المرأة والرجل (3) حنان الزوجة المطلقة المكسورة أجنحتها



عبد الكريم عليان
2008 / 12 / 20

الكاتب/ عبد الكريم عليان والشــاعرة/ هدلا القصــــار..كتابة مشتركة
هدلا القصار:
رصاصة الرحمة للزوجات المطلقات خارج أوطانهم و الوجه الآخر للاضطهاد

في البداية يجب علينا التأكيد أن الإنسان يحمل في ذاته مجموعة من المشاعر حول علاقته بالمحيط الخارجي، وأنه من الطبيعي أن يخضع للعوامل المؤثرة في الإدراك العقلي نتيجة احتكاكه وتفاعله مع المجتمع، وإذا اقتنعنا أن كل فرد منا يفرح ويحزن، ينام ويصحو، يموت ويعيش، على ما تنتجه مشاعره وأحاسيسه النفسية الإنسانية المدفونة لديه، وأنه سيأتي أحدنا بقلمه ويفرغ هذه الشحنات نتيجة الإحساس بالظلم أو التظلم كوسيلة تعبيرية ليقرأ الآخرون ما وراء مخزون الألم والصمت! كالسيدة (حنان) التي خرجت عن صمتها في أثناء جلسة حميمية بين صديقاتها اللواتي تجمعهن غربة أوطان مختلفة. بعدما كانت تأخذنا بصمتها ونظراتها الحزينة الشاردة وهي تكفكف دموعها وتحبس أناتها كي لا نسمع أنينها ولوعة قلبها وخفقان إنسانيتها المهدورة لتجر ذيول خيبتها وخسارتها في سراب ساخن.
خرجت من صمتها لتعلن نفاق المجتمع وازدواجية سلطة الرجل (البراغماتي) الذي أخرجها من دفء منزلها وأسرتها وتخلى عن حمايتها ليلقي بها وسط مجتمع يحمّل الزوجة أخطاء الطلاق المتكرر دون رحمة، ودون أن يسأل عن معاناتها وتشقق مشاعرها من الزوج الذي يعاني من (السادو مازوجية) وهي ازدواجية الشخصية ونتائجها المترتبة عليها، وقد تكون أحد الأسباب الأساسية التي تسببت بطلاقها للمرة الثالثة بلا وعي، وتفاقمت في الآونة الأخيرة إلى حد اللامبالاة عند الزوج الذي يرفض الاعتراف بمرضه! بعد أن واجهه به الطبيب منذ الطلاق الأول، كما وأنه رفض الاعتراف بضرورة العلاج اللازم لمساعدته على التركيز الذهني، وإذ به يتنكر للطبيب لكشفه هذه الحقيقة التي خبأها عن أفراد عائلته الذين رفضوا حتى تصديق الزوجة لما يعانيه ابنهم خوفا من افتضاح أمر هذه الوراثة التي ستسيء لأبنائهم في أثناء طلب الزواج من عائلات أخرى .
تقول حنان: أنني لا أنكر انه في غياب هذه الحالة يكون في غاية الرقي والأخلاق الحسنة، ويكفي أنني كنت أحبه! وربما ما زلت.. وهذا الحب ما يدفعني في كل مرة للشفقة على هذا الزوج بعد أن يصحو من انكساراته التي تسببت بطلاقها منه نتيجة لشحن نفسه بالظلم والتظلم والاضطهاد الواقع عليه وهو بالطبع من صنيع خياله (المازوجي) ففي كل غيبوبة يذهب بحالته السيكولوجية عدة أشهر، لتعود إليه حنان بكل حبها وتسامحها وشفقتها على أبنائها وغربتها المتكسرة وملاحقة أعين المجتمع من حولها، وتهافت الانتهازيين على النيل منها.. فحنان بعد كل هذا تقبل بالعودة إليه لتحتمي بظله..
واليوم عاد الزوج كالسابق من جديد إلى صحوته بعد سنتين، ليطلب منها العودة إليه ولملمة أسرته كأن شيئاً لم يكن.. دون أن يعمل على ترميم مشاعرها المجروحة والمنهارة نتيجة الطلاق لثلاث مرات متكررة.. قد لا يشعر المجتمع بآلامها ومعاناتها وما أصابها من هزات نفسية كبيرة منذ بداية طلاقها، وتحملت وحدها ما تحملته من رشقها بحجارة الاتهامات.. حتى عائلة الزوج تنكرت لها وتجاهلت آلامها، أو حتى السؤال عن أبنائهم الذين ترعاهم في ظل الغلاء الفاحش والظروف التي تعاني منها غزة، لكن عائلة حنان لم تتخلى عنها وعن أبنائها فتحملت إعالتهم كاملاً خصوصا بعدما فشلت حنان من اصطحاب أبنائها إلى وطنها الأم لرعايتهم في جو أسري حميم، ولا يخفى على الجميع ماهية الصعوبات التي يواجهها المواطن للخروج من غزة.. جدير بالذكر خلال فترة طلاق السيدة (حنان) تهافت المتهافتون للزواج منها؛ لأنها تملك من الجمال ما أنعم الله عليها به! ومن المؤهلات العلمية ما قد يستفيد منها كثر من المتقدمين لها من أصحاب الأخيلة المرضية والنيات السيئة، التي غالبا ما تحلو لهم لعبة خداع المطلقة برسم أكاذيبهم لحمايتها من أنياب المجتمع وعقائده وأقاويله، ومن الطبيعي أن تجد من الصيادين بالماء العكر من يضع يده على مفصل أوجاعها بإرهابها من الوحدة في البحث عن الآمان والاستقرار من أجل المستقبل، إلى أن تصل في النهاية للتفكير بزوج يؤنس وحدتها من سراب الغربة ومشاعر الخوف، بهدف السحب من رصيدها النفسي والمعنوي، لتجد نفسها في النهاية أمام اختيار الزوج المناسب لها.. من هنا يأتي دور المتهافتين، والمتسابقين لعرض إمكانياتهم الكاذبة واستعراض عضلاتهم الهشة لامتلاك فكرها واحتلال قلبها .وبما أن حنان علمت بكل ما لديهم من براكين محمومة، رفضت تكرار الزواج وتسليم نفسها لأي طامع من هؤلاء اللذين يختبئون وراء الحب وأشكاله المزخرفة.
المشكلة الحقيقة التي تواجهها (حنان) الآن هي: لو فكرت بالعودة إلى زوجها كي تحافظ على أسرتها الصغيرة!! بعد أن رفضت العودة لموطنها دون أبنائها، لأن الشريعة الإسلامية لا تسمح لها بالعودة لزوجها بعد طلاق ثلاث مرات من نفس الزوج، إلى أن يدخل بها زوج آخر (محلل) وهي ترفض أن يمسها رجل آخر غير زوجها، كما أن زوجها لن يقبل بها لو دخل بها رجل آخر!! وتقول: حتى أنها لا تثق بالزوج (المحلل) في أن يطلقها بسهولة، دون أن يتبع معها أسلوب الابتزاز، أو الاستغلال طبعا !. إذن حنان اليوم في حالة من الجنون الهستيري، وكذلك حال طليقها أصبح لا يفصل بينه وبين الجنون الحقيقي سوى خيط رفيع ليندب حظه في خسارته المتكررة، دون أن يستسلم للعلاج، أو الاعتراف بمرضه وما نتج عن ذلك..
يحق لنا أن نسأل: هل هناك معاناة وقسوة أكبر من معاناة حنان الزوجة؟ وهل هناك من يتحمل ذلك كما تحملته حنان؟ هل كان سيرحمها المجتمع لو تزوجت من رجل آخر بعد المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ هل سيصمت المجتمع من حولها كما صمتت وتحملت حنان؟ أم سيعاقبها بدلا من أن ينتشلها من غربتها ويخفف عنها معاناتها من زوجها؟ وشعورها بعقاب الطلاق من جهة، ومسبباته من الجهة الأخرى التي قطعت أوصالها داخل مجتمع لا تملك فيه المرأة سوى خيار العودة إلى الزوج ومصائبه التي لا حل لها، أو هجر أبنائها وحرمانها منهم؟ بعض الأزواج، أو الزوجات قد يخطئون هذه السيدة لتكرار عودتها، والبعض قد يخطئها لأنها لم تتزوج بعد الطلقة الأولى أو الثانية كعقاب للزوج الذي لم يقيم أي اعتبار لغربتها ووحدتها، في مجتمع تهان فيه المرأة (الزوجة) دون أن تبوح بحقيقة سلطة الزوج الذي يجبرها على التزامها به والسير وراء معتقداته التي تصل لحد قضم حقوقها والتنازل عن إنسانيتها وتشتت عائلتها التي فقدت الشعور بالأمان في مرحلة من أهم مراحل في نمو الطفل..
لنقارن بين السيدة المواطنة (نداء) التي لم تيأس من تكرار تجربة الزواج بعد كل طلاق من أزواجها الأربعة دون أي تأثير وارتجاج لعاطفتها تجاه أبنائها، وبين السيدة (حنان) الأم التي رفضت الزواج من آخر وتكرار العودة والبقاء مع أبنائها وتحملها المعاناة من مرض الزوج، وما سببه لها من شروخ وتشققات نفسية ومعنوية تلازمها وتسكن في عميق صمتها المرير، كذلك عكس السيدة (نادرة) التي سنتحدث عنها فيما بعد. أشير إلى أنني اختزلت الكثير، وتجاهلت الكثير من تفصيل بعض الأمور والمواقف التي تعرضت لها السيدة حنان وما واجهته من إهانات المجتمع ونظرته لها، وملاسنة المنافقين والانتهازيين وصانعي المبادئ المفبركة والذمم الرخيصة.. فهل يتحمل الرجل ما تحملته السيدة (حنان المرأة / الزوجة)؟؟ وهل الزوجات الفلسطينيات يتحملن كما تحملت حنان؟ التي هربت من مذبحة جزائرها إلى مذابح الزوج ومجتمعه. ربما هناك نساء كثيرات تحملن الكثير من العذابات والآلام، لكن ليس بقدر معاناة المرأة البعيدة عن أهلها وعائلتها.. فغربتها ومعاناتها تفوق معاناة الأخريات، لفقدانها الشعور بدف عائلتها الكبيرة، أو الرحمة، أو الانتماء.. طالما الغربة حرمتها من حضن الأرض وشريان الأم..!

عبد الكريم عليــان :
ما لم تقله ـ هدلا في رصاصة الرحمة للزوجات المطلقات..
في البدء، لا نملك من الشكر والتقدير والثناء.. ما يمكن أن نقدمه للسيدة الفاضلة حنان وأهلها الجزائريين الطيبين الذين وقفوا بجانب ابنتهم ليس من منطلق عائلي وإنساني فحسب! بل ومن منطلق سياسي وأخوي أيضا؛ فلا أحد ينكر وقوف الشعب الجزائري وحكومته إلى جانب شعبنا وقضيته.. ولا نملك إلا أن نقول: يا حنان اصبري ولا تحزني، ليكن معك الله! لا تيأسي ولا تدفعي بالإحباط أن يمسك بك، وثقي بقوتك وعزيمتك مادمت لا تفعلين إلا الخير؛ لأن النصر سيكون حليفك وستكون حياتك سعيدة بإذن الله.. يا حنان! كوني على ثقة بأن الخير موجود هنا.. ولا تحصري مجتمعك الصغير بما يحيطون بك؛ وهم قلة في مجتمعنا الكبير.. وثقي بأن كل المجتمع الغزي يتألم لألمك ويقف بجانبك وهناك كثر من الخيرين والطيبين الذين هم كما هم أهلك وعائلتك ولن يتركوك.. لكننا نعرف أن كرامتك وشعورك تجاه زوجك وحبك له يدفعانك بعدم اللجوء إلى ذلك مما يدل عن أصالة ثقافتك وتربيتك؛ فنعم التربية! ونعم السلوك!
إن قصة حنان ليست بغريبة أو بعجيبة! لكن حنان التي لم تجد من يقف بجانبها خصوصا أن عائلتها البعيدة وإمكانية السفر إليهم من غزة معدومة تقريبا دفع الزوج في التمادي تجاه زوجته وأسرته، مما يؤكد (برجماتية الرجل) كما وصفتها الشاعرة ـ هدلا، وحالته المرضية المتمثلة بالسلطة أو ما يسمى ( المازوجي) حيث أنه يتوهم بأن سلطته فوق كل شيء.. لن نضيف هنا شيء على ما وصفته شاعرتنا، وأكدت على حالته المرضية بتشخيص الطبيب لذلك.. والذي رفض هو الاعتراف بمرضه وتقبله للعلاج المقترح، لكننا لو سألنا السيدة (حنان): إن كانت هذه الحالة موجودة لدى زوجها وهم يقيمون خارج غزة؟ أي بعيدين عن أهل الزوج لنفت ذلك بالمطلق، إذن! هذه الحالة أصيب بها الزوج مؤخرا عندما عاد ليعيش في غزة واستلم منصبا سلطويا، أو سياديا منحه مزيدا من المهابة والسلطان خصوصا عند أهله وذويه الذين يقفون بجانبه، وتنكروا لحقوق زوجته أم أبنائه.. ويبدو أن السيدة حنان لم تستطع خلال المدة التي أقامتها في غزة من الاندماج بأسرة زوجها لتكون واحدة منهم، وقد يكون لعامل الطلاق المتكرر عندها السبب الرئيسي في ذلك بمعنى لم يسعفها الزمن في فهم العلاقات الأسرية للغزيين، وهذا ما يميز معظم الزوجات المغتربات التي تماثل حالة حنان، إضافة لذلك ما يمكننا أن نصفه بتباين الثقافات والتقاليد والأعراف، بين ما تشربته حنان في وطنها الأم، وما اصطدمت به هنا.. على خلاف الزوج الذي طغت عليه ثقافته القديمة وحالة الأدلجة الفكرية والسياسية، وعودة القبلية من جديد لمجمل أهالي غزة وما تمر به من ظروف الانقسام والتناحر السياسي حاليا، والذي ساهم بدرجة كبيرة بوقف أنشطة وعمل مؤسسات المجتمع التي قد تساعد حنان بحل مشكلتها، ومشاكل أخرى عديدة...
نحن لا ندري كيف تمت حالات الطلاق الثلاثة؟ خصوصا إذا عرف القاضي بحالة الزوج المريضة، وفيما إن كانت الزوجة قد صرحت بذلك أمام القاضي، أو خافت من عواقبها؟ أم أن القاضي لم يقتنع بذلك السبب؟ من هنا إن كانت هي ترغب بالعودة لزوجها كما ذكر في الرواية واعترافها بحبها له، وتمسكها بأسرتها، وإلحاح زوجها بالعودة نقترح عليها: أن تشترط عليه الاعتراف بمرضه، ويثبت ذلك بالشهادات الطبية أمام القاضي كنوع من الطعن في صحة حالات الطلاق السابقة، أو الاشتباه بوقوعها وأنه يتماثل للشفاء من خلال العلاج المستمر.. إن قبل الزوج بذلك، فلتتوكل على الله.. ونعتقد أن الظروف التي أحاطت بزوجها وكانت السبب في مرضه قد زالت، ولم تعد قائمة الآن ونتمنى أن لا تعود. نشير إلى أن المفهوم السائد لدى البعض عن ما يسمى (المحلل) مفهوما خاطئا ولا يجوز أن يكون مشروطا بحل مشكلة الزوج الأول، وليس له علاقة البتة. إذ أن المرأة المطلقة ثلاثة مرات لا يجوز لها العودة لذلك الزوج مرة رابعة، ولا يجوز للقاضي تزويجها من رجل آخر إذا ما عرف أن هذا الزوج هو زوج مؤقت بهدف ترجيعها للأول.. لكن فيما إذا لم توفق في هذا الزواج فيما بعد، يجوز جوازها من جديد للرجل الأول إذا ما توفرت الرغبة بينهما..
إننا نلوم السيدة حنان لصمتها الطويل.. وعدم المطالبة بحقوقها الشرعية خصوصا في نفقة الحضانة لأولادها، أو حقوقها الشرعية التي تنازلت عنها كما يبدو، وقد نعذرها في ذلك حفاظا على كرامتها.. وربما لتضحية حنان التي تفوق كل التضحيات بهدف الحفاظ على خط الرجعة لزوجها مما يؤكد مدى حبها له، وهذا ينم عن الذوق الرفيع والأخلاق الحميدة والأصالة العريقة لعائلتها التي لم تتخلى عنها في ضيقها حتى لو كانوا يقيمون معها في نفس الوطن. بقي أن نشير إلى النظرة السوداوية والخوف من المتهافتين للزواج منها كما ورد، أجل! قد يكون من بين هؤلاء من هو سيء ويطمع بتحقيق أهداف غير مرغوبة لديها؛ لكن ذلك لا ينطبق على الجميع، ومن المؤكد أن من بينهم من ينظر إليها كإنسانة ويقدر عاليا ظروفها وتضحيتها، ولديه استعداد وقدرة كافية للوقوف بجانبها في كل وقت ولن يتخلى عنها أو حتى عن أبنائها.. وهناك كثير من حالات الزواج الناجحة قاموا فيها الرجال باحتضان أبنائها كمن هم أبناؤهم تماما.. هذا خيار قد يكون لا مفر منه أيضا لحنان فيما لو رغبت بذلك.. أخيرا تحية إجلال وإكبار وتقدير نقدمه للسيدة حنان ولكل السيدات من أمثالها، وندعو لها أن يوفقها الله ويكون في عونها حتى تتحقق لها السعادة بقدر صبرها وصمودها وتضحياتها..