قانون الاسرة البحريني ثمرة الاصلاح الخصبة



حميد خنجي
2009 / 1 / 5

يُعتبر مشروع قانون الأسرة في البحرين، المزمع أن يثير زوابع من الانفعالات والانفلاتات في مجلس النواب، خطوة عصرية نحو تأصيل علاقة الأحوال الشخصية والأسرية وتنظيم المسؤولية المشتركة بين ربّيّ الأسرة؛ الرجل والمرأة.. بل أنها خطوة جدّ شجاعة ومدروسة بعناية من قبل أصحاب القرار، سواءً جاءت بقناعةٍ وتفهمٍ منهم لنداء العصر أو تحت ضغوط الاتفاقيات الدولية!


تأتي هذه الخطوة كمحاولة ثالثة (تبدو الثالثة ثابتة) من أجل تمرير هذا القانون بعد تعديلات وتصويبات أُجريت على المشروع الأوّليّ، أُخذت في الحسبان التركيبة الفسيفسائية للمجتمع البحريني؛ الديموغرافي والاثني والثقافي والديني/المذهبي، كحلِّ وسطٍ ، معتدلٍ ومتواضعٍ جداً بُغية إرضاء غرور الثقافة الذكورية السائدة على حساب المرأة البحرينية؛ الزوجة والأم والأخت والبنت كتحصيل حاصل لا يمكن الإتيان بأفضل منه حالياً، أي الوصول إلى المساواة التامة بين قطبيّ الإنسان؛ الرجل/المرأة، الغاية الفعلية والمعيار الأساس الذي يقاس به تقدم الأمم الحديثة والمعاصرة !


وصلتْ درجة عدم الحصافة بأحد النواب إلى حدٍ أنه أطلق الوعيد والتهديد من أنهم سيقبرون القانون (حسب ما جاء في الصحف المحلية).. والضمير هنا عائد بالطبع لقوى"الإسلام السياسي" بشقيها؛ الشيعي والسني السلفي المتخندقة في متراس "مقدس" موحد، بُغية الحفاظ على صحيح الدين(حسب ادعائها)..والحقيقة أن السبب المكنون مصلحي/ذكوري/فئوي لا علاقة له بجوهر الحق الديني والإنساني في كل زمان ومكان. ولكن الأغرب أن القوى السياسية العصرية(المعتدلة والراديكالية)الصامتة صمت القبور، لم ينم عنها -جميعها- حتى الآن، بيانٍ يتيمٍ تأييداً أو حتى تنويهاً رسمياً منها لهذا الأمر الحضاري الأهم، عدى تصريحات شخصية لعناصر من نُخَبِها السياسية لا تشفع بالطبع للموقف الرسمي لتلك القوى المتشدقة جهاراً لأمورٍ أقل أهمية من مشروع قانون الأسرة، الذي إن مرَ فأنه سيشكل بمثابة عتبة التغيير المنشود في بلدنا التوّاق للحرية وسيشرع لتدشين دخول مملكة البحرين إلى مرحلة نوعية تقربها من عصر الحداثة والتنوير !


إن ارتهان جُلّ القوى السياسية الديمقراطية – إن لم يكن كلها- لقوى الإسلام السياسي السائدة (الأقوى كمّاً بما لا يقاس) في بلدنا يشكل العقبة الكأداء للعمل الجاد والمثمر لتأسيس "خط ثالث" أو تيار ديمقراطي/عصري/علماني لا يعادي بالضرورة الحكم والقوى التقليدية (الإسلام السياسي) في كل صغيرة وكبيرة! بل قد توجد ملفات مشتركة تكون في مصلحة الأغلبية- اللاعبين السياسيين الكبار والصغار- من التعاون المشترك حولها. إلا أن هذا لا يعنى بتاتا خلط الأولويات في العمل السياسي كحالنا في الظرف الآنيّ. والدليل على ما نقوله واضح، لا يحتاج إلى إثبات، فيما يتعلق بالمواقف المتضاربة/المتناقضة في الشؤون الثقافية/الاجتماعية/الحقوقية الأهم المتصلة بملف الأحوال الشخصية الضروري لتنظيم المشاكل الأسرية، حيث لا توجد وشائج تربط القوى العصرية، التي من المفترض أن تقف بوضوح مع حق المرأة ومساواتها مع الرجل، مع القوى التقليدية الدينية/المذهبية التي تعادي – على المكشوف- أي حدٍّ وتقليصٍ من الهيمنة الذكورية في المجتمع انطلاقاً من المصالح الأنانية /الذاتية للرجل الشرقي المحصّن بقوة "الشريعة"،المحصورة بتفسير وتأويل"الكهنوت" الديني، الغريب عن الإسلام الحقّ!


بل أن بعض"الفقهاء" المبجّلين والمتبحّرين في الشأن الديني/المذهبي في بلدنا يدّعون امتلاكِ حقٍ ليس لهم، بقولهم أنهم لوحدهم تعود سلطة البتّ في شؤون البلاد والعباد الشخصية والأسرية، وهم بالتالي-حسب ما يطمحون- أصحاب التفسير الشرعي الوحيد،الذين يجب أن يكون اجتهادهم الفقهي/المذهبي فوق القانون أي خارج إطار سلطة الدولة والسيادة المطلقة لسلطة القانون والدستور البحريني وبنودها الواضحة، المتضمنة الشؤون الشرعية والمنطلقة أساسا من الشريعة الإسلامية لديننا الحنيف بشقيه المذهبي . والسؤال هنا.. هل توجد سلطتان في المجتمع؛ سلطة روحية مستقلة لا توازي سلطة الدولة فحسب بل تتجاوزها ؟! .. في تلك الحال لا توجد أصلا الحاجة لأي دستور لتنظيم شؤون المجتمع، حيث يكفي الركون إلى أحبولة الطائفية والمذهبية البغيضتين،التي تأخذنا-لامحالة- إلى أمارات طوائف القروسطية، تنتفي فيها المواطنة الحقّ.. وعلى بلدنا السلام!


في اعتقادي المتواضع أن جوهر الصراع والخلاف سياسي/مصلحي/طبقي بامتياز يجري تلبيسه قدسية الشرع بهدف استمرارية سيادة وهيمنة الثقافة الذكورية، المنبثقة عن الفكر "الماضوي" والوعي الرجعي، ركيزتي التخلف والاستبداد والإرهاب أيضا.. ومن هنا يجب على نساء ورجال مملكة البحرين العصرية، المبادرة لخوض نضال لا هوادة فيه في سبيل نيل العضد المجتمعي لقانون الأسرة هذا. والاهم من المبادرات الفردية المأمولة هي المسؤولية التي يضعها التاريخ على عاتق القوى الديمقراطية/العصرية في هذا الوقت بالذات لتنفيذ مهمة المهمات المتجسدة في توحيد جهودها ورصّ صفوفها من أجل الوقوف بحزم ضد من يعمل لإسقاط مشرع قانون الأسرة. وحشد جموع الناس بُغية الحصول على التأييد الشعبي للقانون المذكور وتمريره من خلال المجلس الوطني في مملكة البحرين