المرأة... الشعوذة أية علاقة؟؟



فاطمة الزهراء المرابط
2008 / 12 / 31

-الجزء الأول -
« لم أتوقع يوما، ولوج هذا المكان المقرف الذي تنبعث من بين جدرانه روائح كريهة، مسببة للضيق والحساسية، لكن حب الاستطلاع والمعرفة جثم على أنفاسي وشجعني على التقدم أكثر، كنت أشعر بالرهبة والخوف، تقدمت بخطوات بطيئة إلى غرفة صغيرة مملوءة بنساء كان يبدو على ملامحهن كل هموم الدنيا ومشاكلها، ومن غرفة أخرى كانت تنبعث همسات منخفضة لرجل وامرأتان، هذا ما التقطته أذناي خلال تلك اللحظة، حاولت أن أخفي ملامحي جيدا بين خصلات شعري والنظرات الشمسية، لأنه لا أحد سيصدق أني قصدت هذا المكان من أجل البحث والمعرفة لا غير، حاولت أن أندمج بين النساء الموجودات بسؤالهن عن فعالية هذا الفقيه، وإن كان الصدى الذي وصلني مطابقا للواقع، فتنافست النساء عن الإشادة به، والافتخار بأعماله وممارسته السحرية وكأنه شيء مقدس في هذا الحي الشعبي.
اكتشفت من خلال هؤلاء النسوة حكايا غريبة ومثيرة للاهتمام، وأحسست بنفسي عندها، وكأني آتية من كوكب آخر، و كأن الدراسة والثقافة حجبت عني أشياء كثيرة، وسط الدهشة التي انتابتني خلال تلك اللحظات، قررت أن أكتفي بهذا القدر، على أساس أن أكرر الزيارة إلى هذا الكاهن / الفقيه / الشريف حسب التسميات المختلفة التي يطلقها عليه رواده وزبائنه، غادرت المكان وقد تألقت في ذهني عدة تساؤلات، ما الذي يدفع المرأة إلى التيه بين دخان البخور وأمواج البحر ونور القمر وعلبة الثقاب ورَوْتِ الدواب وشوك القنفد ومخ الضبع و لسان الحمار؟؟؟ ».
هذا ليس سؤالا لاختبار ذكاء القارئ وإنما مجرد تمهيد لإثارة ظاهرة اجتماعية مهمة تتغلغل يوما بعد يوم في أعماق المجتمع المغربي، ظاهرة مستمدة من الممارسات والطقوس القديمة والمعتقدات الموروثة عن الأسلاف، والتي مازال يتشبع بها بعض أفراد المجتمع، وقد أصبحت للشعوذة سلطة قوية على تفكير الإنسان المغربي، وتطورت هذه الظاهرة بشكل غريب مستفيدة من التحولات الكبيرة التي يعرفها ميدان الإعلام والاتصال لعرض خدماتها و التواصل مع زبنائها، وأخصّ الصحف التي لا تخلو صفحاتها من إعلانات التنجيم وقراءة الحظ، والمواقع الالكترونية التي تتوفر على هوامش خاصة بالمنجمين والعرافين، كما أن القنوات الفضائية العربية تخصص برامج تتناول موضوع الشعوذة وتستضيف المشعوذين مباشرة على البث الهوائي، وبدل أن يساهم الإعلام في محاربة هذه الظاهرة التي تعتبر آفة خطيرة على المجتمع ومكوناته البشرية والفكرية، فهو يعمل على الدعاية لها ولخدماتها.
وتعتبر النساء الفئة الأكثر تعاطيا لظاهرة الشعوذة والسحر تحت غطاء مجموعة من المبررات، أحيانا بحجة الحفاظ على الاستقرار العائلي وأحيانا بغرض التطبيب والعلاج، هي أسباب ودوافع ترمي بالمرأة المغربية إلى أحضان الشعوذة والانجراف وراء الحلم / الوهم الذي يصوره الفقيه أو الدجال مستغلا تدني وعي المرأة وغفلتها، لممارسة مختلف أساليب النصب والاحتيال عليها، ومن أجل استقراء هذا الواقع الذي يعتبر جزءا من الثقافة الاجتماعية السائدة، حاولت الاندماج بين مجموعة من النساء لاستقراء هذه الممارسة الغريبة والمثيرة للاهتمام التي تعرف بالشعوذة أو السحر، متطرقة إلى بعض الحالات المستمدة من الواقع بناء على شهادة ممارسي الشعوذة والمهتمين بهذا المجال من دكاترة وأخصائيين اجتماعيين، وانطلاقا من الشهادات و التصريحات التي حصلت عليها، سلطت الضوء على بعض الجوانب البارزة في ظاهرة الشعوذة...

هناك أسباب ودوافع تبرر لجوء المرأة للشعوذة ؟؟!

رغم أني كنت أسمع الكثير من القصص والحكايا الغريبة حول تغير سلوكات شخص ما، أو اضطراب علاقة زوجية أو حدوث ظواهر غير مفهومة، بسبب الشعوذة والسحر إلا أني لم أكن أصدق بأن هذه الممارسة قادرة على تدمير الحياة الزوجية وخلخلة الأحداث اليومية، لكن عندما حاولت استقراء هذه الظاهرة من خلال النساء اللواتي التقيتهن بين دهاليز دور الشعوذة، اكتشفت حالات مثيرة للعجب والاستغراب، بحيث جعلتني الدموع المنهمرة من عيون بعض النساء، ونظرات الحقد التي تطل من عيون الأخريات، في حيرة كبيرة بين إن كانت المرأة مظلومة أو ظالمة، فمن خلال مسيرة البحث التي تناولتها خلال سنتي 2007 و 2008 والتي شملت بعض المدن والقرى القائمة في شمال المغرب، اكتشفت أن الشعوذة وحدت إيمان معظم النساء حول قدرة الفقيه الخارقة مرددات بثقة كبيرة: " زوج فلانة وطلق فلانة و عالج فلانة وجلب حبيب فلانة، إن وصفاته خارقة لا تقاوم...". إذ لم تعد ممارسة الشعوذة متفشية فقط بين الأوساط الهامشية والفقيرة حيث الجهل والأمية وسيادة الخرافات والمعتقدات الغريبة، حيث إن زبائن دور الشعوذة ينتمين إلى مختلف الأوساط الاجتماعية، لا يشترط فيهن الثقافة / الجهل، الفقر/ الغنى، فالشعوذة تطال كل البيوت بدون تمييز، لأن الوضعية المزرية التي تعيشها المرأة المغربية تحت رحمة التقاليد والسيطرة الذكورية والموروثات الثقافية وقلة الوعي وانعدام التربية السليمة، تدفعها إلى الانجراف وراء سلسلة من الأوهام، وتصرح الأستاذة فرح الكمراوي ( أخصائية اجتماعية) بأن «المرأة من أكثر المتأثرين بأعمال السحر والشعوذة بسبب الجهل والأمية وانعدام التوعية الثقافية، بحيث تلجأ إلى الشعوذة لتحقيق ذاتها و إبراز حضورها داخل الإطار الأسري وخارجه، بشكل خاص المرأة المهمشة، المحرومة من ممارسة حقها الطبيعي في مختلف مجالات الحياة... » وتضيف: « كانت هذه الممارسات متفشية في الأوساط الفقيرة والمهمشة وبين النساء الأميات والجاهلات فقط، إلا أنه لوحظ خلال السنوات الأخيرة انتشارها بين فئات المتعلمات والمثقفات من عالم الفن والسياسة والاقتصاد، بسبب الضغط والإكراه والإحساس بالضعف أو الحقد، وكثيرا ما يلعب الجانب العاطفي دورا كبيرا في هذه الممارسات...»، هذه العوامل كثيرا ما تشكل دافعا قويا لطرق أبواب الشعوذة رغبة في الحصول على وصفات سحرية غالبا ما تحتوي على " مخ الضبع" أو " لسان الحمار" من أجل إخضاع الرجل لسيطرتها، ولا يفرق معها إن كان هذا الرجل أبا أو أخا أو ابنا أو حتى زوجا، المهم أنه رجل وأن عليها أن تبحث عن وسيلة ما للتفوق عليه، وكثيرا ما تكون هذه الوسيلة غريبة ومثيرة في نفس الوقت، فالشعوذة في هذه الحالة هي أكثر الوسائل فعالية، تقول فاطمة 30 سنة (ربة بيت): « ترعرعت في بيت يتكون من 7 ذكور، الأب و 6 إخوة، حرمت من الدراسة في سن مبكرة وتعرضت لمختلف أشكال التنكيل والتعنيف أحيانا من طرف الأب و أحيانا من طرف الإخوة، حتى أصغرهم سنا، لم يتوقف يوما عن ضربي وإلحاق أضرار بجسدي، لدرجة أني أصبحت أخجل من الخروج للتسوق، حتى الزواج تم بالغصب وتحت التهديد بالضرب والقتل، والزوج لم يكن أرحم من الذكور الذين خلفتهم ورائي في منزل الأسرة، صبرت طويلا، إلى درجة أني أصبحت معقدة، وحمدت الله لأني لم أرزق بأطفال يذكرونني بالجحيم الذي عشته تحت سقف بيته، فالإنجاب كان أحد أسباب تعنيف الزوج لي، فهل كان أمامي غير اللجوء للشعوذة؟؟! للحصول على حقي، لكني دخلت في متاهة، لا نهاية لها... ».
إن وقوع المرأة في مجموعة من المشاكل الاجتماعية التي لا تجد لها حلا، والإحساس بالضعف في مواجهتها وعدم الاهتداء إلى السبل السليمة لاسترجاع الحقوق الضائعة، والرغبة في الانتقام بشكل خفي من دون الظهور في الصورة تدفعها إلى الارتماء بين أحضان الشعوذة بمختلف أشكالها، فتأخر زواج المرأة مثلا إلى حدود 30 سنة، يعتبر فضيحة ومؤشرا على خلل ما يثير عدة تساؤلات واستفهامات، خصوصا في البيئة الاجتماعية الضيقة والمدن الصغيرة المهمشة، إذ تقع تحت رحمة نظرة التشفي والإشفاق التي تلاحقها وتحْتَ الضغط الأسري، مما يدفع بالمرأة إلى قبول التفسيرات الخرافية لوضعها التي ترجع سبب تأخر الزواج إلى " العكس" و " السحر" ، وعندما تفشل المرأة المغربية في الحصول على زوج مناسب تكون عرضة لنصائح بعض النساء المتقدمات في السن باللجوء إلى الشعوذة كحل لطرد سوء الحظ الذي يجثم على أنفاسها، فلا تمتنع عن ممارسة بعض الطقوس التي يفرضها عليها المشعوذ / الفقيه حسب المصطلح المتداول في البيئة الشعبية المغربية. تقول سيدة في 40 من عمرها « من أجل الحصول على زوج مناسب تضطر المرأة إلى الخضوع لوصفات وطقوس غريبة، تفرضها تعاليم الفقيه، كأن تقتني حرباء عذراء من عند العطار وتلقي بها حية في موقد صغير، لتبخر كل أطراف جسدها بالدخان المتصاعد من جثتها المحترقة، هذا الانجراف وراء الوهم الذي يسكن خيال المرأة العانس أو القليلة الحظ، يجعلها تستحم بأوراق مكتوبة بخط الزعفران أو القطران، أو تبخر بهما، وكلما فشلت في الحصول على عريس بعد مرور المدة التي حددها الفقيه، تلجأ إلى فقيه آخر وآخر، دون ملل أو يأس من قدرتهم العجيبة على جلب زوج مناسب لها، فأحيانا يوهمها بأنها تعاني من العكس أو السحر، وأحيانا أخرى يخبرها بأنها مسكونة بجني يفرض عليها أوامره ولن يطلق سراحها، وقد تصل تعاليم الفقيه وتخاريفه إلى حد اغتصاب زبونته بمبرر إبطال السحر، إلا أن ثقتها العمياء وأملها الذي لا ينفذ يجعلها تتغلغل أكثر في أعماق سبل الشعوذة، جريا وراء حلم لن يتحقق أبدا...».
كما أن حب الانتقام والحقد الذي يسكن أعماق المرأة اتجاه شخص ما، يكون حافزا آخر للجوء إلى الشعوذة التي تعتبر الوسيلة الوحيدة والفعالة لتدمير ذلك الشخص سواء كان رجلا أو امرأة، بحيث تسخر المرأة مختلف أشكال السحر وطقوسه الغريبة، لتحقيق انتقامها، فيصبح ذلك الشخص مشلول الإرادة والتفكير، غير قادر على الحفظ والتركيز، بحيث يتحول إلى إنسان آخر فاشل في حياته وزواجه وعلاقته بالناس، تقول سعاد 36 سنة (ربة بيت): « في رأيك، هل كان من الطبيعي أن أسامحه بعد أن خدعني بكلماته العسلية التي أفقدتني صوابي، مستغلا جهلي وعدم وعيي، بالعلاقات العاطفية وأحاديث الحب، تصورت أني سأحقق معه حلما ورديا مفعما بالأماني الجميلة وبالسعادة التي لا تنتهي، إلا أنني اكتشفت فجأة أني عشت سنوات طويلة في الوهم، بعد أن فقدت كل شيء، شرفي وكرامتي و سمعتي، وهجرني ليتزوج أخرى، " بنت دارهم " كما أخبرني ذات ليلة، ورغم أنه ارتبط بتلك المرأة إلا أنه استمر في علاقته بي، واكتشفت مع الوقت أني تحولت من حبيبة إلى عشيقة، خاصة بعد أن اكتشف أمري من طرف الأسرة، فرحلت عن المنزل، هروبا من الفضيحة، ورغم أني حاولت مرارا الابتعاد عنه إلا أني لم أستطع، ما كان يربطني به أقوى بكثير، إلا أن الحقد الذي تشكل في داخلي اتجاهَهٌ و اتجاه ضعفي، جعلني أستمع إلى نصائح صديقة عزيزة على قلبي التي خيرتني بين الكراهية والمحبة، وبين الحصول عليه أو طرده من حياتي بشكل نهائي، إلا أني اخترت حلا آخر هو الانتقام منه، بحيث لن تحصل عليه أية امرأة أخرى حتى لو كانت زوجته، لجأت إلى سيدة كان يطلق عليها اسم "الشريفة" أذهلتني بأدق التفاصيل عن حياتي وعلاقتي الغرامية والجنسية، بل إنها أخبرتني بأن حبيبي يلجأ إلي فقط لأنه لا يحقق المتعة الجنسية مع زوجته، وطلبت مني بعض المواد التي لم أعد أتذكر أسماءها، وأمام دهشتي، طلبت مني 2500 درهم مقابل جلب هذه المواد لأنها نادرة و يستحيل العثور عليها، وبعد 10 أيام قدمت لي قنينة صغيرة الحجم مملوءة بمزيج أسود لأبخر بقطرات منه، واستحم بقطرات أخرى، وأصب قطرات في حساء خضر وأقدمها له مع التمر والحليب وعلى ضوء الشمع الباهت حتى تكون الطقوس كاملة، وبدل أن يحبني أو يكرهني، نقل إلى المستشفى بعد ساعة من خروجه من بيتي، ورحل بعيدا ولم أعد أسمع عنه أي شيء... ».
و تعتبر نسبة البطالة المتزايدة بين صفوف النساء وانعدام فرص الشغل وانتشار الفقر حوافز أخرى للاعتماد على قدرة الشعوذة في فتح أبواب الرزق أمامهم عبر" القبول" الذي ينسجه الفقيه على ورق أبيض بالصمغ، موهما زبناءه بأن الاحتفاظ به في جيب السروال أو بين ثنايا الملابس الداخلية أو في حافظة النقود، وسيلة للتغلب على كل المصاعب وسلاحا لفتح كل الأبواب الموصدة في وجه حامله، كما أن الهجرة من البوادي إلى المدن تفرز لنا الكثير من رواد الشعوذة بسبب التهميش والإقصاء، والإحساس بالضعف والخضوع لسيطرة الرجل وضغط التقاليد والرغبة في اختراق الفضاءات المغلقة التي تكبس على أنفاس المرأة، كلها عوامل تدفع إلى ممارسة الشعوذة باعتبارها الوسيلة الفعالة للوصول إلى كل شيء.

الحب و الزواج أهم القضايا الواردة على الشعوذة.

إن الوضعية الاجتماعية المزرية التي تعيشها المرأة المغربية في ظل الجهل، الأمية، قلة الوعي، العنف، غياب الدعم والاستقرار الأسري، الإيمان بالخرافات وقدرة الشعوذة على امتلاك مفاتيح كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي ليس لها حل، هذا الواقع يعطي المرأة مبررا للدفاع عن نفسها وكرامتها التي تهدر يوما بعد يوم، خاصة وأن المدونة الشهيرة لم تحقق لها الحماية الكاملة، لذلك فهي تعتقد أن الانجراف وراء الشعوذة وموادها وطقوسها الغريبة، وسيلة لتحصين علاقتها الزوجية واستقرار بيتها من تهديد الطلاق أو تعدد الزوجات وأيضا المتنفس الوحيد للتعبير عن غضبها وحريتها، لأن الشعوذة في نظر المرأة أقصر الطرق للوصول إلى قلب الرجل، لذلك لا تتردد في الارتماء بين أحضان الشعوذة مهما كانت مكانتها الاجتماعية والثقافية، (ربة بيت، أمية، متعلمة، مثقفة، فنانة، سياسية، موظفة)، حسب تصريح إحداهن: «عندما يتعلق الأمر بالرجل، تنسى المرأة مبادئها وأخلاقها وثقافتها، لأن بذور الشك والغيرة تعمي بصيرتها، فلا ترى أمامها سوى شبح المرأة التي ستخطف زوجها أو حبيبها، لذلك تبحث عن أي وسيلة للانتقام لنفسها و لكرامتها المجروحة، فتلجأ إلى أبشع الوسائل إن اقتضى الأمر، المهم أن تحافظ على سعادتها وتستعيد زوجها، حتى لو كان ذلك عن طريق الشعوذة وموادها السامة...»، وتشير عاملة في 30 من عمرها إلى أن المرأة: «لن تتوانى عن فعل أي شيء من أجل تحقيق رغباتها وأهدافها، من أجل تدمير المرأة التي تنافسها على زوجها، تستطيع أن تأخذ خرقة حيض ضرتها أو عشيقة زوجها، وتغمسها في الماء وتضيف هذا الماء إلى طعام قوي مثل الحريرة أو المساخن، كما تمرر قطع السكر على فم الحمار وتصنع به الشاي لزوجها، أو تمرر قطعة خبز على فم الحيوان نفسه وتقديمها رفقة وجبة الغذاء حتى يصبح بليدا مثل الحمار».
إن إيمان المرأة الأعمى بقدرة الفقيه على حل كل مشاكل الحب و الزواج يدفعها إلى تنفيذ كل تعاليمه ووصفاته الغريبة التي ستمكنها من الإيقاع بالرجل في غرامها أو التخلص منه، ويعترف أحد الفقهاء بأن الجمع بين رجل وامرأة من أسهل الأمور التي ترد عليه بشرط أن يمتلك أثرا له، مثل ملابسه الداخلية، أو شعيرات من رأسه أو لحيته، ليتم الجمع بين الطرفين، وتصرح إحدى الشوافات : « نأخذ شعرة من رجل و نلفها في ورق مكتوب بمداد القطران ونقرأ عليه بعض التعاويذ و التعازيم، ثم تعلق في مهب الريح وكلما داعب الريح هذه التميمة إلا وخفق معها قلب الرجل المقصود، ويعود الدفء إلى علاقة المرأة بزوجها أو عشيقها...».
و يبدو أن هناك قناعة كبيرة بقدرة الشعوذة على استرجاع الرجل إلى أحضان زوجته، تقول امرأة في 40 من عمرها: « تزوجت أحمد بعد أن رفضت عائلتي هذا الزواج، وهربت معه إلى مدينة أخرى حيث مقر عمله، كانت الأيام الجميلة التي قضيتها معه، تعويضا على فقداني لأهلي، لكن بعد طفلي الأول بدأت المشاكل، اعتقدت في البداية أنها مجرد غيرة يبديها الأب اتجاه طفله الأول لأنه يحظى بالاهتمام الأكبر، لكن بعد الطفل الثاني بدأت بذور الشك و الغيرة تنغرس في أعماقي، وأصبح لدي يقين كبير بأن هناك امرأة أخرى في حياة زوجي خاصة وأنه أصبح كثير السهر في الخارج، لا يعود إلا في الثالثة أو الرابعة صباحا، وكنت قد سمعت من إحدى الجارات أن هناك " شوافة " ذائعة الصيت يقصدها مختلف الرجال و النساء، لم أتحمس للفكرة في البداية، لكن رغبتي في استرداد زوجي كان قويا، أخبرتني "الشوافة" بأن زوجي على علاقة بامرأة أخرى تمكنت منه بفعل السحر، وأنهما بصدد الاستعداد للزواج، اسودت الدنيا في عيني وأصبح الشك و الغيرة هاجسا يجثم على أنفاسي، كثرت زيارتي ل" الشوافة" ومع كل زيارة كنت أمنحها 300 درهم مقابل بعض الأوراق الصغيرة محروقة بعود الند أو مصحوبة بالفاسوخ أو مكتوبة بالقطران والتي غالبا ما أبخر جسدي ببعضها واستحم بالبعض الآخر، وعندما فشلت في جلبه إلى أحضاني، طلبت مني "الشوافة" أن أحضر رأس كلب أطحنه مع الخضر ثم أمزجه بالتوابل القوية الرائحة، وأعد منه وجبة من الكسكس ولاحقا طلبت مني حرق خصلات من شعر القط الأسود على النار ثم صنعت منه القهوة السوداء الممزوجة بالقرفة و قدمتها لزوجي، لكن لم تكن هناك أي نتيجة فقصدت " شوافة أخرى" طلبت مني أن أحرق ظفر الهدهد وأقدمه لزوجي في القهوة السوداء، وذلك من أجل السيطرة عليه واسترجاعه إلى أحضاني...».
وكثيرا ما تختار المرأة ليلة القدر موعدا لتنفيذ أعمالها السحرية اعتقادا منها أن أبواب السماء تكون مفتوحة خلال هذه الليلة، التي يتحدد فيها مصير الإنسان ورزقه، وبذلك تكون ليلة القدر وقتا مناسبا لتحقيق آمالها وأهدافها الرامية إلى امتلاك قلب الرجل أو إحضاره إليها إن كان غائبا، أو ترويضه وإخضاعه لرغباتها، خاصة أمام أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة والإحساس بالضعف وعدم المقاومة، ورغبتها في التفوق على زوجها باعتباره الرجل الأكثر تسببا في العنف الموجه ضدها، لذلك تضطر إلى الشعوذة لحماية نفسها من جبروت الرجل، واضطهاده المستمر لها، هذا الواقع يدفع المرأة إلى ممارسة مجموعة من الأعمال السحرية لإبراز حضورها في المنزل وإثبات مكانتها والوقوف في وجهه، وقد تدفع ثمنا باهظا مقابل الحصول على وصفة خاصة بتطويع الرجل وترويضه، وبهذا الخصوص تشير متطوعة في برنامج محاربة الأمية بهذا الخصوص:« هناك اعتقاد سائد بأن تحريك الكسكس بيد الميت، يمكن المرأة من تطويع الرجل وإخضاعه للسيطرة، و جعله مثل الميت لا يرفع صوتا أو يحرك يدا، بل يتحول إلى عبد رَهْنَ إشارة الزوجة، وقد تتجشم المرأة من أجل هذه النتيجة عناء البحث عن يد الميت، بالتعاون مع غسالي الموتى أو حراس القبور للحصول على يد الميت، و تنفق في سبيل ذلك أموالا باهظة، وتمرر يد الميت على الكسكس مرددة بعض العبارات: " ما تهز يد ما تحط يد بحال هاد الميت "، وبمجرد أن يتناول الرجل لقمة من الكسكس لمرات عديدة يتحول إلى رجل مطيع ، فتتمكن المرأة من توجيهه حسب رغبتها»، و يصرح أحد غسالي الموتى « عندما نقوم بغسل الميت، نتخلص من الصابونة والخرقة والإبرة، لأنها غاية تنشدها بعض النساء اللواتي يرغبن في سحر الرجال فغسل الرجل بالصابونة التي غسل بها الميت يجعله لا يرفع يده في وجه الزوجة، لذلك أحيانا يدفن أهل الميت الصابونة والخرقة معه في القبر، تفاديا لهذا الحدث».
وإن تطرقت للحديث عن الطقوس و التعاويذ التي تمارسها المرأة من أجل استقدام الزوج أو الحبيب الغائب، فإنها كثيرة ومختلفة حسب نوعية الفقيه أو الشوافة التي تقصدها، قد تنصحها الشوافة بأن توقد النار عند الغروب، موجهة نظرها نحو جهة طلوع الشمس وهي تلوح بمنديل أبيض سبق و استعمله زوجها أو حبيبها أثناء الجماع، وهي تردد هذه العبارات:

المْغْرْبْ وْدْنَاتْ عْلى فلان وْلدْ فلانة
بالوَحْشْ و الغمة
من وحشي بكا
من وحشي شكا
من وحشي طرطق السلاسل و جا...

وأحيانا ينصحها الفقيه بأن تلقي بالشيح في المجمر( موقد صغير) وتعرض جسدها للدخان المتصاعد وهي تردد العبارات التالية:

الشيح يا شيح
الناس تقول ليك الشيح
و أنا نقول للطالب المليح
اطلع للسما و صيح
جيب فلان عند فلانة بنت فلانة

ثم تضع مزيدا من البخور....
هذا الإيمان الأعمى بفعالية وصفات الشعوذة وموادها السامة، المضرة بجسد الإنسان، يجعل المرأة زبونة دائمة لدى الفقيه، فهو المستشار الرئيس في مسألة الحب والزواج، فكل من أرادت الزواج تلجأ إلى الشعوذة لجلب زوج مناسب، وكل من طرق بابها عريس يخطب ودها، تقبل يدي الفقيه لمعرفة إن كان الرجل المتقدم للزواج منها، مناسبا لها أم لا، من خلال قراءة الطالع و المستقبل، وأحيانا تتفاجأ المرأة بعبارات الفقيه الذي يوهمها بأن « هذا الرجل غير مناسب وهناك من هو أفضل منه، سيأتي إليها خاطبا بعد مدة 85 يوما، وأنه عليها عدم الاستعجال واستغلال الفرص القادمة، لأنها مازالت صغيرة وكلما انتظرت أكثر كلما جاءها الخير من كل الأبواب»، أيضا عندما ترغب المرأة في جعل زوجها وفيا لها، غير قادر على الخيانة، فإنها غالبا ما تلجأ إلى ساحرة متمكنة من الحرفة لتجعله عاجز جنسيا خارج إطار العلاقة الزوجية، لأن الساحرة هي الشخص المناسب لمثل هذه الأمور، بناءا على توصية صديقة أو قريبة أو جارة، التي تشهد لها بفعاليتها وصداها الواسع في هذا الحي الشعبي أو ذاك، والتي غالبا ما تطلب ثمنا باهظا مقابل خدماتها، إلا أن المرأة من أجل الحفاظ على بيت الزوجية من خطر امرأة أخرى تهدد سعادتها، وتدفعها إلى بيع حاجياتها ومجوهراتها وذلك من أجل تمويل الأعمال السحرية التي ستمارسها اتجاه زوجها، وكثيرا ما تكون المرأة المنافسة لها على زوجها شقراء أو سمراء حسب نوعية الساحرة التي تم اللجوء إليها، وبناء على ذلك تبعث بها إلى عطار أو عشاب صديق لها، بحجة أن المواد التي تريدها غير موجودة إلا عنده، وأحيانا تصف لهم بعض الطقوس لتنفيذها، مثل: وضع علبة الثقاب مفتوحة على جانبي الباب بحيث تضع كل جزء في جهة من الباب و عندما يمر الزوج من البوابة تنادي عليه وعندما يرد عليها تهمس في أعماقها " غوت عليك الوقيد ماغوتش عليك أنا" أي نادى عليك عود الثقاب، ثم تغلق العلبة وتضعها في جيبها وهي مطمئنة على وفاء زوجها وعدم خيانتها مع امرأة أخرى مهما وصلت شدة جمالها وإغراءها، وتشير أمينة 55 سنة من عمرها خبيرة بأمور السحر: « إن إحراق الشرويطة (قطعة ثوب ملوثة بمني الرجل) مع الماء القاطع والشمع يجعل المرأة تعتقد أن الدخان المتصاعد من هذا الحريق، يؤدي إلى إشعال نيران الرغبة في المرأة التي مارس الجنس معها آخر مرة ويجعله عبدا لجسدها ولا يطمع في غيرها». وهناك دائما وراء التعطيل الجنسي أو " الثقاف " حسب المصطلح الشعبي المتداول في المجتمع المغربي، أداة تغلق و تفتح القفل مثل علبة الثقاب، سكين مطوية، قرشال، عصا الرحى،.. والتعطيل الجنسي / " الثقاف" هو وسيلة لربط الرجل أو الانتقام منه، وجعله غير قادر على الغدر بزوجته أو المرأة التي وعدها بالزواج، وكثيرا ما تلجأ الزوجة إليه من أجل الحفاظ على زوجها من اٌمرأة أخرى، وتلجأ إليه العشيقة لجعل الرجل عبدا لجسدها، وتلجأ إليه الحبيبة لضمان أن هذا الرجل سيعود إليها ولن يغدر بها، وأحيانا تلجأ إليه المرأة للانتقام من الرجل الذي خانها واعتدى عليها.
وتتعدَّدُ أغراض ممارسة الشعوذة حسب نوعية وطبيعة المرأة اللاجئة إليها، ومن بين الأغراض التي تدفعها إلى هذا الميدان الرغبة في التفرقة بين الزوجين وإحداث الكراهية بينهما بهدف الانتقام من هذا الزوج لأنه فضل اٌمرأة أخرى عليها، أو لأنه طلقها وتزوج غيرها، ومن أجل إحداث الكراهية بين الزوجين، تقول السيدة السعدية في هذا الإطار : «يأخذ شعر المرأة و يبخر به كأس ماء لم يستعمل من قبل، ثم يملأ بالماء أو بالعصير ويسقى منه الرجل دون أن يعلم، وتكرر هذه العملية 5 مرات أو أكثر إلى أن تظهر النتيجة، وبعدها سيكره تلك المرأة إلى درجة أنه لا يطيق النظر إليها،» وفي شهادة أخرى تقول السيدة الزهرة وهي جارة لإحدى الشوافات: « تأخذ صورة المرأة وزوجها ويكتب على ظهرهما عبارات سحرية و طلاسم وتدفن كل صورة في مكان لا يطأه قدم فيتم الفراق بعد أيام قصيرة »، وقد تصل بشاعة هذه الوصفات و الطقوس الخاصة بإحداث الكراهية والتفرقة بين الرجل والمرأة إلى وضع هذه الصور في فم القطط أو حيوانات أخرى وإغلاق فمها بخيط سميك، وكثيرا ما يعثر المارة على هذه النماذج من القطط، كما يتمُّ دفن بعض الحروز والطلاسم في القبور القديمة المنسية من طرف أصحابها، بحيث يتم نبش هذه القبور لتكون مكانا لهذه الطلاسم التي تخلف آثارا كبيرة نفسيا وجسديا على الضحايا المستهدفين « كنت أعيش مع زوجي قصة حب جميلة، تحديت من أجله الجميع، لكن فجأة انهار هذا الحلم، بدون سبب، فجأة وجدت هذا الحبيب لا يطقيني و يطلب مني الطلاق، كانت صدمة بالنسبة لي، لم أكن أعرف السبب أو الحل المناسب سوى الدموع التي أنهكت جسدي الضعيف، وبمشورة قريبة لي لجأت إلى فقيه أخبرني بأن زوجي مسحور وأن أحدا من عائلته قام بالتفرقة بيننا و أنه أكل شيئاً ما في الطعام وتخطى شيئاً آخر في عتبة المنزل، لم أصدق فقصدت فقيها آخر وآخر إلى أن تعبت ، حاولت أن استرجعه في البداية و لم أنجح، فسعيت إلى الفراق، لأنه اختفى فجأة وتركني معلقة لست متزوجة ولا مطلقة ومازلت إلى حد الساعة منهارة نفسيا لأني معلقة، وليس في وسعي إلا ندعيه لله هو يخذ فيه الحق...».
وتعتبر الطقوس والوصفات التي تهدف إلى التفرقة و الكراهية بين الرجل و المرأة من أبشع الممارسات السحرية التي تلجأ إليها المرأة، بسبب قلة وعيها ورغبتها في التحرر والتخلص من الاضطهاد الممارس عليها من طرف الرجل والمجتمع، يدفعها إلى الانجراف وراء الأوهام و الخرافات والأساطير، ومتاهات الشوافات والفقهاء والعطار والبخور والتعاويذ ومواد سامة وغريبة، تختلف حسب نوعية الشعوذة الذي تلجأ إليها، فالكثيرات يعتبرن الشعوذة حل للنزاعات القائمة بين الزوجين أو التفريق بينهما، وقد حاولت من خلال هذا الجزء تسليط الضوء على بعض الأسباب والعوامل التي تدفع المرأة إلى ممارسة الشعوذة ومظاهر هذه الممارسة في المجتمع المغربي، مستشهدة ببعض النماذج التي لم أرى حرجا في نشرها، في حين أحجمت عن نشر مجموعة من الشهادات لبشعاتها و فظاعتها على نفسية القارئ و المتلقي، وسأحاول خلال الجزء الثاني من هذا الموضوع التطرق إلى علاقة المرأة بالأضرحة و تأثير الشعوذة على نفسية المجتمع.