د. نوال السعداوي: لماذا يخاف الرجال من رؤوس النساء



سامية ناصر خطيب
2004 / 3 / 12

د. نوال السعداوي تكشف النقاب عن التحالف بين الحركات الاسلامية والانظمة العربية، الامر الذي منح الشركات الغربية موطئ قدم في الشرق، تقول: "كانت هذه حربا على وعي الناس، حملة انطلقت للسيطرة عليهم وترويض افكارهم. وتعمّد غسيل الدماغ الديني تسهيل واخفاء مخططات رأس المال الذي حكم ارضهم وحياتهم".


باغلبية ساحقة تبنى البرلمان الفرنسي قانون حظر الحجاب والرموز الدينية في المدارس. جاء هذا تلبية لموقف الرئيس جاك شيراك الذي اصر، رغم المعارضة الشديدة المحلية والعالمية، على اعادة تأكيد مبدأ العلمانية الذي يشكل احد اسس التعليم الحكومي في الجمهورية الفرنسية.

وقد كثرت الاقلام التي ناقشت هذا الموضوع، ومعظمها ناشد فرنسا بالتراجع عن سنها للقانون. واعتمد بعض اصحاب الآراء على المنطلق الديني، مستشهدين بالقرآن والسنة للاثبات بان الحجاب فرض على المرأة المسلمة، وليس رمزا دينيا. اما الليبراليون فعارضوا القانون من منطلق احترام الحريات الاساسية ومنها الحرية الدينية.

وليس من المفاجأة ان ورد اسم الدكتورة نوال السعداوي، المعروفة بمواقفها النقدية من رجال الدين ووقفتها الجريئة مع حقوق النساء. وقد نشرت صحيفة "الاهرام" (22 كانون ثان) المصرية باللغة الانجليزية مقالا لنوال السعداوي يعتمد على خطابها في مؤتمر مومباي بالهند الذي عقده المنتدى الاجتماعي العالمي ضد العولمة (18-21 كانون ثان).

ولكن تم تشويش موقف السعداوي، كما حدث في مقال الصحافي محمد صلاح في صحيفة "الحياة" اللندنية (14 كانون ثان). فقد فسر موقف السعداوي بانه دفاع عن محمد الطنطاوي، شيخ الازهر، الذي قال ان موضوع الحجاب هو شأن داخلي فرنسي، ولا يجوز لاحد فرض موقفه على الجمهورية الفرنسية، كما انه لا يجوز لاحد التدخل في قرارات مصر فيما لو ارتأت فرض الحجاب في المدارس. وقد استفز موقف الطنطاوي رجال الدين، وكثرت الالسنة التي هاجمته فيما توارى مناصروه عن الانظار، وكان من نعته ب"الشيخ الازعر".

وقد ورد في مقالة الصحافي صلاح: "وجد طنطاوي اخيرا من يدافع عنه، بل يرفض اصلا مسألة الحجاب سواء في فرنسا او حتى في مصر. فالدكتورة نوال السعداوي حملت راية الدفاع عن موقف الشيخ، ورأت ان مجرد الحديث عن حجاب المرأة والدفاع عنه وتبني الحملات لتأكيد انه فرض وليس رمزا، ومطالبة الرئيس شيراك بالتراجع عن ذلك القانون، كل ذلك يعكس الحالة السيئة سياسيا واقتصاديا في المجتمعات العربية، وهي دليل على تدهور ثقافي واعلامي".



تحالف غير مقدس

لم تخرج السعداوي دفاعا عن طنطاوي، ولم تذكره اطلاقا. وبالعكس، فقد استغلت الحرب "حامية الوطيس"، كما سمتها، على فرنسا، لتعرّي الحركات الاسلامية وتظهر عجزها وتفضح تاريخ "الرباط غير المقدس" الذي جمع بينها وبين نظام السادات الفاسد من جهة، وبين امريكا وسياسة السوق الحرة التي انتهجتها من جهة اخرى. وسردت السعداوي في مقالها كيف قام نظام السادات باستغلال الحركات الاسلامية، لقمع الاصوات المعارضة لسياسة الانفتاح على الغرب، التي جلبت المزيد من الفقر والبطالة والجوع للشعب المصري.

تقول السعداوي: "قام السادات، بالاتفاق مع الرئيس الامريكي نيكسون ووزير خارجيته كيسينجر، بدعم وتشجيع الحركات الاسلامية السياسية، وساعدها على النمو والازدهار. بنهجه انقلب السادات على سياسة عبد الناصر، ومهد الطريق امام البنك الدولي والشركات المتعددة الجنسيات والاسلام السياسي".

سر التحالف غير المقدس، تفسره السعداوي بالقول: "ان السادات كان بحاجة لحليف داخلي يدعم سياسته. وقد استخدم الثقافة الاسلامية لمجابهة الحركات الديمقراطية والاكثر يسارية التي رفضت سياسته هذه. وكانت هذه الطريقة الوحيدة لضمان دخول رأس المال العالمي بقيادة امريكا، الى مصر في عهده. بهذه الطريقة تمكن رأس المال من فرض سيطرته على النساء والرجال والاطفال متنكرا بالزي الاسلامي، معيدا احياء القيم والتعاليم الاسلامية التي تقدس وحدة العائلة كاساس لسلامة وازدهار المجتمع.

"وراء العباءة الاسلامية والاصولية الاسلامية التي بدأت بالانتعاش، اختبأت الشركات المتعددة الجنسيات والوسطاء المحليون. كانت هذه حربا على وعي الناس، حملة انطلقت للسيطرة عليهم وترويض افكارهم. وتعمد غسيل الدماغ الديني تسهيل واخفاء مخططات رأس المال الذي حكم ارضهم وحياتهم".



غسيل دماغ

ونفت السعداوي الموقف الذي يعتبر الحجاب وسيلة دفاعية في الصراع ضد الامبريالية الغربية وقيمها وحضارتها التي تغزو العالم العربي الاسلامي. وتأتي بمثال معاكس يشير الى منع النساء من المشاركة في المقاومة الدائرة اليوم ضد الامبريالية والاحتلال في العراق وفلسطين. ويتم هذا، كما تفسر السعداوي، من خلال "القضاء اولا على منظماتهن ووأدها وهي في المهد". والنموذج هو القانون المطبق منذ عامين في مصر ضد تشكيل المنظمات. ولكن الوسيلة المثلى تبقى غسل ادمغتهم لمنعهن من مجرد التفكير في التغيير.

وترى السعداوي اننا امام حرب ضارية شُنّت على عقول الرجال والنساء معاً. وللنساء القسط الاوفر من القمع، فهن يقعن بين فكي كماشة: فمن جهة السوق الحرة وسياسة الاستهلاك، ومن جهة اخرى الاسلام الاصولي السياسي. ومع ان الغرب والاسلام يبدوان متنازعين الا انهم في الحقيقة موحدان في السعي لاستعباد النساء والسيطرة على عقولهن وأجسادهن وحبسهن في اطار النظام الابوي والحجاب.

في مصر، على سبيل المثال، ارتفعت معدلات الفقر الى حد غير مسبوق، نتيجة سياسات الانفتاح على السوق الحرة التي ادت لخصخصة العديد من الخدمات. اكثر من 40% من السكان، معظمهم من النساء والاطفال، يعيشون تحت خط الفقر اي من دولارين لليوم. خمسة ملايين من النساء يعملن كمنتجات بسيطات في ورشات العمل، الخدمات، التجارة وغيرها ويتعرض للاستغلال المجحف في ظروف العمل. فيوم العمل يصل الى عشر ساعات في حين لا يتجاوز الدخل الشهري ال40 دولارا.

ان اكثر الاسلحة فتكا وخطورة، تقول السعداوي، ليس اسلحة الدمار الشامل او الاسلحة النووية ولكنها غسيل الدماغ. انه المنوّم الذي يشل العقل، ويتم الترويج له من خلال وسائل الاعلام، جهاز التعليم العام والتعليم الديني الاصولي. وعن هذا ينتج "الوعي الخاطئ" لدى النساء (والرجال ايضا)، مما يحولهن لاداة طيّعة بيد من يضطهدهن. هذا الوعي المغلوط تنقله النساء بالتربية للاجيال القادمة من البنات والاولاد، مما يدمر القدرة على فهم الواقع، الذي هو شرط اساسي للعمل والمقاومة من اجل التغيير. محل الوعي يحل الخوف، الخنوع والاوهام، وتتحول النساء الى عدوة لنفسها، عاجزة عن التمييز بين العدو والصديق.

وفي حين تعترض السعداوي على الادعاء بان الحجاب مفروض حسب الشريعة، او ان فرنسا تحاول اجبار النساء والفتيات على معصية الاوامر الدينية، فانها تتساءل: لماذا يعتبر عدم وضع النساء لقطعة القماش، كارثة في نظر متبعي الدين الاسلامي؟ لماذا يعتبر رأس المرأة بهذه الخطورة حتى تجدر بنا تغطيته؟ وتجيب: ان الامر يتعدى كونه صراعا ابويا، انه الخوف من ان تبدأ رؤوس النساء بالتفكير الذي سيجعلها تفك حبال العبودية وتثور ضد التقليل من قدرها الذي يحكم به الدين والمجتمع على السواء.