للننقذ النساء من براثن رجال الدين



مالوم ابو رغيف
2004 / 3 / 8

تبدو المراة في كتابات المثقفين العرب وكأنها كائن مجهول يُراد التعريف به ،كائن وكأن الانسان لم يستطع لحد الان معرفة اهميته او ضرورته للحياة وللمجتمع ،فيكبتون ان المراة هي الحضارة وانها الجمال وانها الامومة وانها الخصب وانها النصف الثاني للمجتمع ويعددون صفاتها ونظالاتها وكفاحها وتعبها وشقاءها وغبنها .الحقيقة ان ما يكتبه المثقفون العرب هو تكرير لبديهيات و مظاهر اجتماعية ،الكل يعرفها ويواجهها كل يوم ان لم يكن في الواقع ففي الاحلام .وقلما توجد كتابة ادبية او عمل فني او ادبي او ملحمي اسطوري او ديني الا واحتلت المرأة مكانا مهما فيه .حتى ان اكثر رجال الدين تعصبا يكتبون غزلا رائعا ويتغنون بالمرأة ويكرمون امومتها واخلاصها . لكن مشكلة المراة تكمن في الموقع الذي يسمح لها ان تحتله في العملية السياسية والاجتماعية وهذه هي لب المشكلة .وهذه المشكلة قد قنونتها الاديان وتوارثها رجال الدين وصاغوها في قوالب واحكام عرضت للناس وكانها اوامر الله المقدسة .فالدين بصفته موروث تاريخي حمل معه تصورات مراحل غاية في البدائة والتخلف صنفت الناس وحشرتهم في طبقات اجتماعية تبعا للثروة والموقع من السلطة (القوة) وضمن معادلة القوة هذه احتلت المرأة تبعا لقوتها الجسدية الخانة الاضعف في التصنيف الانساني طبقا للجنس . فهي تابع للرجل ومنفذا لرغابته وخادمته المطيعة لانه الاقوى جسديا ، وكلما استطاعت المراة ان تتغلب على معادلة القوة الجسدية هذه ، واستعاضت عنها بفرض قوتها من خلال الموقع من السلطة كلما زاد احترامها وهيبتها .لكن هذا الاحترام وهذه الهيبة تبقى شيئا خاصا ، تمايز فردي وليس موقفا شاملا من المرأة . حتى النساء اللواتي تم ذكرهن في القران بشيئ من الاحترام مثل الملكة سبأ او بلقيس كن من النوع الحاكم ،مركزهن فرض احترامهن على التصنيف الديني الجنسي الانثوي الضعيف .

مشكلة المرأة الاولى في الاقطار المتخلفة تكمن في تسلط رجال الدين على التفكير الاجتماعي العام وتسييره وتوظيفه لصالح المجتمع الذكوري الذي بدوره يعاني من فرضيات واحكام قبلية موروثة تضع شرف الانسان كله في جسد المراة ، شرف يتم ديمومته من خلال سلسلة من الاعراف الجائرة تستند على القوامة الذكورية على المراة . وتلتحم احكام القبيلة مع احكام الدين لتكون شبكة من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية يختلط فيها ما هو ديني بما هو قبلي ويصعب التفرقة فيما بينهما .

لابراز فضل الدين على المراة تُقارن اوضاع المراة في المجتمعات الاسلامية لا بما بلغته المرأة في المجتمعات المدنية المتقدمة من ناحية الحقوق القانونية والمساواة ، بل مع مجتمعات اكثر تخلفا واقل وعيا ، مجتمعات الماضي السحيق وبتشويه واضح حتى لتلك المجتمعات التاريخية القديمة ، او بالاشارة الى مظاهر لا تمت الى طبيعة المراة او القوانين العامة بصلة ، مثل الاشارة الى الانحلال او الخيانات الزوجية ،فالحرية لا تعني الانحلال والسفور لا يعنى الزنى تما مثل ما لا تعني حرية الطلاق التشجيع عليه ولا يعني تحديد النسل بغض الاطفال .. ويتم تشويه القوانين العلمانية التي حررت المرأة من مشكلتها الاساسية بصفتها انثى فقط ،جنس فقط ،رحم للولادة ولتسلية الرجل ، وتصور هذه القوانين على انها قوانينين لا اخلاقية تمتهن المراة وتسيئ اليها لان مكانها البيت ومهمتها انجاب وتربية الاطفال .

لم يتصدى المثقفون والمفكرون العرب تصديا ملحوضا لمسألة المرأة ومظلوميتها في العالم العربي والاسلامي وحملوها وحدها مسؤلية تحرير نفسها من الاضطهاد الديني الذكوري التي تجابهه في البيت وفي الشارع . لقد حاول البعض التصدي للمسألة والاقتراب من المشكلة من خلال منظور ديني يبرز بعض الايات القرانية الايجابية بحق المراة بمحاولة التغيير التدريجي لدى المفكر الاسلامي او الناس المؤمنين . لكن التغيير التدريجي المراد سيقلل ربما من اضطهاد المرأة من الناحية الاجتماعية ،مثل مسألة العلاقات الزوجية وحقها في الحضانة او الطلاق مثلا ولكن هذا الاتجاه لن يغير من نظرة الدين تجاهها بصفتها ناقصة عقل ودين و لا تصلح ان تتولى شؤون الحكم حسب حديث النبي محمد ، لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، ولا تستجيب الى مطلب النساء في زمننا المعاصر وهو مساواة المرأة الكاملة مع الرجل في كافة المجالات لان ذلك يتعارض مع الاساس القراني الذي يقول بقوامة الرجال على النساء والتبعية المطلقة للرجل ، الذي يشكل ايضا جوهر الشريعة الدينية بما يتعلق بشؤون الاسرة والعائلة. ففي الدين لا يحق للمرأة الخروج من البيت ولا العمل ولا السفر ولا حتى زيارة اهلها لا بموافقة الرجل ، وشهادتها نصف شهادة الرجل .طبعا لا تلتزم جميع النساء بهذه القوانين الصارمة التي لم يطبقها احد من يوم اوجدها الانبياء بما فيها زوجاتهم ،ولكنها الاساس القانوني الذي يُعتمد عليه في المحاكم السعودية والدول الاسلامية المختلفة التي تتخذ من الشريعة والدين مصدرا اساسيا للتشريع .

وحتى لو تباهى المؤمنون ببعض الاحكام التي يجدوها منصفة للمرأة بالمقارنة مع بعض من الاحكام في الديانات الاخرى كحق الميراث مثلا ،لكن ذلك لا يغير من حقيقة كون المرأة تبقى محل للريبة والشك والازدراء وتوصف بالقوارير القابلة للخدش وسرعة الكسر كما قال النبي محمد ،ويحرم رجال الدين على المرأة الاختلاط بالرجل تبعا لحديث واحد يقول ما اجتمع رجل وامرأة الا وكان الشيطان ثالث لهما ولا يقر بولايتها ولا توليها منصب القضاء .

تبقى قضية المراة مشكلة عالقة تبحث عن حل طالما اكتفت الاحزاب السياسية والمنظمات الانسانية وجمهرة المثقفين والكتاب العرب بالاقتراب من المسالة بشكل حذر ،شكل لا ينصب على فضح حقيقة الموقف الديني من المرأة ولا يسلط الاضواء على انتهاك حقوقها الانسانية بصفتها ند مساو للرجل في كافة مجالات الحياة وخاصة تلك المجالات التي تعطيها الحق في تولي مناصب الدولة المختلفة بما فيها منصب الرئاسة .اما قضية الحجاب والعقاب الذي ينفذ من خلالها التفكير الديني بحجة المحافضة على الشرف ومنع المجتمع من الانحدار والانحلال فهي مسائل سيحكم المنطق بخطلها وابتعداها عن التطور الذي تشهده البشرية تماما مثل ما لم يعد الانسان ان ينظر الى زواج كبار السن من الصغيرات الا باستهجان وازدراء .وسيكون الحجاب احد المعالم التي توصف انها من مخلفات القرون الوسطى ومن ميزات المجتمعات االمغرقة بالتخلف ، مثلها مثل حزام العفة التي كان سائدا في الدول المسيحية في القرون الوسطى ،او الختان الذي لا يزال يعمل به ، في بعض الدول التي اُبتليت بسيادة شريعة العقول المتحجرة وفقا لحديث نبوي واحد يقول اذا اجتمع الختنان وُجب الغسل . حديث واحد لا يعرف مصدره كان سبب في عذابات ملايين النساء وحرمانهم حتى من المتعة الجنسية التي وهبتها الطبيعة له وتحويلهم الى مجرد مفرخ للاطفال . هذه الحالة تنسحب على جميع الاحاديث والفتاوى المتعامل بها بما يخص المرأة والمجتمع ككل والتي صنعت نسيجا اجتماعيا من الاعراف والتقاليد كانت سببا من اسباب الاضطهاد المسلط على المرأة وعلى المجتمع . ولكن الختان قد اخذ دوره الى الانقراض وتشن حاملة دولية كبيره لفضح بشاعته ولا انسانيته ونحن بحاجة الى مثل هذه الحملة العالمية لانقاذ النساء من مخالب رجال الدين وفتاويهم الظلامية وتسلطهم الدكتاتوري على المجتمع .