المرأة والرجل.. والحق المسروق



ياسمين يحيى
2008 / 12 / 8

في البداية أود التعليق على القسم الأول من عنوان مقالتي هذه وهو (المرأة والرجل) .لا أعرف لماذا عندما تتحدث المرأة العربية عن المرأة والرجل تبدأ بالرجل فتقول الرجل والمرأة وليس المرأة والرجل أليست هي امرأة والأولى والأوجب أن تقدم ذاتها ثم الآخرين ولكن هذا من نتائج العقلية العربية التى رسخت دونية المرأة في عقل المرأة والرجل معا فجعلتها تنظر الى نفسها أقل مستوى وتقدير منه فهو من الدرجة الأولى وهي من الدرجة الثانية لذلك أصبحت لا تجرؤ على تقديم ذكر نفسها عليه في هذا الشي المعنوي البسيط فما بالكم في الأمور الكبيرة الأخرى وبحقوقها الانسانية ! وسواءٌ قالتها عن قصد وادراك ام لا فهي اهانة بالغة للمرأة من المرأة نفسها.

أنا منذ صغري كنت أرفض القول الذي كان ومازال دارجا بأن الرجل أفضل من المرأة وحقه أكبر من حقها وهو حر وهي مقيدة وكنت أشعر بالظلم والغيظ من هذا رغم أنني كنت طفلة صغيرة ولا يعنيني شأن المرأة وكنت عندما أرى امرأة متزوج عليها زوجها بأخرى أغضب أكثر منها وألومها في داخلي لبقائها معه وسماحها له باهانة كرامتها وسحق مشاعرها وأنسانيتها.

ألا يعد هذا من الفطرة الطبيعية لأنه من طفلة في بداية عمرها وتفتح أزهار عقلها الصافي الذي لم يتلوث بعد بالأفكار المتخلفة المغالطة للواقع. أنا كامرأة محافظة على فطرتي الطبيعية منذ طفولتي الى الآن ولم أسمح بتحريفها او تشويهها أرى أن المرأة والرجل كائنان مكملان لبعضهما البعض والاختلافات البسيطة التي تفرق بينهما ماهي الا نقاط تجاذب وتكامل بينهما ليعيشا معا حياة كاملة وجميلة ويقوم كل منهما بدوره في هذه الحياة .

ولكن هناك من جعل من هذه الاختلافات تمييزا لصالح الرجل على حساب المرأة وجعلوا منها أفضلية له في كل شي في الانسانية والقيمة المادية والمعنوية وأصبحت له الأولوية في كل نواحي الحياة واستخدموها كسلاح للتسلط عليها والتحكم بها وسلب حقوقها ولا أدري لما لا تكون هذه الأختلافات تمييزا لصالحها هي ولكنهم يعتبرون أنفسهم هم الأصل وهي أي المرأة مجرد تابع مملوك لهم . ولم يدركوا أنها مجرد اختلافات جسدية ونفسية تميز الأنثى عن الذكر في الشكل والأسلوب ليعبر كل منهما عن شخصيته التي تعبر عن هويته الانسانية ولا تعني شيا بالنسبة للحقوق والواجبات.

بينما نجد الذكور العنصريين لايقبلون هذا التفسير ويعترضون عليه بشدة ويأتون لنا بأنواع الأدله والبراهين السخيفة والغير منطقية لاثبات موقفهم هذا ورفضهم الغاضب للعدل والمساواة بين الانسان الواحد بجنسيه الأنثوي والذكوري ويضعون على رقابنا سيف الله لاحراجنا واسكاتنا كلما طالبنا بانسانيتنا الكاملة ومايترتب عليها من حقوق وواجبات لعجزهم عن اقناعنا بالعقل والدليل الواقعي. إن هذا هذا الأعتراض الذكوري على حقوقنا يكون أقل ألما عندما يأتي من الرجل ولكن المصيبة العظمى تكمن في أن بعض النساء أنفسهن هن من يعترضن على حقوقهن ويرفضنها بحجة الدين والعادات والتقاليد ليثبتن للرجل أولا ثم للعالم أجمع بأنهن قمة السذاجة والغباء الخنوع والخضوع التام للذكر مهما علا او قل شأنه فهل هناك أقسى من أن يحتقر الأنسان نفسه وجنسه ؟ أليس هذا هو الأحتقار بعينه؟!

تتصور هذه المسكينة الضعيفة أنها عندما تتنازل عن حقوقها وكرامتها ستكبر في عين الرجل والمجتمع وسيحترمها الرجل أكثر ويعجب بها لأنها أنثى كاملة وليست مسترجلة لأن المرأة التي تطالب بمساواتها بالرجل تكون في منظوره مسترجلة. ولا تدري أن هذا هو سبب مأساتها معه واحتقاره لها وتقليله من شأنها لأن الذي لا يقدر نفسه لن يقدره الآخرون وأكبر دليل على هذا الكلام هو واقع المرأة في المجتمعات الذكورية السالبة لحقوق المرأة فلتنظر كيف تعامل المرأة بها من قبل الرجل والمجتمع أنواع الظلم والأهانة والحرمان والتعذيب النفسي وهذا كله بسبب قبولها لاستباحة حقوقها واستسلامها لهذا الواقع.

إن المرأة التي تقف ضد حقوقها مهما كانت أسبابها هي في الحقيقة امرأة لاتحترم ذاتها ولاتقدر أنوثتها ولاتعترف بانسانتها لأنها ترى نفسها مجرد جسد ومتعة للرجل لا غير وأي حق بسيط يعطف به الرجل عليها هو منة وفضل كبير منه. أما أسبابها السابقة الذكر التي ورثتها من أجدادها عن أجداد أجدادها وصارت ترددها كالببغاء ماهي الا غطاء خارجي لما تكتنره من تصور سيء عن نفسها لاتستطيع اظهاره للناس لصعوبة لفظه وأفتقاره للحقيقة وعدم استساغته في هذا الزمن فتخبئ هذا التصور بهذا الغطاء وهو أسطوانة الدين والعادات التي لاتقبل الاعتراض والرفض متخيلة بأن دونيتها هذه هي الفطرة السليمة للأنثى .

وهذه المرأة لو كانت تملك أدنى قيمة واعتزاز لجنسها لما قبلت بهذه الأسباب التي تبرر سرقة حقوقها ولحاربتها بكل أسلحتها العقلانية ولما ضعفت أمام الرجل ووقفت إلى جانبه ضد نفسها وكرامتها مثل المسروق الذي يسلم مفتاح خزينته بنفسه للسارق كي يسرق منها مايشاء ويترك له الفتات ثم يبارك له سرقته هذه ويشجعه على سرقة المزيد متى أراد، فلما يرى السارق تأييد المسروق ومباركته وترحيبه يعتقد أن هذا حقه الطبيعي ولاجدال عليه وعندما يأتي المسروق لمطالبته حقه من السارق بعد زمن طويل من السرقة يثور ويغضب لأن هذا بعرفه غير معقول وليس من الفطره ويستشهد ببعض المسروقين الحاليين الذي يشجعوه على سرقته ولم يطالبوه باستردادها بل سيمنحوا المزيد لو أراد ذالك فكيف لهولاء الشاذين العابثين أن يتجرأوا عليه بعدما تعود على هذه الحقوق على أنها ضمن حقوقه المصانة لقرون طويلة وورثها جيلا بعد جيل بدون مطالبة ويأتون الآن لأستردادها بعدما أصبحت من ممتلكاتهم الخاصه!!.

هذا هو حالنا نحن النساء وهذه قصة حقوقنا المسروقة . سرقت حقوقنا في الماضي وسكتنا وأستسلمنا ومع مرور الزمن تعودنا وصار شيئا طبيعيا عندنا نرتضيه ونقدسه وندافع عن مرتكبه أيضا لأنه أصبح عاده وعباده .

إن حقوقنا المسروقة لا يمكن استرجاعها الا باتحادنا واصرارنا على نوالها ليس بالمطالبة الخجولة والمرتبكة والخائفة بل بالقوة والجرأة والتحدي ومهما انتقدونا ونعتونا بأبشع الأوصاف فنحن أشرف منهم لأنهم السارقين المعتدين ونحن الضحية . وليس ذنبنا بأن جداتنا في الماضي وأخواتنا في الحاضر سمحوا بسرقتهن وتنازلوا عن حقوقهن وأرتضوا بهوانهن . اما نحن النساء اللواتي نعتز بكرامتنا وانسانيتنا فلا نقبل بسرقة حقوقنا وسنظل نناضل من أجل أستردادها مهما كان الثمن غاليا. وشعارنا هو(سننتزع حقوقنا ) وليس (نريد حقوقنا) لأن الحقوق تنتزع ولا تؤخذ .

وأخيرا نصيحة لجميع الرجال من أخواتكم في الانسانية أن تفهموا بأن ماحصلتوا عليه من حقوق اضافية منذ زمن بعيد هي نصف حقوقنا او أكثر من نصفها وعليكم الاستسلام لهذه الحقيقة والا فأنتم مع احترامي الشديد رجال سارقي حقوق وناهبي كرامة وسالبي انسانية. ولا مفاوضة مع اللصوص وليس أمامنا الا النضال من أجل أنتزاعها منكم وانا أعرف أن هناك رجال شرفاء يقفون معنا ويساندوننا ويناضلوا بقوة من أجلنا مثلما أعرف تماما أن هناك نساء ساقطات الكرامة والانسانية يقفن معكم ويسلمن لكم حقوقهن على طبق من فضة فيجعلنكم تصدقوا أنها حقوقكم .إنها حقوقنا .. حقوقنا ..متى تفهموا هذا ؟