أيتها النساء , إتحدن



بلقيس حميد حسن
2004 / 3 / 8

أغلبنا أو جميعنا يعرف قصة الأب الذي أوصى أولاده با لإتحاد , وأثبت لهم أهمية الإتحاد عن طريق حزمة العصي التي إن اجتمعت لا تنكسر , والتي لخصها شاعر ببيت من الشعر هو:
تأبى النصال ُ إذا اجتمعن َ تكسرا
وإذا افترقن َ تكسرت ْ آحادا
وكلنا يحفظ مقولة( في الإتحاد قوة ) , حتما سيقول القاريء الآ ن ما بال بلقيس تذكرنا بحكايا الطفولة وكأننا تلاميذ إبتدائية؟ .
ببساطة أن الأمور لا تحتاج الى تعقيد ولا فلسفة , و وجدت من الأفضل أن أطرح الموضوع على الجموع الغفيرة من النساء لتقريب وجهة النظر على الأغلبية وعلى مختلف درجات وعيهن , لأن الأمر ما عاد يحتمل تعقيدا وفلسفة والأغلبية الساحقة والمسحوقة من النساء لا تستهويهن الفلسفة بقدر ما يستهويهن مشاهدة برنامج ( زينا)* على قناة الجزيرة مثلا.
عندما قال لينين نداءه أوبالأحرى شعاره الشهير ( يا عمال العالم إتحدوا ), وقد تندرنا عليه نحن أكثر المثقفين العرب وغير العرب , إذ كيف سيتوحد هؤلاء العمال في العالم على اختلاف بلدانهم وأضطهاداتهم وأوضاعهم المعيشية ؟, كيف يتوحدون بهذا العالم المتنوع باقتصادياته وتوجهات حكوماته؟, كيف يتوحدون وهم يرزحون تحت نير ديكتاتوريات وانظمة استبدادية واستغلالية تريد مص دماءهم لصالح رفاهها ومصالحها؟ ولا أريد هنا أن أقارن قضية المرأة بقضية الطبقة العاملة أو الفلاحين وسواها من القضايا الإجتماعية والسياسة الهامة رغم تشابه الاستبداد في نواح كثيرة , لكنني أجد أن في المقارنة تجاوز على قضية المرأة فهي تشكل نصف المجتمعات إن لم نقل أغلبها كما هو في العراق حيث خلف لنا صدام حسين بحروبه وبطشه , جيوشا جائعة معذبة من النساء. وأريد هنا أن اعيد الى الأذهان حكمة الاتحاد وأهميتها وليس المقارنة, فالطبقة العاملة , الفقيرة في الغالب والمسلوبة القرار والإرادة _ كالمرأة العربية تماما- لم تعمل بهذا النداء و لم تستمع له, بل أنها ساهمت في أغلب الأحيان بإسقاط النواة الأولى لهذا الإتحاد وهو المنظومة الإشتراكية وبأساليب متنوعة لا وقت لذكرها الآن, في حين قد اتحد اعداء هذه الطبقة من الرأسماليين والشركات الكبيرة وكونوا دولا وعصابات عالمية تهدد الأمن والسلم بالعالم اجمع رغم إختلاف أنماط أقتصاديات بلدانهم , وقد رأينا ما آل اليه هؤلاء العمال والفقراء والفلاحون المسحوقون والمقهورون في بلدان عديدة من العالم , كالعرب تماما الذين لم يستمعوا لحكمة الاتحاد وها عالمهم بعد انهيار الإتحاد السوفيتي , ليس له ناصر ولا معين , وقد انفردت الولايات المتحدة به وعلى هواها تخطط المنطقة كيفما شاءت , تحمي من تشاء , وتركـّع من تشاء وتغزو من تشاء, وقد استفادت أوروبا من حكمة الإتحاد فاتحدت بسوقها الأوروبية المشتركة بالإتحاد الأوروبي الذي جعل منها قوة يحسب لها في عالم اليوم الذي تحكمه القوة ولاشيء سواها.
ولا أريد أن أقول هنا أن قضية المرأة حربا بين المرأة والرجل , أبدا فالحياة لا تستوي بدون حبهما واتحادهما , لكنه للأسف صراع فيه نوع من الالتباس والخديعة وعدم الوضوح , وهو يشبه الى حد ما الصراع الطبقي بين( المستغـَل بفتح الغين ) و(المستغـِل بكسرها) إذ هو صراع مرير , طويل ومتعب, به تحديات و ضحاياه على الغالب من النساء والأطفال , إذ هي قضيتهن, وحقهن الذي لا بد منه لعيش أفضل, والتي تنعكس بدورها على أفذاذ أكبادهن.
وتأسيسا على ذلك أقول إننا إن أردنا الحديث عن امكانية تعاون النساء العربيات مع بعضهن ولو في بلد واحد او في منظمة واحدة, واتحادهن لصالح قضيتهن نجد أن هناك معوقات ومسببات لهذا الاتحاد ا لذي لا بد منه لنجاح كل قضية مهما كان نوعها وابرز هذه المعوقات :
• إن الجموع الغفيرة من النساء العربيات هن من الأميـّات وهذه من أكبر المشاكل التي تعرقل فهم المرأة لدورها وأهميته وبالتالي فهمها للوقوف مع أختها بالإضطهاد, فلا يمكن أن نتحدث عن تطور وتغيير بعقلية المرأة ومواقفها ما لم نتحدث عن وعيها وثقافتها ولو بالحدود الدنيا كمتعلمة.
• إن أغلب الحركات النسائية بالعالم العربي من جمعيات واتحادات وروابط هي أما مرتبطة بالحكومة وأما بأحزاب تدعمها , وبهذه الحالة نرى أن هذه الاتحادات فاقدة لاستقلاليتها , موجهة من قبل الرجال الذي لا تشكل عندهم قضية المرأة أهمية كبرى بالمجتمع بل أنهم يعملون معها لأسباب وظيفية أو دوافع حزبية وحكومية وهم ليسوا بمساس مباشر مع القهر المسلط على المرأة وما تعانيه من إجحاف بحقها وما يتبعه هذا من امراض بالمجتمع تضر به ككل , بل أن الكثير من المثقفين العرب , قد كرهوا أي عنوان كتاب او مقالة يمت لقضية المرأة بصلة لأنهم غير مقتنعين بها في دواخلهم ويجدون بها تمردا عليهم وعلى سلام حياتهم., حتى رأينا ان بعض الكاتبات العربيات- وهذا ذكاء يحسب لهن- تعلمن نوعا من الاحتيال حين الكتابة عن معاناتهن والحيف الذي يصيب المرأة يوميا , اذ يكتبن ما يردن قوله تحت عناوين جذابة للرجل قريبة لما يدغدغ فحولته ومشاعر الجنس لديه , حتى رأينا عناوينا كثيرة تملأ المكتبات الان والتي كانت قبل سنوات محرمة ومعيبة وممنوع الاقتراب منها بالنسبة للمرأة العربية , والتي تحوي كلمات مثل الجسد, الجنس, المتعة, اللذه, العشق, وما اليه من عناوين تذهب أحيانا لأكثر من ذلك إغواءا للرجل ليطرق باب المرأة المثقفة ويرى بنفسه أخطاءه وضحاياه .
كما أن عدم إستقلالية المنظمات هذا, جعل هناك شك كبير في إمكانية إبداع المرأة فنرى مثلا حينما تتألق مبدعة عربية في شيء تتهم ويشكك بإمكانياتها وتنسب أعمالها وإبداعها الى رجل آخر, أو يحاول إخراجها من دائرة الإحترام بالمجتمع و تشويه سمعتها بما هي بريئة منه كل البراء ولا توجد محكمة تنظر بأكاذيب الناس قولا فيما بينهم مع الأسف , إذ لا بد من وجود أدلة وإثباتات غالبا ما يصعب أيجادها وغالبا ما يتم التنصل منها وتبقى بحدود القيل والقال دون محاكم وقضايا إلا ما ندر, فحين تألقت الشاعرة سعاد الصباح بالشعر قيل أن نزار قباني يكتب لها وهي التي تدفع له, ورحل الشاعر الكبير نزار قباني واستمر عطاء الشاعرة سعاد وتألقها أكثر وأكثر , وعندما فازت احلام مستغانمي بجائزة نجيب محفوظ , قيل أن هناك من كتب لها روايتها , وأخيرا ربحت هي الدعوى ضد المتقولين , وحينما استحوذت نوال سعداوي على عقول الكثير من نساء ورجال العرب بعقلها وعلمها واستثمار اختصاصها كطبيبة لصالح قضية المرأة , ومحاججتها وشخصيتها اللبقة والقوية , قالوا أنها تحض النساء على الفجور وأمروا أطفالهم برجمها بشوارع المدن المصرية , وحينما تنجح إمرأة عربية بانتخابات مثلا يقال أن زوجها مهم وهو الذي دعمها بالمال وما الى غيرها من التهم , ولدى جميع المبدعات العربيات أمثال من هذا ومعاناة لا يعرفها الا هنّ , وأنا لا أشك بأن هناك بعض الحالات كهذه تحصل هنا وهناك , وإن حصلت فعلا فما أكذب ذاك الرجل الذي سمح لنفسه ممارسة الخديعة وما أضعفه أمام غواية تلك المرأة وقدرتها على سحبه كالخروف الى حضيض النصب والتزوير, ويكون هو المتهم قبل إتهامها وهو الملام أولا.
من هنا لا بد من إتحاد ٍ بالمواقف وتضامن بين النساء جميعهن وليس بالضرورة اتحاد نقابي أو جمعيات أو روابط , إنما أن تعمل النساء على أساس أنهن في خندق واحد وصاحبات قضية واحدة, يدعمن بعضهن , لا تقلل إحداهن من شأن الأخرى لأنها أشجع منها ,أو أكثر إبداعا أو هي أجمل منها , أو أقدر على العطاء, كي تعبر قضيتهن فعلا عن عمق المعاناة وعن الرغبة الحقيقية بالإ نعتاق والتحرر من نير الأفكار والممارسات التي تحط من إنسانية المرأة وكرامتها, ولا بد من إهتمام بوعي وثقافة النساء من قبل المؤسسات النسوية التي تريد للمجتمع العربي التقدم ومواكبة الركب الحضاري.
كما على للحكومات الإ نتباه لمجتمعاتهم من خلال المرأة , فقياس تطور المجتمع وتحضره هو وعي المرأة فيه , وقدرتها على العطاء وإتخاذ زمام المبادرة إن اقتضى الأمر للإستمرار بالبناء ولترسيخ الإستقرار لمجتمع ما , فالمرأة هي أول من غرس نبتة دفعت بالناس الى الإستقرار والزراعة وبالتالي تكوين الحضارات.
وأؤكد هنا على أن الإعتراف بدور المرأة وأحقيتها بكل الدعم من أجل النهوض بوضعها هو رغبة بالنهوض من خلالها بأي مجتمع لتكون به هي حرة قادرة على إتخاذ القرار والبناء يدا بيد مع الرجل للسير قدما نحو حياة أفضل للجميع .

لاهاي 6-3-2004
* شاعرة وناشطة حقوقية عراقية مقيمة في هولندا
* زينا برنامج على قناة الجزيرة يهتم بالمودة وأمور التجميل فقط.