دور الأعلام في قتل و انتحار المرأة



سرفراز نقشبندي
2008 / 8 / 11

* ان قضیة قتل و انتحار المرأة في العراق عامة وفي کوردستان بشکل خاص قضیة تؤلمني، کأنسانة و أمرأة و کوردیة في ذات الوقت ، یلازمني الأسی لتسطیر هذا التأریخ الأسود في وطن المؤنفلین الذین کان أکثر من نصف الضحایا نساء و فتیات.
هذه‌ القضیة ، نعم أسمیها قضیة لأنها لم تعد من الأحداث العابرة والنادرة التي تحدث أینما کان. بڵ هي قضیة بکل ما تحمل الکلمة من معنی ، وصار الحدیث عنها متداولا بین الأصدقاء و الأعداء علی السواء ، لابل في المؤتمرات وتقاریر حقوق الأنسان العالمية.
لذا أجد السکوت عنها مسؤولیة تأریخیة ، ولا سیما انني أمارس العمل الصحفي ووفق تجربتي في عالم الصحافة ، أعرض الزلات التي وقع فیها الأعلام الکوردي وصار من حیث لایدري حافزا للمزید من حالات القتل والأنتحار.
منذ فترة طویلة والأعلام الکوردي یتحدث ویکتب عن هذه‌ القضیة غیر ان تناولهم کان بشکل عفوي و بدون أیة خطة أعلامیة مدروسة ، وکأن مهمة الأعلام الحر هو مجرد تسطیر الحوادث والتغني بها أو کأنها اعلانات للتبضع لا غیر .. لذا بقیت دون حل بل وکثیرا ما کان المردود عکسیا ویصب في خانة الحوافز ، أما المختصون بالشؤون الأجتماعیة والنفسیة والأنسانیة فقد ظلوا في رکود و کأن الأمر لا یهمهم .
کذلک المنظمات المختصة بشؤون المرأة الرسمیة وشبه‌ الرسمیة وما أکثرها في کوردستان ، لحد الآن لم تتناول هذه‌ القضیة بجرأة وبمنهج علمی ، والسلطة الکوردیة هي الأخری رغم اصدارها قانونا یعاقب القتل غسلا للعار أو تحت أي غطاء آخر. الا انها لم تخطو خطوات عملیة لحل القضیة أو علی الأقل التقلیل منها . لأن القانون قد جاء بنص عقابي واضح دون الولوج في الأجراءات الضامنة لتنفیذ مقاصد المشرع والحیلولة دون ارتکاب تلک الجرائم .
الجمیع ینددون ویصرخون عند حدوث أیة جریمة بحق المرأة ، وینتهي الأمر دون أی نتیجة . وتستفحل القضیة لتکون من أسوء القضایا في تأریخ هذه‌ الأمة التي تعرضت لشتی أنواع القهر و الأضطهاد والجینوساید ، لتوصم جبین المجتمع بالعار وتجعل دیمقراطیتنا هشة ، وتذهب ضحیتها الأرواح الندیة .
کان علی الأعلام الکوردي أن یعرف بأن الحدیث الحر عن القضایا لاتکون حلا لها اذا لم یرافقها منهجا خاصا ودراسة مکثفة عن سایکولوژیة المجتمع وأحواله‌ والشریحة المعنیة بهذه‌ الحوادث ، فالحریة لا تعني أبدا العبث وعدم المسؤولیة .. بالعکس تماما ، الحریة مسۆولیة أخلاقیة وتأریخیة هدفها السیر بالمجتمع نحو الأفضل ، فهذه‌ القضایا حساسة و خطیرة یجب التعامل معها بدقة متناهیة کي لا نفسدها و کما یقول الکورد :
( کالبیضة النیة اذا لم نحذر عند التعامل معها سنتلف صفارها ولا مجال لأصلاحها) هذه‌ القضیة تتمثل في هذه‌ المقولة التراثیة بالضبط .
کما أری بأن الأعلام حتی الآن لیس سوی استعراض للأحداث والدردشة حولها و أحیانا التغني بها وکتابة القصائد عن الضحایا ، ویعود هذا الی ضمور التفکیر العلمي في التحلیل النفسي و الأجتماعي ، اضافة الی قلة التجربة الأعلامیة کقوة مؤثرة في المجتمع ، حیث لم یتعود الأعلام في جمیع الدول النامیة علی استخدام قدراته‌ بشکل ایجابي في قیادة المجتمع .
فالأعلامي اضافة الی کونه‌ صاحب موهبة کتابیة ولغویة وتجربة سیاسیة وحرفیة ، یجب أن یکون ملما بفلسفة مجتمعه‌ والخواص النفسیة للشریحة التي یخاطبها أیضا، فالنهوض بالمجتمع وبناء الثقة معه‌ هي من أولیات مهام الأعلام ‌کي یقدر عڵی قیادته‌ وطرح نفسه‌ کقوة رابعة .
نعم الأعلام الحر هو نبض المعارضة الایجابیة و من مسؤولیته‌ حمایة المجتمع من الخروقات القانونیة والسیاسیة و الأجتماعیة و الأقتصادیة و غیرها ، ومثل هذه‌ المسؤولیة تحتاج الی أشخاص یتحلوا بالفکر العلمي و بعد النظر والحدس الصحیح ، بعیدا عن التجارة بالأعلام وتسخیرها للصالح‌ الشخصي و النزوات الذاتیة .
الأعلامي الذي یفهم معنی الحریة بالشکل الصحیح ، یقترب من الحدث بحذر و تأني ، لئلا ینقلب عمله‌ الی عکس ما کان مطلوبا .
النقطة الأساسیة من هذه‌ المعرفة هي لمن یکتب و ماذا یبغي من قوله‌ ، و أیة شریحة اجتماعیة ستقع تحت التأثیر و ماهي المقومات الشخصیة والنفسیة و الذاتیة لتلک الشریحة ، وماهو رد الفعل الذي یفرزه‌ الأستعراض.؟
فالأعلام لم یخلق للتنفیه‌ عن الأضطهاد والنقد من أجل النقد أو لأثبات نفسه‌ کجهة معارضة بأستعراض العضلات الهشة ، أو لأیجاد القراء والمستمعین علی حساب قضێة حساسة کالتي نحن بصددها ، انما خلق لأزالة الأضطهاد بالتوعیة والتنویر والنقد بأسلوب علمي دقیق والبحث عن البدائل الدیمقراطیة .
من المؤسف بأن الأعلام الکوردي قد وضع أسس حریته‌ في اطار من السذاجة ، وصارت الکتابة من أجل الکتابة والأعلام من أجل الأعلام ، أما الشرائح الأجتماعیة والمردود النفسي الحاصل والمصالح العامة والوطنیة قد صارت ظلا باهتا أمام عملاق الأنا و حب الظهور والکسب المادي ، فحین نتمعن في أسلوب بعض الأعلامیین عند طرحهم قضیة قتل المرأة وانتحارها المؤلم ، نتلمس قلة خبرتهم في علم الأعلام الحیوي ، ونجد أول خطوة للمعالجة هي ایجاد حل لتناولهم الساذج لهذه‌ القضیة الخطیرة .
لا یخلو العالم من الجرائم و الخروقات ، حیث نجد منها قلیلا أو کثیرا في جمیع بلدان العالم ، ولا أقصد من هذا بأن أقول بأن الجرائم موجودة في جمیع بلدان العالم لأغسل به‌ وجه مجتمعي الذي تلوث بجرائمه‌ مع المرأة ، ولست ضد فضح هذه‌ الخروقات اللأنسانیة ، المسألة هنا هي کیف تتم معالجة هذه‌ الخروقات وکیف یتناولها الأعلام ومن یعطي لنفسه‌ الحق للبت فیها ، وما دور المحللین النفسیین ومختصي علم الأجتماع و الدوائر القانونیة في هذه‌ المعالجة ..؟
نعم في البلدان المتقدمة أیضا تنشر هذه‌ الأحدث ککل الأخبار ، انما ینتج عنها التحالیل العلمیة للأسباب من قبل المختصین ، ویجتمع الپرلمان لتشخیص الثغرات القانونیة والأسباب الأجتماعیة والنفسیة والأقتصادیة التي أدت الی الجریمة الحاصلة مستندین علی التقاریر العلمیة لهؤلاء المختصین ، و یضعوا المناهج التربویة علی طاولة الحوار من جدید ، بالمختصر تعمل جمیع المرافق متضامنة للبحث ودراسة الأسباب المؤدیة لتلک الجریمة ویأخذ القانون مجراه‌ دون تلکؤ.
ولیس کما یحدث عندنا یتحدث الأعلام أشهرا عن النتائج ویعرضها کمادة أعلانیة لا غیر .
أرید هنا أن أشیر بأن الأعلام الضامر والساذج یؤدي الی تعمیق الجریمة وتعمیمها من حیث لا یدري ، وهذا ما یتفق علیه‌ جمیع المختصین في علم النفس الأجتماعي ، فالخبراء قد أقروا بأن هناک الکثیر من الأشخاص یتعشش في داخلهم حب تنفیذ الجریمة قتلا أو انتحارا ، غیر أن هذه‌ الرغبة تکون نائمة أو مخفیة ، وتکرار الحدیث عنها و استعراضها بالشکل الدرامي في الأعلام یفیق هذه‌ الرغبة و یقویها و من ثم یتحول بسهولة الی مرحلة التنفیذ ، وتصبح تلقینا تلقائیا ولیس رادعا.
یتحدث الدکتور ( عڵي الوردي ) في کتابه‌ ( خوارق اللاشعور) عن دور التکرار وتأثیره‌ علی نفسیة الفرد وسلوکه‌ متخذا التکرار الوارد في القرآن الکریم مثالا ، ویقول بأن هذا التکرار لم یأتي اعتباطا انما بواسطته‌ یرتبط الأنسان بما جاء فیه من أفکار ، ویتخذها عقیدة یفدیها .
واذا تمعنا في نهج ( کمال أتاتورک) حین فرض علی أطفال الکورد في المدارس أن یهتفوا کل صباح( أنا تورکي فأنا سعید ) هذا أیضا لم یأتي اعتباطا ، فبمرور الزمن أصبحت الفکرة مقبولة وسهلت علیه‌ مسألة تتڕیک العدد الکثیر من الکورد ، وعلی نفس المنوال أثر (هتلر) علی مشاعر الشعب الألماني وأستطاع بالحماس والتکرار أن یقود أمة ألمانیا الی الحرب بعد عن أوقد کیانهم بما یرید .
هذه‌ المناهج المسلوکة علی اختلافها کان طریقا لتقبل آیدیولوژیة هؤلاء وتبني نظریاتهم والذود عنها ویسمی هذا احتواء سایکولوژیة الجماهیر .
علی الأعلامیین أن یحللوا نفسیة أفراد مجتمعهم ودرجة وعیهم و حساسیة الخیوط التي یحرکونها ، وأي منها لها مردود ایجابي فیستمروا بتحرکیها ، والأخری لا یمسونها کي لا تدخل خانة التلقین.
للمزید من التوضیح سنحلل قضیة قتل وانتحار المرأة وکیفیة تناولها من قبل الأعلام المسموع و المکتوب والمرءي .
أولا هناك قضیتان مختلفتان یجب التفریق بینها ، لأن معالجة کل منها تحتاج الی مستلزمات خاصة بها ، الأولی هي قتل المرأة ، بمعنی هناک شخصا ثانیا یقوم بتنفیذ الجریمة وهو الرجل ، وعڵی الأعلام الترکیز عڵی تخلف الرجل وعدم انسانیته‌ والمساهمة بأیجاد برامج توعیة للرجال وفضح هؤلاء والمطالبة بتنفیذ العقوبة المستحقة علیهم ، لکن مانراه‌ في الأعلام هو الترکیز علی الجریمة بحد ذاتها الأدوات المستخدمة في الجریمة وصیاغة المواویل عنها ، أما الحدیث عن الرجل المحصن أجتماعیا فهو عابر .. بمعنی ان الأعلام یحمي الرجل بشکل خفي ، لأن حمایة الرجل لشرفه‌ في مثل هذه‌ المجتمعات من مواصفات الرجولة ، وهذا التفکیر معشعش في الأذهان ولربما اذا وجد الأعلامي نفسه‌ في ظرف مشابه‌ قد لایختلف سلوکه‌ عن بقیة الرجال .
فالشخصیات المزدوجة تدین نمطا من السلوک هو في ذات الوقت یسلکه‌ ، بالمختصر الرجل لایروم المعالجة الجذریة لهذه‌ القضیة لأنه‌ لایؤمن بالمعالجة أصلا ، ویسري هذا علی الکثیر من القضایا والمشاکل في مجتمعنا ، وهذا لب المسألة .
القضیة الثانیة هي أنتحار المرأة ، حیث یتم تسجیلها والحدیث عنها کونها مجرد عملیة أنتحار لاغیر ، ففي الکثیر من الأحیان یکون الرجل هو الفاعل وخوفا من العقوبة القانونیة یتهمها بأنها أنتحرت .!! وهناک من الرجال من یجبر المرأة لقتل أو حرق نفسها ویبقی هو متفرجا أو مخبرا .
في هذه‌ الحالات أیضا یتم حمایة الرجل ، ودور الأعلام في مثل هذه‌ المعضلات هو کشف حقیقة الجریمة ولیس استعراضها و التغني بها .
أضافة الی هذا هناک بعض العوائل التي تقتل بناتها ویخفون الأمر کالسر في قعر البئر ، ویتغاضی عنها الأعلام ومنظمات حقوق الأنسان أیضا ، ولا أحد یسأل کیف أبتلع الأرض هذا الکائن .
والأنکی من کل هذا هو مشارکة المرأة في الجریمة ، ففي بعض الأحیان تشارک الأم في الجریمة أو تعمل علی أخفاءها رغم کونها امرأة ، ویرجع هذا الی الأضطهاد المزمن الذي تعرضت له‌ المرأة عڵی مر العصور حتی أصابت بالأستلاب الروحي والنفسي ، فأخذت تتبنی فکرة الرجولة لتظل مقبولة في مجتمع الرجال .
النقطة المهمة الأخری هي تحدید عمر المنتحرات ، فقد تم تحدید أعمارهن في الأحصائیات الرسمیة بین 12/18 سنة ..أي مراهقات غیر واعیات بأسلوب الحیاة ، خاصة في مجتمعنا وفي ظل التربیة والتعلیم المتخلف ، وهن في أحتیاج الی التوجیه‌ والمساعدة لعبور هذه‌ المرحلة الحرجة .
وأین هو دور الأعلام في صیاغة الأفکار الأیجابیة وملاحقة ما یتعرض له‌ الفتیات من أضطهاد وتمزیق نفسي في المدرسة و البیت ، وکم صار الأعلام ضغطا علی الحکومة لأصلاح أوضاع هؤلاء الفتیات وأیجاد الرعایة اللازمة لهن و فتح الأبواب أمام قدراتهن وهوایاتهن ، وکم حاول الأعلام أن یحرک المنظمات النسویة والجهات التربویة لصیاغة أسلوب تربوي حضاري في المدارس وکم حاول الأعلام معرفة مایجري في هذه‌ المنظمات والسنترات المقامة من أجل تطویر المرأة و رعایتها ..؟!
هذه‌ الأسئلة واضحة الأجابة ، فنشر وتصویر المهرجانات المدرسیة و النسویة والأبتسامات الصفراء لهؤلاء عند الحدیث عن النشاطات الهشة الزائفة ، هي الطاغیة علی الأعلام .
لازال أکثر من أعلامي یعیش ماقبل التحریر حیث الضرب علی الطبل القدیم ومدح المدراء وتغطیة المناسبات الشکلیة أو کسر رقاب المعارضین.
کلنا نعلم بأن المجتمعات النامیة متأخرة من حیث الرعایة النفسیة والأجتمایة ، وتعیش الفتیات تحت ضغط العادات العشائریة والدینیة المتطرفة ، ولیس لها ولو فسحة صغیرة للتنفس والتحدث عن العواطف أو المشاعر مهما کانت بسیطة ، فالکل یضغط علیها ، المدرسة و البیت والدین والمعتقدات ، وعڵی الأعلام أن یکون رادعا حقیقیا و عونا لأزالة هذا الغبن الواقع علی هؤلاء الفتیات البریئات ، ویکون هذا بأیجاد البدائل الدیمقراطیة الرصینة بعیدا عن الصراخ والتهویل والتشویه‌ و عرض أحداث قتل المرأة بالشکل الهزیل الذي نراه‌ في الأعلام .
نعم أقول بالشکل الهزیل ، لأن فیها ما قد غاب عن أذهان بعض الأعلامیین نتیجة قلة خبرتهم أو قصورهم الفکري وعدم ألمامهم بالواقع النفسي والأجتماعي للمرأة والمراحل التأریخیة الأضطهادیة التي مرت بها .
فقد ثبت في أکثر من دراسة ، بأن نفسیة المرأة خاصة في الدول النامیة ، قد وقعت في لج الألم التأریخي نتیجة الأضطهاد و العنف الحاصل ضدها عبر الزمن ، ولأثبات وجودها قد تسلک سلوکا ضد نفسها أو تلجأ الی أسالیب غیر منطقیة وحتی غیبیة بحثا عن الخلاص أو لتنبیه‌ الآخرین الی وجودها المهمل .
مثلا ، الباحثون في العلوم النفسیة یقولون ، بأن المرأة أو الفتاة المهمشة قد تلجأ الی التمارض السلبي ، لتجلب‌ الیها الأنظار والأهتمام وقد تلجأ الی أبشع من هذا کالأنتحار مثلا ، وعند أنشغال الجمیع بها وبمرضها یتحقق الهدف بالنسبة لها ، وأحیانا یتحول التمارض الی مرض فعڵي نتیجة الأیعازات الصادرة الی العقل .
کذلک هناک من لا تتحمل المزید من التعنیف ولقلة وعیها تلجأ الی ماهو أسوء من ذلک التعنیف ، ولا تفکر بالبدائل الأیجابیة ولا تجد حولها من یرشدها الی الطرق التی تقدر بها أن تواجه‌ الحیاة .
وهناک من تحاول أن تنتقم من الأهل فتعرضهم للمحاسبة القانونیة نتیجة الأضطهاد المستمر ، فیقع الأنتقام علی روحها ، وهذه‌ الأخری قاصرة الوعي بأسس التربیة الأجتماعية والثقافیة ذلک لتدني المستوی التربوي والثقافي في مجتمعاتنا .
والأخطر من کل هذا هو ان مرحلة المراهقة هي مرحلة الأندفاع والرادیکالیة المعدومة القواعد ولا یفکر المراهق کثیرا بالنتائج عند القیام بأفعال آنیة ، وأحیانا یروق له‌ أن یفعل مالم یفعله‌ غیره‌ من قبل ، ویود أن یکون تحت الأضواء ، اضافة الی ان الشباب یتبنون کل ماهو مثیر وجدید ویحبوا التقلید ویسلکونه‌ بجنون ، واذا کانوا في ظل مؤسسات تربویة واعلامیة معوقة کالتي في بلدنا یصبح تقلید الأتجاهات السلبیة مضاعفة .
ولا ننسی بأن للمراهق‌ طاقة حیویة فائقة جسدیا و نفسیا ، یحتاج الی التنفیس والتعبیر عنها بشتی الطرق ، وفي المجتمعات المتقدمة توجه‌ طاقة الشباب الی النشاطات المفیدة ، أما في مجتمعاتنا فتظل مکبوتة خاصة بالنسبة الی الفتیات فیتحولن الی السلوک السلبي والمتشائم .ولا نقصد هنا بأنه‌ لاتوجد أسباب أخری الی الأنتحار ، کلا فهناک زخم من المشاکل الأجتماعیة والأقتصادیة والنفسیة التي هي محصلة الحروب الطویلة والقتل الجماعي والتهجیر القسري وحملات الأنفال السیئة الصیت ، والتي لم تعالج نتائجها بالطرق العلمیة .
الا انني أرکز علی توضیح شخصیة الشریحة التي تقع ضحیة التلقین الصادر من الأعلام وأذکرهم بما غاب عن ذهنهم ، کیف التلقین والتکرار یؤدي الی تقبل الشئ أولا ثم التسلیک علیه‌ لیصبح عرفا اجتماعیا ، وأی شیئ حین یصیر من الأعراف والعادات یتم تنفیذه‌ بشکل أسهل ، حتی اذا لم یکن مقبولا عند البعض سیقوم بتنفیذه‌ کي لا یکون شاذا داخل مجتمعه .
لقد توضحت لدي هذه‌ الصورة عندما ألتقیت بأم فتاة مقتولة بید أبیها ، والذي حیرني هو معرفتي بهذه‌ العائلة التي لم تکن متزمتة ولا متدینة بتطرف ولا قرویة ساذجة و تتبنی الأفکار العشائریة.. ومع ذلک حکموا علی ابنتهم بالقتل .!!
قالت لي الأم باکیة (لقد قال أبوها : ماذا أفعل وهل نحن أقل من فلان و فلان الذین قتلوا بناتهم ، أم تریدنني أن أعیش ویلاحقني العار الی الأبد ، ماذا أقول للناس ) .؟!!
کان علی الأعلام أن یکون قوة ردع ایجابیة ومکان ثقة المجتمع بحیث یزرع عرفا جدیدا ألا وهو من یقتل أبنته‌ یشعر بالعار ولیس العکس ، ویکون هذا بالتحلیل الأجتماعي والنفسي وعرض البدائل الدیمقراطیة وتعوید المجتمع علی أسلوب الحیاة المدنیة بدلا من استعراض نتائج القتل وصور المقتولات والمحروقات والنقد الدرامي والمواویل وعرض الأغاني عن الضحایا .
نعم الأعلام الذي قد تسمی بالقوة الرابعة هو من یحمي المجتمع والأفراد ویکون ضغطا علی الحکومة عن طریق تقدیم البدائل والأصرار علی تنفیذ العقوبة القانونیة بحق مرتکبي هذه‌ الجرائم وفضحهم کمجرمین ومراقبة تنفیذ الحکم في المحاکم واعلانها واشراک المختضین بالأمور الأجتماعیة والنفسێة و القانونیة والتربویة في هذه‌ العـملیة .
کان علی الأعلام أن یکون في حالة استنفار کامل و یواجه‌ المنظمات النسویة ووزارة شؤون المرأة والمستشارین في الحکومة ویفهمهم ان دورهم أکبر من رفع اللافتات علی أرواح الضحایا والأحتجاج من خلف المنابر.
بهذه‌ الطریقة کان بأمکان الأعلام أن ینجز جزء من واجبه‌ کأعلام حر، لا أن یستغل أحداث هذه‌ الجرائم لزیادة عدد القراء ویتشدق بأن الکل یقرأ الصفحة التي تنشر فیها هذه‌ الجرائم وتباع الصحیفة وتربح ، نعم تباع لکنکم تزرعوا عرفا أجرامیا من حیث لا تدرون أو تدرون ولا تهتمون وکلاهما کارثة .