المرأة العراقية بين الموروث القبلي ونار المجتمع



وصفي السامرائي
2008 / 12 / 8

لطالما شهد العراق صراعاً مريراً بين القيم والمفاهيم الحضرية والبدوية . فالعراق يقع إلى جانب أكبر منبع من منابع البداوة شبه الجزيرة العربية ، ولعدم وجود حواجز طبيعية بينهما فإنَّ من الطبيعي أن تحدث هجرات متعاقبة ، على مرور العصور التاريخية للقبائل البدوية من الصحراء إلى أرض الرافدين سعياً وراء الماء والكلأ مستغلة الظروف التاريخية لضعف الدولة في العراق .
ومن الطبيعي أن تنقل هذه القبائل عاداتها البدوية ومنها نضرتها للمرأة على أنها وعاء الولد ، ولابد من الحفاظ على نقاوة هذا الوعاء . مما يدفع البدوي إلى قتل المرأة ولو على الشبهة دون من وازع داخلي أو مجتمعي .
وقد استخدمت النصوص المقدسة بشكل جائر لمصادرة حريات النساء ، فمثلاً الآيات الموجهة إلى نساء النبي ( عليه الصلاة والسلام ) حصراً كـ ( وقرنَ في بيوتكن ) قد عممت على سائر النساء لأسباب اجتماعية تتمثل في استغلال النساء وجعلهن مجرد خادمات للرجل .
أما فيما يتعلق بجرائم غسل العار ، فهي في لغة بشكل صريح لما جاء به الإسلام الذي يساوي الرجل مع المرأة بالعقوبة ولا يتم تنفيذ العقوبة إلاَّ من قبل الدولة حصراً مع اشتراط أربعة شهود يشهدون على رؤيتهم للفعل ساعة وقوعه . بينما اكتفى الشارع بشاهدين في الجرائم الأكبر من هذه الجريمة كجريمة القتل .
وبالنسبة للحجاب فلم يرد نص يوجب على المرأة تغطية وجهها ومشاهدنا على ذلك الآية (( وليضربنَ بخمورهم على جيوبهم )) ويبقى الحجاب مسألة شخصية خالصة ، ولا يُفرَض على المرأة إنما يتم من خلال إرادتها على تحقيقه .
القوامة إلى قوامة الرجل على المرأة ، فإنها مشروطة بالإنفاق كقوله تعالى (( الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّلَ الله به بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا )) فإذا انتقض هذا الشرط ، شرط الإنفاق انتفت القوامة .
وعن طريق حقوق المرأة بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية ، وبشكل خاص عقد الزواج ، فقد أفتى أبو حنيفة منذ عدة قرون طويلة باعتبار عقد الزواج شأنه شأن أي عقد آخر لا يتطلب إلاَّ الإيجاب والقبول ووجود شاهدين وإنما إلى هذا الرأي مستنداً إلى الآية من قوله تعالى (( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهنَّ )) فالآية صريحة في نسب الحق إلى المرأة من تزويج نفسها وهو قد ذهب إلى أبعد من ذلك حيث اشترط البلوغ لصحة عقد القران . أما تعدد الزوجات فقد كان فرضه تقنينياً لما كان سائداً قبل ظهور الإسلام ، والذي كان عدد الزوجات مفتوح وذلك في قوله تعالى (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاَ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم )) فالعدل بين النساء غاية يصعبُ إدراكها ، بالإضافة إلى أن السماح بالزواج لأكثر من واحدة كان بسبب حاجة اجتماعية حيث يحتاج الرجل إلى عدد كبير من الأولاد للقيام بتكاليف الحياء الصعبة في بيئة مثل البيئة التي ظهر بها الإسلام .
أما سفر المرأة مع المحرم فقد كانت ضرورة بسبب انعدام الأمن وكان الناس يخافون على نساءهم من الخطف وما يلحقهم من ذلك من عار ، وبعد أن استتب الأمن بعد قيام الدولة القوية التي قدرت على حفظ الأمن فقد أفتى العلماء إلى جواز سفر النساء مجتمعات إلى مسافات مهما بعدت .
هذا بالإضافة إلى أن الظروف قد تغيرت وأن المرأة في عصرنا هذا قد خرجت إلى العمل وحصلت على أعلى الشهادات الدراسية التي تؤهلها لتسلم أعلى المناصب العلمية ، فليس من المعقول أن تبقى ذات النظرة الدينية تجاهها .
وقد دلت الأبحاث الحديثة أنَّ عقل المرأة ليس اصغر من عقل الرجل وليس في تركيبها الفسيولوجي ما يجعلها كائناً من الدرجة الثانية .