رهاب المرأة



ضمد كاظم وسمي
2008 / 12 / 6

تمركز الرجل وتهميش المرأة آذن بتركيز المجتمع الذكوري الذي تمت فيه أزاحة المرأة من بؤرة القوة التي استولى عليها الرجل ، الى محيط الضعف الذي ارغمت فيه المرأة على العيش بذيلية وتابعية قادت الى ابشع انواع التفرقة الجنسية داخل الجسد الانساني الواحد .. رغم ان المرأة والرجل طرفا ( حياة لاتكتمل دون التقائهما انسانيا قبل التقائهما جسديا ) .
كان النظام الاجتماعي الذي ساد الحياة البشرية بدءاً هو النظام الامومي كما ذهب الى ذلك ( انجلز) .. فيما انكر ذلك ( داروين ) وشدد على ان السيادة المطلقة للذكر منذ خلق البشرية .. لكن ( فرويد ) كان يرى بدء السيادة للنظام الابوي تلاه النظام الامومي .. ثم عادت الاوضاع الى ما كانت عليه ليسود الذكر من جديد وحتى العصور الحديثة النظام الاجتماعي البشري ومن الجدير ذكره هنا ان الزمن الامومي كان قد استوعب العصر المشاعي ، بينما تاكد هيمنة الزمن الابوي على سيرورة الحياة البشرية ابتداءا من العصر العبودي .. ولعل من طريف القول ان نذكر ان بقايا الزمنين لما تزال تحيا بين ظهراني العائلة الشرقية .. اذ يستشعر الاولاد بحرية اكبر مع الام فيما تتقلص مساحة هذه الحرية مع الاب !! .
في الزمن الامومي لم تقتصر سيادة المرأة على عالم الارض فقط بل تجاوزته الى عالم السماء .. لذلك اتسمت الصياغات الاسطورية فيه بملامح سيادية انثوية جلية .. فيما حققت المرأة وضعا اجتماعيا افضل من الرجل .. ناهيك عن قيام علاقة الانثى بالقوى الطبيعية الخارقة على اسس القداسة والرهبة ، كما ثبت انثروبولوجيا ان اقدم التماثيل التي صنعها الانسان لغرض التعبد كانت تماثيل للاناث تضخم فيها الاعضاء ذات العلاقة بالانجاب واللذة ، أي تماثيل الالهات الولادات التي اطلق عليها اصطلاح ( فينوس الولادة ) .
وبعد انحسار عصر الجليد الاخير .. واضطراد التصحر في الارض .. وبعد الهجرات السامية الكبرى ذات الصبغة البدوية .. تم ايقاف الزمن الامومي ليدشن وربما الى الابد الزمن الابوي الذكوري .. واستشراء سيادة الذكر ارضاً وسماءً .. وهكذا جرت زحزحة ميثية لتذكير الاساطير والهتها .. وحتى قصة الخلق التي كانت مادتها الاساسية ( دم الحيض ) .. تم زحزحتها الى ذبح الاله ( كنجو) .. ( وعجنوا التراب بدمه ومن هذا العجين تم خلق الانسان الاول ) كما في الملامح الرافدية ، وجرى وصم الانثى بصفة الشر عندما اعتبرت الالهة العظمى ( الام ) الهة شريرة .. مما اضطر الاله ( الاب ) الى منازلتها والحاق الهزيمة النهائية بها .. ليسود النظام الابوي في العالم . وهكذا تخلخل الوضع العام للمرأة .. ففي كتاب ديني مقدس كالتوراة لم تحظ المرأة بدور ذي شأن اذ لم يتعرض الكتاب الى ذكر النساء الا لماما ( حتى ان التعداد الرسمي لبني اسرائيل في اكثر موضوع كان لا يضع النساء ضمن التعداد ) .. بل عندما يتم ذكر المرأة يجري ذلك ضمن عملية تبخيسها اكثر من الاهتمام بدورها الفاعل في الحياة .. اذ تصبح هي التي اغرت ادم ( باكل الثمرة المحرمة في عالم الخلد ) .. لتفقد البشرية الحياة الرغيدة الخالدة في عالم الجنان .. وتحيا حياة البؤس والشقاء في عالم الدنيا .. حتى خلقها لم يكن سوى ترويحاً عن ادم وانساً له ، فضلاً عن ضألتها الجزئية قياساً للرجل اذ خلقت من ضلعه !!!
ولعل من نافلة القول أن اليهودية تحظر الصلاة على النساء في المعابد .. وتمنعهن من المساهمة في اعمال الكنهوت .
اما في المسيحية فقد لعب ( بولص الرسول ) دوراً خطيراً في تبخيس المرأة قدسياً .. اذ يقول : ( ايها النساء : تخضعن لرجالكم كما للرب لان الرجل هو رأس المرأة ) .. بل غالى في تجهيلها عندما أعلن أمره الالزامي الصارم : ( لست أءذن للمرأة أن تعلم ) . وهكذا يستمر المصابون برهاب المرأة في حربهم ضدها اذ يقول القديس ترتوليان : ( انك يا امرأة باب الشيطان ) .. وفي النهج نفسه يرفض القديس ( ييرنيموس ) زواج الرجل من المرأة ويعده ( عطية الخطيئة ) .. حيث مجدت العذرية لتحتل اعلى الاماكن في الجنة المسيحية .. ثم يأتي مرسوم ( جراسيانوس ) عام 1140 م الذي يشكل وجهاً تبخيسياً قدسياً لرأي افلاطون الرافض لعقاب المرأة كما لا تعاقب البهائم اذ كان يعتقد انها لاتعقل كالرجل الذي هو الانسان فحسب .
وفي التاريخ الاسلامي الذي ورث كل هذا الرهاب المقدس .. فقد جعلت المرأة ثانياً لان الرجل اولاً .. ولا تكون مع الرجل الا والشيطان ثالثهما ووصمت بنقصان العقل والدين ، وترث نصف ما يرث الرجل .. وهي لا امان لها ، ميالة للخيانة ، والمرأة لعبة الرجل .. مخلوقة من ضلع أعوج ، صوتها عورة ، وترفع عنها التكاليف التعبدية أيام ما يعرف بتنجسها .. حتى الحجر الاسود اسود بسبب المرأة .. اذ ورد في المأثور : ( ان الحجر الاسود كان ابيضا فاسود من مس الحيض في الجاهلية ) . هذا التبخيس الخلقي للمرأة افقدها نديتها في المنظومة الانسانية ليحجرها في بيت الحريم بعد انتزاع عقلها وتفكير الرجل بالنيابة عنها .. وحتى في الحضارة الحداثية .. فان دور المرأة الحقيقي كأنسان لم يأت بعد ! .