الكوتا اللبنانية



عاصم بدرالدين
2008 / 9 / 26

في الخبر المنشور في جريدة "القدس العربي" بتاريخ 25-9-2008، حول مطالبة النسوة اللبنانيات بـ"كوتا نسائية" في المجلس النيابي، الكثير من النفحات الذكورية والاستعلاء الفوقي على وجود المرأة السياسي، وإذ يحيل كاتب الخبر، السيد سعد الياس، هذه المواقف إلى "مصادر" فإنه يبين لنا بوضوح من نواة الخبر لهجة الاستخفاف. وللأسف في البلد الذي يدعي التحضر والتفوق على محيطه بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يزال فيه هذا الأخير بجنسيه مهمشاً ومنتهكاً.

فالمطالبات، أو المطالبون، بالكوتا سيصدمون عندما يقرؤون تساؤلات المصادر هذه:"لماذا تحتاج المرأة أصلاً إلى كوتا في لبنان؟ وهل هذا يعكس نقصاً في قدراتها؟ أم يعود للضعف في إتقان فنون اللعبة السياسية؟" وكأن هذه الأسئلة وجدت أصلاً لتثبيت الإشكاليات التي تطرحها، فهي تشي باستهجان وسخرية أكثر منه استفسار. ونؤكد للمصدر، الذكوري على الأغلب، أن ما يدفع النساء في لبنان وبقية الدول المتخلفة إلى المطالبة بحصص خاصة لهن في العملية السياسية، ليس نكوصاً يعتريهن، إنما لأن الوعي الجماهيري، أي الرأي العام-الناخب، لا يزال ينظر بدونية للمرأة ومكانتها، ويستخف بقدراتها، ويستهتر بمبادئ المساواة التي يكفلها الوجود الدنيوي الإنساني وحده، دونما العودة إلى المواثيق الدولية.

وفي البلد الذي تنتهك فيه حقوق الإنسان كل دقيقة، ليس مستغرباً أبداً أن ينتج لنا دوماً نماذج أكثر راديكالية في التعامل مع قضية المرأة، فيستحيل الدعم المقدم من الجنس الآخر، أي الرجل، مجرد مصلحة آنية، بعيداً عن أي اقتناع، وكأن الاقتناع بهذه الحقوق الطبيعية أضحى خطيئة لا تغتفر. ففقط المرأة، بناءً على هذه النظرة الرجعية، هي التي تدافع عن حقوقها علها وعسى. أما الرجل، ولأنه في صراع معها، فعليه تحطيمها والقضاء على ما تبقى لها من أمل في المشاركة واللحاق بنظيراتها في الغرب. وإن لعمري هذا الصراع لسخيف وفارغ، ومحض تخيلي.

لكن المشكلة لا تبدأ من الخبر طبعاً، ولا من غياب المشاركة السياسية الفاعلة، فمنذ الطفولة تبدأ عملية التمييز ضمن إطار الأسرة. فالفرحة عند سماع بكاء الوليد الذكر تتخطى بأضعاف الفرحة بالمولودة الأنثى، ثم تأتي المفاضلة: أنتَ رجل وأنتِ امرأة. وبعدها الحجر: اجلسي في البيت فأنتِ امرأة. حتى يصل الأمر إلى حالات تقرير المصير في العمل والزواج والطلاق.. وإلخ.

لا يعني هذا الأمر، أن وضع النساء في بلادنا لم يتحسن، لكنه، رغم الإنجازات التي حققها لا يزال بعيداً بأشواط كبيرة عن الحالة الطبيعية الممكنة، فحتى الساعة لا يزال صوت المعلم بطرس البستاني يصدح في أذاننا منذ العام 1849، فهو أول من تحدث لبنانياً عن أهمية المرأة مطالباً بضرورة تعليمها أسوة بالرجل، وإن حصر مهمتها في التربية المنزلية، ففي زمانه كانت هذه الخطوة تضاهي "الجرم"، لكن المفارقة هي أننا لا زلنا حتى اليوم، رغم مرور أكثر من مئة عام، نطالب بضرورة تعليمها ومعاملتها سواء بسواء مع الرجل!

بيد أن الطامة الأجسر تكمن في أن الرأي العام، المشار إليه أعلاه، يتشكل نصفه من النساء أيضاً، وإن لم يكن أكثر.. مما يعني أن النساء أنفسهن ينظرن باستخفاف إلى وجدهن، وطبعاً هذه الثقافة السائدة ما هي إلا نتيجة طبيعية للتربية الاجتماعية التي ينمو ويشب الأطفال على أفكارها.

وإذا ما أردنا استعراض أسماء النائبات الحاليات، وهن 6 فقط، وتحليل تجاربهن، نرى بوضوح أن هذا العدد ماض إلى الاضمحلال. فحقيقة لا سلطة حقيقة لهن في اتخاذ القرار، حتى عندما قررت النائب نايلة معوض الترشح إلى الانتخابات الرئاسية منذ أربعة أعوام لقيت رغبتها بالسخرية والانتقاد. كما أن فكرة تشكيل حكومة لبنانية برئاسة النائب بهية الحريري (أو برئاسة السيدة ليلى الصلح)، لتكون بديلاً عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السابقة قوبلت بالرفض. أما الاضمحلال الذي أتحدث عنه، فهو يبرز لنا عندما نراقب لائحة المرشحين للانتخابات النيابية القادمة، فمن المتوقع أن يخلف الدكتور سمير جعجع زوجته ستريدا، وميشال معوض والدته نايلة، ونديم الجميل والدته صولانج، كذلك الأمر فقد يخلف النائب الحريري أحد أبنائها والأرجح نادر الحريري. أما المرشحات المحتملات من النسوة إلى الندوة البرلمانية فلم يرشح منهن سوى اسم نايلة تويني ابنة الشهيد جبران تويني.

وإذا كانت الوراثة، هي المذلة التي تكسو وجود النائبات الحاليات، فلا بد لنا أن نشير أن أغلب النواب الموجودين حالياً هم من عائلات امتهنت العمل البرلماني وتوارثته ومنهم: الزين، حرب، غانم، مخيبر، جنبلاط، الجميل، فرنجية، عيتاني... وهذه إحدى السمات الفاضحة للعمل السياسي في لبنان.

إن إقرار الكوتا النسائية لهي خطوة جريئة، رغم أنها مستبعدة، ونحن نؤمن بأن وجودها يقيد العملية الانتخابية، ويحد من الحرية المطلوبة في اختيار المرشحين، لكن وفي المقابل نعتبر أن بقاء الذهنية العصبية-العنصرية المتخلفة على ما هي عليه يهدد ديمقراطية الانتخابات أكثر مئة مرة من حصة محددة، ينتهي مفعولها في زمن معين بعد ثقل الوعي الفردي اللبناني بالتحضر والتقدمية!