ظاهرة تشغيل فتيات قاصرات من الضفة والقطاع بالدعارة



رانية مرجية
2008 / 9 / 20

ترددت كثيراً في الكتابة إزاء هذا الأمر، بل الكارثة التي صادفتها منذ أسبوعين ونيف في أحد شوارع تل أبيب الصاخبة، وتبين لي لاحقاً أن هنالك العشرات من الطفلات من قطاع غزة أتى بهن (قوّاد) من عرب الـ 48 وتحديداً من المثلث الجنوبي والنقب، ليقوموا بتشغيلهن بأقدم مهنة قد رفها التاريخ "الدعارة" للاستفادة منهن مادياً ضمن صفقة أبرمت بين (القوّاد) وبين عائلات الفتيات للعمل في إسرائيل وتوفير لقمة العيش لهن.
كان أول سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أراقب تصرفات الطفلات التي تتراوح أعمارهن بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة: هل تبيع الأم فلذة كبدها من أجل (الهم ممم الهم)، وكيف استطاع (القوّاد) أن يدخلهن إلى تل أبيب واختراق حاجز ايرز؟!
والحقيقة فإنني أمضيت أكثر من أسبوعين في مراقبة الفتيات ومشغليهن ونوعية زبائنهم بمساعدة زملاء وزميلات لي من تل أبيب، إلى أن تمكّنا أخيراً من الاطلاع على مأساة عدد منهن، وللأمانة الصحافية فلا بد لي أن أذكر أنه كان قد تطوع عدد من زملائي بالعمل لمساعدتي بكتابة هذا التقرير، والذين لولاهم لما تمكنت من إجراء عدد من اللقاءات مع الطفلات من غزة في بيت أحد زملائي بمنطقة رمات أبيب (ג) الذي استنفد كل طاقاتي في الأسبوعين الأخيرين.

الحالة الأولى (16) سنة: زبائني من العرب واليهود المتدينين
قالت بلهجتها العامية: إيش إللي بجبرك عالمر غير اللي أمر منو؟! تفكريش إني رضيانة على حالي وعلى اللي وصلت الو، بس أنا مجبورة أشتغل منشان إخواني يعيشوا بعد ما استشهد أبوي، وأمي فقدت عقلها، ولا ضل إلنا لا سند ولا معين. إخوتي كوم لحم، واحد عمره 5 سنين والثاني 8 والثالث 10 بدهم يعيشوا ويوكلوا، ما حد بقولنا وين انتوا لا جمعية ولا مساعدات ولا ما لا يحزنون، كنا ندوّر بالزباله عالأكل وما نلاقي، مجبورة أبيع جسمي منشان إخوتي، أنا بضحَى منشان يعيشوا. أمي ما بتعرف بشو بشتغل، هي متاكدة إني بشتغل عاملة تنظيف بوحدة من المستشفيات بإسرائيل، أنا كل شهر ببعث إلهم 2000 شيكل، صار لي شهرين هون، بس تعودت عالشغل، بنشتغل عادة بين 4 لـ 6 ساعات، كل زبون مختلف عن الآخر، أغلبهم فوق الـ 55 ومن العرب أو المتدينين اليهود، لكل شيء تسعيرة، هنالك زبون أصبح متيّم بي وعرف بظروفي فرفض أن يستغل حاجتي واكتفى بضمّي وبتقبيلي، وهنالك من يمارس معي الجنس بقوة ووحشية.
الحالة الثانية (15)سنة: قريب والدي من النقب استغلّ مرض أبي
قالت: إن من أتى بي للعمل هنا هو قريب والدي من النقب الذي استغلّ مرض أبي وكونه مشلولاً لا يستطيع التحرك أبداً، وشغّلني هنا طبعاً، والدي لا يعرف عن طبيعة عملي، ولكن عليّ أن اعمل لئلا نموت من الجوع، فلا أحد يتفقدنا أو ينظر إلى معاناتنا، وبرقبتي 7 إخوة، أنا المعيلة الوحيدة لهم، هل أتركهم للجوع والمرض؟!

لقد التقينا وتحدثنا مع حالات عدة، وتمتنع "المدينة" عن نشر العديد من اللقاءات في الوقت الحاضر إلا أنها تتعهد أمام قرائها أنها ستواكب الموضوع عن كثب، وستكشف بالدليل القاطع والصور من يقف وراء تشغيل هؤلاء الطفلات، ومن يسهّل لهم المرور عبر الحواجز، وإن كان للشاباك ضلع بهذا، وإننا لنتساءل: تُرى أين تذهب مخصصات أبناء الشهداء والجرحى والمساجين، ومن المسؤول عن ما وصلت إليه الفتيات؟! هل الحصار والجوع أم مَن؟!