من أجل أن لا يضحك علينا الفرنسيون..



كريم كطافة
2004 / 1 / 26

أنا لا استغرب حماس واندفاع النساء المسلمات في فرنسا وجلهن من شمال أفريقيا للتنديد بقرار منع الحجاب في المدارس الحكومية (اللادينية).. لأن الأمر تحديداً يخصهن هن في هذا البلد.. والبلد على أية حال هو بلد علماني ديمقراطي، يؤمن ويؤَمن الحرية لكل أفراده دون ما أي نوع من أنواع التمييز.. هن مارسن حقهن في التعبير عن رأيهن في مناهضة القرار، الذي وجدنه قراراً يصادر حريتهم في ارتداء الحجاب ، والحجاب هو فرض إلهي حسب قناعتهن.. ليس من حق الحكومة مصادرة هذا الحق وهي التي تبيح حتى حرية العري.
رغم معرفتي أن الكثيرات من اللواتي ساهمن في تلك الاحتجاجات كن مكرهات على التحجب إرضاءاً لزوج، أب، أخ يقاسمنه الانتماء وربما المصير المشترك، ولمشاكل تخص طبيعة مشاريع الاندماج في الدول الغربية غير الناجحة كلها، وأسباب كثيرة تخص الجاليات المسلمة ذاتها، تحولت الجاليات المسلمة بغالبيتها إلى جزر وسط بحر المجتمع، جزر شبه مغلقة تعيش تقاليدها وعاداتها تماماً كما هي في مجتمعاتها الأصلية، أي لم تعش حياة المجتمعات التي هي فيها أصلاً.. المجتمعات التي خرجت فيها النساء من عار أجسادهن منذ زمن طويل، وتسلقنا سلم المساواة مع الرجل في أغلب الميادين الحياتية.. ولهن من الحقوق ما يحسدهن عليها الرجال. لهذا هن (الفرنسيات) يستغربن خروج المرأة المسلمة ذاتها، وليس الرجل، لتدافع عن الحجاب.. وربما هن من كن وراء القرار.. أقصد المرأة الفرنسية.. لأن المرأة التي نمت ونضجت على مفاهيم العلمانية والديمقراطية والحرية، منذ مائتي سنة تجد في الحجاب ببساطة إهانة لكرامة المرأة.. واختزال لإنسانيتها.. حيث المرأة هي ليست عورة فقط، هي روح وجسد ومشاعر.. في المكور هي إنسان مسؤول عن نفسه وغير ناقص.. لنقل هذا هو فهمهن هناك.
كل هذا مفهوم.. لكن غير المفهوم بصراحة هو خروج المظاهرات، في شوارعنا نحن في الدول العربية والإسلامية وفي الجامعات، حيث لأول مرة تخرج  مظاهرات من هذا النوع، يكون هاجسها الدفاع عن الحرية والمساواة، ولا ينظمها علمانيون أو على الأقل يكونون مشاركين فيها، بل من نظمها وقادها كلهم إسلاميون على حسب الأصول، وكانوا جميعاً ينددون بالقرار الفرنسي، ويعبرون عن تعاطفهم وتضامنهم، مع المسلمات الفرنسيات، والكثير منهم رافعين المصاحف، ومعها من وتيرة أصواتهم بذات السؤال من الماء إلى الماء: أين الحرية يا غرب.. أين الديمقراطية يا أوروبا.. أين حقوق الإنسان يا فرنسا...!!!!!؟؟؟
طيب! ما هو غير المفهوم أيها السيد الكاتب في كل هذا؟
بصراحة مرة أخرى، أن غير المفهوم هو  التالي: أن من يسمع هؤلاء بالتأكيد سيعتقد وهذا من حقه؛ أن الجماعة المحتجين هم من دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. لأن أصواتهم قد بحت وهم يرددون هذه المفردات.. ويقتنع بالنتيجة أن كل ما كان يتفوه به العلمانيون والديمقراطيون بحق هؤلاء الناس، كله محض هراء.. لكن هناك سؤال لعين وعنيد في هذه المحنة، يخرج لنا بوزه وهو يضحك في عبه: يا جماعة نريد أن نفهم فقط.. الله يحفظكم بلا صراخ واتهامات متبادلة.. خلونا نفهم.. هل هذا حقيقي.. هل أنتم حقاً مع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لو هذا مزاح..!!! يشبه ربما المزاح الذي خرجت علينا به، جريدة الحزب الشيوعي العراقي مؤخراً، وهي تطالب بحق الشيوعيين في حج البيت الحرام.. إذا كان الأمر حقيقي.. دعونا نحتفل يا سادتي، ونقبل كل منكم على جبينه قبلة حارة ملهوفة، ونضع أيدينا بأيديكم.. ماذا نريد نحن أكثر من هذا، ماذا يريد أي علماني وديمقراطي أكثر من أن يرى هذا الذي كان يتهمه بالتعصب والظلامية والتخلف، يرفع عقيرته بهذا الارتفاع منادياً بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. لنستطيع القول؛ أخيراً توحدت مجتمعاتنا وقررت أن تبني نفسها.. أنها بشرى.. بل هي حتى أهم من بشرى سقوط الطغاة وانهيار الاستبداد.. لنبدأ سوية العمل أولاً على مبدأ الحرية، الذي نددنا بالفرنسيين لأنهم لم يحترموه.. والحرية تقول: لنترك الحجاب يخضع لرغبة ووعي المرأة نفسها، من تريد أن تتحجب وتنفذ أمر ربها، لها ذلك وعلينا أن نحترمها.. ومن لا تريد الحجاب لها ذلك وعلينا أن نحترمها كذلك.. يعني أن نطبق بالفعل أن (لا إكراه في الدين).. هل تجاروننا في هذا يا إسلاميين.. أم تجعلون الفرنسيون يضحكون علينا.. ويقولون أننا لم نتذكر الحرية إلا حين تعلق الأمر بمنع الحجاب في مدارس هي أصلاً لا دينية..
25/01/2004