تجارب إشتراكية لتحريرالمرأة ؟



مريم نجمه
2009 / 1 / 5

حول بعض جوانب مسألة المرأة الألبانية ؟
قال الفيلسوف والمعلم ماركس : " إن تطوَر عهد تاريخي معين يمكن تحديده دائماً بدرجة تقدم النساء في طريق الحرية .. إن درجة إنعتاق المرأة تمثل المقدار الطبيعي للإنعتاق العام " ماركس , أنجلز , المؤلفات , الطبعة الروسية , المجلد الثاني , ص 124 ) .
أجل , من المستحيل تصوَر حرية الشعب , وحرية كل شخص على حدة , ولا يمكن تصور تقدم أي بلد أو دولة وتحقيق الأهداف المرسومة الإستراتيجية التقدمية - عدالة مساواة قانون , تنمية , بناء , تحديث وتطوير- إلا مع تحرير المرأة الكامل .


مفيد لنا أن نقرأ ونطلع على كل الأفكار والتجارب التي ساهمت في تسريع عملية التطور الإنساني في العالم .
واليوم , يسرني أن نضيف تجربة عملية تطبيقية أخرى في بلد إشتراكي - سابق – هو ألبانيا المنسية , رغم الإنقسام الطبقي الذي أجهضه الإنقسام الطائفي . ولا يضيرنا أن نلقي نظرة على نتاج الأفكار التقدمية والإشتراكية وما قدمت للبشرية من نهوض فكري واجتماعي وثقافي وسياسي ..

ماذا يقول حزب العمل الألباني في نظرته لإنعتاق المرأة ومساواتها بالرجل , وتأثير العادات القديمة الإقطاعية والبرجوازية على وضع ونظرة المرأة في الأسرة وكيفية الإنعتاق منها ..؟

لقد نقلنا , ونقل الكثير من الكاتبات والكتاب , مشكورين , على صفحات هذا المنبرالمحترم , الكثير من قراءات وتحليل واّراء الأحزاب والقادة الشيوعيين من ماركس وأنجلز ولينين وستالين وماو وروزا وغيرهم كثر..

... هذه القضية , قضية المرأة شغلت فكر وسياسة وبرامج كل الدول الإشتراكية السابقة , وعولجت بكثير من الخطط العلمية والتخطيط الصائب والبرامج النظرية والعلمية ,
كيف حلل وعالج الحزب الألباني هذه القضية .. ؟
كان وضع المرأة وتحريرها من قيود الماضي العبودي وانعتاقها من اّفات الإستغلال الإقطاعي والبرجوازي والإستبدادي قضية مركزية ومهمة قديماً كما اليوم , عالجتها الأحزاب الإشتراكية اليسارية وغيرها من الأحزاب التقدمية في العالم ووضعوا لها الأساسيات التي يبنى عليها المجتمع اللاطبقي , وقد كانت قضية المرأة محور عمل يومي ومعالجات جذرية قام بها الحزب في ألبانيا .. كيف تم ذلك وما هي المواضيع المطروحة , وما هي الصعوبات التي اعترضتهم وكيفية معالجتها بأساليب ديمقراطية هادئة وعملية ؟
لقد أصبحت هذه التجارب " تراث إنساني " , لكنه تراث إيجابي قاعدي وأساسي يجب تطويره وإكماله وتجديده كل يوم ليتماشى مع متطلبات العصر وتقدمه , وعلينا واجب نقله والإضاءة عليه , وتقييمه وإبداء الاّراء البناءة للإستفادة منها والإطلاع على التقاليد الموروثة وكيفية التعايش معها و معالجتها بالطرق السليمة والقرارات والقوانين التي طبقت بصرامة لتسريع عملية نجاح وانتصار المجتمع الإشتراكي .... هذه التجارب التحررية الحياتية هي ملك الشعوب , لندرسها ونقدمها لأجيالنا الجديدة على منضدة النقد والتحليل والثقافة الإشتراكية , بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبت والماّل الذي وصلت إليه .

.......................

- إقامة العلاقات الصحيحة بين الزوج والزوجة , والزوجة وسائر أعضاء العائلة - شرط ضروري لإشغال المرأة مكانها المرموق .

“ - يتطلب تشكيل العائلة الإشتراكية الجديدة , فضلاً عن أسس الزواج الصحيحة التي يجب أن تبنى عليها , يتطلب كذلك إقامة العلاقات المتساوية تماماً بين الزوجة والزوج وجميع أفراد العائلة .
والواقع أن عدداً كبيراً من العائلات في القرى والمدن , وأحياناً عندما يكون الزواج قائما ً على أسس سليمة توجد وتصان فيها كثرة من الراواسب الإقطاعية البرجوازية الموروثة جيلاً عن جيل والوجهات البائدة والأصول الدينية التي اتخذت قوة العادة والقانون وتكمش وتستعبد المرأة في العائلة . وبالرغم من الإشتراك في الإنتاج ومساهمة المرأة بعملها إلا أنها لم تشغل بعد مكانها المتساوي في العائلة وخاصة في القرى .
ولا تزال تسيطر الوجهة القائلة أن " الرجل صاحب البيت " أو " سيد البيت والأسرة " و" رأس العائلة " , ولا يزال مستمراً خضوع المرأة التام للرجل وعدم المبالاة بأبسط حقوقها التي تشرعها حتى الديانة والكتب المقدسة " .
وفي الإجتماعات والمجالس العديدة التي عقدت في هذه الأشهر الأخيرة في البلاد كلها شهر الشعب من تلقاء نفسه هذه الأفكار بما فيها من عواقب وخيمة على حياة الزوجة التي كلفت في العائلة بأحط الأعمال وأشدها إهانة . فالزوجة تحمل كما لو كانت بهيماً , وعليها أن تغسل رجلي زوجها وسائر أعضاء العائلة – كما في مسلسل باب الحارة - , وأن تستيقظ الأولى في الفجر وتستسلم للنوم الأخيرة ليلاً , وأن تتناول الطعام بعد أن ينفضّ الرجال , وأن تجمع الحطب وتملأ الماء والخ ...
فهل يمكن أن يدور الحديث هنا حول المساواة والعائلة السليمة ؟
وهذه العادات البشعة لا يسري مفعولها في القرى وحسب , بل يسري بصورة أو بصورة أخرى في المدن أيضاً , حيث تعامل النساء أحياناً كثيرة بدون تكافؤ وكأنها كائن من الدرجة الثانية .

والأساس الإجتماعي والإقتصادي الذي كانت تقوم عليه هذه الاّراء تغير كلياً . وحقوق النساء في هذا الإتجاه في بلادنا تحمى بموجب القانون . ولكن قوة العادة فظيعة وتكمش كلا الرجال وغيرهم من أعضاء عائلاتهم وكذلك النساء اللواتي تقع على عواتقهن أعباء هذه العادات .
ولننظر من هذه الزاوية على سبيل المثال في مجموعة قوانين " ليك دوكاجيني – فهي تعكس تنظيم المجتمع على أسس أبوية وإقطاعية في ظروف القبائل والأعيان وهي من أجل ذلك تعكس الأيديولوجيا الإقطاعية وأيديولوجيا الإستبداد الأبوي . ففيما يتعلق بالموقف من النساء فينص هذا القانون على أشد ما يتصور من المادية على وجه العموم الظروف الإجتماعية التي نشأ فيها ذلك القانون والتي يعكسها ذلك القانون تغيرت بصورة جذرية , ولكن قوته الأيديولوجية قوة التقليد والعادة ما زالت باقية , ويسري مفعولها في بعض المناطق بشدة ويشوه ويزفت حياة النساء .
ألم يحن الوقت لركل جميع هذه التقاليد والعادات الوحشية القاسية وإحراقها نهائيا في النار ؟ .


ولننظر أيضاً من هذه الزاوية إلى عملية التخلي عن ( الحبل) . فعندما ابتدأ الشروع بهذه العملية في تعاونية ( عاصم رينل ) الزراعية ( بجيروكاسترا ) , أخذت بعض العجائز يقلن لزوجات أبنائهن ولبناتهن عندما كن يتأهبن للذهاب إلى العمل في الحقل : " أيتها الطائشات خذن الحبل معكن ولو عدتن بلا حمولة لأن المرأة لا رزانة لها بدون الحبل " . وفي هذه المناسبة يتم العدول عن الفائدة الإقتصادية لهذه العادة على أن تحفظ العادة بحد ذاتها كرمز لعبودية المرأة وذلها ومعاملتها معاملة البهائم التي تحمل . وكانت هذه العادة متأصلة عميقة الجذور بحيث أن الحبل كان من ضمن المتاع الذي تجهز به العروس .

لذلك يجب إعلان حرب لا رحمة فيها على العادات القديمة الرجعية التي تعتمد على قوة إستمرار التقاليد من ذلتها , ولذلك يجب على منظمات الحزب والجماهير والرأي العام للمجتمع كله أن يناضل بجرأة وبلا هوادة من أجل استئصال شأفة النفسانية والعادات التي تهين المرأة وتضعف العائلة عندنا .

يجب على منظمات الحزب والجماهير في تشديد عملها الأيديولوجي الموضح أن تساند وتشجع بكامل طاقتها حركة الوعود الكثيرة التي قطعت في الإجتماعات والمجالس بصدد احترام حقوق المرأة كالشرط الحاسم للعائلة السليمة .
وعلى النساء أنفسهن أن يناضلن بجرأة من أجل مساواة الحقوق مع الرجال في العائلة . ولا يباح لهن إلتزام الصمت والتسليم بهذه العادات البشعة في سبيل الحفاظ على ما يدعى بوفاق العائلة ووحدتها . إن وفاق العائلة ووحدتها عنصران أساسيان للعلاقات الزوجية الصالحة ولكنهما لا يتعززان بالخضوع للخرافات والعادات البائدة المتعلقة بتذليل المرأة للرجل , إنما يتعززان بمكافحة هذه الخرافات والعادات بالطرق الصحيحة , بجرأة وحكمة . إنما الصمت والخضوع من النساء فيعود مصدرهما خاصة إلى الفكرة القائلة " أن مصيرنا بيد الرجال " والأزواج يطلقوننا ويرجعوننا إلى ديار اّبائنا . وهذا الخوف ظل يجبر الزوجة حتى بالأمس على قبول كل شئ بما في ذلك زوجة الزوج الجديدة كفاها ألا يطردها من البيت فيدفع صيتها كامرأة " منسابة " ومجنية .

أما اليوم فالمرأة الحرة إقتصادياً مساوية للرجل ومستقلة بنفسها وبوسعها أن تربي أنجالها ولا تخاف من التهديد بالطلاق إذا أصبحت معايشة الزوج مستحيلة .
والطلاق يحق للنساء بقدر ما يحق للرجال , وإذا استوعب هذا الحق كما ينبغي لما ظل مسلطاً كسيف ديموقليس على رأ س الزوجة , بل العكس أصبح عاملاً لتوطيد أواصر العائلة . وينبغي على الزوجين فيما يتعلق بحل الزواج أن يبدو الأناة والنضوج الذي تطلبه منهما عقد الزواج . إن الرأي العام يندد بكل عمل غير ناضج من أي طرف من الطرفين ينسف العائلة ويسفر عن عواقب وخيمة خاصة على الأنجال . وقد وجدت قوة الرأي العام الإجتماعي في هذا الإتجاه تعبيراً نشيطاً جدا عنها خاصة في الوضع الثوري الذي يسود حياة بلادنا اليوم .

ويمارس تأثيراً سلبياً في صون العادات البائدة في عدد من عائلاتنا المسنون , وعلى وجه العموم الطاعنون في السن الذين بما أنهم عبيداً لقوة العرف يريدون من سائر أعضاء العائلة احترام هذه العادات جاهلين في معظم الأحيان الضرر الذي يتسببون فيه . وهذه الصعوبة يجب تذليلها بإمعان , وليس بالوقوف موقف المعارضة السافرة وإثارة النزاعات كما يفعل بعض الشبان والشابات , بل بالإعتماد على خطة الحزب القويمة وبالعمل بأناة مع الجيل القديم ومعاملة الشيوخ معاملة الود وبثقة في أنهم سيعدلون عن المحافظة بالتدريج . ويجب على منظمات الحزب والجماهير أن تدأب على تفسير الحقوق الواسعة التي اكتسبتها المرأة في ظل السلطة الشعبية وأهمية إقامة العلاقات العادلة بين المرأة والرجل وسائر أعضاء العائلة كعامل هام لتعزيز العائلة التي يجب أن تقوم على أساس المساواة بين الزوج والزوجة واحترام شخصية كل واحد منهما وحقوقهما المتساوية وليس على أساس الأفكار العفنة الرجعية والمحافظة للعائلة الأبوية الإقطاعية البرجوازية .

يجب عليها أن تناضل كذلك من أجل القضاء على مخلفات الأخلاق الإقطاعية والأبوية الدينية الإستبدادية فيما يتعلق بالمواقف من المرأة بحيث تصبح المتطلبات المعنوية للرأي العام الإجتماعي متساوية حيالها وحيال الرجل وأن يعتبر الصفاء والشرف والوفاء في العلاقات الزوجية والحرية في اختيار رفيق العمر وأن تصبح عملياً واجبات وحقوقاً بالنسبة للرجل والمرأة ولا يجب الإباحة لرأينا العام الإجتماعي بأن يعالج ويحل المسائل المتعلقة بهذه القضية إنطلاقاً من قوانين وعادات الكنيسة أو الشريعة وأصول المعنوية الدينية الإقطاعية الأبوية التي تلقي الذنب في جميع الأحوال على المرأة ولا تعاقب إلا المرأة , وذلك بإسم المعنوية البروليتارية والتقاليد السليمة والشريفة والوفاء الزوجي , بإسم هذه النعوت التي يتحلى بها شعبنا .

هذه هي الاّراء والعادات التي تدفع كثرة من الاّباء والرأي العام الإجتماعي عموماً إلى النظر بسوء إلى المرافقة بين الشبان والشابات والحب الذي قد ينشأ بينهما والتي تثير الأقاويل , والفتاة حسب العادة هي التي تعاني في كرامتها وشخصيتها من هذه الأقاويل . يجب الإقتناع بأنه من المستحيل أن تنعتق المرأة إنعتاقاً تاماً حقيقياً وشاملاً إلا إذا أقيمت المساواة المعنوية الكاملة بين الرجل والمرأة " . يتبع....... كتاب : ( حول بعض جوانب مسألة المرأة الألبانية – الخطابان اللذان ألقيا في الإجتماع الثاني الموسع للجنة المركزية لحزب العمل الألباني 15 أيلول / 1967 ) .