أتفاقية السيداو بين القبول والتحفظات والرفض



سحر مهدي الياسري
2009 / 1 / 1

لماذا التخوف من هذه الاتفاقية ؟ ولماذا تمتنع كثير من الدول عن التوقيع عليها ولماذا تتحفظ دول الأخرى على بعض المواد فيها ؟
في البدء نقول أن اتفاقية " القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "الصادرة عام 1979م. تتألف من ثلاثين مادة تتعلق بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل ، في جميع الميادين المدنية والسياسية والثقافية .
بمعنى آخر أنها تدعو إلى عدم التمييز بين المرأة والرجل في مجالات العمل، فالمرأة تستطيع أن تقوم بكل الأعمال التي يقوم بها الرجل، مهما كانت شاقة، مما يعطيها الحق أن تحصل على فرص التوظيف والأجر نفسها التي يحصل عليها الرجل .
أما المجال الصحي فالمقصود منه حصول المرأة على الخدمات الصحية كافة، وإن كان القصد المبطن هو التشديد على حقها في المحافظة على جمال جسدها الذي يفسد نتيجة الإنجاب المتكرر .
أما المجال القانوني فإنه يطالب بإعطاء المرأة الأهلية القانونية المماثلة لأهلية الرجل، مما يجعلها تستطيع مباشرة عقودها بنفسها ومن بين هذه العقود عقد الزواج الذي كما هو معلوم هو من العقود المدنية في الغرب، وقد حثت الاتفاقية الدول الأطراف على إلغاء جميع العقود الخاصة التي تمنع المرأة من حقها في ممارسة هذه الأهلية،
يرد في مقدمة الاتفاقية أن الدول التي تصادق عليها ملزمة عليها ليس فقط شجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة بل تجسيد هذا المبدأ في دساتيرها الوطنية وأتخاذ الاجراءات اللازمة للقضاء على هذا التمييز , وأن تبنى التدابير التشريعية بما في ذلك قوانينها الجزائية , والامتناع عن الاضطلاع أي عمل أو ممارسة تشكل تمييزا ضد النساء ,والعمل على تغيير الانظمة والاعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضد المرأة .
والاتفاقية جاءت نتيجة جهود كبيرة استمرت لعشرات السنين لاقرار أتفاقية مساواة تامة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات ,لقد اوردت الدول العربية والاسلامية الكثير من التحفظات ضد الاتفاقية سأحاول هنا مناقشة بعض التحفظات والرد عليها :
اولا-أستند المشرعون في إقرارهم المواد التي تشكل تمييزا ضد المرأة في قانون الاحوال الشخصية الى حجة أنها مستقاة من الشريعة الاسلامية ,والسؤال هو هل حقا الشريعة الاسلامية هي العائق دون حصول المرأة على حقوقها ؟؟
الجواب هنا يتشعب كثيرا ولكن سنحاول ان نجيب بأختصار :-
• أقر الاسلام أن المرأة أنسانا متساويا مع الرجل في التكليف والعقاب والثواب في كثير من الايات القرآنية ((يا أيها الناس أنّا خلقناكم من ذكر وأنثى لتعارفو أن أكرمكم عند الله أتقاكم ))
• أن اغلب التحفظات والتي تنطبق على النصوص القانونية التي تشكل تمييزا ضد المرأة حسب رأي كثير من الفقهاء المتنورين مستاقة من نصوص فقهية تختلف أصلا من مذهب فقهي لاخر ,أكسبها الزمن قوة تفوق قوة النص القرآني وهذه النصوص كانت العوامل السياسية والاجتماعية في حينه قد فرضتها,أن إعطاء الاجماع صفة القدسية وهو أجتهاد بشري وبتر الايات القرآنية , وتكريس سلطة كهنوتية تحكم بأسم رجال الدين وخلط الشريعة والفقه وعدم موافقة المنقول للمعقول , هو الذي أوصلنا الى قانون أحوال شخصية مجحف بحق المرأة, وعدم الجرأة على تغييره بحجة تعارض التغيير مع الشريعة الاسلامية . هنا لابد من أعتماد نهج جديد في قراءة الاحكام الدينية النسبية والتاريخية لتفسير الاحكام الثابت والمتغير منها .
تتعلق التحفظات لمواد قانون الاحوال الشخصية المجحفة بحق النساء بالمواضيع الاتية بشكل أساسي بالوصاية والحضانة , والولاية , والقوامة , والارث , والجنسية , وتعدد الزوجات , وزواج الصغيرات , زواج المسلمة من غير المسلم , الطلاق والنفقة ,
, في عراق اليوم ومع عدم وجود أي مادة قانونية في الدستور الذي أقر عام 2005 تشير الى أعتراف الحكومة العراقية بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الحكومات العراقية السابقة عدا اتفاقات المتعلقة باسلحة الدمار الشامل وهذا أمر خطير ومعناه ان العراق لم يعدا مصادقا للاتفاقية الغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة( حيث تحفظت الحكومة السابقة على قسم كبير من مواد الاتفاقية ) , وما يثبت هذا الواقع نص المادة 41 الدستورية التي ترجع العراقيون الى مذاهبهم ودياناتهم لتحكم أحوالهم الشخصية وبالتالي لامجال مطلقا لامكان ان تطبق الاتفاقية في العراق وهذا يشكل خرقا دستوريا للمادة 14 التي تلغي كافة أنواع التمييز بسبب الجنس , نأمل في مشرعينا إعادة النظر في الصياغة القانونية الدستورية للمادة 41 الدستورية بما يضمن احترام اساسيات الدستور باحترام كرامة الانسان العراقي رجلا أم امرأة وضمان عدم التمييز بينهما, والمساوة في كافة المجالات والحقوق , وكذلك أحترام الاتفاقات الدولية ومنها أتفاقية السيدوا التي مثلت جهدا قانونيا دوليا جبارا لاقرار حقوقا متساوية للمرأة والرجل
نحن بحاجة لقانون أسرة مدني عصري تلغى فيه كافة المواد القانونية التي تشكل تمييزا ضد النساء في قوانين الاحوال الشخصية والجنسية والعقوبات , وغيرها من القوانين التي تحمل في طياتها تمييزا ضد المرأة المتعلقة بالوصاية والقوامة والولاية والارث والطلاق والنفقة والسفر والجنسية , والحق بالعمل والتعليم والاقامة , وجميع الحقوق التي تجعل للمرأة صحيفة مدنية مستقلة , وأستبداله بقانون عصري يتناسب وروح العصر والاتفاقات الدولية وبما لايتعارض مع الشريعة الاسلامية بنصها القرآني أصل التشريع الاسلامي .