نصفنا الآخر ـ 2 حقوق المرأة والصراع الأجتماعي الطائفي



مهند البراك
2004 / 2 / 27

 لم تنجح ثورة او حركة اصلاح اجتماعي، ان لم تساهم ولم يقترن بها بالتالي، تحسّن وتطوّر في حقوق المرأة وفي وضعها الأجتماعي الأقتصادي السياسي.  ذلك ماحصل منذ ثورة العبيد وظهور الديانات، الى الثورة الفرنسية ثم الصناعية والأشتراكية، وحتى انهيار الأنظمة الشمولية فالعولمة وما تفتّح من صراعات اقتصادية ـ اجتماعية جديدة .
 لقد ادّت التغييرات تلك ومنذ القرن المنصرم بشكل اكثر وضوحاً، الى تقلّد المرأة ادواراً هامة على مسرح السياسة العالمية، كمرغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية والسيدة ماو تسي تونغ زوجة الرئيس الصيني الراحل ومادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية، الى ان تبوّأت منصب وزيرة دفاع دولة كبرى كما هو جارٍ في فرنسا اليوم . اضافة الى ظهورالمرأة زعيمة في آسيا وفي الشرق العربي الأسلامي، من زعيمة الهند انديرا غاندي، زعيمة سيريلانكا بندرانايكا، رئيسة وزراء باكستان بنازير بوتو، زعيمتا الفلبين اكينو،  م. ارويو  ورئيسة وزراء تركيا شيلر، الى زعيمة اكبر دولة اسلامية مكاواتي سوكارنو رئيسة وزراء اندونيسيا .   
 واذا ما لعب الصيد والقتال والقوة العضلية الدور الأساسي والوحيد لتقلّد الرجل الدور القيادي في المجتمع ونشوء  ما اصطلح عليه بالمجتمع الذكوري، فان الثورة التكنيكية والمعلوماتية وزيادة الأعمال المكتبية والأدارية تدفع المرأة الى الأعمال القيادية الأدارية من جهة، وتدفع بها الى اسواق العمل الجديدة حيث يجري التسابق على تشغيلها باجور اقل، الأمر الذي يترك تأثيرات اكثر قساوة على الأسرة والأطفال، ويطرح قضية المرأة وحقوقها بشكل متزايد الأهمية في مجتمع اليوم .
 وفي شرقنا القديم، ظهر الأسلام تحت الراية المحمدية، في مجتمع الجاهلية العبودي داعياً الى انصاف الفقير وتحرير العبيد، مؤسساً حضارة (عربية اسلامية)، وانتمت لها شعوب وقبائل غاية في التباين، في قومياتها وثقافاتها وعاداتها ومجتمعاتها. لقد دعى الأسلام الى انصاف المرأة حيث حرّم وأد البنات، وحرر المرأة التي كانت تورث كالحيوان والمال والمُلك، وحوّلها الى شريك للرجل في الميراث، مثبتاً ذلك ولأول مرة في مجتمع الجزيرة العبودي آنذاك، في سورة النساء، الآية السابعة التي ورد فيها بوضوح " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه او كثر نصيباً مفروضاً " والآية التاسعة عشرة " ياايها الذين آمنوا لايحل لكم ان ترثوا النساء كرها .  .   . وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً".
 لقد جاءت الآيات الكريمة اعلاه في ظرف وصف بـ " عندما يموت رجل كان ابنه البكر يرث ارملته. كان يستطيع، ان لم تكن أمه الحقيقية، اما ان يتزوجها، واما ان يمد حقوقه عليها الى شقيقه او ابن اخيه اذا رغب. وكان بمكنة هؤلاء الزواج بها بدلاً عنه .  .  وعندما يكون الأبن الوريث شاباً صغيراً، كانت زوجة ابيه تُمنع من الزواج ثانية، وكانت مجبرة ان تنتظر ليصبح هذا اكبر كي يستطيع اتخاذ قراراً بشأنها  "(1)  .  .  .  الأمر الذي هزّ المجتمع هزاًّ عنيفاً ، حين شعر قسم من الرجال المسلمون الأوائل، بان دينهم الجديد (خسّرهم) بتدخله في امتيازاتهم على النساء، حيث خسروا جراّء ذلك في الأموال الموروثة التي خرجت منها النساء اولاً، ثم اصبحن شريكات لهم بما تبقى منها ثانياً . اضافة الى دعوة الأسلام الى التعامل مع المرأة بشكل انساني ان وقعت اسيرة والى تحريرها ان دخلت صفوفه ، مضيفاً بذلك بعداً جديداً للعتق من العبودية، الذي كان يجرى مقابل المال فقط قبلذاك، في مجتمع قحط وغزوات وغنائم، مجتمع القوة عهدذاك، الذي مرّت به المجتمعات البشرية.
 ويشير المؤرخون الى ان قسماً كبيراً من الرجال لم يستطع تحمّل تلك (الخسارة) آنذاك، وخاف ان يزداد نشاط النساء ـ اللواتي اخذن بالتحلّق على النبي الكريم يسألنه النصح والدعم ـ من ان يمتد الى مطالبتهن بالأشتراك في الغزوات، الذي ان حصل، فأنه  كان سيمكنّهن من اكتساب حقوقاً مشروعة في الغنائم، لايمكن الألتفاف عليها وفق اعراف ذلك الزمان.
 وبعد ان يأسوا من محاولة الغاء القوانين الجديدة، بالتسويف والمماطلة وتغيير الحقائق، فهموا ان الدين الجديد لم يكن وعداً بالفتوحات والغنائم فقط، وانما كان نظاماً انسانياً يفرض اخلاقيات جديدة تتطلب التضحية بعدد من الأمتيازات التي كانوا يتمتعون  بها في الجاهلية. الأمر الذي دعاهم الى افراغها بطرق اخرى، منها تصنيع التفسير ومعالجة النصوص بالطريقة التي تحفظ لهم امتيازاتهم .
 ورغم الأحتياطات والتوضيحات، والتكرار بفعل اختلاف الأحداث واختلاف حالة المرأة (ام ، يتيمة، ابنة وحيدة، ابنة مع اخوان .  .  ) بالصورة التي عالجها القرآن، استمرّ ذلك القسم من رجال الأسلام في تصميمهم على خنق البعد الأسلامي في المساواة، بعد ان وجدوا انهم يفقدون امتيازاتهم (الأكثر شخصيّة) .  لقد واجه تحرير المرأة ومنذ ذاك، صعوبات اكبر مما واجهه تحرير العبيد (2)، لأنه كان يمسّ جميع الرجال وفي مختلف طبقات وفئات المجتمع، مهما كانوا واينما كانوا . 
 ويشير عدد من المختصين الى ان تعدد التفسير لكلمات، مثل " سفيه " و " سفهاء "، الذي جرى اعتماد قسم عليه، ثم جرى الأعتماد عليه في ادراج المرأة ضمنه، لحرمانها من حقوق اساسية ووصفها بـ " ناقصة عقل ودين "، انما يبتعد عن المبادئ الأساسية للأسلام بصفته فلسفة انسانية ورؤية حضارية متفتّحة، وحيث لايزال النقاش يدور حامياً حول مساواة الجنسين، منذ ان اوجب القرآن حقوق المرأة وناضل دونها النبي الكريم، منذ عهد صدر الأسلام في المدينة المنوّرة والذي يستمر الى الآن .
ويشيرون الى ان احكام القرآن الكريم المتنوعة تنوّع الأحداث والصراعات، قد توصف بكونها متناقضة اذا لم يجرِ الأحتراس في كيفية ومكان وزمان تتابعها، واذا لم تؤخذ بتزامنها مع ما جرى من احداث ومستوجبات. فقد جاءت آيات اخرى تردّ على المرأة وتطلب منها الأنصياع الى الحق بمفهومه آنذاك، كما ورد في سورة النساء ذاتها في الآية الثانية والثلاثين، اثر مطالبة النساء بالمشاركة بالمعارك، للحصول على الغنائم والثروة باعتبارها طريق المساواة الحقيقية كما طرحن وقتذاك.
ويوجه باحثون آخرون الأهتمام الى، ان اشارة عدد من العلماء الى ظروف جمع وكتابة وتبويب المصحف الشريف منذ عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان وما تلاه، مروراً بالحكم العثماني، اضافة الى النقل الشفاهي وتعدد اساليب نقل ونسخ الأحاديث النبوية الشريفة، وتطوّر علوم اللغة والتعبير والمنطق والذهن والواجبات والحقوق، اضافة الى، أخذِ الحاضر وضوحاً مضطرباً على ضوء الماضي والألتزام به على اساس الآية الكريمة " فذكّر ان نفعت الذكرى"، والسعي لوحدة الجماعة بتأجيل عدد من الأحكام، ثم مرور شتى الظروف العاصفة على الدولة الأسلامية المترامية الأطراف، المليئة بالتنوع الأثني، الثقافي ،اللغوي، الحضاري والأجتماعي السياسي، وتغيّر اشكال واساليب الهيمنة و الحكم، ومنطق القوة  .  .  ادت الى تنوّع التفسير وتعدد اشكاله وبالتالي تعدد وتنوع المرجعيات وتنوّع الأحكام بل واختلافها في عدد من الحالات، الأمر الذي تسبب بأهمال ونسيان وخسارة النساء لحقوقهن بدرجات قد لاتنسجم مع ما دعى اليه القرآن والنبي الكريم .
ويشير عدد من الباحثين الأسلاميين الى الصعوبات التي واجهها الأسلام في سعيه الى بناء مجتمع جديد على انقاض مجتمع الجاهلية العبودي البدائي، وفي محاولته صيانة العائلة وضبط النسب والقضاء على ظاهرة الأبناء الطبيعيين، واصطدامه بالجهل والتخلف وبأنانية الرجل حتى بعد اسلامه، التي تجسّدت بحطّه من قيمة المرأة ومحاولته القاء اللوم عليها وحدها في المصائب، مستغلاً ضعفها العضلي، مطلقاً يده في تحديد مفهوم الطهر وكونه الأطهر وبالتالي الأحسن، مقابل تكوين المرأة البيولوجي الأساس لتكاثر البشر، مرحّلاً الآثام والشرور اليها، الأمر الذي وصل ببعض الأجتهادات الى اعتبارها شيطان بهيئة ملاك، في حين اعتبرتها اجتهادات اخرى صانعة المجد وام المقاتلين الفاتحين، الأمر الذي لم ينفصل عن اختلاف الثقافات والحضارات وتنوّعها، وبالتالي اختلاف التحليل والتفسير. 
 ويشيرون الى ان تأجيل الرسول الأكرم ـ وليس الغائه ـ تطبيق المساواة الأجتماعية في مطلع القرن السابع الميلادي، اثر اتساع مطالبة النساء بالمساواة عملاً بالآية الكريمة " ان اكرمكم عند الله، اتقاكم " التي كانت المقياس الجديد لعمل الخير آنذاك ، لم يكن الاّ دفعاً لمخاطر اضافية، في وقت مخاطر عظمى كانت تواجهها الدولة الأسلامية بحضارتها الحديثة الناشئة في الجزيرة العربية آنذاك، من قوى الظلام والجاهلية. الأمر الذي قد لايقبل التأجيل الآن، ونحن في مطلع الألفية الثالثة، مع زيادة تعقّد الحياة ومفاهيمها وحاجاتها وتعاظم دور النساء .
ويتوجّه كثيرون بالسؤال الى المراجع والقادة والمفكرين الأسلاميين الكرام، الذي يتوجّه به عدد من رجال الفكر الأسلامي ايضاً .  .   الا تستحق الظروف الحالية بآلامها وتعقيداتها، بذل الجهد من اجل الأصلاح ولمّ المرجعيات على اسس حديثة، منها حقوق النساء؟ للمساهمة بأطلاق طاقات المجتمع للبناء ولمواجهة الظلم والطغيان من جهة، ومواجهة الأرهاب المنتحل صفة الأسلام زوراً، والذي لايساهم الاّ  بتكريس التطرّف والأحتلال وضياع العقل والحلم، والذي لم يؤدّ الاّ الى اقتتال ابناء البلد الواحد . في الوقت الذي يدعون الجميع فيه، ان سمحوا، الى التسامي على فكرة حيازة السلطة منفردين، والسعي لتقاسم السلطة ومشاركة كلّ اطراف الطيف العراقي فيها، من اجل ولو نسمة فرح للعراقيين والعراقيات بعد عقود الظلام. 
انهم يرون ان القرآن بآياته السمحاء وسياقه الأنساني وتناوله وتثبيته لحقوق المرأة وانتشالها في عصر الجاهلية العبودي، ما يمكن القول، انه لايمنع ولايشكّل عائقاً .  .  بل يطرح انْ أُخذ بمجموعه وبروحه السمحاء، امكانية الأجتهاد للتوصل الى فهم عصري وحقوق اجتماعية متجددة للمرأة، لنصفنا الآخر .  . لا كما يطرح ويدعو البعض اليه باسمه، ولابما يطرح البعض من آيات واحاديث مقطوعة ومجتزأة على صورة " ولاتقربوا الصلاة "، وبمعزل عن الأحداث والمشاكل التي قيلت فيها .  .  التي شكّلت انسانية القرآن الكريم وروحه، بنظر اوسع الأوساط .

26 / 2 / 2004 ، مهند البراك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الطبري، الجزء الثامن، ص 107 .
(2) حرّم الرّق رسمياً في البلدان الأسلامية، اثر ضغوط والحاح الدول الكبرى عليها لتوقيع الأتفاقية الدولية لتحريم الرق المبرمة في جنيف، في 25 / 9 / 1926 ، والتي لم توقّع كلّ الدول الأسلامية عليها، عن "الحريم السياسي" ـ ف . المرنيسي .