إمرأتنا ما قبل التسونامي السلفي



حمادي بلخشين
2008 / 11 / 17

يتعاظم الم المرء و تستبد به اللوعة، حين يكتشف ذلك الدفق الهائل من روح الفداء و النضال و الإهتمام بالشأن العام، التي صدعت بها اصوات نسائية مسلمة، تعدّ في ايامنا السلفية العجاف عورات يجب دسها في تراب النسيان، و ردمها في كهوف الإهمال .
و حسب المرء ان يطلع على ما يأتي من صفحات مشرقة . ليدرك مدى رجعية المنظومة السلفية وظلاميتها، و مدى الحضيض الذي جعلتنا نستقر فيه.
انظروا معى الى المرأة التي استوقفت عمر بن الخطاب ( الذي يعدّ امبراطورا بالمفهوم الغربي) لتخاطبه مخاطبة الند للند... ففي حادثة شهيرة تصدت امراة من عوام الشعب( لم يحفظ لنا التاريخ اسمها، باعتبارلم تأت ببدع من القول و الفعل) ، حين جهرت بصوتها "العورة" امام الرجال لتصحح لأمير المؤمنين خطأ لم يسعه الا الإقرار بالوقوع فيه قائلا " صدقت امرأة و أخطا عمر " .

ثم انظر الى الزعيمات السياسيات (الآتي ذكرهن) الملتفّات حول عليّ (الخليفة الشرعي للمسلمين) و خوضهن المعارك وحشدهن الجموع وتعريض انفسهن للقتل، في سبيل الإستبقاء على قيم العدل و الشورى و الحرية و المساواة . و ذلك قبل ثلاثة عشر قرنا من السعي المحتشم لنساء الغرب نحو صناديق الإقتراع حتى يخترن برلمانيا يحقق لهن بعض العدل على حساب آهات و عذابات الملونين الذين سلطت عليهم دكتاتوريات محلية و أجنبية تسومهم سوءالعذاب. .
من سمع باسم المناضلة الكبيرة ، بكارة الهلالية" ؟ وكيف يسمع اسمها وهي محجوبة بذلك الكمّ الهائل من اسماء الرخويات السلفية المذكّرة التي لم تطعم أحدا من جوع و لم تؤمن احدا من ارهاب الدولة ؟.

اليكم خبر تلك السيدة العظيمة : حين انطلق معاوية قاصدا تقسيم دولة الخلافة و محاربة عساكرها. هبت السيدة المذكورة في وجه مطامع الملك الأموي لتؤدي واجبها في اعادة مارد الإستبداد الى قمقمه . و قد ادت تلك المرأة العظيمة ما عليها من واجب النهي عن المنكر الأعظم الذي اقترفه معاوية بكفاءة عالية و بامتياز مبهر...ثم تمرّ الأيام لنرى تلك المراة العظيمة تدخل على معاوية و هو على سرير ملكه وقد " اسنّت و عشي بصرها و ضعفت قوتها و هي ترتعش بين خادمين لها " مطالبة هذه المرة بحقها في الرعاية الإجتماعية التي ضمنها لها الإسلام، و قد حاول بعض السفهاء من جلساء معاوية تحريضه عليها، مذكرا اياه ببعض ما قالته من شعر غايته تجميع الناس لحربه. و حين سألها معاوية عن حقيقة ذلك اجابته بكل إباء :" أنا والله قائلة[ قلت] ما قالوا و ما خفي عليك مني اكثر " ! ثم رفضت اخذ شيء منه و انصرفت "!!
ثم انظروا الي الزعيمة الكبيرة الزرقاء بنت عديّ، وهي تقصد معاوية( بعدما طلبها الى بلاطه)، و قد بادرها حين دخلت عليه بقوله :" الـست الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصّفين يوم صفين تحضين على القتال و توقدين الحرب ؟ "[ ثم ذكّرها بمقاطع من خطبها التحريضية ، ليخلص الى القول] : يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه ! [ هكذا !!! و بكل وقاحة! و كأن عليا صحابي رسول الله و رابع كبار الصحابة كانه كان سفاكا للدماء ! ؟] فأجابته بكل ثقة و يقين "أحسن الله بشارتك وادام سلامتك! فمثلك بشّر بخير و سرّ جليسه ! "[ أرادت أن تقول له إن ما عابه منها هو مكرمة لها، و عبادة ترجو ثوابها عند الله وعندما طلب منها أن تسأله من بيت المال أجابته بكل عزّة نفس :" آليت على نفسي ألا أسأل أميرا اعنت عليه أبدا !"

...ثم ها هي عكرشة بنت الأطرش بن رواحة (1) تدخل على معاوية و قد أسنّت : فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها:" الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين ؟ قالت: نعم إذ لا عليّ حيّ ؟! [انظروا الى شجاعة المرأة و هي تجدد عهدها لعلي في حضرة ملك اموي قتل بعض الصحابة لا لشيء الا لرفضهم لعن علي رضي الله عنه!] قال [ معاوية] : ألست المقلدة حمائل السيوف بصفين و انت واقفة بين الصفين تقولين : ايها الناس عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ..ان معاوية دلف اليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان و لا يدرون ما الحكمة. دعاهم بالدنيا فاجابوه و استدعاهم الى الباطل فلبّوه . فالله الله عباد الله في دين الله ...ثم قال لها: فما حملك فكأني اراك على عصاك و قد انكفا عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الاطرش بن رواحة فما حملك على ذلك ؟ قالت: يا امير المؤمنين قال الله تعالى ((لا تسألوا عن اشياء ان يبد لكم تسؤكم)) و ان اللبيب اذا كره امرا لا يحب اعادته ..

و ها هي درامية الحجونية تدخل على معاوية ايضا و قد بعث اليها ليسألها قائلا :" علام أحببت عليّا و ابغضتني ؟ و واليته و عاديتني ؟! " قالت :أو تعفني؟ قال: لا اعفيك قالت :" اما اذا ابيت فأني احببت عليا على عدله في الرعية و قسمه بالسويّة، وابغضتك على قتال من هو اولى منك بالأمـر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء و حبه للمساكين و اعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك للدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى ... ثم سألها :" و يا هذه هل رأيت عليا ؟ قالت: رايته و الله لم يفتنه الملك الذي فتنك، و لم تشغله النعمة التي شغلتك .. وثم خرجت بعد كلام طويل ....

و ها هي درامية الحجونية تدخل على معاوية ايضا و قد بعث اليها ليسألها قائلا :" علام أحببت عليّا و ابغضتني ؟ و واليته و عاديتني ؟! " قالت :أو تعفني قال لا اعفيك قالت : اما اذا ابيت فأني احببت عليا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية و ابغضتك على قتال من هو اولى منك بالأمر و طلبتك ما ليس لك بحق وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء و حبه للمساكين و اعظامه لأهل الدين و عاديتك على سفكك للدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى ... ثم سألها : و يا هذه هل رأيت عليا ؟ قالت رايته و الله لم يفتنه الملك الذي فتنك و لم تشغله النعمة التي شغلتك ... ثم خرجت بعد كلام طويل ....
و هاهي أم الخير بنت حريش( خطيبة و محرّضة ميدانية) و قد دخلت على معاوية وقد طلبها للمثول بين يديه و قد ذكّرها بتحريضها عليه و طلب منها اعادة ما قالته حين قتل عمار بن ياسر فاعتذرت بضعف الذاكرة فتولى احد المخبرين من جلسائه سرد بعض ما قالته و على هاته الصورة : اين تريدون رحمكم الله أفرارا عن امير المؤمنين؟ او فرارا من الزحف ؟ أم رغبة عن الإسلام أم ارتدادا عن الحقّ؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول(( و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و نبلو اخباركم))سورة محمد الآية 31..هلموا رحمكم الله الى الامام العادل ... ألا ان اولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا اليها. فالله الله ايها الناس قبل ان تبطل الحقوق و تعطّل الحدود و يظهر الظالمون و تقوى كلمة الشيطان، فأين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله؟! [ ما أحدّ بصيرة هاته المرأة العظيمة. حين أدركت انها تخوض معركة مصيرية و مجابهة حيوية سيتقرر على اثرها المصير النهائي لهذا الدين وليست مجابهة هامشية تضليلية مختلقة كقضية خلق القرآن , التي خرج منها ابن حنبل بطلا كرتونيا مصطنعا )
كما ادركت انها تقف و صحابة رسول الله للحيلولة دون انهيار سدّ الحكم الراشد و تدفق تيارت الإرهاب الملكي الهادرة لتأتي على كل شيء، كما كانت متأكدة بحسها السياسي المرهف. أن النظام الملكي سيكون على يده ذهاب دين الله و ضياع حقوق الناس . فيالت لنا بتلك المرأة العظيمة و اخواتها بكل سلفي مشى على الأرض ودبّ الى بوم تطوى السماء كطيّ السجل للكتب ]. فغضب معاوية و هددها بقوله : يا ام الخير ما اردت بهذا الكلام الا قتلي و لو قتلتك مالا حرجت في ذلك قالت : و الله ما يسوءني ان يجري قتلي على من يسعدني الله بشقائه !

و ها هي أروى بنت عبد المطلب تدخل على معاوية ايضا لتبادره غاضبة :" لقد كفرت يد النعمة و أسأت لإبن عمك الصحبة، و تسميت بغير اسمك، و اخذت غير حقك، من غير دين كان منك و لا من آبائك و لا سابقة في الإسلام ، بعد ان كفرتم برسول الله فأتعس الله منكم الجدود و اضرع منكم الخدود و رد الحق الى اهله و لو كره المشركون .و كانت كلمتنا هي العليا و نبينا هو المنصور فوليتم علينا من بعده تحتجون بقرابتكم من رسول الله فكنا فيكم بمنزلة بني اسرائيل في آل فرعون ...[ و بعد حوار طويل سألها معاوية عن حاجتها قالت : ما لي حاجة و خرجت . ( انظر العقد الفريد ج1 ص364/358) (2)

ثم انظر الي هذا الموقف المشرف والى تلك الصفحة المشرقة من تاريخنا المحجوب بالجلاميد السلفية الصمّاء ، حين وقفت سيدتان مجاهدتان موقفا بطوليا لمّا واجهتا ارهابيا كالحجاج قلما يعرف التاريخ له مثيلا . فإذا كانت فرنسا تعتز بجان دارك التي حاربت الغزو الأنكليزي فإن في تاريخنا الإسلامي عشرات من امثالها و لكنهن ذوات قضية كبرى غايتها الإنسان أينما كان ....
جاء ايضا في " العقد الفريد " ج 4 ص111 للــفقيه الأندلسي بن عـبد ربه ، تحت عنوان الحجاج و خارجية : و اتي الحجاج بإمرأة من الخوارج فجعل يكلمها و هي لا تنظر اليه، فقيل لها : الأمير يكلمك و انت لا تنظرين اليه ؟! قالت اني لأستحي أن انظر من لا ينظر الله إليه، فأمر بها فقتلت " إهــ
و اتي الحجاج بامراة من الخوارج فقال لأصحابه: ما تقولون فيها ؟ قالوا :عاجلها القتل ايها الأمير، قالت الخارجية لقد كان وزراء صاحبك خيرا من وزرائك يا حجاج ! قال لها : و من صاحبي ؟ قالت : فرعون , استشارهم في موسى فقالوا(( ارجه و أخاه)) إهــ .

و قصة الهروب المخزي للحجاج امام غزالة " الخارجية " مشهورة... فحينما دخلت غزالة باب مدينة الحجاج انسحب من باب آخر حتى عيره الشاعر بقوله :
اسد عليّ وفي الحروب نعامة ــ فتخاء تهرب من صفير الصافر
هلا برزت الى غــــزالة في الوغي ـــــــ بـــل كـــــان قلبك في جنـــــاحي طائر
و في احد المرات نذرت غزالة نذرا كان في تحقيقه اذلالا كبيرا لسفاح بني امية . فقد عزمت ان تدخل المسجد الذي يوجد بجوار مركز قيادة الحجاج و تقرأ فيه سورتي البقرة و آل عمران! و قد فعلت رحمها الله و في ذلك يقول احد المرتزقة :
وفــّت غزالة نذرها ـــ يا ربّ لا تغفر لها !
و كان الأجدر بذلك الشاعر (لولا جرعة الأفيون السلفيي التي تلقاها) ان يمجد ما قامت به غزالة، لا ان يدينه.
أولئك من اعتز بهن و أولئك الذي اعتبر " خائنا وطاعنا و متطاولا في حق علماء الأمة و رموزها" لو تكلمت في حقهن بسوء ، لأنهن يفرضن احترامهن على كل انسان حر .... و لو أن تلك النماذج الإنسانية الراقية قد وجدت في الغرب لسطّرت كلماتهن بماء الذهب، و لأدرجت
ضمن المحفوظات المدرسية لكنهن اليوم مجهولات.... ولا عجب في ذلك فالإسلام ذاته مجهول في بلاد المسلمين!.

ـــــــــــــــــــــــــــــ هوامش
(1) من جملة اسماء يجب على كل حرّ حفظها في السجل الشرفي ، بعد أن يميط من ذاكرته اسماء دواجن سلفية و بالونات ملكية تجلب الصداع وتثير الأوجاع، كابن حنبل و الشافعي و الخزاعي و سفيان بن عيينة و ابن المبارك و سائر الرخويات التي اشتهرت بفعل الدعاية الملكية كما تشتهر اليوم اسماء الراقصات و لاعبي الكرة و سائر البهلوانات في ظل إرهاب العصابات الحاكمة في بلادنا العربية.
(2) رغم الجرأة التي ابدتها أروي و اخواتها فان معاوية لم يتعرض لهن بسوء ، لتأكده من كونهن معزولات جماهيريا، معتمدا في ذلك على سياسته الماكرة التي لخصها بقوله :" و الله لن احول بين الناس و بين ألسنتهم، ما لم يحولوا بيننا و بين السلطان"!!!. و قد استفاد ارهابيو عصرنا من نصيحته في السماح بنقدهم احيانا و بشكل جارح ، ما دام الأمر يقف عند مجرد الفضفضة .( في مسرحية" الزعيم" سأل رجل المخابرات الممثل الناشىء (والشديد الشبه بزعيم البلاد) و المتهم بتمثل دور لص في فيلم اخرجه مخرج اجنبي !! سئل " ما لقيتشي إلا دور حرامي تمثله ؟! اجاب الممثل الناشيء (عادل امام) : المرة دي حرامي ،اترقى شوية ابقى رئيس عصابه،اترقى شوية ابقى رئيس جمهمورية !)( العجيب ان الدولة المصرية هي التي تعهدت بتوفير الحماية لعادل امام الذي كان مهددا من قبل جماعات اسلامية!)