هو وسفرائها!



وجيهة الحويدر
2008 / 10 / 24

استيقظ في صباح اليوم التالي بعدما رحلت عنه تاركة ورائها سفرائها. لم يكن ليعلم انه سيجدهم في كل الزوايا منتهكين حقه في المكان. كأنهم بقوا ليحيكوا خطة ضده، خطة محبوكة بدقة فائقة.. بأجندة واضحة ورسالة تحمل طابع حب شديد اللهجة مكتوبة كالتالي: لك ان تختار، مع حبيبتك عشق يبعث حياة في الموتى، بدونها حياة موت لا ينفع فيها حتى سحر سيدنا عيسى..
اعترته خشية مما يجري في غرفته..سفرائها يجوبون الهواء، ويباركون الأجواء بأنفاسها. تعويذاتهم كست الحيطان، وتزاحمت على اطراف النافذة..

جميعهم كانوا يحثونه على مواصلة علاقة عشق بلا خطوط حمراء مع حبيبته المجنونة. لم يكن ليدرك مدى تأثيرهم عليه، وشدة الحجة التي يمتلكونها..

سفرائها كثيرون، يكادون يحتلون الغرفة، وهو هناك مستلقياً وحده على سرير بارد بصقيع يعشش في قلبه..كأنها حين رحلت اخذت دفء المكان معها..

التفت حوله واذا بوحشة عجيبة تلوك مساحات منه، وتلفظ على الزوايا آلام الوحدة..

خذلته اشيائه كلها .. حتى اغطية سريره صارت تجتر شريط ممارسة حب مع عشيقة اتته من آخر الزمان، بلمسات شبقية من "افروديت" ، وبحكمة من عشتار، وسكينة من اللات المقدسة..



الكرسي ..الطاولة ..يتأهوان بصوت تلك العشيقة.. والتلفاز رسم على شاشته تقاسيمها! جهاز الكمبيوتر مع مفاتيحه يتربعون سطح المكتب .. تكاد اثار اناملها تعيد مداعبتهم بمسحة انثوية ناعمة ..



هواء طلق يخترق الأمكنة..كلهم صاروا لها.. كل الاشياء! هل بالفعل ان القلاع تؤتى من الداخل ..؟؟ لا يدري..لكنه مدرك تماما ان قلعته تخلت عنه، فلم يقف اي ممن يعرفونه في الساحة معه..



لحظة مرّت عليه بسكون ليلة شتاء قارس، حملت بين طياتها رائحة غدر مبيـّت..ومن حيث لا يدري داهمته رائحة عطرها، تحرشت به .. ولجت داخل كل عضو فيه...جردته منه...ثم نبشت بغنج شهرزاد الساحر في الذاكرة، فأثارت شجون لم تكن لتهدأ سوى لتندلق منه مرة اخرى بكل سخاء..الى ان ارتسمت تقاسيم لبوادر هزيمة على وجهه..

"لانجري" لها نسيته ..هل هو حصان طروادة؟؟ هل لباسها الداخلي سيحسم لها معركة لم تخضها..؟؟ عجيب جدا امر "اللانجري" ذاك.. صارخ بلونه.. احمر ناصع، يتسم بشيمة ملكات منسيات من عهود قديمة. لباسها يحرضه، يصر على اثارته وتلبية طلبه..كصبغة شفاه مرسومة على افواه نساء الهوى.. "اللانجري" يناصر عشيقته ببسالة.. ويجزم ان مد جسور حب تلك المرأة الفاتنة يجعله رجل اكثر جذابية ووسامة..


استحوذ عليه منظر "اللانجري" وهو موضوع برقة على الكرسي المقابل لسريره.. يستجديه بمسحة القديسين والصالحين ان لا يكف عن التحديق به.. وكأنه ما زال يكتنز جسد حبيبته المحمومة..اي مجون هذ؟ واي فسق يجتاحه؟؟

حاول النهوض من السرير، لكن آثار حبيبته الساحرة تكاد تكون منقوشة على الفراش.. تصر بعنف على البقاء في مكانه! مجنونته استعبدته بغيابها..لا تقبل ان تسمع بكلمة "لا" حين تضاجع عبدها.. تشبه سيدة قريشية ثرية صارمة اتته من عصر الجاهلية.
اسدلت الشمس الانثى اشعتها على الزوايا ..فحط النهار حمله..وبلغة سلام الرجال الشجعان تساءل: هل يا ترى يولي امره لحبيبة لأنها احتلت المكان؟ حيث قضى معها وقت عجزت الساعة عن ضبطه.. ها هو ذا يعاشر طيفها.. كخليفة عباسيي شبقي متيم، اهدى مملكته لجاريته الجميلة كتعبير لحبه لها...

ارتعش وانتابته نشوى في آن..ادرك فجأة ما يحدث له، بعد ان شعر ان جسده هو الآخر اصبح حليفاً لتلك الحبيبة المغادرة .. وقلبه وشيء من كله تواطؤا مع سفرائها..لوهلة احسَّ بكامل ظواهر الهزيمة ..لذلك أمر ما تبقى معه من انصار ان يكفوا عن مقاومة سفراء حبيبته الشبقية، وان يسلموا امرهم لها.. كما فعل جده آدم مع رفيقته حواء ..