بطولات نسائية في بكين ..والعربيات في خدور الحريم



أمنية طلعت
2008 / 8 / 29

"تكونين في حريم حين لا يحتاج إليك العالم. تكونين في حريم حين تهمل مساهمتك ولا أحد يطلب منك شيئاً. تكونين في حريم حين يغدو كل ما تقومين به غير ذي فائدة. تكونين في حريم حين تدور الأرض وأنت غارقة في الاحتقار واللامبالاة. شخص واحد يملك سلطة تغيير هذا الوضع وجعل الأرض تدور في النهر المعاكس وهذ الشخص هو أنت، إذا قاومت الاحتقار وحلمت بعالم مخالف، تتغير وجهة الأرض".. حاصرتني فاطمة المرنيسي الكاتبة المغربية بتلك الكلمات التي ذكرتها في كتابها "نساء علي أجنحة الحلم" وأنا أتابع أوليمبياد بكين. ربما استمتع الجميع بمتابعة الرياضات الشيقة والانتصارات المبهرة لأبطال وبطلات من جميع أنحاء العالم، ولم ينغص عليهم متعة المتابعة أي شيء سوي أن انتصارات العرب خلال تلك الدورة تكاد تكون منعدمة. ربما نغصت علي تلك الحقيقة متعة المتابعة، لكن ما مرر علي عيشتي كلها، وليس فقط متعة المتابعة، هو هذا الكم من النساء البطلات من جميع أنحاء العالم، وما يحققنه من انتصارات مذهلة وحقيقية تقدم المرأة في إطار القوة والسيطرة، حيث أرقام قياسية جديدة في عالم الرياضة بمختلف فروعها وانطلاق لا حدود له للمرأة في العالم يحقق فكرة المساواة علي أرض الواقع، بعيدا عن هواية مضغ الكلام التي احترفها العرب فيما يخص النساء أو فيما يخص كل شيء. تنطلق المرأة بجسدها لتثبت عملياً أنه ليس عورة ولا فتنة ولا حراماً، تنطلق بطاقتها الروحية لتثبت سيطرتها علي مقدراتها وقدرتها علي تحقيق مجد رياضي ينطلق من خلاله اسم بلدها مدوياً في العالم كله، تنطلق بنفسها بعيداً عن المساحيق التي تحولها إلي دمية وتمثال للمشاهدة فقط مع يافطة معلقة "ممنوع الاقتراب أو التصوير"، تنطلق بمجدها الرياضي دون مناقشات بالية بخصوص العيب والحرام والعادات والتقاليد.
كانت هذه هي صورة المرأة في أوليمبياد بكين، فأين كانت المرأة العربية من كل هؤلاء؟ تمثيلات نادرة وغير مشرفة، فيما عدا اثنتين من المغرب العربي، كانتا شبيهتين بمن يحاول الدفاع باستماتة عن آخر قلاع تحرر المرأة العربية في القرن الماضي، ذلك التحرر الذي لم نلحق أن نهنأ به، حتي اجتاحتنا تيارات التأسلم بأفكارها عن المرأة المعلبة في النقاب/الحجاب، عمليات الترهيب من النار وربط العفة والطهارة بالجسد المغطي من الذباب البشري ووضع صورة ذهنية وهمية لشكل المسلمة تحولت لضغط اجتماعي في الشارع نفسه، فأصبح البلطجية هم حماة شرف المرأة المسلمة، لتخاف وتختفي وراء النقاب/ الحجاب، وترتفع بعدها لافتات " مملكة المرأة بيتها" و"المرأة جوهرة يجب صيانتها بالمنزل" ...إلخ، لنعود ونواجه خطر زحف مفهوم الحريم مرة أخري.
إن المرأة العربية الآن تثملها انتصارات صغيرة يوهمها بها دعاة العودة إلي نهج السلف الصالح، بأنها بعودتها للحريم ترفع راية انتصار ثقافة العرب علي الغزو الثقافي الآتي من الشمال، وأنها بالاختفاء داخل الخيم السوداء تنصر الله ورسوله وترفع راية الدين الحنيف، لكنها لن تدرك حجم المأساة والخديعة التي وقعت في براثنها، إلا عندما تسقط آخر قلاع المرأة في الشارع، الذي يحاربوننا داخله ويدعون بأننا نزاحمهم فيه، لتعود إلي مجتمع الحريم، حيث كما قالت فاطمة المرنيسي لن يحتاج إلينا العالم ونحن داخله، وسنكون مجرد كم مهمل لا فائدة له، وسنكون مجرد أدوات يمتلكها الآخر "الذكر" لننجب له أطفالاً لا يشبهوننا في شيء، حيث سنكون مجرد أوعية تفرغ بمجرد انتهاء فرصتها في الحمل والولادة.
عندما شكت المعلقة الرياضية علي رياضة الباليه المائي بأن الفريق المصري من مواليد التسعينيات، لا يمتلك الخبرة التي تمكنه من المنافسة بقوة أمام بطلات العالم من مواليد الثمانينيات، لم تذكر السبب، لكن صوتها المتحسر، قال كل شيء، فلقد أصبحت عادة العائلات المصرية أن يدفعن ببناتهم لممارسة السباحة والباليه المائي حتي سن البلوغ وبعدها يتم حجبهن لأن المايوه حرام، ولا أنسي هنا واحدة من البطلات المصريات في نفس الرياضة، احتجبت في عز انتصارها ومجدها الرياضي، قائلة إنها مرتاحة حيال قرارها، وبالطبع ارتياحها يأتي من نظرة الرضي التي تتلقاها من أسرتها ومن المجتمع في الشارع، الذي كان يدينها من قبل، فلم تشعر بلذة الانتصارات البطولية، في الوقت الذي لم يعرها فيه بلدها اهتماماً يوازي حجم البطولات التي تحققها له. إن خطر الحريم يزحف بقوة حتي يكاد يصل إلي أعناقنا، ولن أقول سوي ما قالته فاطمة المرنيسي " شخص واحد يملك سلطة تغيير هذا الوضع وجعل الأرض تدور في النهر المعاكس وهذا الشخص هو أنتِ"