هل ستجرى الانتخابات في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية



ريما كتانة نزال
2004 / 3 / 8

منذ عودة قيادة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو عام 1995، طرحت مهمة اعادة بناء الاتحاد وتوحيد هيئاته على أسس ديمقراطية، المهمة لم تكن سهلة، وعليه تعثّرت لاعتبارات عديدة ذات مصدرين أحدهما موضوعي ويتصل بالظرف الوطني العام والآخر ذاتي له علاقة بأزمة الاتحاد البنيوية وقدرته على تجديد ذاته في ظل واقع جديد، كذلك فإن تعقيدات المهمة لها صلة بذات التعقيدات التي تصطدم باعادة بناء وتجديد منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها كمرجعية وطنية جامعة، كون الاتحاد العام للمرأة أحد ركائز مبنى المنظمة وأحد قواعدها المنصوص عليه بنظامه الداخلي، ومنها ما له علاقة بهيئات الاتحاد التي تشكلت بالداخل وتلك التي تشكلت بالخارج، ومسار وتطور كل منهما، فهيئات الاتحاد في الداخل تم تشكيلها بالتعيين من الأطر والجمعيات النسائية بحكم واقع العمل السّري قبل مجيء السلطة الوطنية، ومن ثم استمرار التعيين بحكم الأزمة الذاتية للاتحاد ومكوناته وعدم القدرة على السير باتجاه المؤتمر، أما هيئات الاتحاد بالخارج فقد تشكلت كنتيجة لعقد المؤتمر العام الرابع للاتحاد في تونس عام 1985، الذي تكون من مندوبات منتخبات من قبل مؤتمرات فرعية عقدت في الساحات التي تواجد بها الاتحاد تبعا لتواجد الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء وفي المهجر كممثلات للخارج، أما الداخل فقد تمثل عبر مندوبات مقيمات في الخارج من أسيرات محررات أو مبعدات أو ممن لهن صلة تنظيمية وسياسية بساحة الوطن بتوافق ما بين القوى المؤتلفة بالاتحاد، ويتضح من طريقة التشكيل لكلا الصيغتين بأنهما تعانيان من مشكلات بنيوية وتمثيلية، فهيئات الاتحاد الخاصة بالداخل والقائمة على التعيين، هذه الصيغة التي كان لها مبرراتها المفهومة في حينه، أصبحت تفتقد إلى الشرعية المتحققة عبر الانتخابات، إضافة إلى أنها لم تعد تعبّر عن الخارطة النسائية على أرض الواقع، التي تغيرت بفعل الحراك الاجتماعي الحاصل بمؤثرات قوى سياسية وفكرية، فقد تقدمت قوى جديدة وتراجعت أخرى، أما هيئات الاتحاد بالخارج فهي وعلى الرغم من كونها منتخبه فقد مضى على انتخابات ما يقارب العقدين من الزمن، جرى خلالها مياها كثيرة مسّت برامجها ولوائحها التي تقادمت بفعل المتغيرات والواقع كما مسّت شرعيتها التمثيلية.

من أجل هذا الواقع ومعالجة أبعاده عقدت اجتماعات عديدة شخصت الخلل وأساليب الحل، إلا أن الاجتماع الذي عقد في تموز الماضي، وفي الذكرى الثامنة والثلاثون لتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بحضور عضوات من الأمانة العامة والمجلس الإداري والهيئة الإدارية واللجان التحضيرية، الذي نوقشت به الأوضاع العامة للاتحاد وكيفية الخروج من عنق الزجاجة واستعادة دوره التاريخي وجماهيريته المفقودة، تتوج باتخاذ قرار يؤكد على فتح باب الانتساب وحدد موعدا لاغلاقه لدبّ الحيوية في عملية التنسيب وصولا إلى إجراء الانتخابات من القاعدة إلى القمة وصولا لعقد المؤتمر الخامس، وقد أغلقت الجمعية العمومية على أكثر من ثلاثة وثمانون ألف منتسبه في يوم إغلاق باب العضوية، منهن أكثر من ثمانية وخمسون ألفا في الضفة الفلسطينية وخمس وعشرون ألف منتسبة في قطاع غزة الذي لم يعلن عن إغلاق باب الانتساب وحجم منتسباته جاء على مدار السنوات الثلاث الماضية بشكل متواتر، وبهذا يكون الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية قد سجل لنفسه تمايزا عن باقي المنظمات الشعبية الفلسطينية بأن فتح ملف الانتخابات،لكن مع هذا التطور بقيت العديد من الأسئلة الاشكالية والمفصلية تطرح نفسها على قيادة الاتحاد تناقش مضمون الخطوة وأهميتها قياسا بالمرحلة، فهل يستكمل الاتحاد العملية الانتخابية حتى نهاياتها؟ وهل ستساهم الجمعية العامة الجديدة بتوزعها الجغرافي وتنوعها التنظيمي في ضخ دماء جديدة في أوصال الاتحاد الجافة تمكن من بعثه وإعادة بنائه؟ وهل من دلالات ومؤشرات لأن تسهم العملية الديمقراطية بمجملها في حل أزمة الاتحاد وتمكن من التحول إلى حركة اجتماعية جماهيرية ذات نفوذ؟ هذا ما سيتم المساهمة بنقاشه لاحقا…

عملية التنسيب:
وقع تطوير رئيسي في جوهر عملية الانتساب، عندما جاء على أساس الانتساب الفردي الطوعي، عوضا عن الشكل السابق في فروع الوطن والمعبرة عن ائتلاف تنسيقي لكتل نسائية تمثل الأطر والجمعيات النسائية المنصوبة في إطار الاتحاد، وهو ما يعني تنظيميا أن عضوة الإطار أو الجمعية تحصل حكما على عضوية الاتحاد دون أن يكون لها خيار في ذلك، أي أنه انتساب جماعي تلقائي ميكانيكي بحكم إنضواء الإطار والجمعية اعتباريا في الاتحاد، الانتساب التلقائي له ظروفه الخاصة الناتجة عن واقع خاص ولطبيعة مهمات الاتحاد في ساحة الداخل، لكنه وبسبب من صيغته الكابحة للإرادة الفردية والخيار الشخصي لم يثمر عن رصيد وثقل وحضور للاتحاد في الوطن، ولم يحدث وعيا لدى جمهوره النسائي المفترض تلقائيا عبر الآليات المتبعة عن أهميته وضرورته الوطنية والاجتماعية، خطوة التنسيب الفردي خطوة بالاتجاه الصحيح، ولكن كان حريّ بقيادة الاتحاد أن تمد خطوتها التصحيحية على استقامتها باستقبال المنتسبات في مقراتها عوضا عن الأسلوب المعمول به والذي تمثل بقيام عضوات اللجان التحضيرية أو مندوبات الأطر والجمعيات بتنسيب العضوات خارج المقرات ومن ثم اعتماد أوراق الانتساب من قبل اللجان التحضيرية، صحيح أن هذه الطريقة منحت المرونة لعملية الانتساب ومكنت الاتحاد من تنسيب أكبر عدد من العضوات استطاعت الأطر والجمعيات الوصول إليهن ضمن الفترة الزمنية المحددة للإغلاق، إلا أن هذه الآلية تنطوي على محاذير أهمها عدم تحويل عملية التنسيب إلى حملة دعاوية للاتحاد، وهو ما يعني عدم تحقيق الأهداف المرجوة بإحداث الوعي لدى القاعدة حول أهمية الاتحاد ودوره، كما أنها لم تجعل العلاقة مباشرة بين العضوات والاتحاد، بل بقيت إلى حد بعيد في حدود العلاقة غير المباشرة، أي علاقة الإطار النسوي ومن معه بالاتحاد، يسوقهم ويسحبهم وفقا لاعتباراته وربما دون معرفتهم، الأمر الذي لا يكرس ولا يستكمل حالة الوعي بأهمية الاتحاد لدى جمهوره ويفعل قاعدته ويكسبها صفة الانتماء له والثبات فيه.

الجمعية العامة للاتحاد:
كما أسلفنا فإن الجمعية العامة للاتحاد وخلال الأيام الأخيرة قد قفزت ومع بدء حمى الانتساب والمنافسة إلى ثلاث وثمانين ألف عضوة، إلا أن الرقم المذكور لا يمكن اعتباره بالضخم قياسا بمنظمة شعبية تتوجه للنساء كافة بغض النظر عن توجهاتهن وانتماءاتهن السياسية والفكرية والاجتماعية، فشروط العضوية مخففة لتقتصر على الجنس والعمر فحسب دون اشتراطات أخرى تعيق التحول إلى منظمة شعبية، مرونة العضوية وسهولة التنسيب كان لها الإمكانية لأن تجعلنا أمام جمعية عامة تتعدى المائة ألف عضوة، يمثلن فقط عشرة بالمائة من النساء ممن هن في سن العضوية البالغ الثامنة عشرة سنة. من ناحية أخرى وبالتدقيق بالخارطة الجغرافية للعضوية الجديدة يتبين أن محافظة جنين قد استطاعت تنسيب أكثر من عشرة آلاف عضوة ببضعة مئات رغم كونها المحافظة الرابعة من حيث عدد السكان في الضفة، فيما تفوقت محافظة قلقيلية بعدد منتسباتها على محافظة القدس التي لم تعبر بعدد منتسبابتها عن حجمها ولا عن أهميتها وخصوصيتها الوطنية، وربما كان من الأجدر القيام بإجراءات تسهل وتخفف من مركزية التنسيب بدلاً عن حصرها باللجان التحضيرية في المحافظات، والعمل على نقل مركز الثقل إلى القاعدة والقيام بتشكيل لجان تحضيرية على مستوى القرى والمخيمات لاسيما في ظروف الحصار وصعوبة التنقل، ولو تم هذا لكنا أمام جمعية عامة أوسع وأكثر انتشاراً، ولأتيحت الفرصة أمام نساء عديدات ممن يقطن القرى لاكتساب عضوية الاتحاد، ولتمكن عدد أوسع من كوادر الاتحاد من مراكمة تجربه تنظيمية ستسهم في إغناء تجربتهن ووعيهن النقابي.

توازنات القوى بالجمعية العامة:
لم ينضوِ التيار الإسلامي النسائي تاريخيا في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، لأنه أصلاً لم يكن من مكونات أو تاريخ منظمة التحرير والمنظمات الشعبية الفلسطينية، لتأخر تأسيسه أولاً ولاختلاف الرؤى والمنطلقات ثانيا ولعدم قناعة هذا التيار بوجود قضية خاصة بالمرأة بالبعد الاجتماعي والديمقراطي تستدعي تأسيس منظمة نسوية في ذلك الحين، ويتضح الآن من خلال استعراض القوى التي ساهمت بالتسيب للاتحاد، بأن المنظمة النسائية للحركة الإسلامية لم تكن من القوى التي التفتت للموضوع وتجاوبت مع المهمة، ويبدو أن قرارها جاء منسجماً مع التوجه السياسية لحركة حماس الذي تؤيده وترتبط عضويا به ، بسبب عدم استكمال الحوارات الناشئة حول مشاركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية ، لذا تبدو مسألة مشاركة منظماتها الجماهيرية مرهونة بقرارها السياسي وهذا سيسحب نفسه أيضا على المشاركة في الاتحادات الشعبية الأخرى .

اذن القوى الناشطه في عملية التنسيب هي ذاتها القوى التي ساهمت في الاتحاد العام للمرأة وتطويره، وهي الأطر والجمعيات النسائية ، ويتضح أيضا من أوراق الانتساب بوجود تفاوت وفجوات في حجوم الكتل النسائية ، حيث نجد أن اتحاد لجان العمل الاجتماعي قد نسبت حوالي 58% من حجم الجمعية العامة ، وان اتحاد لجان العمل النسائي قد نسب 20% منها ، والباقي تقاسمته باقي الأطر والجمعيات ، الأمر الذي يقرأ بامكانية هيمنة الأطار الذي حقق أكثر من نصف الجمعية العامة على هيئات الاتحاد وقراراه فيما إذا جرت الانتخابات على أساس نظام الأغلبية في حال عدم التوصل لقائمة موحدة ، وهنا تأتي أهمية الدفع باتجاه التوصل إلى اعتماد نظام التمثيل النسبي للحفاظ على الائتلاف النسوي الجامع للاتحاد وللحفاظ على وحدته ، لأنه دون ذلك سنكون أمام اتحاد اللون الواحد مع القليل من الديكور ، وفي هذا خسارة صافية للاتحاد وتاريخه وسيلحق الضرر بانطلاقته وتماسك نسيجة ووحدته في الوقت الذي يعمل على اعادة بناء نفسه ، وستكون لهكذا خطوة نتائج سلبية ستنعكس بمزيد من الشرذمة والإنقسام والتراجع، وسنكون أمام اتحاد ملحق بالإطار النسائي الذي يمتلك الأوراق ويذوب به، عوضاً عن ذوبان الأطر والجمعيات في إطار برنامج الاتحاد، وهنا يجب أن لا يقع اللوم كله على الإطار الذي استنفر طاقته في التنسيب للاتحاد، بل يجب أن تُلام الأطر النسائية الأخرى التي لم توظف طاقتها وتستنفر لهذه الغاية، لأنها لا تحجم نفسها فحسب بل تمّس بذلك مراهنتها على مستقبل الاتحاد ودوره وتمثيله للموزاييك النسائي الفلسطيني، ويمكن إرجاع عدم توازن الاهتمام بالإنخراط في عملية التنسيب بالنظرة التاريخية لدوره، فالبعض نظر وينظر للاتحاد على أساس من كونه المعبر الوحيد للمرأة الفلسطينية في الداخل والخارج ولم يغادر مواقعه تاريخيا، وربما إذا عدنا بالذاكرة للوراء وللفترة التي وقع وفيها الانشقاق في م ت ف والمنظمات الشعبية الفلسطينية أثر الخروج من بيروت وتشكيل جبهة الإنقاذ لفهمنا طبيعة المواقف المعاد انتاجها في المنعطفات السياسية، والبعض الآخر تعامل مع الاتحاد على أساس المواقف السياسية وتبعاتها التنظيمية وفقاً لكل مرحلة فاعتبر أبوابه مفتوحة بالاتجاهين، وجهتي النظر وطرق التعبير عنهما في التعامل التنظيمي مع الاتحاد له علاقة أيضاً بالتعامل وبالنظر لواقع ومستقبل منظمة التحرير الفلسطينية، التي أحد عوامل إعادة بنائها وتفعيل دورها وإعادة الاعتبار السياسي والمعنوي لها يتوقف على جهود أطراف الائتلاف السياسي المشكل لها واراداتهم في القاء ثقلهم التنظيمي خلف مطالب التفعيل والاصلاح والدمقرطة والتغيير، وهذا أيضاً ينطبق على وشرط رئيسي لإصلاح ودمقرطة الاتحاد ونقطة البداية هي التوازن التنظيمي للقوى المشاركة الذي يمكن من إلقاء الهيمنة.

فروع الاتحاد في الخارج:
قرار إغلاق باب الانتساب والتوجه لإجراء الانتخابات في محافظات الوطن لم يوازيه إجراءات مشابهة لفروع الاتحاد بالخارج، على الرغم من أن احتياجات البناء والتجديد والديمقراطية قائمة بذات الدرجة والملحاحية، وعلى الرغم من أهمية الخطوة إذا ما استكملت على صعيد صيغة الداخل الفلسطيني إلا أنها حتما ستكون خطوة ناقصة إن لم تمتد لتشمل الخارج الفلسطيني، لأن أهمية خطوة إعادة البناء و الإصلاح تكمن في شموليتها وبكونها لن تتحقق أن لم تصبح حلقات متصلة مع بعضها البعض، يتم الانتقال ما بينها وصولا إلى قمة الهرم الذي تبدو احتياجات الإصلاح تستهدفه بذات المستوى، وعدم استكمالها يعني بأن للإصلاح سقوف تنظيمية كابحة، وهذا إذا ما تُرجم تنظيمياً يعني بأن سقف الخطوات سيكون مؤتمر اقليمي للضفة والقطاع أو لكل منهما على حده، قد ينتهيان بانتخاب قيادة واحدة وممثلات للمؤتمر العام مع وقف التنفيذ، أو سيعقد مؤتمران ينتهيان بقيادتين للضفة والقطاع وممثلات للمؤتمر العام أيضاً مع وقف التنفيذ، وكلا الاحتمالين وارد موضوعيا يتدخل بهما الظرف الوطني وما ستتمخض عنه نقاشات قيادة الاتحاد وربما تتدخل عوامل ذاتية أخرى ذات صلة بالتنافس الجهوى والجغرافي، وما يهمنا هنا أنه في حال توقف العملية الانتخابية عند حدود الوصول لمؤتمر اقليمي (بغض النظر عن التسمية) فإن ذلك يعني تجاوزاً لمحطة المؤتمر العام ونتائجها التنظيمية، الأمر الذي سيخلق وجود أجسام منتخبة اكتسبت شرعيتها عن طريق صندوق الاقتراع، وأجسام أخرى منتخبة منذ عقدين من الزمن فقدت من شرعيتها الكثير يرتبطان بعلاقات تنظيمية تراتبية، وهذا يعتبر في الظرف الفلسطيني غير مفهوم وسيجر الوضع إلى إعادة انتاج أحد مظاهر الأزمة الراهنة، وستكون أمام ذات الفجوة بين الجسمين وأمام ذات مظاهر الازدواجية، وهذا سيجعل الخارج الفلسطيني على هامش الوضع القائم حاليا الذي يتساوى مع حالة الشلل.

نحن إذن أمام خطوة ناقصة في شموليتها وعدم توازيها مع جناح الاتحاد الآخر المسمى الخارج، سيفقد الاتحاد خصوصيته الأهم كإطار يعبر عن وحده الداخل والخارج والتي يتفرد بها على صعيد المرأة.

لابد من مواجهة الاستحقاقات الضرورية للتفعيل والدمقرطة
في ظل المشهد الراهن للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، بالإشكالات والتعقيدات التي يواجهها من جانب، والخطوة النوعية الأولية الإيجابية التي خطاها باتجاه استعادة جماهيريته، والمحتاجة إلى شروط مادية ومناخات تمنحها الثبات لتتحول إلى واقع مادي ينتقل بإشكالات الاتحاد ونواقصه من إشكالات ناتجة عن حالة الضعف، إلى إشكالات ينتجها العمل والمهام والحركة، ودون ذلك ستتحول أوراق الانتساب بكل الجهد المصاحب لها إلى أوراق على الرفوف، وحتى لا تصبح كذلك ونعود إلى أروقة الأزمة لابد من مواجهة الاستحقاقات التالية:

أولاً: انتخابات من القاعدة إلى القمة
ركز الاتحاد العام للمرأة نشاطه تاريخيا بعد الاحتلال بفترة وجيزة على الخارج، تبعاً لوجود مركز ثقل العمل الوطني في الخارج، هذا الوضع جعل الاتحاد في الخارج في مركز الصدارة وهمش الاتحاد في الداخل وجعله ملحقاً وتابعا للمركز القيادي في الخارج، وباختلاف الوضع الوطني والسياسي وانتقال مركز الثقل إلى الداخل انقلبت المعادلة لنجعل الاتحاد في الأراضي الفلسطينية في مركز الصدارة والاهتمام وتهمش وتبهت دور الاتحاد في الخارج، القرارات المجزوءة المتخذة من قبل الاتحاد والتي استثنت الخارج من حسبتها لا تصوب الوضع وتضع كل فروع الاتحاد في الأراضي الفلسطينية وخارجها في مركز الصدارة، مما يستدعي أن تعمل الأمانة العامة على استكمال قراراتها ومدها لتشمل فروع الخارج وتوضيح وضع قطاع غزة الذي لم ينخرط في عملية التنسيب الأخيرة ولم يغلق العضوية بعد، لتكون خطوات الاتحاد متكاملة ومنسجمة مع قرارها بإعادة البناء وهذا لن يتحقق إلا بانتخابات شاملة لجميع الفروع ومن القاعدة إلى القمة.

ثانياً: ضرورات التغيير البرنامجي
لم يكن برنامج الاتحاد الذي أقر في المؤتمر العام الأخير في عام 1985 بحاجة إلى تطويرات جوهرية عن المؤتمر الذي سبقه، فسمات المرحلة بمعالمها الرئيسية الوطنية لم تتغير في كلا المرحلتين، أما على الصعيد الاجتماعي فلم يكن بالإمكان ابتداع الشيء الكثير رغم أنه قد لامس بعضها وتحديداً ما له علاقة بالحقوق الديمقراطية والمشاركة السياسية وتطوير الأوضاع المعيشية للنساء في دول المهجر التي تصطدم بسياسات وسقوف الدول المضيفة، أما بالنسبة لذات القضية في الأراضي المحتلة، فلم يتمكن البرنامج من ملامستها لتعرضه بشكل رئيسي لمعالجة ظروف النساء في مخيمات اللجوء والشتات، ولعدم تمثل عضوات الاتحاد من الداخل بالشكل المباشر الامر الذي يمكن من تطوير الشق الاجتماعي من البرنامج من موقع المعايشة، ولعدم ملامسة فرع الاتحاد في الداخل لها بسبب من صيغته التنسيقية الفوقية في ذلك الحين، لذلك كان برنامج الاتحاد وفي الشق الاجتماعي منه تحرري تقدمي بالمنحى العام ولم يأخذ الأبعاد والتجليات العملية بالمهام والآليات كونها لم تشكل هما ضاغطا رغم وجودها واشكاليتها, لكن فلسفة تأجيل القضايا الاجتماعية لما بعد التحرر الوطني غيبت البعد الاجتماعي، لذلك بقي البرنامج يزاوج ما بين المهمات الوطنية التحررية والاجتماعية التحررية، إلا أن المشهد الفلسطيني لم يكتب له الثبات النسبي بتتالي الانعطافات الوطنية الحادة التي عصفت بالقضية الوطنية وكانت تفرض التوقف أمامها واستيعاب تغيراتها في البرامج، وهنا بدا الاتحاد غير قادر على إظهار الحيوية والجاهزية للتغيير في محطتين هامتين الأولى منهما محطة أوسلو وما أنتجته من واقع سياسي واجتماعي جديد يحمل سمات المرحلة السابقة على الصعيد الوطني باستمرار وجود الاحتلال ويحمل سمات جديدة تتلخص بوجود سلطة وطنية فلسطينية بمؤسساتها التنفيذية، وبوجود مجلس تشريعي بصلاحيات تشريعية محددة، واتضاح أكثر للصراعات الاجتماعية ما بين القوى الاجتماعية المختلفة واتضحت سقوف وهوامش الحريات الديمقراطية والقوانين، كل هذا كان يستدعي ويفرض التطوير البرنامجي بما يلائم طبيعة المرحلة، أما الانعطافه الثانية التي استدعت ولا زالت تستدعي التطوير البرنامجي فهي محطة انطلاق الانتفاضة الثانية التي أيضاً تحمل سمات مرحلة أوسلو على الصعيد الوطني مع اشتداد الهجمة التوسعية الاحتلالية واتساع نطاق الحاجة لدمقرطة المؤسسة الرسمية الفلسطينية من حيث آليات تصويب اتخاذ القرار التصويبية وأيضاً برزت ذات الحاجة على صعيد مؤسسات المجتمع المدني ومنها اتحاد المرأة الفلسطينية الذي وقف أمام هذه المحطة ليستجيب لاستحقاقاتها وأعبائها التي ولدتها الانتفاضة بوضعه مهام تجسد فهمه للمرحلة، دون أن يجري تعديلات على برنامجه، مما جعل هذا الاستحقاق المؤجل بفرض نفسه مجدداً دون تلكؤ بطرحه وبحثه بعمق في المؤتمرات القادمة للاتحاد بكل مستوياتها على أبواب الانتخابات وحتى لا تصبح الانتخابات غاية مقصودة لذاتها فقط وعزلها عن احتياجات التجديد البرنامجي المرافق لها وبمشاركة أوسع قاعدة نسائية ممكنة لتساهم بوضع أولوياتها، وبتراتبية يمكن البناء عليها وتحويل حلقاتها إلى سلسلة متواصلة، كلما أنجزت حلقة يتم الانتقال لغيرها، لنكون أمام برنامج حقق أوسع إجماع ومشاركة ممكنين معبرا عن مصالح النساء وهمومها.

هل هناك إمكانية لإجراء الانتخابات:
إمكانية إجراء انتخابات في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ممكنة ومؤشراتها واضحة ومعيارها عملية التنسيب الواسعة نسبيا، الجدل حول آلية الانتخابات ولوائحها المنظمة سيتشعب متناولا قضايا عديدة هامة منها ما سيتناول النظام الانتخابي الذي سيدفع لاعتماده، وعن مدى فرص اعتماد نظام التمثيل النسبي المؤيد من طيف واسع من القوى المشكلة للاتحاد،الذي يضمن الحفاظ على الائتلاف، وعن إمكانية استكمال اللوحة التشكيلية للاتحاد ومدّها للخارج الفلسطيني لتظهير هوية الاتحاد وخصوصيته، وعن كيفية تجديد البرنامج باتجاه استيعاب المتغيرات السياسية والاجتماعية، وكيف لها أن تعكس أولويات واحتياجات المرأة الفلسطينية، وكيف يمكن للاتحاد أن يقدم نفسه كقوة اجتماعية ذات نفوذ سياسي يستطيع ان يمثل مظلة للموزاييك النسوي المتعدد والمتنوع التوجهات والتخصصات، حالة الجدل الدائر صحية ويجب أن تستمر وتوفر لها المناخات السليمة كونها تنطلق من الحرص على الاتحاد ودوره، فبعض الجدل تسببه التجربة الجديدة لانتخابات أول منظمة شعبية في الوطن وتعقيداتها القائمة، ويجب أن لا يجابه بردود فعل تدفعه لزوايا حادة، فالانتخابات أصبحت إضافة إلى ضروراتها التجديدية شرطا للنهوض والحضور والمشاركة النسوية والاصلاح الديمقراطي، وستكون صعبة ولكن ليس من وسيلة غيرها لتسهيل الطريق إلى الديمقراطية، لكن السؤال الذي يبرز فيما إذا كان القرار بإجراء الانتخابات رهن بقرار الاتحاد، أم أن القرار وبما له من طبيعة سياسية سيكون قراراً سياسياً على مستويات عليا وهذا الأرجح.

الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أمام تحدي عملية الانتخابات، والتي إن جرت ستشكل انطلاقه جديدة ونقطة تحول إيجابية ستؤثر على غيرها من المنظمات الشعبية الفلسطينية التي تعيش ذات الظروف والتحديات وربما بشكل أكثر حدة، فلا مناص من الهروب من هذا الاستحقاق، لأن الواقع العنيد بالمرصاد ولم يعد يتقبل تهريب قضايا الإصلاح والديمقراطية تحت أي مبررات، وعدم الإيفاء بالالتزام الذي سجله الاتحاد على نفسه بفتح باب الانتساب تحضيرا للانتخابات, ستفقده مصداقيته وأهليته وفرصة تاريخية لقيادة الحركة النسائية