المرأة ... و واقع الطلاق بالمغرب!!



فاطمة الزهراء المرابط
2008 / 7 / 23

يرافقها شبح الطلاق مدى الحياة، تصارع الزمن من أجل التخلص من هذا السجن الأبدي، سلوكاتها وتصرفاتها تحت المجهر، فالمجتمع سيد الموقف، والمطلقة هي المذنبة الوحيدة في هذه الحالة، لأنها لم تحاول الاستقرار و التواصل مع زوجها حسب العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع، و هي في غالب الحالات تكون متهمة، تلتف حولها مختلف الإشاعات، و التساؤلات؟؟ ماهي الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق؟ هل يعتبر الطلاق مؤشر على خلل في أخلاق المرأة؟ هل على المرأة المطلقة أن تسجن نفسها داخل سجن أبدي إلى أن يعفو عنها رجل آخر؟ ماهي وضعية المرأة المطلقة داخل المجتمع؟ كيف ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة؟ وما هي الأسباب التي تجعله ينظر إليها بتلك النظرة الدونية؟ ماهي آثار الطلاق على نفسية المرأة؟ كيف تستطيع المطلقة حماية نفسها من نظرة المجتمع؟ و كيف تستطيع تخطي هذه الحالة من أجل الاندماج في المجتمع من جديد؟
ماهي الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق؟
يعتبر الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة تعاني منها المرأة قبل الرجل في صراعها المستمر مع الزمن و ضغوطات المجتمع، لكن على الرغم من الأهمية التي يكتسيها الطلاق في حياة البشرية و مستقبلها، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام و الدراسة الكافيين من طرف الباحثين و علماء الاجتماع، من أجل الكشف عن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، وعن آثاره على كل من الرجل والمرأة، هي أسباب قد تكون نفسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، داخلية أو خارجية.
و من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الأسباب الاجتماعية وتتمثل في نوعية المعاملة بين الزوجين (العنف، الإهانة، عدم الاحترام، عدم الانسجام، الإهمال، عدم تحمل المسؤولية، مصاريف البيت، تربية الاطفال، الصراع الدائم من أجل الهيمنة على الآخر...)، كلها عوامل تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الطلاق، و تشير الأستاذة فاطمة الحنوني (محامية و فاعلة جمعوية) في هذا الإطار إلى « أن أغلب حالات الطلاق التي ترد على مكاتب المحاماة تكون بسبب العنف الموجه ضد الزوجة، بحيث يتفنن الزوج في استعمال مختلف وسائل العنف التي تتوفر لديه من أجل معاقبة المرأة على ذنب لم ترتكبه، فأي امرأة معرضة لهذا العنف مهما كان مستواها الثقافي و الاقتصادي و الاجتماعي، هذا العنف الذي يتفشى في مختلف الأوساط الاجتماعية الراقية والمهمشة، و أحيانا يعود الزوج إلى البيت تحت تأثير الخمر أو المخدرات، فيعنف زوجته، كما أن الاستسلام و الخضوع المستمر الذي تعاني منه المرأة المغربية القابعة تحت وطأة التقاليد و العادات البالية التي يعرفها المجتمع المغربي، يساهم في تفاقم المشاكل الزوجية و الطلاق، و أحيانا ترجع أسباب الطلاق إلى الخيانة الزوجية التي يتسبب فيها أحد الطرفين بسبب الإهمال العاطفي والجنسي، و هناك أسباب أخرى لا تفصح عنها المرأة لأنها أكثر حميمية بالنسبة إليها ».
كما أن التنشئة الاجتماعية لكل من المرأة و الرجل تلعب دورا كبيرا في فشل تجربة الزواج، حيث إن الرجل يريد الزوجة نسخة مطابقة لأمه في حين تفضل المرأة أن تكون لها شخصية و تفكير مستقلين، هذا ما تخلص إليه الدكتورة سلمى الحاضي ( باحثة اجتماعية)، وتضيف أن اختلاف الطباع بين الزوجين يدفع أحيانا إلى زرع أشواك الغيرة بينهما، حيث إن الرجل غالبا ما يكون هادئ الطباع و بطيء الحركة في حين أن المرأة تتميز بالحيوية والمرح، إضافة إلى اختلاف المفاهيم حول الزواج، واختلاف التقاليد و البيئة الاجتماعية، يقول سعاد 24 سنة (ربة بيت) « بينما كنت أرى البيت هو الشيء الأول في حياتي، يهتم هو بعمله و أناقته و أصدقائه في المقهى، و البيت عنده المكان الثانوي الذي يلجأ إليه من أجل النوم و الراحة، حاولت أن أكون جميلة في عينه، اهتم بهندامي و أناقتي، إلا أنه لم يهتم بالأمر و لم يلاحظ أي تغيير سواء في شكلي أو في بيتي و كثيرا ما كان يعتذر عن تناول العشاء، الذي تعبت كثيرا في تحضيره بحجة أنه اضطر لمشاركة أصدقائه عشاءا شعبيا على طاولة إحدى المطاعم، ولأني تربيت على أساس الاهتمام بزوجي و بيتي فقط، فقد كان هذا العمل هو هاجسي الوحيد، أما هو فله عالم آخر خارج البيت، كان الغضب يعتريني كلما أهملني وأهمل مشاعري، التي كانت تجف يوما بعد يوم، و كأنه لم يتعود بعد على كونه متزوجا، وعليه التخلي نوعا ما عن حياة العزوبية، ليستقر و يهتم بي قليلا، إلا أنه كان يزداد انسياقا يوما بعد يوم في عالمه، و فشلت كل محاولتي للاحتفاظ به في البيت، و تحولت مع الأيام إلى مجرد قطعة من أثاث المنزل ».
هذا دون أن ننسى الاختلاف في المستوى العلمي والثقافي بين الزوجين و التفاوت في السن، والتطور الذي عرفته المرأة مؤخرا و دورها المميز في المجتمع، مقارنة مع السنوات الماضية، إذ كانت المرأة تتلقى تربية قائمة على أساس الاهتمام بأشغال المنزل والأسرة وصيانة بيت الزوجية، لكنها حاليا أصبحت أكثر تطورا و استقلالية عن الأسرة بحكم دراستها وعملها، و يمكنها اختيار زوج مناسب لها، و لا تتردد في طلب الطلاق إن لم يكن الزوج يناسبها أو يعرقل طموحها الاقتصادي و الثقافي، وكثيرا ما يساهم الوضع المادي المزري في تفاقم المشاكل بين الزوجين و انهيار الزواج، يقول محمد 38 سنة ( عامل موسمي)، « اليد قصيرة و العين بصيرة، ووضعية العمل في المغرب تخضع لمزاج الرأسماليين و الباطرونات، و كثيرا ما يتم توقيفي عن العمل، بحجة تخفيض اليد العاملة، وعلي أن أقطع أشواطا طويلة لأجد عملا آخر، كانت المسؤولية تزداد على عاتقي يوما بعد يوم، كانت تحسسني دائما بعجزي عن أداء واجباتي نحوها، و عدم تلبية طلباتها و حاجياتها البسيطة، كانت دائما تعرض حالتي المادية على عائلتها و عائلتي، و تطلب مني اللجوء إلى إخوتي من أجل الوقوف معي، و تردد دائما " أنت عَنْدْكْ فضْل عْلِيهُمْ، أنت اللي رَبيتهم وصْرفتي عليهم، خسهم يرجعوا لك شوية ديال الواجب" أصبح هذا الموضوع الشاغل اليومي لدى زوجتي، إلى درجة أنها طلبت المال من أختي و أخي من وراء ظهري، فشعرت بالخزي و العار، فلم أحس بنفسي إلا و أنا أطلب الطلاق ».
و يشير سعيد 39 سنة ( رجل تعليم) « يعتبر عدم الاستقلال سببا هاما لحدوث الطلاق، فنزولا عند رغبة زوجتي الغالية أقمت بمنزلها، لأنها كانت وحيدة والديها، كان أهم شيء عندي أن نكون معا، و رغم اعتراض عائلتي إلا أن حبي و احترامي لزوجتي جعلني اعتبر هذه الحالة عادية جدا، فأغلبية الرجال يلجأون إلى العيش مع ذوي زوجاتهم، فانتقلت من منزلي الذي جهزته من أجل بيت الزوجية، و أقمت عند حماتي، في البداية كانت الأمور عادية إذ كان يكفيني أن أرى السعادة تطل من عيون زوجتي لأكون سعيدا بدوري، لكن مع الأيام، أصبح هذا الوضع إهانة بالنسبة لي، فكثيرا ما تعايرني حماتي بأني عالة على منزلها و أنه كان من المفترض أن تحول غرفة نومنا إلى دكان تعيش على إيجاره، رغم أني كنت أعيل كل الأسرة، هذا خطأ لا أعفي نفسي منه أبدا، و لعل قلة خبرتي في الحياة و بساطتي هي السبب فيما أنا عليه الآن».
ومن أسباب الطلاق أيضا‏ الخيانة الزوجية، المشاكل الجنسية، عقم أحد الزوجين، الملل و الروتين الذي يعيشه الزوجان، البرود العاطفي، الغيرة، التوتر و الاضطراب، تدخل أفراد العائلة في حل المشاكل الزوجية، رغبة أحد الزوجين في السيطرة على الآخر...
هل يعتبر الطلاق هو مؤشر على وجود خلل في أخلاق المرأة ؟
هل على المرأة المطلقة أن تسجن نفسها داخل سجن أبدي إلى أن يعفو عنها رجل آخر؟

لا شك أن الطلاق تجربة مؤلمة بالنسبة للمرأة المغربية، لأنها تتحول فجأة من "محترمة " إلى " عاهرة " و "عديمة الأخلاق" و تتحول إلى امرأة سهلة معرضة لمختلف التحرشات الجنسية، كلها أحكام و شائعات تطارد المرأة منذ حصولها على ورقة الطلاق، ورغم أن كلا من الرجل و المرأة تعرضا للطلاق، إلا أن نتائجه و تأثيره السيئ يقع على المرأة وحدها، بحيث لا تستطيع إخفاء آثاره المعنوية والمادية، مهما كان مستواها الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي، إذ ترافقها تجربة الزواج الفاشل إلى نهاية العمر، و رغم أن الدين الإسلامي شرع لها حق الطلاق، إلا أن المجتمع لم يرحمها و اتحد مع الزمن ضدها، و كأنه يحاول أن يعاقبها على ذنب و جرم لم ترتكبه، و يحكم عليها بسجن أبدي داخل صفة المطلقة، إلى أن يعفو عنها زوج آخر قد يأتي و قد لايأتي أبدا هي علامة استفهام تلمع في أفق المجتمع المغربي.
تعترف سمية 24 سنة (ربة بيت) التي عانت كغيرها من النساء المطلقات من وضعية مزرية: « انتظرت طويلا الزوج المناسب الذي سأقضي بين أحضانه بقية عمري، كنت أتمتع بالأخلاق الحميدة و مستوى ثقافي لا بأس به، مازلت أتذكر شهر الخطوبة و شهر العسل المميزين، أيضا كانت الأيام الأولى للزواج لا توصف، لكن المشكل بدأ عندما أقامت شقيقته الكبرى معنا، فنغصت علي حياتي، تغير زوجي فجأة لأنها كانت تشتكي مني باستمرار، كان يعنفني و يهينني باستمرار، ليرضي غرورها و غيرتها مني، و كل ذنبي أني تزوجت و هي لا، فتحول إلى وحش يسبني علانية أمامها و يشتم أهلي لأنهم لم يربوني جيدا، و يضربني أحيانا، ثم أخذ يعود إلى البيت سكرانا، مرددا أنه ندم على اليوم الذي تقدم فيه لخطبتي، و مع ذلك صبرت على هذه الوضعية التي كنت أتجرع آلامها كل يوم، إلا أن تسرب الخبر إلى الجيران ثم إلى أهلي الذين ضغطوا علي لأحصل على الطلاق الذي حصلت عليه بعد مشقة طويلة، وها أنا الآن أحبس نفسي داخل بيتي لا أخرج إلا رفقة أسرتي إلى السوق أو لبعض المناسبات، أحس بعدم الارتياح لنظرات الجميع إلي و كأنها تعاقبني على ذنب لم أرتكبه ».
و تضيف نزهة 39 سنة (موظفة): « أعترف أن الطلاق شكل لي عقدة لمدة طويلة، كنت أعتقد أن حياتي قد انتهت مع كلمة " أنت مْطلقة.. مْشِي رْجَعْ لدَارْ بَاكْ مَا عَنْدِي مَا نْدِيرْ بكْ ال... " كلمات سمعتها و أنا أتجرع نوبات الغضب التي انتابتني، لكن مع مرور الأيام تعودت على وضعيتي كوني امرأة مطلقة، رغم الظروف المحيطة بطريقة طلاقي، إلا أني أتجرع كل الإهانات التي أتلقاها من الشارع كلما خرجت، و كثيرا ما أنعت بالعاهرة والساقطة لمجرد أني خرجت للترفيه عن نفسي قليلا، حتى العمل تركته بعد مدة قصيرة لأنه لم يكن من حقي العمل لمجرد أني مطلقة، و لم ينته هذا الصراع و هذا العذاب إلا بعد أن طرق بيتي رجل آخر تمكن من إنقاذي من كل شيء، و رغم أنه لم يكن يوافق المواصفات التي أريدها في شريك حياتي و رغم أني لم أشفى بعد من تجربتي السابقة إلا أني قبلت وعلي أن أتجرع العذاب من جديد في ظل كنف رجل أمي لا يفهم أبسط احتياجاتي اليومية... ».
أما فاطمة الزهراء 28 سنة ( موظفة): « ضيع 10 سنوات من عمري في وهم اسمه الحب، لن أتمكن من استرجاع هذا الزمن الضائع، لأن الذي ضاع لا يعود ، كنت أعتقد أني اخترت الإنسان الذي سيلائم عقليتي و أفكاري و ثقافتي و ديناميتي الاجتماعية، إلا أني كنت أحلم و أنجرف وراء سراب من الأوهام التي بناها لي بكلامه المعسول، و بمجرد أن تم توقيع عقد الزواج، بدأ الوجه الآخر يبرز إلى الوجود، و العقلية الذكورية تطفو على حياتنا الزوجية، أصبح يعاتبني على كل حركة و على كل تصرف أقوم به، إلى درجة أنه حاول منعي من العمل و الخروج إلى الشارع، حاولت أن أشرح له أني لم أقصر يوما في واجباتي نحوه، و أن عملي لا يعرقل علاقتنا، إلا أنه تمادى في تصرفاته و إهانته لي إلى درجة أنه نعتني بالعاهرة، وأن أصدقاءه يتهكمون عليه لأنه تزوجني، و أني مجرد مستهترة لا أحترم العلاقة الزوجية ولا أتحكم في تصرفاتي، و رغم أني كنت على وعي بأن المجتمع لن يرحمني قررت أن أدوس على قلبي و مشاعري، و أطلب الطلاق، إلا أنه رفض، و توسلني أن أسامحه لأن الغيرة أعمته، و أنه لا يطيق نظرات الرجال إلي لأني جميلة و ساحرة، وفعلا منحته فرصة أخرى، لكنه بعد فترة من الزمن، عادت ريما إلى عادتها القديمة، وتكرر نفس السيناريو، فقررت وضع حد لكل ما يحدث، و دفعته إلى طلب الطلاق، الآن رغم أني لم أحصل على الطلاق بشكل نهائي، إلا أني أحس بارتياح نفسي، و بأني أحقق تقدما ملموسا في عملي و حياتي ، و رغم أن وضعيتي حساسة داخل المجتمع الصغير الذي أعيش فيه، والألسنة لا تتوقف عن الأقاويل ونسج الإشاعات التي لا تدع أحداً في حاله، إلا أني لا أهتم بهذه الأمور البسيطة، و أتصرف وقف مبادئي و مزاجي، لأني أعرف قدر نفسي جيدا مهما قيل عني... ».

ما هي وضعية المرأة المطلقة داخل المجتمع؟ كيف ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة؟ وما هي الأسباب التي تجعله ينظر إليها بتلك النظرة الدونية؟

المرأة المطلقة هي ضحية مجتمع لا يرحم، يتفنن في التقليل من شأنها وتشويه سمعتها وحرمانها من الاندماج في ميادينه، إذ ينظر إلى المطلقة نظرة اُحتقار و شك و ريبة في تصرفاتها و سلوكها و أخلاقها، و تتناول جلسات النميمة سيرتها، و تتناسل الإشاعات حولها و أسباب طلاقها، مما يدفعها إلى الانغلاق على نفسها والارتماء بين جدران الوحدة، حتى لا تطاردها ألسنة المجتمع و مكوناته، فالشعور بالذنب والإحباط يرافقها مدى الحياة، إذ تشعر المرأة المطلقة بالغربة بين أحضان عائلتها بعد عودتها من تجربة زواج فاشل، فالجميع يلومها على قرار الطلاق، وعودتها بهذه الطريقة إلى البيت، إذ كان عليها تحمل الإهانة و الذل وكل مشاكل الحياة الزوجية، حتى لا تلقى مصير جميع المطلقات، خاصة إن كان لديها أطفال يحتاجون إلى الرعاية والنفقة، فتجبرها عائلتها على التخلي عنهم بين أحضان زوجة أب ثانية، لتتمكن من العثور على زوج مناسب، بحيث تزوجها عائلتها بأول رجل يطرق بابها، بدون استشارتها و كأن الأمر يتعلق بسلعة يجب التخلص منها في أقرب وقت ممكن...
تقول فاطنة 40 سنة ( موظفة ): « أستغرب أحيانا تلك النظرة المحتقرة التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة المطلقة، فلماذا هذا الهجوم على المطلقة؟ و كأننا نحاول أن نمنعها من البقاء على وجه الأرض، لمجرد أنها مطلقة... و كأن الطلاق هو حكم بالإعدام يطال المرأة وحدها، في حين للرجل مطلق الحرية في بدإ حياته من جديد و العيش بسلام في ظل هذا المجتمع الذي يحاول دائما تشويه سمعة المرأة و تكريس إذلالها و اضطهادها بمختلف الوسائل ».
أما أحمد 45 سنة (عضو مركز مناهضة العنف بطنجة) فيشير إلى « إن أغلب الحالات التي ترد على المركز هي التي تعاني فيها المرأة من مختلف أنواع العنف الذي يمارسه الزوج ضدها، بحيث ترفض المرأة الطلاق باعتباره حلا لإيقاف هذا العنف بل، تطلب من المركز التدخل من أجل إصلاح الأمور بينها و بين زوجها، و إعادة المياه إلى مجاريها، حتى لو تكرر هذا العنف أكثر من مرة، إن الخوف من المستقبل و التبعية الاقتصادية للزوج و عدم الاستقلال المادي، و نظرة المجتمع التي لا ترحم و انعدام المأوى و الملجإ المناسب، كلها عوامل تدفع المرأة إلى التنازل عن حقوقها و تتحَمَّلُ مختلف الإهانات وأنواع العنف الذي يطال جسدها و نفسيتها...».
في حين تقول زينب كاظم 28 سنة ( باحثة): « ليس هناك دخان بدون نار، أحيانا تكون هذه النظرة نتيجة تصرفات و سلوكات مجموعة من المطلقات، لا أقول الكل و إنما البعض، بطريقة سلوكاتهم المشينة، و الاستهتار أحيانا، و تصرفاتهم السيئة، و عدم تحملهم المسؤولية اتجاه أطفالهم والتصرف بطيش و ذلك بسبب الكبت الذي عاشوه في ظل أحضان أزواجهم، بحيث يوفر لها الطلاق كل الحرية للتصرف كما شاءت بدون الأخد بعين الاعتبار سمعتها التي تتلاشى يوما بعد يوم، فتلجأ أحيانا إلى الدعارة و الفساد و معاقرة الخمر و الإدمان على المخدرات و سهر الليالي بالعلب الحمراء.. ».
هناك أسباب تكمن وراء هذه النظرة المحتقرة التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة المطلقة كما أشارت الباحثة زينب كاظم، وأحيانا تكون مستندة إلى مجموعة من الأقاويل والأكاذيب التي تتناولها الألسنة، لكن ليس من المنطقي تعميم بعض النماذج على الجميع، واعتبار كل المطلقات سواسية و يسرن على نفس المنوال، فسلوك المطلقة أحيانا وخروجها المستمر من البيت بحكم العمل أو بحكم التسلية دائما يعرضها إلى الإشاعات والأقاويل المشينة في حقها، حتى لو لم تكن مذنبة في تصرفاتها و سلوكاتِهَا فكل مطلقة في نظر المجتمع امرأة غير محترمة، و تدور حولها الشبهات و الإشاعات، كما أن التحرش والمضايقات التي تتعرض لها المرأة المطلقة سواء في الشارع، أو في العمل أو حتى في الحي أو حتى داخل العائلة، عن هذا الحصار الذي يفرض على المرأة المطلقة، إضافة إلى ظروف اقتصادية و مادية تدفع المطلقة إلى البحث عن معيل يصرف عليها و يلبي حاجياتها الأساسية، و هنا تتحول المرأة في نظر المجتمع إلى عاهرة وساقطة، رغم أنه أحد الأسباب الذي دفعت بها إلى سلوك هذا الطريق، فالتخلف و الجهل الذي يطبع العلاقات الاجتماعية يطرح أكثر من سؤال؟؟؟.
ماهي آثار الطلاق على نفسية المرأة؟
كيف تستطيع المطلقة حماية نفسها من نظرة المجتمع؟
و كيف تستطيع تخطي هذه الحالة من أجل الاندماج في المجتمع من جديد؟

إن الشعور بالإحباط، و خيبة الأمل، و الضياع و الخوف من المستقبل هي المشاعر التي تنتاب كل مطلقة، لأنه وضع لا تحسد عليه، و يعرضها إلى مجموعة من الضغوط النفسية و الاجتماعية، إذ تتحول حياتها بين ليلة و ضحاها، إلى جحيم لايتوقف، و يوضح الدكتور بشير الخالدي (أخصائي نفساني) هذه الوضعية ب« تشعر المطلقة بالوحدة، النقص، و الرغبة في إثبات وجودها في المجتمع، تبحث بشكل مستمر عن الرفقة، أوالانغماس في العمل أوالاهتمام بأطفال العائلة باعتبارها نوعا من التعويض عن الأمومة التي حرمت منها، أو تنغمس في العمل بدرجة غير معقولة فتفرغ كل طاقتها و إحساسها فيه، إلى درجة أنها تربط مصيرها بالمنصب الذي تشغله، و كأنها تحاول أن تثبت للجميع أن العمل هو الشيء المتبقي لها في هذه الحياة، و هذا النوع من المطلقات أكثر عرضة للأزمات و الانهيار العصبي في أية لحظة، وعرضة للتحرشات و الإغراءات العاطفية و الجنسية ».
و في نفس السياق ترى الدكتورة سعيدة المنزلاوي (أخصائية نفسية)« هناك من يرى المطلقة ضحية، و هناك من يعتبرها مذنبة و مقصرة في حق زواجها و هي سبب الطلاق، لكن الواقع لا يعلمه أحد، فبغض النظر عن الأسباب و العوامل المؤدية للطلاق، فإن المطلقة تعاني ضغوط العائلة، و الإحساس بالذنب و الاضطراب، ظروف نفسية قد تكون مدمرة في بعض الأحيان وقد تؤدي إلى الانتحار من أجل التخلص من نظرة المجتمع المحتقرة، و رغم أنها تبدي المرح و السعادة إلا أنها قد تنفجر في أية لحظة » و تضيف «على المطلقة أن تشغل نفسها بشيء ما كالعمل أو الدراسة، أو العمل التطوعي، حتى تتمكن من تجاوز هذه التجربة الفاشلة التي مرت بها، و التوقف عن لوم نفسها على ذنب لم ترتكبه أبدا».
و تعترف سامية 37 سنة ( ربة بيت) قائلة:« بعد الطلاق، أحسست بفراغ ووحدة كبيرة ولأنني لم أرزق بأطفال حاولت تعويض أمومتي برعاية أبناء إخوتي و بمرور الوقت وجدت الجميع يلقون بأعباء كثيرة على كاهلي بدون أي تقدير للمجهود الذي أقوم به من أجل مساعدتهم، و كأنه واجب مفروض علي، و ليس جميلا مني، لكني لم أستطع أن أصبر على الأمر لمدة طويلة فابتعدت عنهم و أصبح الرابط الوحيد بيننا هو المناسبات و الأعياد لا غير...»
و تضيف حميدة 29 سنة (معلمة) « لا أنكر أني أحببت زوجي بإصرار و عزيمة وتعلقت به لحد الجنون، خاصة وأنه ظل يلاحقني لمدة طويلة، فوثقت به ووافقت على الزواج به، إلا أنه بمجرد ما حقق الغرض الذي كان يصبو إليه رماني خارج بيته بمنتهى البشاعة، و طلقني بشكل غيابي، لكن بمرور السنوات لم أعد أتذكر هذا الزواج إلا على سبيل التجربة التي حولت مسار حياتي، إلى الأفضل، مثل باقي المطلقات انتابتني أحاسيس مضطربة مفعمة بالألم والإحساس بالضياع و الإحباط و الصدمة و الظلم والخوف من المستقبل و الشعور المستمر بالاضطهاد».
أما مريم 50 سنة ( فاعلة جمعوية / باحثة اجتماعية) « ليست هناك أية مطلقة تفضل أن تبقى في الظل تتأمل الظلام الدامس من حولها، إذ تنجرف أمام أول شعاع نور يلوح لها في الأفق، لتنفض عنها غبار تجربة ستفيدها في حياتها الجديدة، بعيدا عن الخوف والقلق المستمر من كلام الناس و نظرتهم إليها، لتثبت لهم أنها مازالت قادرة على التحدي والاستمرار، و أن الطلاق ليس نهاية الحياة، و إنما حافزا للبدء من جديد، و قد سبق وصادفت حالة جميلة أثناء بحثي في الطلاق كظاهرة اجتماعية بحيث همست لي سيدة شابة "بعد أن قمت بالتوقيع على ورقة الطلاق و أخبرني المأذون أن الأمر قد انتهى، أخذت حقيبتي في يدي و خرجت مسرعة، اِعتقد الجميع أني سأذرف الدموع، أو أني سأنتحر، لذلك تبعني والدي إلى الخارج فوجدني مبتسمة، و قلت له: أتعلم يا بابا بماذا أحس؟ أحس بأني ولدت من جديد، و بأني أتنشق الهواء النقي لأول مرة في حياتي"».
و تعترف حليمة 25 سنة ( ربة بيت) « إن المصالح القائمة بين والدي و شريكه العجوز هي التي دفعت بي إلى زواج يفتقر إلى أبسط الشروط، كان يحمل بوادر الفشل منذ الليلة الأولى، حين اكتشفت أني مجرد زوجة رابعة في بيت الحريم و زوجي هو الحاكم الوحيد، اكتشفت أنه ليس لدي أي حقوق، و أني لست سوى عشيقة تحت ستار الزواج الشرعي، لم أكن أحس بأني متزوجة بل مجرد جارية تنتظر أوامر سيدها، حول حياتي إلى جحيم كبير، اغتصب شبابي و طفولتي البريئة، و أنا ابنة السادسة عشرة سنة، لم يكن أمامي حل سوى الصبر و تحمل قدري الذي ابتليت به، و كان علي أن أتحمل هذا الذل والهوان سبع سنوات كاملة، لأستعيد حريتي بشكل كامل، و أخيرا توفي هذا الزوج العجوز، في الجنازة، لم أذرف و لا دمعة واحدة، بل كنت أضحك من كل أعماق قلبي، ارتديت أجمل ملابسي، واحتفل بعيد ميلادي السادس عشر، لأني حاولت أن أحرق كل السنوات الضائعة من عمري، لأبدأ من جديد ».
الأستاذة سلمى الحضري ( محامية / أستاذة جامعية) « إن الوضع المادي والاقتصادي هو أقوى سلاح يمكن المطلقة من أن تحمي به نفسها في وجه الضغوط والعقبات التي تعترضها، هذا الوضع الاقتصادي يمكنها من الاندماج في المجتمع من جديد»، وتضيف « بعد الطلاق ركزت اهتمامي على العمل وراكمت تجارب مهمة، أكملت دراستي الجامعية، و بعد تخرجي انتقلت للعمل بإحدى الشركات الصناعية، لم أعد أهتم بنظرة الناس أو أقوالهم حول أخلاقي وطيشي و انفتاحي و حريتي المطلقة، كان علي أن أتجاوز بضع كلمات تنطلق من لسان امرأة جاهلة، أو رجل متخلف، و أن أصب كل اهتمامي على عملي ونجاحي فقط، فبعد الطلاق أحسست بأني أتوفر على طاقة كبيرة للإبداع والعمل بدون توقف».
أما الزهرة 40 سنة (مستخدمة) « قضيت شهورا طويلة أفكر في الطلاق أو بالأحرى في مصيري بهذا المجتمع، حاصرت نفسي بأشياء لم تكن تعنيني بالدرجة الأولى بل تعني المجتمع وحده، بل أحيانا تحملت العيش مع زوج لم أعد على وفاق معه، ولأنه أدرك أني خائفة من الطلاق فإنه تمادى و عاشر نساء أخريات»، في حين توضح أمينة 33 سنة (موظفة) « كنت أخشى أن تتغير معاملة زملائي في العمل، استنادا إلى تجربة زميلة أخرى التي كثيرا ما كنت أسمع الأقاويل التي تدور حولها وغالبا ما تكون محور أحاديث وموضوعات الزملاء ذكورا و إناثا إلى أن أجبرتها الإشاعات على مغادرة العمل، كل هذه الإشاعات كانت تسترعي انتباهي، لذلك حاولت أن أستفيد من هذه التجربة، و عكس زميلتي لم أغير طريقة حياتي و نوعية ملابسي أو تصرفاتي، و لم أكسر الحواجز بيني و بين زملائي و كأني مازلت متزوجة، ولم يبارحني هذا القلق إلا بعد مرور عدة أشهر، إذ في البداية كان حديثي مثلا إلى الزبناء مقتضبا حتى إني أشعر بضيق كبير عندما يكون أمامي أي زبون وأنا أتحدث إليه و ذهني منشغل بالتفكير في احتمال أن زملائي يراقبونني و في أنهم يتهامسون بأحاديث تدور عليَّ، ولكن في الحقيقة لم يكن ذلك الانشغال سوى أوهام وقلق من ردة فعل الآخرين اتجاهي».
وبالرغم من كونها الأم و الزوجة و الأخت و الابنة، لكنها تظل الكائن الأكثر ظلما واضطهادا على وجه الأرض، فالتحولات المختلفة التي عرفها المجتمع المغربي لم تشمل وضعية المرأة المزرية في ظل العادات و التقاليد البالية، و رغم المناداة المستمرة برفع الظلم و الحيف عنها و مناهضة العنف المستمر الذي يمارس ضدها، إلا أن مكانة المرأة لازالت ثابتة عبر الزمن والحضارات السابقة و الأجيال المتعاقبة، إذ لم تحظ إلا بالاحتقار والنفور المستمر من طرف المجتمع.