الوزيرة الكويتية في مرمى النيران الاسلامية



ابراهيم علاء الدين
2008 / 10 / 26

اعتبرت اللجنة التشريعية والقانونية البرلمانية في مجلس الأمة الكويتي إسناد الحقائب الوزارية للوزيرتين موضي الحمود (وزيرة الإسكان والتنمية) ونوريه الصبيح (وزيرة التربية) «مخالفا للمادة 82 من الدستور وللمادة الأولى من قانون الانتخابات والتي تشترط على المرأة إتباع القواعد الإسلامية»، كونهما لا يرتديان الحجاب.
والدكتورة الحمود والسيدة الصبيح ليستا فقط من ابرز وأكفأ النساء الكويتيات بل ربما من الأكفأ على المستوى العربي، وتضاهيان من حيث الخبرة والقدرة والكفاءة الكثير من السيدات البارزات على مستوى العالم.
لكن تيارات الإسلام السياسي أيا كان اسمها أو مسماها تسقط كل كفاءة وكل خبرة وكل ميزة تتميز بها المرأة إذا لم تغطي شعرها بقطعة قماش، هذا في أحسن الأحوال ، بينما القوى المتزمتة والمتطرفة لا ترى المرأة أصلا إلا حبيسة بيتها .. وكل مهمتها خدمة سيدها الزوج وإرضاء غريزته الفطرية.. وإذا ما خطت خطوة خارج منزلها فعليها أن تلف نفسها بخيمة سوداء إلا من فتحة لعين واحدة .. كما أفتى بذلك مؤخرا أحد شيوخ السلفية الوهابية.
وقد ردت الوزيرة الحمود التي تمتلك خبرة عمرها أكثر من ربع قرن في العمل العام بقولها: «ياخوفي تنتهي عضويتنا وعضويتهم وينفض المولد» في إشارة إلى احتمال حل مجلس الأمة الذي لم يمض على انتخاب أعضاءه عدة أشهر، بعد أزمة عنيفة مع الحكومة.
واحدث موقف اللجنة التشريعية التي يغلب ينتمي معظم أعضائها لتيار الإسلام السياسي ردة فعل قوية في الأوساط السياسية والفكرية والثقافية وفي أوساط المرأة الكويتية، والتيار الديمقراطي في البلاد.
فقد وصف التحالف الوطني الديمقراطي القرار بأنه إساءة كبيرة للمرأة الكويتية، وطالب المؤيدين للمرأة وحقوقها برفضه.
كما قررت ناشطات سياسيات التحرك في أكثر من نشاط للتنديد بقرار اللجنة التشريعية. ويجري التحضير لتنظيم اجتماعات وندوات ومؤتمرات وغيرها من الأنشطة في مواجهة هذا التوجه الذي وصفته إحدى الناشطات بأنه توجه تعسفي ، ويرمز إلى انه ما زال في المجتمع الكويتي من يؤمن باضطهاد المرأة ولا يؤمن بحقها بالمساواة الذي اقره الدستور، ولا يعترف بالدور الهام الذي قامت وتقوم به المرأة في بناء الوطن وبناء الإنسان.

وأعلنت جمعية الخريجين رفضها ما توصلت إليه اللجنة التشريعية من تفسير ما تسميه بالضوابط الشرعية «التي زرعتها القوى الدينية المتزمتة للانتقاص من الانتصار الذي حققه المجتمع الكويتي عندما أقرت الحقوق السياسية للمرأة».
وقالت الجمعية في بيان لها أن «قرار اللجنة باعتبار توزير السيدتين الفاضلتين نوريه الصبيح والدكتورة موضي الحمود مخالف للقانون يمثل إهانة لا يمكن السكوت عنها ليس للمرأة فحسب بل لكل المجتمع الكويتي "وتابعت "إننا ومع الأسف الشديد وبدل من تركيز اهتمام نوابنا الأفاضل على القضايا التنموية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تطور مجتمعنا، نجد هؤلاء النواب ينحرفون بالعملية التشريعية إلى أجندتهم المتزمتة التي لا ترى أي دور للمرأة خارج البيت".
وقالت أنها إذ ترفض «أجندة هذه القوى، فإنها تحمل نواب الأمة والقوى الحية في المجتمع الكويتي مسؤولية التصدي للمحاولات المستمرة لفرض وصاية ورأي الجماعات الدينية على المجتمع الكويتي بأكمله»، كما تدعو النواب والحكومة إلى تعديل قانون الانتخاب وإلغاء النص الذي وضعته تلك القوى كمسمار جحا لتنسف أي انتصار لمصلحة المرأة والمجتمع».

وفي نفس الوقت تصدى عدد من الكتاب البارزين لقرار اللجنة فقال الكاتب الأشهر في الكويت محمد مساعد الصالح "يا خوفي على الكويت من آراء وأفكار «المحافظين» الذين يريدون اخذ الكويت بعيدا إلى الوراء .. ولا اعرف، كيف سمح المحافظون هؤلاء بالطعن في زميلتين باسم الشرع لأنهما لا تضعان على رأسيهما «ايشارب» لتخفيا شعريهما، متدخلين ــ هؤلاء النواب الظلاميين ــ في خصوصية الإنسان واختياره ما يلبس وما يضع على جسمه.."
وأضاف الصالح قائلا " وأتساءل كما يتساءل كل صاحب عقل سليم: هل إصلاح التعليم مرتبط بتغطية الرأس؟.. وهل إسكان المحتاجين للسكن ومتابعة القضايا التنموية له علاقة بشعر المرأة؟
واستنكر الصالح موقف نواب التيار الإسلامي بقوله " هؤلاء النواب يبدو أنهم لا يعيشون في القرن الذي يعيش فيه العالم، وليتهم يزورون المجمعات و"المولات" في الكويت ليروا بأعينهم وليس بعقولهم الفتيات المحجبات بكامل زينتهن وكأنهن موديلات يستعرضن آخر ما توصلت إليه الموضة من «ايشاربات» وملابس ضيقة.. والرموش الصناعية. هل هذا النوع من اللباس هو الشرعي الذي يريده المحافظون؟
وقال الصالح وهو محام شهير وكان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جريدة الوطن الكويتية "خوفي على الكويت من غياب العقل الذي يمارسه المحافظون وفرض لبس «الباروكة» على الوزيرتين".

فيما قال الكاتب عبد اللطيف الدعيج "قرار اللجنة التشريعية ليس انتقاصا من المواطنة الكويتية وحسب، وحدوده لا تقف عند اهانة السيدتين الوزيرتين أو بقية نساء الكويت، مع فداحة هذا الأمر، لكن القرار هو نسف متعمد للنظام الديمقراطي برمته، واعتداء فج على المبادئ الديمقراطية في العدالة والمساواة. وهو يؤكد الطبيعة الرجعية والدور المتخلف الذي اضطلع به مجلس الأمة في الكويت، منذ يوم الحل غير الدستوري له سنة 1976 وما أعقبه من تحالف قوى الردة الدينية والقبلية ضد التقدم والتنمية الشاملة".

أما الكاتب حسن العيسى وهو من ابرز كتاب التيار الديمقراطي في الكويت فقد كتب في مقاله اليومي بجريدة القبس " تصويت اللجنة التشريعية بإقرار إلغاء قانون منع الانتخابات الفرعية وفرض الحجاب على الوزيرتين سواد وجه ليس فقط لأعضاء اللجنة الذين صوتوا مع القرارين التهريجيين، وإنما للمجلس ولأهل الكويت برمتهم الذين أنتجوا تلك الشاكلة من الأعضاء ولا بد أن الأعضاء المصوتين يشعرون بالفخر والاعتزاز بإنجازهم المتخلف فكريا، وهذا حقهم، وتلك مشاعرهم أياً كانت سذاجتها وسطحيتها ".

أما الكاتب علي احمد ألبغلي وهو محام مرموق فقال "لم أجد وصفاً يليق بقرارات أسوأ لجان في أسوأ مجلس أمة وهي اللجنة التشريعية لمجلس 2008 إلا بأنها تشبه «التشريبة» وهي أكلة كويتية لا نراها ولا نأكلها إلا في رمضان وكطبق إضافي وليس رئيسياً، أي أنه إذا لم يحضر أو يوجد على المائدة فلن يفتقده أحد"، مضيفا قوله "ما أضحكني هو قرار إبطال عضوية الوزيرتين «الصبيح والحمود» لعدم التزام الوزيرتين بالضوابط الشرعية، ويعني بها فقهاء اللجنة التشريبية الجدد، عدم ارتدائهما للحجاب".
وقال ألبغلي " الآخر فلو انطبقت الضوابط الشرعية على المرأة بوجوب ارتدائها للحجاب فيجب أن تنطبق على الرجل بوجوب أن يكون ملتحيا، وهو الأمر غير المتوافر حتى لدى رئيس اللجنة التشريعية أو التشريبية".
وهذه ليست أول مواجهة تعلق بقضايا المرأة في الكويت فقد أثيرت قضية الحجاب بعد الانتخابات التي جرت في ابريل الماضي حين تقدم احد أعضاء التيار السلفي برفع قضية طالب فيها بعدم دستورية الانتخابات ونتائجها، وذلك كما تضمنت وقائع الدعوى أن الكثير من الناخبات الكويتيات مارسن حقهن بالتصويت وحضرت إلى المقرات الانتخابية دون ارتدائهن الحجاب.

وبجدر بالذكر أن النساء بالكويت ناضلن نحو 40عاما حتى تمكن في عام 2006 من الحصول على حقوقهن السياسية، وقد خاضت مجموعة من السيدات البارزات الانتخابات كمرشحات في الدورتين الأخيرتين لكن الحظ لم يحالف أي منهن بسبب ما اجمع عليه المحللين تقريبا وهو هيمنة الأفكار المحافظة في مجتمع ما زالت غالبيته حديثة العهد بالحياة الحضرية وما زالت القيم القبلية والبدوية تسيطر على غالبية فئة ذوي الدخل المحدود (الفقراء بالمقاييس الكويتية) وهيمنة الرجل على قرار زوجاته وبناته في كافة المناحي بما فيها الناحية السياسية.

ويشير قرار اللجنة التشريعية إلى أن الديمقراطية الكويتية العريقة بالمقارنة مع الديمقراطيات العربية لم تتمكن من تعميم وتعميق المفاهيم الديمقراطية والليبرالية في المجتمع الكويتي، وان القوى المحافظة التي تعارض النهج الديمقراطي من حيث المبدأ، والتي غيرت تكتيكاتها السابقة التي كانت قائمة على تحريم العمل والمشاركة بالعمل السياسي على أسس ديمقراطية، إلى تكتيك جديد مضمونه استغلال الديمقراطية لتحقيق الأهداف السياسية المحافظة وفي مقدمتها وأد الديمقراطية نفسها.
ولذلك فان المعارك التي تواجهها المرأة الكويتية تأتي في هذا السياق .. أي سياق المفهوم العام للسياقات والعلاقات الاجتماعية للمجتمع ككل وفق رؤية تيارات الإسلام السياسي.
ولكن وكما تمكنت المرأة الكويتية من تحقيق الانتصار لو الانتصار والذي كان أهمها حصولها على حقها السياسي فإنها ستنجح في هذه المعركة أيضا وسوف تفشل خطط وتوجهات التيار المحافظ من إلغاء حق الوزيرتين الدكتورة الحمود والسيدة الصبيح بالتوزير.. وحتى إذا ما نجح المتزمتون من إخراجهما من الوزارة فان الوزارات القادمة سيكون من بين أعضائها وزيرات جديدات.. فقد انتهى زمن إقصاء المرأة الكويتية .. والتاريخ لا يعود إلى الوراء .. وسيواجه تيار التطرف والتزمت الفشل تلو الفشل.