من أولويات الأجندة النسوية داخل البرلمان.
فضلاً عن أنه غالبًا ما ينظر إلى برنامج العمل الإيجابي وتخصيص نسب للنساء في البرلمان، على أنه منحة من الحكومة، وليس حقًا من حقوق المرأة، وبالتالي يؤدي هذا إلى الشعور الذاتي بالرضا بين المنتفعين تجاه تلك القوانين فلا يحفزهم على ابتكار قواعد وإجراءات جديدة للمشاركة، ومن ثم عدم السعي بحماس وجدية إلى المطالبة بمزيد من الحقوق، إلي جانب أنها تدين بالفضل للحكومة التي أعطتها حق الدخول في البرلمان، وعلى ذلك تتصرف بناء على -الثناء لذلك الجميل- وعدم مواجهة الحكومة بأي سياسات قاصرة تقوم بها، الأمر الذي يُحجم حتمًا دور النساء في التعبير عن رأيهن الفعلي تجاه السياسات الحكومية، وهو ما يبدو ظاهرًا من موقف النائبات داخل البرلمان التونسي الذي لم يختلف كثيرًا عن موقف النواب فكل المواقف مجتمعة تصب في سياق إرادة الحزب الحاكم، ولا تعبر عن إرادة مستقلة، ولا عن اتجاه حقيقي، فمنذ إنشاء البرلمان ودخول النساء إليه، لم تتدخل إلا لتأييد سياسة الحزب الحاكم أو المساهمة في بعض المسائل الشكلية، مع الموافقة على مشاريع القوانين دون أي اعتراض أو تحفظ، كما لم تطرح أي نائبة مسائل جوهرية تتعلق بالأسس والخيارات العامة أو المبادئ التي تقوم عليها مشاريع القوانين، حتى المسائل التي أكدت فيها النائبات أنهن كن مؤثرات واستطعن أن يغيرن ويحققن فيها نتائج؛ مثل تغيير اسم وزارة المرأة إلى وزارة الأسرة والطفل، وعملية فرض التجنيد الإجباري على المرأة، كل ذلك معد من قبل السلطة التنفيذية، فتجنيد المرأة كان لدعم موارد الدولة المالية وتصوير ذلك على أنه مكسب جديد للمرأة .
ويبدو أن الأداء النسائي في البرلمان دائمًا ما يبقى محدودًا ومرتبطًا بانتماء معظم النائبات إلى الحزب الحاكم، فما دامت النائبات لاتصلن إلى البرلمان عن طريق قوائم مستقلة وبحسب برامج تعمل على النهوض بأوضاعهن، لا يمكن أن يكون أداءهن فعليًا ومؤثرًا في سير العمل السياسي وفي تطوير أوضاع النساء.
وعلى الرغم من معارضة الكوتا في تطبيقها للدستور والقانون، ورؤية أغلب فقهاء القانون الدستوري على أنه نظام يتعارض مع مبدأ المساواة الواجب تطبيقه بين المرشحين، وكيف أنه يعمل على تقيد إرادة الناخبين، وهو الأمر الذي يتعارض أيضًا مع حرية التصويت ومع أحكام الدستور التي تجعل الشعب مصدر السلطات، فالشعب وحده الذي له مطلق الحرية في اختيار من يمثله في البرلمان؛ فإن البعض ذهب إلى أن تخصيص المقاعد للنساء لا يتعارض حتى مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة؛ إذ أن تميز المرأة عن الرجل في هذه الحالة يتضمن تميزًا ايجابيًا وهو ما لا يخالف الدستور، وهذا قد يكون صحيحًا لو أن الدستور المعدل لم يحدد عدد أعضاء مجلس النواب؛ الأمر الذي يحتاج إلى تعديل دستوري هو الآخر، وحتى تعديل قانون الانتخاب يتطلب أيضًا إجراءات شبهة معقدة من تغير في الدوائر الانتخابية وزيادة في عدد النواب.
إذن الأخذ بنظام الكوتا أمر صعب لأنه يتطلب تعديلاً دستوريًا والدساتير لا تعدل بين سنة وأخرى، وكذلك تعديلاً قانونيًا يحتوي إجراءات معقدة، لهذا يجب التعامل مع مشاركة المرأة كمرشحة في المجالس النيابية من منظور المنافسة الحرة الشريفة بينها وبين الرجل.. وليس من منظور التخصيص، وبالتالي يكون السؤال الصحيح هنا- كيف تصل المرأة إلى مقاعد البرلمان بنسبة تتناسب مع وضعها السكاني ووضعها التعليمي والثقافي الأخذ في النمو بعيدًا عن الكوتا وتبعاتها؟ ولعل الإجابة عن هذا التساؤل تتلخص في ضرورة تضافر جميع الأطراف المعنية، من مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات النسائية والمهتمين بقضايا المرأة، للعمل على إيجاد كوادر نسائية من الفئات العمرية الشابة، بهدف تدريبهن على فن اكتساب مهارات الإقناع والاتصال ومخاطبة الجماهير‏,‏ وإعطائهن جرعات معلوماتية وافية بهدف تكوين كوادر تحمل فكر التغيير الإيجابي، بأسلوب علمي يكشف رؤية تلك الكوادر وقدرتهن على التغيير ومواجهة المشكلة والحد منها بأسلوب جديد وغير تقليدي.
إلى جانب توحيد الجهود المبذولة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني للإعداد للانتخابات منذ اليوم الأول لانتهاء الاستحقاق الانتخابي بدراسة النتائج واستخلاص الدروس، وصوغ البرامج والخطط للاستمرار في مخاطبة الجمهور وتشجيع المرأة الناخبة على المشاركة، والذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بصوتها، لأنه من المفارقات الغريبة أن لا تذهب المرأة إلى صناديق الانتخاب وأن ذهبت تدلي بصوتها لصالح الرجل وليس المرأة وهذا ما حدث في الانتخابات البلدية البحرينية والتي تميزت بحضور نسائي كبير سواء في الجولة الأولى أو في الثانية ورغم ذلك لم تكلل جهودها بالنجاح.
كما يجب أن تلعب وسائل الإعلام الحكومية دورًا في دعم مشاركة المرأة ترشحًا وتصويتًا، من خلال إبراز النماذج الإيجابية لعمل المرأة في شتى ميادين العمل العام، وتقليص الفجوة القائمة في الصحافة والإعلام التي تكاد تبتلع قضايا المرأة الأساسية، وإطلاق أي مبادرة تخدم قضيتها، وأي معالجة تنتصر لحقوقها، ومواجهة أية أفكار أو تصورات تعيق حركتها.
وكذلك يتم اختيار نخبة من المرشحات القياديات ذات الكفاءة لخوض المعارك الانتخابية القادمة تكن قادرات على المنافسة، مع ضمان تقديم مرشحات في كثير من الدوائر حتى وإن كانت فرص فوزهن محدودة، والهدف تمرين المجتمع على فكرة المنافسة النسائية، وكسر الحواجز النفسية أمام مشاركة المرأة، وحسن أداء المرشحة كفيل بتعليم الجماهير خلال أيام وأسابيع معدودات ما يصعب عليها أن تتعلمه في سنوات وربما عقود.
مع تطوير أداء المرأة في البرلمان من خلال استمرار تدريبها بعد دخولها للبرلمان على الاضطلاع بدورها في دورته المنعقدة من خلال استخدام الأدوات التشريعية والرقابية والسياسية، بمهارة تجذب أنظار المحيطين ومنتخبي دائرتها إلى كفاءتها العالية وحسن حديثها بما يعزز ثقة الجميع وحسن اختيارهم لها، هذا إضافة إلى تركيز النائبات السيدات على طرح قضايا المرأة للمناقشة داخل البرلمان وطرح مشروعات قوانين خاصة بالمرأة مثل قانون الأحوال الشخصية, أو الجنسية أو الخلع... الخ, لتثبت أنها سند للمرأة عمومًا والناخبة خاصة حتى يدفعها هذا مستقبلاً إلى إعطاء صوتها للمرأة التي لا تقل في الأداء البرلماني عن الرجل بل وتزيد بطرحها القضايا الخاصة بالمرأة.
كما يتم تدريب المرأة المرشحة على مهارات الاتصال الجماهيري، وتعبئة الجماهير وكيفية إلقاء الخطب السياسية وقواعد إدارة الحوار وأساسيات العمل السياسي، وكيفية وضع برنامج انتخابي، وإدارة العملية الانتخابية، وتدبير موارد الحملة الانتخابية, إضافة إلى صقلهن بالمعلومات عن الكثير من الموضوعات المهمة مثل قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وتأثيرها على المشاركة السياسية للمرأة والقوانين المنظمة للانتخاب والمواثيق الدولية، وموضوعات حيوية أخرى مثل اتفاقية الجات والخصخصة والمجتمع المدني ودوره.
ويبدو أنه بتنفيذ الإجراءات السابقة تقل نسبة تدني مستوى المرأة في العمل السياسي وتستطيع أن تكسر حاجز الصمت بينها وبين جمهور الناخبين لاسيما النساء، وتتكون منظومة نسائية قادرة على اختراق العمل السياسي.