هل مات الحب في قلوبنا؟



ماري تيريز كرياكي
2008 / 8 / 28

اجتاحت المسلسلات التركية المُدبلجة تلفزيونات العرب، على مدى شهور طويلة، ولم تنته بعد. وتميزت بجمالية الصورة، إن كانت صورة الإنسان أو صورة المكان، وكذلك بأناقة وجمال الممثلين فيها.وأحدثت هزة في أوساط الأسر العربية، لم تُحدثها المسلسلات المكسيكية المُدبلجة إلى اللغة العربية الفصحى. ربما يكون ذلك لمُجمل عوامل توفرت في مسلسلي نور وسنوات الضياع.
قد يقول قائلا أن هذه المسلسلات تبلغ من السخف والتكرار حدا، يصل إلى الملل، ويقول آخر إن هذه المسلسلات لا تمثل واقعنا وما إلى ذلك من أمور، لكن الواقع يقول أن هذه المسلسلات قد حظيت بنسبة مُشاهدة عالية جدا في العالم العربي.
وقد تَعود العرب على رفض المسلسلات الأجنبية، لكونها مسلسلات تعكس الواقع الأوروبي أو الأمريكي ولا تمت لواقعنا بصلة ، لكن المسلسلات التركية اليوم تأتي من مجتمع لديه تقريبا نفس عاداتنا وتقاليدنا وديانتنا. إلا أن هذه المسلسلات قد قامت بتقديم نظرة ثانية للمرأة ولطبيعة العلاقات والبشر برؤية أكثر انفتاحا، بمساواة بين الجنسين، إضافة إلى رومانسية افتقدناها في مجتمعاتنا العربية لأسباب متعددة. وشاهدت النساء في العالم العربي مستوى من الرقيّ في تعامل الأتراك مع المرأة افتقدته النساء في مجتمعاتنا، ودفعتهن للثورة على واقعهن، وصل إلى حد الطلاق في بعض الأسر. كل هذا يدعونا لرصد هذه الظاهرة ومحاولة تحليل واقعنا، والتساؤل هل مات الحب في قلوبنا؟
فالصدق في التعبير عن المشاعر في هذه المسلسلات والاندفاع في الدفاع عن الحب والمحبوب، دفعنا إلى التساؤل أين نحن من هذا كله؟ واكتشفنا أن مشاعر الحب لم تمت لدينا لكننا فقدنا القدرة التعبير عنها. فالتعبير عن الحب في بلادنا تحكمه مُجمل أمور، منها الرقابة الاجتماعية المُمارسة على الأفراد، لدرجة أن أي تدخلا خارجيا ، في أي علاقة قائمة يكون قادراً على زعزعتها وكسرها نظرا للهشاشة التي تتمتع بها. وكذلك هناك العامل الاقتصادي الذي يقف عائقا في طريق تحقيق أحلام الشباب، إذ - كم عدد الشباب القادر على دعوة محبوبته إلى العشاء في بلادنا، أو كم شابا قادرا على تحقيق رغبات محبوبته بشراء أي هدية مهما كانت قيمتها. و أخيرا الرقابة التي تحكمها علاقة الخوف نتيجة الاستبداد المُمارس في مجتمعاتنا وتحرمنا من التعبير عن أحلامنا أو عما يعتمل في نفوسنا من مشاعر، هذه الرقابة التي غالبا ما تكون مستوردة من مجتمعات تُطَبق نظام الفصل التام بين الجنسين.
ونبشت هذه المسلسلات بالا شعور لأعوام الأحلام في الخمسينات والستينات، حيث كان إنسان عقب الاستقلال حالما بقدرته على تحقيق واقعا أفضل، هذه الأحلام التي ما لبثت أن بدأت تضمر وتتلاشى تدريجيا مع الأخطار التي واجهت المنطقة والحروب، وتثبيت النظم القمعية. ونعود إلى مسلسليّ نور وسنوات الضياع ودبلجتهما إلى اللهجة السورية التي ساهمت في رفع قيمتهما وذلك بإثبات أن هذه اللهجة حاملة للرومانسية والرقة وقادرة على إيصال أكثر المشاعر شفافية بكلمات بسيطة تعجزعن القيام بها اللغة العربية الفصحى. وانعكاس ذلك على أداء الممثلين السوريين وإحساسهم بأحداث المسلسل وذلك بلُغة محكية قربت المسلسل من قلوب المشاهدين العرب. كل ما سبق لا ينفي حقيقة عدم مقاربة هذه المسلسلات لواقعنا على عكس المسلسلات السورية التي قدمت قصص الحب في مسلسلات عدة، كمسلسل "عصي الدمع" على سبيل المثال، حيث فند علاقة المرأة بالرجل في شكل واقعي وراقي -
على كل- رمضان قادما ، وفيه سنرى كما هائلا من الأعمال الفنية التي ستغير نظرة المُشاهد العربي وتُظهر تعلقه بقصص ومشاهد جميلة أخرى.