رؤية حوارية عن الموقع الذي تحتله المرأة في المجتمع العراقي!



كاظم حبيب
2004 / 2 / 16

كثيرة تلك المعايير التي يعتمدها علم الاجتماع في التعرف على الموقع الذي تحتله المرأة في أي من المجتمعات البشرية, ومن خلالها يمكن التعرف على واقع ومستوى تلك المجتمعات. ويمكن في هذا الصدد إيراد ثلاثة معايير جوهرية تعتبر محكات مركزية لاختبار موقع المرأة ومكانتها في مجتمع ما, وهي:
• طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في هذا البلد أو ذاك ومستوى تطور القوى المنتجة المادية منها والبشرية فيه, بما في ذلك مستوى تطور التعليم والمهارة الفنية وتطور العلوم والحياة الثقافية, أو ما يطلق عليه اليوم بالتطور البشري أو الإنساني.
• مستوى الحياة الديمقراطية ومدى سيادة دستور ديمقراطي وتمتع شعوب هذا البلد أو ذاك بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
• دور المرأة ومكانتها في المجتمع إلى جانب الرجل ومكانتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومدى تمتعها بحريتها وحقوقها كاملة غير منقوصة.
وإذا حاولنا دراسة واقع المجتمع العراقي من خلال هذه المعايير, أي من خلال الربط العضوي في ما بين البناء التحتي للمجتمع والبناء الفوقي المهيمن عملياً لوجدنا الحقائق التالية:
1. سيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وتقاليدها وعاداتها, بما في ذلك العلاقات العشائرية التي تعود إلى حد ما إلى العلاقات الأبوية التي تسبق العلاقات الإنتاجية الإقطاعية في الريف, ولكن تعكس تأثيرها وممارساتها البارزة على المدينة بشكل كبير وبشكل خاص في المجمعات المهمشة من المجتمع المنحدرة من أصل ريفي ولم تدخل عالم الصناعة والعلاقات الإنتاجية الرأسمالية. وهي علاقات تحترم المرأة في داخل العائلة, ولكنها تحتقرها خارج إطار العائلة والمجتمع وتعتبرها ناقصة العقل وعاجزة عن التفكير والتصرف العقلاني وهي دونية ينبغي الحذر منها, وبالتالي عندما يجري الحديث عن المرأة بين رجال ينحدرون من مثل هذه العلاقات تذكر كلمة "حاشاك" حيثما يأتي ذكر اسم الأنثى, وهو تعبير يحط من قدر الأنثى, وكأن الذكور يتحدثون عن شيء لا قيمة له بل أن ذكره يسيء للإنسان الذكر الذي هو "أعلى خلقاً وأكثر عقلاً وأوفر حصافة وقدراً من الأنثى في المجتمع". والعلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية ترتبط بالإنتاج الزراعي في الريف الذي يعتمد الزراعة اليدوية والأدوات البالية التي تؤثر على ضعف مستوى الإنتاجية والإنتاج ومستوى المعيشة للغالبية العظمى من الفلاحين مما يجعل حياة الفلاحين في فقر مدقع ودين دائم, في حين يهيمن الإقطاعي على القسم الأعظم من الريع المنتج من جهد الفلاحين لصالحه ولصالح أفراد عائلته وسراكيله. ويحرم هذا الواقع الفلاحين بشكل عام من القدرة على التعلم وفهم أمور الحياة بشكل أعمق, علماً بأن المرأة في الريف تستغل بشكل مريع وأكثر من الرجل في أحايين كثيرة, فهي التي تطبخ وتنظم الدار وتربي الأطفال وتعمل في الحقل وهي التي يمكن أن تذهب لبيع بعض المنتجات الزراعية في السوق, ورغم ذلك فهي غير مستقلة اقتصادياً بل خاضعة لسطوة الرجل وهيمنته الكاملة, ولكنهما يخضعان معاً, أي المرأة والرجل, لنفوذ الإقطاعي وسطوته المالية وهيمنته الكاملة واستغلاله البشع. والمجتمع العراقي لم ينفض عن نفسه هذه العلاقات, رغم صدور قانون الإصلاح الزراعي بعد ثورة تموز 1958, فأن المرحلة التي تلت ذلك, وخاصة في فترة الثمانينات وما بعدها عاد المجتمع إلى تلك العلاقات الاستغلالية المتخلفة والمعرقلة للتطور الصناعي لتفرض نفسها في الواقع الحياتي المعاش في الريف والمدينة. وهكذا نجد وضع المرأة العراقية في المدينة لا يختلف كثيراً عن المرأة في الريف إلا من حيث كونها تحصل على بعض الخدمات الإضافية التي تحرم منها المرأة في الريف, وهي حبيسة البيت والمطبخ وتربية الأطفال وسجن العباءة الظالم والحرمان من أغلب الحقوق والواجبات الحقيقية في المجتمع. وعندما تحرم النسبة العظمى من النساء من العمل فهن لا يتمتعن بأي استقلال اقتصادي وبالتالي فهن خاضعات وتابعات للرجل لا غير.
2. والحياة السياسية في العراق على امتداد العقود الثمانية المنصرمة لم تكن في الغالب الأعم سوى حياة خالية من ممارسة النصوص الدستورية, سواء أكانت نصوص دستورية دائمة أم مؤقتة. ورغم أن تلك الدساتير كانت تتضمن بعض المبادئ الديمقراطية, ولكن الممارسة العملية كانت تشير إلى عكس ذلك وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة. فالمجتمع خلال فترة حكم البعث الصدامي لم يعرف الحرية والديمقراطية واغتيلت بالكامل حقوق الإنسان وحريته وكرامته بصيغ وأساليب وأدوات شتى. وكانت حصة المرأة تمثل الجزء الأكبر من الحرمان والظلم والعذاب والتمييز المقيت في كل شيء. فإذا كانت حصة الرجل الزج في الحروب ليحمل السلاح ويقابل الموت يومياً وسقط منهم مئات الآلاف, فأن المرأة فقدت حتى ذلك الجزء الضئيل من الحرية التي تمتعت بها في العهد الملكي, وخاصة الفئة الأرستقراطية أو الفئة المثقفة, أو في العهد الجمهوري الأول وفق قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959, رغم كل نواقصه الجدية. وتعرضت المرأة إلى الموت تماماً كما تعرض الرجل في إطار الاعتقالات والتعذيب والحملات العسكرية التي نظمها النظام الاستبدادي ضد الشعب الكردي والأقليات القومية في كردستان العراق, وضد عرب الأهوار والوسط والجنوب, أو ضد الأكراد الفيلية, أو في ولوج السجون والتعذيب والموت تحت التعذيب أو التهجير الإجباري. كما تحملت مع أطفالها الكثير من المعاناة بما في ذلك جرائم الحرب وسقوط القنابل والصواريخ على رؤوس المدنيين في تلك الحروب القذرة وموت الكثير من البشر بسببها. لم تتمتع المرأة بحريتها واستقلالها الاقتصادي ونشاطها الاجتماعي ولم تظلم من الدولة والحكومة وحدها فحسب, بل من قبل المجتمع, والذكور منهم بشكل خاص. وهي إشكالية مرتبطة بالعامل الأول. وغياب الدستور المدني الديمقراطي هو الذي يعزز من الحالة الراهنة التي تواجهها المرأة العراقية, وهي اليوم ليست حبيسة الدار والمطبخ والعباءة فحسب, بل حبيسة تخلف الغالبية العظمى من النسوة والجهل الكبير والتفسير الخاطئ والمتحيز والسيئ للدين من قبل الذكور والموجه ضد النسوة وحريتهن. ورغم اعتراف دولة العراق بلائحة حقوق الإنسان منذ إقرارها في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948, فإنها لم تجد التطبيق الفعلي, بل داس جميع الحكام في العراق عليها بالأقدام, وعندما حاول عبد الكريم قاسم إجراء تغيير نسبي على وضع المرأة باتجاه التغيير والتحسين النسبي وفق ما جاء في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959, هبت ضده كل قوى الظلام, وخاصة الرجال منهم, وشنت ضده حملة ظالمة في هذا المجال, لأنه أراد سحب بعض الامتيازات الممنوحة للرجل ومنح المرأة بعض حقوقها, من بينها الحد من تعدد الزوجات والإرث والطلاق ...الخ. وشاركت هذه القوى الظلامية بدورها في التأليب ضد قاسم من هذا المنطلق وساهمت في إسقاطه, وهي ما تزال تحمل رايات الظلام لتجهز على المرأة قبل أن تطالب بحقوقها, وقبل أن تصل تلك القوى إلى السلطة فعلاً وأصلاً. وقرار 137 لسنة 2003 االرجعي السيئ الصيت الصادر عن مجلس الحكم الانتقالي والذي جمده حاكم العراق السيد بريمر والذي أراد إلغاء قانون الأحوال الشخصية وممارسة الشريعة في الموقف من المرأة, حقوقاً وواجبات, بمختلف المذاهب الدينية.   
3. لو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمع العراقي الراهن لوجدنا ما يلي:
 تراجع حقيقي للمرأة عن المشاركة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة وفي النشاط الاقتصادي, وبالتالي تبعية فعلية للرجل في الحصول على تأمين لقمة العيش والمأوى.
 تراجع فعلي في دور المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التأثير الإيجابي على المجتمع وفي حياة الأندية الفكرية والرياضية والمحافل الثقافية.
 تراجع شديد في عدد الطالبات في المدارس والمعاهد والجامعات بما يعكس موقف الرجل من المرأة. وكل المعطيات المتوفرة تشير إلى ذلك بصراحة كاملة.
 انتشار البطالة بشكل واسع في صفوف الإناث أضعاف حجم البطالة في صفوف الذكور. 
 التأثير الصارخ لرجال الدين الرجعيين, وليس لبعض علماء الدين الذين يقرأون القرآن قراءة سليمة عقلانية واعية لأمور الدين والدنيا والتغيرات الطارئة عليها, وكذلك المشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية.
 وقوع المرأة حبيسة العباءة المركبة والحجاب الخانق الذي لم يأمر به القرآن ولا السنة المحمدية ولا الخلفاء الراشدين ولا علماء الدين المدركين لأمور الدين والدنيا, بل بعض أولئك الذين قرأوا القرآن بصورة خاطئة وغير عقلانية وظالمة ووفق ما يريدونه مسبقاً للنساء المسلمات. إنها تجسد الرغبة الجامحة لدى الرجال في الهيمنة على المرأة والغيرة غير العقلانية عليها, وهي تنطلق من وعي مسطح ونزعة جنسية ذكورية لا غير.   
 وإذا كانت المرأة قد وضعت في مجلس الحكم الانتقالي, فذلك جاء بتأثير الولايات المتحدة وبعض المدنيين العلمانيين الديمقراطيين في قوى المعارضة العراقية لا بتأثير المجتمع العراقي أو القوى التي لا تريد الخير للمرأة. ولكن هذا الأمر لم يجد تعبيره في الحكومة المؤقتة في ما عدا المرأة الشجاعة والمناضلة من أجل حقوق المرأة السيدة نسرين برواري, إضافة إلى السيدات سوسن الدملوجي وهناء أدوارد وزكية خليفة وسوسن الباججي ومجموعة غير قليلة من النسوة اللواتي ينشطن في مجال حقوق المرأة في الداخل, إضافة إلى مجموعة مهمة تعمل في الخارج.
ويمكن إيراد العشرات من الظواهر الأخرى التي تؤشر واقع تخلف المرأة في العراق وحرمانها من الدور والمكانة التي تليق بها باعتبارها النصف الحيوي من المجتمع الذي يمتلك كل الحق في أن يكون نداً للرجل وممتلكاً لكامل الحقوق التي يتمتع بها الرجل دون استثناء وفي جميع المجالات. فالمرأة ليست للإنجاب فقط, بل هي للحياة كلها, وهي نبع الحياة وعلى النبع أن يمتلك الحياة بكل معانيها مع الرجل سواء بسواء.
إن المجتمعات الغربية, رغم كل النواقص التي ما تزال تعاني منها المرأة, فإنها تمتلك حقوقاً يصعب على غالبية النساء العراقيات أن يحلمن بها بسبب حالة القهر والحرمان والتخلف والظلم التي تعشن تحت وطأتها. وهذه الحقوق ناجمة عن اختلاف في المعايير التي أوردناها في بداية المقال, إذ تسود في هذه البلدان العلاقات الإنتاجية الرأسمالية, وهي مجتمعات مدنية تسودها دساتير وحياة ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته, وللمرأة في هذه المجتمعات مكانة ودور كبيرين ينموان باستمرار, رغم تعرض المجتمع كله إلى استغلال العلاقات الإنتاجية الرأسمالية, واستغلال الإناث فيها أكبر من استغلال الذكور حتى الآن, ولكن المرأة تسير على خط نضالي لانتزاع كامل حقوقها ومساواتها التامة بالرجل. وأول شيء تحتاجه المرأة هو التعليم بمختلف مراحله لتأمين القدرة على وعي ما يجري حولها والمشاركة في ذلك. فعلى سبيل المثال لا الحصر أشير إلى أن نفوس مدينة برلين, عاصمة جمهورية ألمانيا الاتحادية بلغ في عام 2003 حوالي 3400000 نسمة. في هذه المدينة ثلاث جامعات والكثير من الكليات والمعاهد المتخصصة, بلغ عدد الدارسين فيها في السنة الدراسية 2003/2004 (140177) طالبة وطالباً. 52,6 % من الإناث في مقابل 47,4 % من الذكور. حتى أن بعض الجامعات نجد أن نسبة الإناث بلغت 58,3 %’, كما هو الحال في جامعة همبولدت. إن المرأة في الغرب تحتل مواقعها في السياسة وفي قيادات الأحزاب وفي الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وكذلك في المجالس النيابية على مختلف المستويات, كما أنها تلعب دوراً متميزاً في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء, وفي الحياة الثقافية والتأليف والنشر وفي مجالات العمل الإبداعي بمختلف جوانبه. ومع ذلك هناك الكثير من العوائق والمصاعب التي تواجه المرأة ومنها التمييز في بعض مجالات العمل والتوظيف والأجر والاستغلال والبطالة وانتشار ظاهرة العهر النسوي بسبب الحالة المادية لعدد متزايد من النسوة, وخاصة القادمات من أوروبا الشرقية, وهي جزء من تركة المجتمع الإقطاعي الذكوري والطابع الاستغلالي للمجتمع الرأسمالي الراهن أيضاً.
إن ما ينبغي النضال من أجله في العراق في المرحلة الراهنة يتلخص في:
• تضمين الدستور مساواة تامة بين المرأة والرجل في كل الميادين والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والعسكرية دون استثناء. إصدار قانون خاص يستند إلى لائحة حقوق المرأة الدولية, وإلغاء جميع القوانين المخالفة للائحة حقوق الإنسان ولائحة حقوق المرأة الدولية وتلك التي تستهين بدور المرأة ومكانتها في المجتمع. 
• رفض أي شكل من أشكال التمييز إزاء المرأة وإدانته ومكافحته.
• دعم جهود المرأة في مكافحة أمية كبار السن وخاصة في الريف, وكذلك النهوض بمستواها التعليمي والثقافي وقدرتها على مزاولة مختلف النشاطات الفكرية والثقافية والاجتماعية والفنية وتشكيل منظماتها غير الحكومية.
• دعم جهودها للحصول على فرص عمل وضمان استقلالها الاقتصادي وأجر مساو لأجر الرجل لعمل مماثل.
• تأمين فرص مناسبة لضمان مساعدة المرأة في تحمل أعباء تربية الأطفال مع الرجل ومن خلال فتح دور للحضانة ورياض للأطفال ..الخ.
• احتلال المرأة موقعها المناسب في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتخصيص نسبة مناسبة لها تقترب تدريجاً ومع تطور دورها مع نسبتها في عدد السكان. 
• رفض القيود التي يراد فرضها على المرأة من خلال تطبيق الشريعة, التي هي من عمل الذكور بالأساس ومتباينة من مشرع إلى آخر ومن بلد إسلامي إلى آخر.
• رفض مبدأ تعدد الزوجات وحماية المرأة من اضطهاد الرجل وتطبيق لائحة حقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة بالكامل.
• رفض إلزام المرأة المسلمة بارتداء الحجاب أو العباءة, وتركها تمارس ما تريده ومساعدتها على الخلاص من أي قيد يحد من حركتها ونشاطها في مختلف المجالات.
• تحريم التجاوز على المرأة أو ضربها وتحريم ما يطلق عليهم "بالقتل من أجل غسل العار" ومعاقبة صارمة لفاعليه.  
• ,,,, الخ.
إن مثل هذه البنود تستوجب إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة فيدرالية تأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة مع الاحترام الكامل لكل الأديان والمذاهب.
برلين في 15/02/2004       كاظم حبيب