بين ألطواشات وألطوافات .. قضية ألمرأة في العراق أسيرة أللاحل !!



حامد حمودي عباس
2008 / 11 / 15

مذ كنا شبابا يافعين نحبو على اعتاب مرحلة بدأ فيها الشباب يقتحمون ابواب الانتماء الفكري من خلال قراءة كتب المحدثين من ادباء وشعراء اتسموا بامتلاك ناصية الفكر التقدمي المتحرر ، وصولا الى قمة الفكر الانساني الداعي لنصرة الفقراء والمتمثل بالفكر الماركسي ، ذلك الفكر النير والذي لا زالت اشعاعاته تلغي امامها ولحد الان كل مظاهر الظلام والظلم لتعبر وبصدق عن مصالح المعوزين واصحاب المصالح الحقيقية في امتلاك وسائل الانتاج ، منذ ذلك الحين وسنن الانظمة الفكرية تعلمنا بان التاريخ لا يقبل من حيث المنطق الا ان تكون احداثه محكومة بقوانين تحتم ظهور تلك الاحداث وبنسق يتميز بالتوالي لا يقبل احداث اي شرخ فيه جراء احلال حدث مكان الاخر وبلا مقدمات موضوعيه . التاريخ .. تلك النافذة المهيبة والمطلة على ما وراء افق الحس البشري ، تروي للمعاصرين كل تفاصيل الحركة الانسانية منذ انطلاقتها ولحد الان . التاريخ .. راوية العطاء البشري الواسع عبر الدهر لا يقبل ان يسجل غير نسق واحد من الاحداث حينما يضعها في مواضعها كما هي لا زيف فيها ولا نفاق ليحدد عند كل مفصل منها نتائج حتمية لا لبس فيها ولا رياء .. واكثر الانجازات عمقا من حيث القيمة الانسانية هي تلك المعرفة الفذه باصالة سجل التاريخ حينما يتخذ من حتميته مسارا له في حركته و التي اضاء لها ماركس وانجلز في سفر بحثهما عن حقيقة الاشياء .
فكما ان لعهد القن صوله وللاقطاع سلطان ينتهي بحلول الراسمالية متجها صوب احلال الاشتراكية محلها جميعا ، فان لكل ظاهرة ما في الحياة الاجتماعية المرتبطة بالحياة الاقتصادية قانون يجعلها لا تحيد عن مفردات قوانين التاريخ ، ولابد لها من ان تكون وفي رحمها وليد جديد ات لا محاله ولكن بعد حين .
وهنا .. ومن خلال هذا المدخل البسيط لتفسير الاشياء والذي هو من صنع افذاذ المفكرين أجد بان قضية حقوق المرأة لا تخرج عن هذا الطور في المسار ، دون ان احس بالحرج من اقحام موضوع كهذا يبدو للبعض من انه لا يستحق كل هذا العناء في التعمق ( الفلسفي ) المتعب . فقضية المرأة برمتها هي حالة تتسع لها امكانية البحث المتعمق بعد وضعها في قوالب تلك الحتمية التاريخية المقدسة في المفهوم الماركسي الحاوي لكل شيء .. ومن يتتبع قضية المرأة عموما سيجد بانها شكلت احداثا جسام سجلها التاريخ لتقول للاجيال على التعاقب بان مصير مجتمع ما وفي زمن ما قد قرره وضع النساء فيه على وجه التحديد . ومن ثم فان طبيعة الحياة التي عاشتها النساء وعلى مر التاريخ كان يحمل لونين من الالوان التي شكلتها صورة الحياة العامة .. اللون الاول هو الذي يعكس ضخامة الدور المقترن بنساء دخلن التاريخ من ابوابه العريضة فاصبحن علامات مميزة تركتها لنا تماثيلهن وصورهن المحفورة على الجدران وفي مداخل المقابر وعلى جبهات العروش الملكية .. واللون الاخر هو ذلك التناسق المقرر وفق حتمية التاريخ بحيث بدت حركة الاحداث المتعلقه بالمرأة والنضال من اجل تحررها واخذها مكانها الطبيعي محكومة بتلك الحتمية المستديمه
اذن وكحصيلة حاصل .. لا يمكننا ان نقفز من فوق جدران حتمية التاريخ وقوانينه المؤسسة للاحداث ونتائجها لكي نطالب هكذا فجأة بان تاخذ المرأة في بلادنا مكانها الطبيعي وهي لازالت لحد الان عبارة عن كيان يلفه الاستهجان وتغرز الرجعية متمثلة بالجهلة ورموز الفكر الديني سهامها فيه . ولو اخذنا المرأة العراقية نموذجا لوجدناها وللاسف تمثل في الوقت الحاضر واحدة من اكثر نساء العالم الثالث عرضة لعوالم الظلم والقتل البطيء ، فكيف لنا وفق اسس المنطق المشار لها اعلاه أن نطلب او نطالب بأن تحتل المرأة العراقية في الوقت الحاضر مكانا هو من الامكنة التي تعتبر حالة متقدمة على سلم الرقي الانساني في حين تقبع الان في واقعها المعاش ضمن حيز لا تجد فيه ابسط الحقوق الادمية الى الحد الذي يحرمها من اكتساب حالة الشبع الغذائي لا غير ؟ .. لقد نقلت لنا الاخبار المحليه من داخل العراق صورة جديده وغير مألوفه تعكس السبل التي ابتكرها الطفيليون من الرأسماليين الصغار الجدد لاستغلال النساء الفقيرات وذلك بزجهن في غياهب الصحراء للبحث عن مخلفات الحروب من حديد خرده وعلب النايلون وصفائح الوقود الفارغه لاعادة تصنيعها في مراكز المدن وبيعها من جديد ، ويطلق على هؤلاء النسوه اسم ( الطوافات ) بعد ان كانت تسمية ( الطواشات ) تطلق على تلكن اللواتي يجمعن التمور وقت الجني . وتصف لنا تلك الاخبار لوحات مأساوية تختلط الوانها من العذاب والتعرض لخطر مداهمات العصابات واللصوص لسرقة اتعاب الطاوافات واغتصابهن علما بان الغالبية منهن هن من الشابات بين العشرين والثلاثين من العمر .
فكيف لنا أن نطالب بالارتقاء بالطوافات مثلا لنيل حقوق تعتبر في نظر القائمين على ادارة البلاد فضلا عن اعراف المجتمع هي من المحرمات الغير مسموح بها على الاطلاق ؟ .. كيف يمكن التحدث عن تمثيل للمرأة في البرلمان يوازي تأثيرها في المجتمع وهي في الواقع لا زالت تحيا حياة متدنية من حيث المستوى المعاشي والعلمي والثقافي بشكل عام يلفها الجهل بحقوقها فتبدو في اكثر الاحيان وكأنها مساندة لظالمها الرجل وداعية لذات الاعراف الهاظمه لانسانيتها بحجة الامتثال لقيم الدين والاحتفاظ بمباديء الشرف ؟
كيف لنا أن نستهلك الوقت والمجهود في المطالبة بتعيين المرأة قاضية او وزيرة مكتفين بذلك لغرض التبجح والاستعلاء في حين تتخلف المرأة في بلادنا عن ركب النساء حتى في البلدان الاكثر تخلفا حيث اصبحت وبشكل يدعو الى الاسف الشديد تنتمي الى مساطر العمل القابعه على ارصفة الشوارع والازقه لتعرض قوتها البدنية المنهكه بفعل توزع المجهود وكذلك جسدها في بعض الاحيان لتنهشه وبضراوه مخالب اللاانسانية فتقذف به خواء فارغ لا حياة فيه وكل ذلك بسبب لقمة العيش لها ولاطفالها المساكين ؟ .. ماذا يعني أن نسمي مقاعد للاثراء تجلس عليه برلمانيات متنعمات بفعل الرواتب الغير معقوله بانه انتصار لقضية المرأة في العراق في الوقت الذي تنهش فيه اجساد الالاف من النساء على امتداد البلاد وعرضها مظاهر الفقر والضياع وتقتل فيهن كل مظاهر العيش الكريم وتسير بهن باتجاهات العدم الذهني وتحقن ادمغتهن بعقاقير البلادة بهدف اعدادهن حسب الطلب وتجنيد الكثير منهن ضد حقوق المرأة ذاتها دون ان تكلف المنظمات المعنية بحقوق المرأة نفسها بالنزول الى مستوى الظاهرة ومحاولة التصدي لمشاكل المرأة الحقيقية لا الاكتفاء بعرض الزبد الطافي فقط ، وبالتالي فان قضية المرأة في العراق تحتاج أولا وقبل كل شيء الى توصيف يعتمد في التأسيس على الواقع الفعلي لما هي فيه بعيدا عن التنظير عن بعد .. ومن ثم وضع الصيغ الفعاله للبدء بتحسين وضع النساء وفق خطوات مدروسة وفعاله وتنظيم الفعاليات المستمره للاخذ بيدها نحو التحرر من براثن الحاجه عبر برنامج متواصل ومتناسق والذهاب اليها حيث تعيش بعيدا عن الاستمرار بالادعاءات الفارغه والتصريحات الممله من خلال وسائل الاعلام ، وتبقى قضية المرأة في العراق رهن الحتمية التاريخية لا تقبل ان تتشضى ولا أن يؤخذ منها اطراف لتخضع للحل ويترك كامل جسد المشكلة تهده الامراض ، كما ان قضيتها هي رهن القوانين التي تحكمها طبيعة المرحلة ، والحلول لمعضلتها المستديمه تبدو طويلة الامد ما لم ينبري المهتمون بالقضية الى تشخيص العلل الحقيقية المؤدية لايقاع الحيف على النساء العراقيات سعيا نحو وضع البرامج المستندة على اسس منطقية بعيدة عن الزيف والاستهتار بانبل مسعى انساني ينقذ نصف المجتمع من الموت والذوبان في اتون محرقة لا قرار لها وليس هناك من خط للشروع بالبدء في وضع نهايات واضحه لتلك المشكلة المأساة .