الردود النيرةعلى -فتوى- زاوج الصغيرة1



سامر أبوالقاسم
2008 / 10 / 29

في غمرة الانتشاء بما تحقق من مطالب ومكتسبات في المجال الحقوقي بشكل عام، وفي المجال النسائي بشكل خاص، في مطلع القرن الواحد والعشرين بالمغرب، والتي لا تزال عالقة في أغلب البلدان العربية والإسلامية، وهي – بالمناسبة - مكتسبات جعلت كل المهتمين في المنتظم الدولي يشيدون بها، وبمن ساهم في العمل على تحقيقها، وبالبلد الإسلامي الذي احتضنها وسعى إلى إيجاد المخارج من أجل تثبيتها وترسيخها والتربية عليها.

وفي غمرة الاستعداد لتخليد اليوم الوطني للمرأة المغربية، وهو اليوم العاشر من شهر أكتوبر، الذي يحيل على سنة 2004، اليوم والسنة اللذان يؤرخان للإعلان عن صدور مدونة الأسرة الجديدة، واللذان جاءا في إطار الدينامية المتنامية التي عرفتها الساحة المغربية بفعل نضالات القوى الحية بالبلاد؛ سياسية وثقافية وفكرية وحقوقية ونسائية، من أجل إنصاف المرأة المغربية وتمكينها وجعلها في وضعية الاندماج في بوثقة التنمية والدمقرطة والتحديث التي يصبو إليها كل الديمقراطيين والديمقراطيات.

وفي غمرة التطلع إلى النهوض بثقافة حقوق الإنسان عموما، من خلال التربية على قيم الكرامة والحرية والمساواة والعدل والتسامح والتضامن والتكافل، والتوجه نحو نوع من رد الاعتبار التاريخي للمرأة المغربية، من خلال التربية على المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص والتمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني.

وفي غمرة الانكباب الجماعي من لدن كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وإطارات المجتمع المدني، من منطلق المقاربة التشاركية، لتربية الأجيال الصاعدة على القيم الكبرى المؤطرة لبنود مدونة الأسرة الجديدة من كرامة وعدل ومساواة وتضامن، وترسيخ مبادئها الحقوقية، لكي تصبح قيما ومبادئ قابلة للتمثل من قبل كافة المواطنات والمواطنين، وقابلة لتأطير وتوجيه تصرفاتهم وتعاملاتهم وفق ما تقتضيه قواعد السلوك المدني.

وفي الوقت الذي كنا نعتقد أن "فقهاء التكفير" قد اهتدوا ورجعوا إلى رشدهم، فيما يتعلق بالنقاط التي كانت تشكل خلافا بينهم وبين من كان ينحو منحى تحديث الترسانة القانونية المرتبطة بتنظيم العلاقات الأسرية، المتمثلة أساسا في سن الزواج والولاية والطلاق والنفقة والحضانة والممتلكات الزوجية، طلع علينا المدعو محمد المغراوي في السابع من شهر شتنبر 2008 بمقال في موقع "جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة" التي يرأسها، لينتقد ويرد من موقع "العالم" على ما جاء في الصحف من تعليقات على "الفتوى"، التي أصدرها في نفس الموقع بخصوص موضوع سن الزواج، بتاريخ 12 غشت 2008، عن طريق السب والشتم، لكل من كان وراء نقل خبر "الفتوى" أو التعليق عليها أو تحليل مضامينها وأبعادها الفقهية والاجتماعية والسياسية والحقوقية.

ومما جاء في المقال المذكور قوله: «إقامة دعوى على صاحب هذه الفتوى والطعن فيها في الصحف والمجلات - بالألفاظ القاذعة التي لا تليق بالسوقة فضلا عن الصحافيين ورجال الإعلام - إقامة دعوى وطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي فقهاء الإسلام قاطبة».

وبهذا القول يكون المدعو محمد المغراوي قد تجاوز حدود موقع "العالم" "المتفقه" في العلوم الشرعية – حسب منطوق مقاله - لينصب نفسه مقام فقهاء الإسلام قاطبة ومقام الرسول حين يعتبر رفع دعوى عليه هي بمثابة رفع دعوى على فقهاء الإسلام وعلى الرسول، والطعن في "الفتوى" موضوع النقاش هو طعن مباشر في فقهاء الإسلام وفي الرسول. وهو ما يؤكد صدق انتقادنا لمثل هؤلاء الذين يتصدرون الفتوى دون أخذ الاحتياطات اللازمة التي تفرضها عملية الاجتهاد المفضية إلى بيان الحكم الشرعي لعامة الناس بخصوص أمر ما يكون موضوع سؤال أو نقاش، أو المفضية إلى ترجيح حكم على آخر بناء على ما توفر من الحجج والأدلة والقرائن التي يمكن أن تجعل المفتي في مكان ما وزمان ما يميل إلى هذا الرأي دون الآخر.

بحيث لم يبق لصاحب "الفتوى" و"الرد" سوى أن يعلن نفسه "ناطقا رسميا" باسم الإسلام، بعد الرسول وفقهاء الإسلام كما ذكر في رده، وهو بذلك يقف في صف نفس المنطق الذي يتبناه التيار السياسي الديني بالمغرب، حين يعتبر نفسه حامي حمى الدين في هذا البلد الذي ما أن يستفيق من أذران المعادلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت سببا في تخلفه وفقره وجهله، حتى يغرق في سبات معضلات التدين الجاهل والمتخلف المعرقل لكل إمكانيات واحتمالات تجاوز الأوضاع المأزومة بالبلد.

وللتذكير فإن كل الذي ذُكِر هو بسبب أن المدعو محمد المغراوي أصدر بتاريخ 12 غشت 2008، بموقع "جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة"، أول" فتوى" له في موضوع سن الزواج، عنونها بـ "تزويج المرأة قبل أن تصل إلى سن المحيض"، وذلك بناء على سؤال موجه إليه: هل تعني الآية الرابعة من سورة الطلاق أن المرأة قد تزوج قبل أن تصل إلى سن المحيض أو قبل أن تبلغ المحيض، فهل هذا ممكن؟

فكان الجواب على الشكل التالي: «...ربط الزواج بالحيض فليس هناك ما يدل عليه، فالمرأة متى أمكنها تحمل الرجل، بكل ما في الكلمة من معنى يجوز لها التزوج، النبي عليه الصلاة والسلام تزوج عائشة على سبع ودخل بها وهي على تسع، ولاشك أن هذه سن صغيرة جدا.. فمتى كان في المرأة إمكانية لتحتمل الرجل فتزوج على أي سن كانت.. قد تظهر الإبنة على عشر أو إحدى عشر أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر، ويكون لها جسم وعقل وبنية ومؤهلات تمكنها من الزواج، فهذا الأمر شهدناه وعرفناه وسمعنا به وحدثنا به، أن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه»، علما بأن المسار الذي عرفه النقاش حول سن الزواج ما بين 1999 و 2004، والذي شارك فيه كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين والقانونيين والدينيين، والذي استحضر جميع الشروط والظروف الاجتماعية والأسرية، توج في نهاية المطاف بالاجتهاد المتوافق عليه، المفضي إلى تزويج كل من الفتى والفتاة في سن الثامنة عشر.

فهل يمكن اعتبار توقيت هذه "الفتوى" إيذانا بحرب جديدة من طرف التيار السياسي الديني بخصوص موضوع المرأة، بالرغم مما تم التوصل إليه من صيغ التوافق على بنود مدونة الأسرة الجديدة؟ أم هي شكل من أشكال الضغوط الدينية التي تمارسها جماعات التيار السياسي الديني من أجل الحصول على مواقع سياسية متقدمة؟ أم هي عبارة عن مآلات التأطير والتوجيه غير المتحكم فيه من طرف الجماعات السياسية الدينية؟ وهل يمكن الاطمئنان مع صدور مثل هذه الفتاوى والقنابل الموقوتة والأحزمة القابلة للنسف لحاضر ومستقبل التدين بالمغرب؟

إننا بحق، كمغاربة، في وضعية الاستمرار في ورطة التعامل مع منطق وشكل التدين، منذ الإعلان عن مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، مرورا بتعديل مدونة الأسرة الجديدة، ووصولا إلى كل التفجيرات التي عرفها المغرب منذ 16 ماي 2003، واستشرافا لمآلات مثل هذه "الفتاوى" الناسفة لكل الجهود المبذولة في سبيل تغيير وتحسين الأوضاع.