نعم للحجاب، لا للحجاب



محيي هادي
2004 / 2 / 14

في فرنسا، دولة من الدول الديمقراطية الأوروبية، يُسـنُّ قانون ضد ارتداء الحجاب في المدارس. و لا يخفى على أحد أن هذا القانون موجَّـه بالدرجة الأولى  ضد المسلمين المتواجدين في فرنسا الذين يمثلون المجموعة الثانية أهمية و كثرة في المجتمع الفرنسي. و لكي يظهر هذا القانون أنه غير موجَّـة ضد المسلمين فقد طبَّـلوا له بأنه لا يسمح باستعمال أية إشارة دينية داخل المدارس الحكومية، سواء كانت هذه الإشارة إسلامية أو مسيحية أو يهودية.. الخ،  و لكن الهدف الأساسي للقانون معروفا للجميع.
لم يوافق على هذا القانون كثير من الفرنسيين، و قد يكون وزير داخليتها مثلا على ذلك إذ قال أن إصدار هذا القانون لمشكلة غير موجودة لا  مبرر له. و حاول وزير خارجية فرنسا عبر سفرائه إقناع الدول الإسلامية بأن القانون غير موجه ضد الإسلام.
و إذا نظرنا إلى فرنسا و الدول الأوربية الأخرى، التي تريد سَـنِّ قانون منع الحجاب، نراها جميعا تستعمل أسماء تشير إلى شخصيات دينية مقدسة عند المسيحيين، فسانت فلان و علاَّن السانتو أسماء تطلق على مدارس كثيرة و على مستشفيات، و في الدول الأوربية الملكية تزاحم أسماء القديسين المسيحيين أسماء الملوك، و يخاصم الصليب  الرايات و الشعارات القومية.

فرنسا المتناقضة المتعارضة، صديقة الدكتاتور صدام،  تعيد الى الأذهان إحراق الأبرياء الجزائريين.
فرنسا الدولة الإمبريالية التي بدأت تنام ليلا على خسارة مستعمرة لتصحو مكتئبة على خسارة مستعمرة أخرى.
فرنسا تذكرنا ليلة القديس بارثلوميو التي أغتيل فيها آلاف المسيحيين البروتستانت.
فرنسا العلماء و الفلاسفة.
فرنسا بؤساء الروائي العظيم فيكتور هيغو تصدر قانونا ضد حجاب البائسات المحجبات الفرنسيات و البائسات الأخريات و تـحاول منعهن من دخول المدارس بحجاب.

 لا يخفى على أحد أن محاولة منع لبس الحجاب كانت موجودة قبل جريمة 11 أيلول التي حملت غيوم الشؤم و  عواصف الويل و الدمار إلى مناطقنا، إلا أن هذه المحاولة قد ازدادت شراسة بعد تلك الجريمة، و لم تعتدِ القوانين على حرية وضع الحجاب فقط  بل تجاوزتها الى باقي الإنجازات التي حققتها البشرية في سبيل الحريات العامة الأخرى في أنحاء العالم قاطبة.
قد يكون القانون قانون حق و لكن واضعيه، أو أشخاص وراءهم، لا يريدون به إلا باطلا. إن لفرنسا قوانينها الرائعة في حماية النساء اللواتي يعشن على أرضها و لكن هذا القانون المذكور سيعطي أجنحة و دعمٍ للمتطرفين في مناطقنا. فالسلفيون المجرمون من أتباع بن لا دين و غيرهم يرقصون رقصةَ الإرهاب و الموت فرحا لمثل هذا القانون.
في دول منطقتنا، دول الشورى الإسلامية التي تصاحب في القمع الدول الإرهابية الأخرى، تُسـنُّ قرارات مكتوبة، و تُطبَّـق أخرى  غير مكتوبة، تجبر النساء على ارتداء الحجاب و إلا فإنهن سيتعرضن للعقاب، لعقاب المتطرفين قبل "عقاب" الله،  و ليس بعيدا عن ذاكرتنا ما كان يحصل أيام العارفَيْن بالنفاق إذ كانت تتعرض سيقان الفتيات الى الصبغ بألوان مختلفة على أيدي شرطة ما يسمى بشرطة الأخلاق، هذه الشرطة التي يجب أن نسميها عديمة الأخلاق. و على نهج الشرطة عديمة الأخلاق يسير شرطة الارتزاق الديني الآمرين بالمنكر و الناهين عن المعروف.
إن المتطرفين الذي يُرغمون على ارتداء الحجاب و مسني قوانين منع ارتداء الحجاب يتماشون معا يدا بيد و يدعم أحدهم الآخر، إن أوَّلهم قد بصق في فم الثاني.
و لا أستبعد أن يقف مع المدافعين عن لبس الحجاب شركات و مصانع  النسيج التي تعمل ليلا و نهارا في صنع أنواع الحجاب لتصدرها الى دول العالم "المحجَّب" و هي بهذا لم تـنسَ ما طلبه غاندي، صاحب نظرية اللاعنف، من أتباعه الهنود بأن يـُقـصِّروا شيئا من طول عمائمهم، و بسبب هذه المبادرة الغاندية أغلقت كثير من المصانع البريطانية، التي تنتج قماش العمائم، أبوابها.
و يقف مع المدافعين أيضا بعض الأوروبيين ممن يريدون أن يبقى المسلمين مميَّـزين و "منكشفين" داخل المجتمعات غير الإسلامية، و ليبقوا غير قادرين على الاندماج في المجتمعات الجديدة التي أصبحوا يشكلون قسما منها. و موقفهم هذا يشابه ما كانت تقوم به الدولة العثمانية في اعتبار غير المسلمين غرباء عنها و كانت تجبرهم على ارتداء أزياء تميزهم عن المسلمين.
و في القرون الإسلامية الأولى استعمل الحجاب للتمييز بين النساء أنفسهن، بين الجارية و "الحرة"، إذ يذكر هادي العلوي في كتابه - مِن قاموس التراث-  أن " المتفق عليه أن الجواري غير مشمولات بحكم الحجاب. و تخبرنا مصادر التفسير أن عمر (بن الخطاب) كان يتشدد في منعهن من التحجب كما …... أن عمر بن العزيز أمر أن لا تلبس أمَة خِمارا و لا يتشبهن بالحرائر….... لكن هذا التمييز في الحجاب له جذور في الحضارات السامية الأقدم. فقد ألزم القانون الآشوري الحرائر بحجاب يشمل الرأس عند الخروج من بيوتهن و منع الجواري من ذلك". و أما عن حجاب الوجه، فيذكر العلوي أنه قد " فُـرِض على النساء في العصر العباسي /  الأندلسي بقدر ما يخص الحرائر. أما قبل ذلك، أي في القرنين الأول و الثاني فإن الروايات متضاربة"
إن الغلو في الحجاب، كالبوشية و البرقع، لا تستعمله فقط المفرطة فيه بل و أيضا كثيرا ما تستخدمه بنات الهوى خوفا من إنكشافهن و تعرضهن إلى ما لا تحمد عاقبته. و قد يكون ذكر نوري السعيد، رجل الحكم العراقي الملكي المشهور، دليلا على الأشخاص الذين يختفون وراء -البوشية-، إذ قبضوا عليه و هو لابسا عباءة نسائية و بوشية.    
و يقف أيضا مع المدافعين عن الحجاب من يظن أن نزع الحجاب تدعمه شركات الميكياج و التجميل التي بهذه الطريقة ستزيد من مبيعاتها و أرباحها، و يخلو هذا الرأي من بعض الحقيقة إذ أن المحجبات يتمكيجن و يتجملن و لو كان هذا التجمل يُكشف  أمام الزوج فقط.
و من يدافع عن الحجاب يذكر أن شركات مودة الملابس ستربح من نزع الحجاب، و لكنني أتساءل: ألا توجد مودات  إسلامية أو عربية في مناطقنا؟ فـلِـتُنزع العباءات الرجالية و النسائية لنرى ما تخفي من مودات تحتها، فلكل مجتمع موداته، أصلية كانت أم مقتبسة، و اشك بوجود مودات أصلية و أصيلة إذ أن جميعها تتطعم بمودات تأتي من بعيد أو من قريب. و يذكر لي أحد أصدقائي أن هناك نوع من العباءات اسمها سوبر( من (super) هي التي يفضلها كثير من النساء.
و يعتمد من يدافع عن الحجاب على وجود نصوص قرآنية تجبر المسلمة على أن ترتديه. و يكررون كثيرا :" و لا تبرجن"  ليجيبهم المعارضون:  " و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، ثم يُتابع المعارضون للحجاب : " ويل للمصلين" و لا يتوقفون إلاّ بعد أن يذكروا : " الذين عن صلاتهم ساهون"، و يعقبون كلامهم بأنه لو توقف المدافعون عن الحجاب عند " ولا تبرجن" فإن أبيات الشعر التاليه هي صحيحة أيضا:
دع المساجد للعبَّاد تسكنها …….. و اجلس على دفَّة الحانةِ و اسقينا
ما قال ربك للذي شَـرِبَ…….. بل قـال ربك ويل لـلمصلينــا

و تأتي إلى ذاكرتي ما كانت تقوم به بعض فتيات المدن الدينية المقدسة العراقية، ككربلاء و النجف، من خلع العباءة بعد أن يخرجن من المدينة، و كذلك ما كانت تقوم به فتيات جامعيات من نزع العباءة عند دخولهن بناية  الجامعة.
على الرغم من اعتقادي من أن الحجاب هو ثـقـل على كاهل كثير من النساء، إلا أن المرأة، لا غيرها، هي التي تحدد بمشيئتها لبس الحجاب أو تركه، و لأجل أن تأخذ المرأة  قرارها يجب أن يفسح لها المجال: في التعليم و في رؤية المجتمع في نفس شروط الرجل و في بيئة مفتوحة غير منغلقة على نفسها، و أن تعطى للمرأة حريتها لا حجزها بين أربعة حيطان و سقف و أرض.
قبل أشهر قليلة تكلمت هاتفيا مع أحد أصدقائي في مدينة مونتريال الكندية، وبعد الكلام و السؤال عن صحة الأهل و العائلة سألته عن الجديد الذي عندهم  فأخبرني بأنه لا يوجد من جديد إلاّ أن بنت أحد مسئولي جامع هناك قد تزَّوجت و أنَّ أحد شروطِ زوجـِها كان أن تخلع حجابها. ضحكتُ و أخبرته أن المودة  الحالية في مجتمعنا هو أن يَـجبرَ الزوجُ  المرأةَ على ارتداء الحجاب و ليس العكس و إلاّ…..
إنني مع حجاب والدتي و خالتي و عمتي و التي لا تريد  نزع حجابها. و أنا في الوقت نفسه مع رغبة زوجتي و إبنتي في لبس الحجاب أو عدمه.

محيي هادي- أسبانيا
شباط 2004
[email protected]