جدل الحجاب



كريم الهزاع
2008 / 12 / 25

بعد نشر مقالتي السابقة الأسبوع الفائت والمعنونة بـ«فلينزع الحجاب»، كانت هناك ردات فعل وتعليقات كثيرة سأتطرق لبعضها، ومنها ردات الفعل التي وصلتني عبر البريد الإلكتروني، لكنني سأتجاوز ردات الفعل المتشنجة، ولكن حتماً لن أتجاوز من خالفني الرأي، أو دعاني للحوار، أو أشار للنقاط المضيئة، أو العكس في المقال، وأولها تعليق بعنوان -سؤال الحجاب- للدكتور الزواوي بغوره:

«مقال الأستاذ كريم يعيد طرح السؤال القديم الجديد والذي صاحب ومايزال يصاحب النهضة العربية المتعثرة: المرأة بين السفور والحجاب مع علامة دالة في تحول السؤال، ويتمثل في دخول صوت وموقف المرأة في الموضوع. في تقديري، يجب أن نميز في موضوع الحجاب بين الاختيار والإكراه، فمتى كان الحجاب اختيارا حرا للمرأة، فعلينا احترام ذلك، ولكن عندما يتحول إلى شكل من أشكال الإكراه فعلينا الوقوف ضده، مع أن موضوع الحجاب لا يختزل في مسألة الشكل فقط».

وأضم صوتي لصوتك أستاذنا الفاضل، وأحترم وجهة نظرك العقلانية التي خبرتها من خلال كتاباتك وكتبك مثل: «ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر»، وترجماتك الرائعة للكتب التنويرية مثل «خلاصة القرن» لكارل بوبر وغيرها.

والتعليق الثاني كان من أم راكان بعنوان: «هل هو مشكلة حجاب؟»

«قرأت ما كتبت يا أخي الكريم، ولكن لماذا هذه الهجومية على الحجاب؟ أحترم وجهة نظرك، ولكن إذا لم تكن للتعميم فليس كل من تلبس حجابا دخلت الجنة، أو من لم ترتده دخلت النار. المشكلة في عالمنا العربي عندما نطرح قضية، فلا نأخذ مضمونها الإيجابى والسلبي وتاريخها ومتغيراته. أحترم كل امرأة تكافح في غابة الرجولية وتجد نفسها وحيدة من دون رمح أو طلقة رصاص، ولكن هل المشكلة هنا تكمن في الحجاب أم القضية لها أبعاد أخرى؟

قد أجد مبالغة في أن نأخذ الحجاب شماعة نعلق عليها آراءنا المتناقضة، هل فكرت بأنه ربما هناك جماليات وجاذبية للمرأة التي ترتدي الحجاب من عكسها؟ هل فكرت بأن لبس الغترة أو الحجاب له منفعة وتاريخ زي كان يقي العرب من طبيعة بيئتهم الصحراوية، فجعلتهم يلجأون لاستخدام هذه الملابس لكي تقيهم من لهب أشعة الشمس وخلافه؟ هل فكرت أن مسألة فرض حجاب أو غيره ليست بالقضية الجوهرية في عالم الذكورية المتسلط؟ لماذا تفرض الكنائس الحجاب على الراهبات؟ إذا كانت يا أخي مشكلة الموضوع هو الحجاب عامة؟ ليست يا أخي المشكلة مشكلة قطعة قماش تغطى الرأس، ولكنها مشكلة مجتمعات اعتبرت المرأة مجرد آلة متعة وتفريخ، ولم تنظر إليها نظرة أخرى متساوية في العطاء والفكر وبناء المجتمع أسوة بالرجل.

فربما إن ركزنا على هذا المنطق قد نصل الى حل أوقع من أن نذكر أسماء نساء لهن بصمات أدبية أحترم بعضها وأختلف مع الجزء الآخر منها. فإنني أفضل إن قرأت مقالا عن الحجاب، ربما أقرأ عن تاريخه العلمي والعملي والسياسي والديني والمجتمعي ويترك الأمر لي في الاختيار». سيدتي إني أحترم وجهة نظرك، وأشعر بحرقتك التي ختمت بها سطورك، وملاحظاتك، والتي ذكرتني بما كتبه الدكتور جواد علي في كتابه الموسوعي المفصل «في تاريخ العرب قبل الإسلام»، وكتابات الدكتور سيد القمني وأبكار السقاف. وفيما يخص تاريخ الحجاب العلمي والعملي والسياسي والديني والمجتمع، فقد أشرت إلى كتب كثيرة تطرقت لهذا النوع من الطرح بشكل أو بآخر.

والتعليق الثالث كان للكاتب الصحافي في الزميلة «القبس» أحمد الصراف، والذي كتبه في جريدة «الآن» الإلكترونية:

«لا أدري حقيقة لماذا يتخفى غالبية، إن لم يكن جميع من يعلق على مقالات الآن، تحت أسماء سخيفة ووهمية. ولماذا تأتي غالبية تعليقاتهم في صورة شتائم قذرة نتيجة فهم سطحي وخاطئ لمضمون غالبية المقالات التي يقومون بالتعليق عليها. فإذا كان الرد على مقال يقتصر على آية قرآنية، أو حكمة مثلا، أو أي كلام عادي فلم التخفي والخوف؟ هل هذا يعني أن كافة هؤلاء المعلقين مرضى نفسانيين؟ أشد على يد الكاتب كريم الهزاع واشكره على المقال، فنحن أحوج ما نكون لهذا النوع من الآراء الجريئة التي تستحق حقا الانتشار بين العامة وأن تنال حظها من التعليق العقلاني والمنطقي». وأقول لك، نعم يا أستاذ نحن بحاجة للحوار العقلاني والمنطقي وبلا حجاب أو أقنعة، ولكن من أين؟ وكيف؟ وأنت ترى الآخر يتخذ له رموزا ديكتاتورية من أمثال هتلر، بن لادن، وصدام حسين، وكالذي كتبه مبشر مستتر، بأن الناس يترحمون على الشهيد صدام حسين .. كيف لنا أن نتحاور مع من يتخذ له رموزا لها تاريخها الطويل في العنف والمصادرة والوصاية على الآخر؟

والتعليق الرابع من أم فهد الآن:

«رائع يا كريم .. سلم قلمك. نعم فلينزع الحجاب عن العقول وليجرؤ أحدهم ويقول بأنه ليس هناك في القرآن آية واحدة تفرض الحجاب على النساء .. وتلك الآية الوحيدة تخص زوجات النبي فقط. والحجاب أو غطاء الرأس كان عرفا وتقليدا لكل نساء العرب قبل الإسلام. وهو ليس واجبا».

نعم ياسيدتي، مشكلة الآخر بأنه لايوجد عنده استعداد لقراءة وجهات النظر الأخرى. كما أنه أصلاً لايقرأ، ولأنه لا يعرف الألف من كوز الذرة. لذا فهو يعتمد على خطب المساجد، والثقافة الشفاهية، أو أشرطة الكاسيت، والكتيبات التي توزع بشكل مطبوخ هنا وهناك، مستنداً إلى المثل الشعبي الذي يقول «حطها برقبة عالم واطلع منها سالم»، وكأن الله لم يميزه بنعمة العقل عن باقي الكائنات. لذا لم يقف ولو لمرة واحدة لكي يعيد النظر في مسلماته وأفكاره ونصوصه خوفاً من العيب والحرام والدين والقبيلة والنبذ .. ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

التعليق الخامس، اخترت رسالة واحدة من رسائل البريد الإلكتروني، وهو لصوت أنثوي اسمه «عهود»:

«لقد قرأتُ لك سابقاً مقالة حول النقاب ذي الثقب الواحد والشبكة التي تحيط به، ولم أعلّق، ولكني أُعجبت كثيرًا بالمقالة. وهذا اليوم قرأتُ لك مقالتك « فليُنزَع الحجاب». مادة الموضوع أعجبتني، ولا أخفيك بأن ما أعجبني هو وقوفك إلى جانب الأنثى المضطهدة في المجتمع الشرقي الذكوري. بحق أشكرك شكرًا جما لأنك من يُدافع عن حقوق الأنثى ويشجع على أن يكون لها كيانها ولا ينظر إليها بمنظور أنها -الأنثى- والتي إن أسست كيانها وتقدمت وتفوقت فسيقول عنها افراد المجتمع بأن «عينها اطلعت» و« مو لاقيه أحد يردها»... وووو الخ من الكلمات الروتينية التي اعتدنا سماعها. الشيء الوحيد الذي أريد أن أخبرك به ولا أدري هل هو مع أو ضد ما كتبت، هو أني شخصيا ارتديت الحجاب باقتناع تام، على الرغم من رفض أمي لارتدائي الحجاب. لبست الحجاب لسبب أنني صرت متدينة لفترة من الزمن، وكان سمّ الشيوخ الذي يبثونه قد ترسخ في ذهني، لأنني صرت في تلك الفترة لا أستوعب أو أسمع ايّ صوت سوى ما يقوله من يدّعون أنهم علماء -أحمد الكبيسي ظرف استثنائي، لأنه عالِم غير مُنحاز ويحث الآخرين على تقبّل ومحبّة الآخر وكثير من المتشددين الذين يدّعون الدين لا يحبون الكبيسي، لأنه لم يدعم سياستهم المرضية- عمومًا، وجب الشكر، وسعيدة بعقلية ناضجة ومنفتحة على هذا العالم الرحب مثلك، ولاسيما أنك في وسط مجتمع متعصب وقبلي متشدد. ولتعرف أني أكتب لك وأعرف مسبقاً أن كلامي هذا لن يُرضي أحدًا من عمومتي أو اقربائي لأنهم يريدون المرأة أداة للإنتاج البشري وللمطبخ. كما أنني الآن خارجة عن قوانينهم وقد «اطلعت عيني» لأنني أفكر ولا أقبل الانصياع لغير ما يريده عقلي وذاتي، واستطيع الرد عليهم. لذلك فأنا الآن قليلة أدب بالنسبة إليهم، ولساني طويل جدًا، والبقية ربما أنت أعلم بها، وأتمنى مجيء اليوم الذي أستطيع أن أعبر به عن رأيي بصوت جهوري وبلا أقنعة».

نعم نحن بحاجة للمرأة التي تستخدم عقلها للتفكير ولا ترضى بوصاية الآخرين، ونحتاج للمزيد من الشجاعة وإن كره البعض ذلك.. نحتاج إلى فضيلة مرابط وآسيا جبار ولمى فريد العثمان، أو كما كتبت الكاتبة البحرينية ياسمين خلف في جريدة الوقت: «لا أحد منا رجالاً أو نساء يدعو إلى المساس بالدين وشرع الله، ولا نشكك في معتقدات أي منهم، ولو كان كذلك لما تجرأ أي منّا على رفع رأسه وصوته، مطالبا بهكذا قانون، هل يرضينا ما نسمعه من قصص يدمى لها القلب قبل العين؟ تذوق فيها نساءهنّ أمهاتنا أو أخواتنا أو بناتنا صنوف العذاب والظلم».

فعلاً علينا أن نميز بين التدين المزيف والتدين الحقيقي، التدين الذي يدعو للعقل والحوار والجدل، التدين الذي يقول إن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، ودون أي شكل من أشكال الوصاية، بحاجة إلى حوار عقلاني شبيه بذلك الحوار الذي تم في فعالية -التنوير- في الكويت، وتكلم فيه الدكتور محمد أركون والدكتور أحمد البغدادي وآخرون.