شيخ الحارة في اليمن امرأة



ابراهيم علاء الدين
2008 / 8 / 14

كثيرة هي الاحداث التي تفاجيء العقل ، فمنها ما يكون سارا ومنها ما يثير القلق واحيانا الغضب ، لكن اكثرها اثارة تلك التي تثير الدهشة والاستغراب ، ومن هذه الاخيرة نبأ بثته قناة الجزيرة حول اختيار سيدة يمينة لمهمة "شيخ الحارة" في احدى ضواحي مدينة عدن في جنوب اليمن .
وسبب الدهشة والغرابة في هذا الخبر مرده ان المجتمع اليمني الذي تتغلغل فيه القبلية في كل مناحي الحياة حيث السلطة والسطوة للرجل ، فيما المرأة فيه ليست اكثر من جهاز لتفريخ النسل وخدمة زوجها ورعاية شؤونه وارضاء غريزته.
ولكن وكما ثبت فعليا ووثقته قناة الجزيرة بالصوت والصورة ان المرأة بشكل عام حتى في اكثر المجتمعات تخلفا ، واكثرها اضطهادا للمراة ، فان النساء يقاومن بضراوة لرفع الضيم وتخفيف درجة الانسحاق ومحاولة تحقيق نوع من المساواة، ومن ضمن هؤلاء نساء اليمن.
وعندما تتمكن سيدة يمنية من فرض حضورها في هذا المجتمع البدائي فان ذلك يفترض ان يشكل دافعا لكل نساء العرب والمسلمين من استخلاص عبرة هامة محتواها ان الارادة اولا والكفاح ثانيا والاصرار والعزيمة ثالثا وقبل كل ذلك الوعي يمكنهن من فرض وجودهن بمجتمعاتهن وينتزعن بعض حقوقهن ، ويحققن درجة اعلى من المساواة مع الرجل المتسلط المستبد، في مجتمعات القبيلة والعشيرة ، مهما طغت مفاهيم الاسترقاق والادعاء بان المراة "ناقصة عقل ودين".
ولعل فوز هذه السيدة اليمنية بمنصب لم يعتليه في تاريخ العرب والمسلمين الا الرجال ، ويتضح ذلك من خلال التسمية "شيخ الحارة" يعتبر مناسبة للحديث عن الاضطهاد الذي تواجهه المراة اليمنية .
فالمراة اليمنية التي عانت من الاضطهاد التاريخي في مجتمع ذكوري، فانها تعاني اضطهادا اشد وابشع من اجهزة السلطة اليمنية وخصوصا الاجهزة الامنية، الى جانب الاضطهاد الاجتماعي حيث الاجبار على الزواج المبكر والخضوع المطلق لرغبات الزوج والصبر على الضيم والقهر الى جانب الخضوع للاب والاخ والعم وابن العم وابن الخال وكل رجل تربطها به صلة قرابة مهما كانت بعيدة ، فعليها ايضا ان تخضع لنزوات الرجل القبلي وقوانين القبيلة، حيث جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي دون ان يجرؤ ذويها من تسجيلها في سجلات الحوادث باقسام الشرطة خشية الفضيحة ومن ثم العار.
فان المراة اليمنية تواجه اضطهادا بوليسيا حيث تتكرر حوادث الخطف والاعتقال التعسفي والقتل وانتهاك الاعراض في العديد من المدن والقرى اليمنية ، وما زالت الذاكرة الشعبية اليمنية تتذكر ما تعرضت له " انيسة الشعيبي" من تعذيب ومعاملة غير انسانية في السجن، كما تسجل ذاكرة الاعلاميين في اليمن ما تعرضت له الصحفيات "رحمة حجيرة" و "سامية الاغبري" من قذف وتشويه طالت اعراضهن من قبل صحف معروفة بتبعيتها للسلطة.
ومازالت قضية الاختطاف الشهيرة التي تعرضت لها الناشطة الحقوقية "حنان الودعاني" وما واجهته من اضطهاد على يد اجهزة البوليس السياسي.
وما زالت المراة اليمنية تواجه التمييز في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية ليس مقارنة باوضاع المراة في اوروبا والولايات المتحدة ، بل مقارنة مع شقيقتها العربيات في الوطن العربي.
فقد اظهر تقرير لمركز دراسات الجزيرة لدراسات حقوق الانسان (لعام 2006 – 2007) أن نسبة قوة العمل من النساء لايتجاوز 26.6 بالمائة فيما تشكل نسبة النساء من إجمالي المشتغلين في كافة المهن 24.6 بالمائة.
وبين التقرير ارتفاع عدد الاسر الفقيرة التي تكون فيها رب الاسرة امراة لتصل النسبة الى 13.8 بالمائة من إجمالي الأسر الفقيرة في اليمن.
وما زالت المراة لا تشغل الا نسبة ضئيلة في مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقطاعين العام والخاص لا تتجاوزنسبة 18 بالمائة من اجمالي عدد الموظفين فيما تزيد نسبة الموظفين الذكور عن 82 بالمائة.
وما زالت المراة اليمنية ترزح تحت غلال الامية والجهل حيث تزيد نسبة الامية بينهن عن 39 بالمائة من سكان المدن وتصل الى اكثر من 78 بالمائة من سكان القرى والريف عموما.
وعلى الرغم من وجود اكثر من 6400 منظمة من منظمات المجتمع المدني الا ان التي تعمل في مجال المراة لا يزيد عن 200 منظمة معظمها مجرد يافطات وليس لها دور فاعل.
اما دور المراة اليمنية في النشاط الاقتصادي فيكاد يكون معدوما لاسباب اجتماعية واخرى اقتصادية حيث ارتفاع مستويات الفقر وعدم وانسداد طرق التمويل في وجهها وضعف المهارات وافتتقاد الحد الادنى لراس المال المطلوب لتنفيذ المشروع.

وتتعرض المراة اليمنية لمختلف انواع العنف من ضرب وتعذيب وحرمان نظرا للبيئة القبلية المتخلفة التي تسيطر على مختلف جوانب الحياة .

وعلى الرغم من محاولات المراة الولوج الى ميدان العمل السياسي ورغم ان الدستور نظم دخولهن الى البرلمان وفق نظام الكوتا (15 بالمائة للنساء) الا ان مشاركتها شكلية بل وتتعرض للاستغلال من قبل الاحزاب السياسية التي لا تتذكر المراة الا فترة الانتخابات.

وللتعرف على الاوضاع المزرية للمراة اليمنية لا يحتاج الزائر لليمن الى قراءة تقارير، فمنذ ان تطأ قدم الزائر ارض مطار صنعاء حتى يكتشف على الفور غياب المراة من الحياة العامة، حيث لا وجود للمراة بين عشرات الموظفين من الرجال، بما تشاهد عبر الممر بعض الفتيات في العدد القليل من محلات بيع الهدايا وقد تلفحن بالنقاب باستثناء واحدة فقط شاهدتها بالحجاب.
وهذه الظاهرة تشاهدها بالطرق العامة والاسواق والجامعات حيث الفصل التام بين الطلاب والطالبات.
وعلى الرغم من انتشار النقاب على نطاق واسع في المدن والمراكز الحضرية الا انه يختفي تماما في الريف ، حتى الحجاب لا يشاهد الا قليلا ، فالمراة الريفية تواجهك بلباسها المزركش وغطاء على نصف الراس .
وحتى لا يعتقد القاريء ان النمط المحافظ جدا الذي يفرضه مجتمع القبيلة قد وفر للمراة حياة كريمة ، فان جرائم تهريب الفتيات صعيرات السن والاطفال الى المملكة العربية السعودية يعتبر نشاطا منظما تقوده عصابات الاتجار بالرقيق ، فيما تنشط عصابات الاتجار بالجنس في صنعاء بدرجة محدودة لكنها ملموسة، فيما تصل الى حد العلنية في عدن، وشواهد ذلك كثيرة في الفنادق العدنية.
كما تغص الاسواق الرئيسية في صنعاء وعدن بالمتسولات، وبعضهن يتسترن تحت مهنة التسول لممارسة الدعارة ، وكثير منهن يعانين من الانحراف الاخلاقي فلا يتوانى البعض منهن عن السرقة حتى لو كان لعبة رخيصة الثمن من محل تجاري.
ومع ذلك فالامل معقود على الطليعيات منهم ، ولا يسعنا الا نبارك للسيدة اليمنية منصب "شيخ الحارة".