فلينزع الحجاب



كريم الهزاع
2008 / 12 / 18

كم أشعر بالفرح وأنا أقرأ كتابات ونصوص اروندهاتي روي، وفروغ فرخزاد، وتسليمة نسرين، وفرجينيا وولف، وناتالي ساروت، وسيمون دو بفوار، وتوني موريسون، وايزابيل الليندي، وايزابيل فونيسكا، وايتيل عدنان، وسلوى النعيمي، وفاطمة المرنيسي، ومليكة مقدم، وفاطمة أوفقير، وهدى بركات، وهاديا سعيد، وحمده خميس، وعلوية صبح، وعفاف البطاينة، وسوزان عليوان، وتهاني سنديان، وايمان مرسال، ونوال السعداوي، وحنان الهاجري، ونادين بدير، ومنى كريم، وسمر المقرن، وبروين حبيب وديوانها «رجولتك الخائفة طفولتي الورقية»، وزينب معادي وكتابها «الجسد الأنثوي وحلم التنمية: إنها امرأة تذوب».. وأخريات خانتني الذاكرة الآن في ذكر أسمائهن. وأنا هنا معني بقراءة الذهنية أكثر من قراءة النص الإبداعي. الذهنية التي رفعت الحجاب عن دماغها وأظهرت شجاعتها دون مواربة، وتجاوزت الكتابة تحت سقف المتوسط النزيه. الكتابة والحضور نصاً وجسداً في المشهد وفعالياته دون اختلاق الأعذار الواهية للخوف من سلطة الدين والقبيلة والأخ والزوج، وهي في شكلها الأخير كلها سلطة ذكورية تعسفية بشروطها ونصوصها المطروحة.

إن حالة التمرد والمشاغبة والانفلات من تلك القبضة هي بمثابة الإعلان للمرأة بأنها كائن له روح وكينونة مستقلة بعيداً عن سلطة «الضلع الأعوج» والأساطير التي صنعت التاريخ ،
أو مجموعة من الأديان عبر تراكم معرفي ولحظات تاريخية سيطر فيها المقدس والصنمية والكثير من الأوهام والترغيب والترهيب بأشكاله المختلفة. إن اللجوء لهذا النوع من الأوهام هو حيلة من لا حيلة له، أو جدار العاجز الذي يتشبث بالجاهز من النصوص.

أقول إن حالة التمرد والمشاغبة والانفلات من قبضة السلطة، ليست موقوفة على المرأة، بل يحتاجها الرجل أيضاً، فمن أين تجيء الوصاية أصلاً ؟ طبعاً من حالتين، الأولى وصاية الديكتاتور، وتلك حالة سادية ومرضية تبحث عن مكاسبها الخاصة فقط، ويجب الثورة عليها. والحالة الثانية والمعنيين بها بهذه الكتابة هي حالة –الرجل النائم– المستلب الشخصية، والذي لم يتوقف ولو لمرة واحدة في حياته لفحص مقولاته المدرسية والبيئية والدينية والقبلية، إذ اعتبرها كلها مسلمات لا يمكن التراجع عنها خوفاً من سلطة العيب والحرام والنبذ، لأنه لا يمتلك في داخله بذرة واحدة من الشجاعة، فهو دائماً بانتظار من يكسر له حواجز الخوف دائماً.

ومن هنا وجدت أن هناك نصوصا ومحاولات للمرأة تفوق كثيراً نصوص ومحاولات الرجل، والرجل المثقف ذاته. ومثقف كلمة كبيرة على بعضهم، ولنكتف أو فلنقل تفوقت على الرجل الروائي والشاعر والقاص والكاتب .. إلخ، لأن المسألة تتعلق بالوعي أكثر من الفن، وبحقوق الإنسان أكثر من العبارات السيالة والخطابات الخاملة في البرلمانات والديمقراطيات الهشة.

ومن المحاولات الأخيرة التي لفتتني، وفرحت بها، هي محاولات الكتابة في «ألفيس بوك»، والكتابات الأكثر عمقاً والأكثر حفراً الكتابات النسوية التي أتابعها في موقع «الحوار المتمدن»، وكذلك محاولات إنشاء المواقع الخاصة والفردية «الويب سايت»، ومن آخرها موقع الكاتبة سمر المقرن، والذي تشرفت بأن أوقع في دفتر زواره بتلك العبارات: «محاولة رائعة في الخلاص من سطوة الذكورية في مجتمعنا الشرقي البليد، بسبب نصوصه التي تعاني من الشيزوفرينيا وانفصام الشخصية .. وخطوة أكثر من رائعة للانفلات من قبضة الشاسو، من قبضة الإرث المريض .. وأكثر من رائعة لإنفلاش هذا التاريخ الهش.. ومطلوب منك أكثر من ذلك كي تقولي لا لا لا بروح متمردة أنت والرائعات مثل نادين البدير وأخريات حتماً سيفعلن الكثير مثلما فعلته السابقات مثل هدى الشعرواي وأبكار السقاف ووفاء سلطان»... ولينزع الحجاب ويرفع عن أدمغتنا كل رموزه الحادة.

« فلينزع الحجاب».. هو عنوان أحد ثلاثة كتب قرأتها في الموضوع نفسه. الأول رمزية الحجاب: مفاهيم ودلالات لعايدة الجوهري، والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية. والثاني، «السفور والحجاب»، لنظيرة زين الدين، والصادر عن دار المدى. والثالث «فلينزع الحجاب» لشاهدورت جافان، والذي رفعته في أثناء تظاهرة الاعتصام ضد الرقابة في معرض الكتاب الأخير في الكويت، والصادر عن دار بترا بالتعاون مع رابطة العقلانيين العرب ونقلته للعربية فاطمة بالحسن. وشاهدورت جافان روائية وباحثة انثروبولوجية إيرانية، لم يترك لها سجن النساء الكبير الذي كانته إيران الخميني من خيار آخر غير أن تهاجر إلى فرنسا. وكتابها هذا هو صرخة امرأة اضطرت إلى ارتداء الحجاب قسراً لمدة عشر سنوات من سن الثالثة عشرة قبل أن تنزعه في ديار الهجرة.

صرخة نابعة من التمرد على ذل سكنى الحجاب وصرخة تآزر مع كل النساء المسلمات، ولاسيما منهن الصغيرات وغير المتعلمات والمدعيات كذباً وزوراً بأنهن يرتدين الحجاب عن قناعة، بل هو خوف على شيء ما ينكسر في دواخلهن، أو مراعاة لسقف، أو كنوع من الحيلة، بينما هن في النهاية كلهن أسيرات الحجاب القسري.

وأخيراً صرخة احتجاج في وجه الرجال الذين فرضوا ارتداءه عليهن، أو الذين اعتادوا على مشهد المتحجبات حتى باتوا لايتساءلون عن شعور المرأة داخله. وتزامن صدور الكتاب مع تصاعد الموجة الأصولية في مختلف المجتمعات الإسلامية، بل حتى مجتمعات الهجرة في أوروبا الغربية، وكان لابد أن تتصاعد جُرأة وجذرية الردود الصادرة عن القلة من المثقفين – المثقفات الذين اختاروا طريق المقاومة العقلانية اللامهادنة، ليعلن للعالم أجمع أن الرجل الذي يفرض على أخته أو زوجته الحجاب، هو يحمل دماغا محجبا أصلاً بالنصوص التي أكل وشرب عليها الدهر. وهي نصوص في طريقها للانفلاش والاندثار في ظل القفزات العلمية، وفي ظل العولمة والقرية الكونية الواحدة، والنصوص المنفتحة على الحريات وتنفس الهواء الطلق، وبأن هذا الشخص يعاني من عطب في روحه، ومصاب بالشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية، أحد الشخصيتين يتوهم بأنه مكتف وواثق من ذاته، والثاني يمثل شخصية «المتلصص».

في النهاية لي أن أقول موفور الشكر لحنان الهاجري التي حرضتني وحفزتني على كتابة هذه المقالة بعد الانتهاء من قراءة مقالتها المنشورة في جريدة القبس: «تعددت الوجوه والخيبة واحدة».