هل ترغبين بأن أرشحك ؟؟؟ كم تدفعين ؟؟؟



إبتهال بليبل
2009 / 1 / 19

مع كل كلمة نكتبها ، نموت قليلاً ... وبين حرف وآخر تأتي عباراتهم المألوفة ، ووجوههم المفعمة بالتساؤلات ، تحاول استجواب أحداً ما ، هم يعرفون الإجابة ونحن نعرفها ولكن يتغاضون عنها ويتناسوها ، ملامحها تنتمي إلينا ، هي ليست غريبة عنهم ، ولم ويؤدوها حتى الآن ، وصار لها صوت بعد أن كانت حنجرتها مبحوحة .. حصيلة ذلك التفاعل المحرض الخلاق والزخم الحي نجدها علقت أمال وأحلام من يتبعها من بنات جنسها ، لتبدأ جهداً كادحاً من مسيرتها الطويلة ، لتقول للعالم كلهُ ، أرفض أن يقلدون صوتي ، ويخربون صدق دوري ، وأرفض أن لا أكون حاملة لرسالة المرآة ، وها أنا ما أزال حية ، فلم أمت بعد ...
لعل من واجبي اليوم أن أكتب عن بعض معانات المرآة العراقية المرشحة حالياً في الانتخابات ، حيث أنني قد كلفت بعمل تحقيق ميداني للمجلة عن المرآة والانتخابات و قمت باستطلاع بعض أراء المرشحات في الانتخابات ومعاناتهن أو لنقل ( معانات المرآة بوجه عام ) فقضاياها معلقة واحدة بالأخرى ، وهذا طبيعي وبديهي ، فالمرآة وفقاً للطابع الغالب عليها مهمشة أو مستبعدة في الكثير من المجالات ، وخاصة بما يتعلق بقضايا أبداء الرأي ، فعندما نحاول مواكبة بداياتها وألاطلاع الوافي على مسيرتها سنجد ذلك متوفراً للعيان ، وبالتالي فأن أثبات مركزيتها ينطلق من أرضية المعرفة الشاملة بإنتاجيتها ، لذا فالكثيرين يقولون ، يوجد خطأ شكلي أن نجحت المرآة في الانتخابات ، واعتباطا أن أنتخب أمرآة ...
هناك أموراً تنبشنا من الداخل لأنها تحدث في اللحظة المناسبة ، فتفجرنا صراخاً ، كما وأن هناك أمور هي أقدر على تفجيرنا لأنها تحدث في أوقات نكون مستغرقين بحل غيرها ، وهكذا فأن أفضل ما يحدث ليس بالضرورة هو الشيء المناسب لنا ، للسبب ذاتهُ نجد المرآة المرشحة تفتقد الكثير من الأمور أولها خوفها من زميلها المرشح ( الرجل ) حيث أنني أستنبط من خلال معاينتي للمواقف ، أن المرآة المرشحة تضع أمامها ذاك الخوف والفشل رغم دأبها للنجاح وطموحها الكبير ، فهي كمن يحمل عقدة أسمها الرجل لنجدها تقول سيحاولون رمي للسقوط ، عندما حاولت معرفة سبب هذا الهاجس ، لتكون أجابتهن متقاربة بالقول أنهم يمزقون صورنا المعلقة وهذا أبسط دليل على محاولتهم لنا للفشل ، صبيان يحملون عصا خشبية وفي نهايتها مسمار حديدي لتمزيق صورنا أنهم يسيرون مسرعين ويأخذون بتلك العصا ما يستطيعون من بقايا تلك الصور والمنشورات المعلقة على الجدران ...بعضهن تقول أنها تلقت تهديدات من أشخاص مجهولين بإرغامها على ترك الترشيح ، وآخرون يغدقون عليهن بالاستهزاء ، وأنه لا أمل من اعتلاء المرآة أي مسؤولية ..
حقيقة ، هناك أحاديث تبقى كوثيقة أخلاقية وشاهد على الإنسان وعصره ، لنلتزم الدقة العلمية وضرورات البحث العلمي ، ولنعد إلى التصرفات المنسوخة من قبل الرجل ولكن هذه المرة تتخذ وجهاً أخر ، وهذا الأمر يلجأ إليه الباحث عندما يحاول التنقيب عن شيء ميت أو أسطوري مندثر ، إذ نفتش عن الحدث الأصلي داخل توابع أو أسرة ذاك الشيء الميت وقد يكون إنسان بدلاً من البحث في الحدث كما هو موجود الآن ، وهذا ما افعله أنا ـ الآن ، فكل ما يدخل لدى مطبخ ألمصالح ( أو المصالح الذاتية أو الشخصية ) يتعرض إلى تعديل وتشذيب وحذف وقد يرمى جميعه في سلة المهملات بما تتطلبه الضرورات الآنية ...
لنجد المجتمع يصر على محاسبة المرآة ، في كل شيء ، فحملة الدعاية لدعم المرآة ، تبشر أيضا بأن الرجل الشرقي هو هو لا يتغير وأن ما يقوله عن حقوق المرآة المواطنة ينقصه الكثير من الحقائق ، فلو حاولنا التركيز على ملصقات الكثير من المرشحين للانتخابات من الرجال نجده يدون فيها عبارات كثيرة منها التقدم والازدهار ، الحقوق ، العمل ، وغيرها الكثير من الشعارات التي ربما يخص بها الرجل فقط وألا ما معنى محاولته لتنحي وجود المرآة في الترشيح ، فتلك أول التصرفات البسيطة في نظرهم تبين مدى سيقدمون لنا من تضحيات وازدهار ، وأقول أليست المرأة هي أحد أفراد ذاك الشعب الذي سينتخبكم ، أين المصداقية ؟ أهذه أول بوادرها ؟؟؟؟
اليوم كل الشعب العراقي يحسب ويعد كل تصرف من قبل الناخبين حتى ولو كان بسيطاً ، فلا ننسى الشعب العراقي لديه خلفية راقية في فهم السياسة ، فما مر به من عقود الحروب جعلتهم ( جيل الحروب ) فمن السذاجة أن نتصور أن أي تصرف يمر من بين أرجلهم وهم لا يشعرون ؟؟؟
لنعود الآن لمخاوف تلك النساء المبتليات بحب الوطن والحياة والحرية والعيش السامي ، ولنرى ما علقت عليه أحدى المرشحات بقولها ليس هناك عدالة في عملية الدعاية للمرشحين فهناك من يبذخ ملايين الأموال في جلسات الولائم والعزائم وهناك من يعمل إعلانات فاقت الخيال ومنهم من يشتري الأصوات بالاتفاق مع رئيس العشيرة حتى أنها ذكرت لي من باب الممازحة أن احدهم وهو رئيس عشيرة قال بعد أن خرج منه أحد المرشحين أن هذا رابع مرشح يأتيني يطلب مني انتخابه ، ليضحك ويقول نحن لن ننتخب أحد !!!!
ليكملن حديثهن بالقول ، هل من المعقول أن تقوم أمرآة بالتجوال بين الأزقة والمدن لكي تنتخب ؟؟ بالطبع لا لن تستطيع المرآة فعل ذلك ، لان هذا ليس من واجبها أنه واجب الرجل الذي همش دور المرآة وجعل منها تحفة أنتيكية لا نستطيع تحريكها خوفاً من كسرها ، فنحن عملنا ونعمل ، هل كان هناك من يوجه الكاميرات نحونا ، وهل كان هناك من يحاول التحدث عنا ، بالطبع لا ، فالرجل يمتلك عقدة وستبقى ملازمة له ولن نستطيع التخلص منها ...
الغريب ما في الآمر أن أحداهن سردت لي موقف في غاية الحزن ، فقالت وهي تحاول الخروج من مكان عملها مع زميلتها وفي يديها كمية من ( كوبونات الدعاية ) طرحت عليها زميلتها أن تقوم بتوزيعها إلى المارة لتعطي أحداها إلى أول من صادفها ليقول لها ( هل ترغبين بأن أرشحك ؟؟؟ كم تدفعين ؟؟؟ ) فسحبت بغضب الكوبون معلنة رفضها لهذا الآمر ...
هذه بعض الحقائق والمواقف التي مرت بها المرآة المرشحة في الانتخابات ، هنا أحب أن ألفت الانتباه أن ما يقال ليس بالضرورة أن يكون عارياً من الصحة ، وليس بالضرورة من نسج نفوس خبيثة أو حاقدة ...
لكنه حتى في أكثر حالاته صدقاً وحسن نية لا يصح كمرآة تعكس قرار على ضوء ما نراه فيها حقيقة إنسان ...
لنعود اليوم إلى تلك المرآة ولنعود إلى تلك البدايات القديمة لها ، أحبت تراب العراق ، ولكنها لم تحبهُ ذلك الحب الذي يسمى حب من أول نظرة ، بل أنها اكتشفت قدرتها على الاحتضان لتحتضن ذاك التراب الموجع من الوطن ، لتحتضن هؤلاء القادمين على اختلافهم ، تحتضن الجميع بكل خطاياهم وعيوبهم وكل ما يحملون من صفات الغانية والقديس ، وكذلك هو العراق فله حس الحرية والديمقراطية ، فالحرية بنظر تلك المرآة الاعتراف بمواطنتها الاعتراف بمكنون واجباتها وما تقدمه لمجتمعها ....
وألان أنظر باستغراب وأقول كيف تغيرنا وكيف تغيرت يا رجل ؟؟ أتود أن ننبش الماضي ونكشف الجراح أم نموت بصمت ؟؟؟ أتبقى المرآة مستعمرة فمنذ أن تحملك أمكَ في أحشائها وهي مستعمرة من قبلك َ ، وكأنك كائن غامض تحاول السيطرة على تلك المستعمرة منذ أول خلق لك ؟؟؟ ثم لتحولها جارية بمفهوم الزواج لديك ، وتحاول طمس قراراتها لكي لا تقف وتقول لا لجحودك واستبدادك برأيك ...
واليوم بعد أن أنقشع الظلام تحاول إسدال ستار النور على المرآة فقط ، وحتماً أن الكلام الذي لا يجدي فالصمت أيضا لا يجدي ، ورغم مخاوف تلك المرآة فلن تهزم ولن تهزم في معركتها مع وجوديتها وستثبت للجميع أنها تمتلك قوة كانت كافية أن تحملك كرهاً ووجعاً كمستعمرة منك لتطرحك ضعيفاً عاجزاً ، فحتماً هناك هوة كبيرة بين الفكر والفعل والصمت ، فلكل شيء حل مادام هناك قوة إصرار ...
وبما أن السياسة تتحكم بحياتنا ، وفي أدق تفاصيلها ، تتحكم بطعامنا وشرابنا وملبسنا وسفرنا وحريتنا ونساءنا وأطفالنا ، وهذا التأثير لا بد له أن ينعكس على كل فرد منا ، والمرآة أحد هؤلاء الأفراد ، أذن فلا بد لها أن تبرز في مجال السياسة كالرجل ، وأن ما يحاول الرجل أن يفعله تجاه المرآة ، لن يستطيع فهكذا هو ، وهكذا هي المرآة لا تيأس ولا تمل وستبقى إلى أن تسترجع قيمتها وحقها الطبيعي ليس لأجلها فقط وإنما لأجلك يا رجل ...
وكما أنه لا أحد يستطيع البحث عن هذه الأجواء فهي تعيش معنا وتلازمنا ، والخناجر موجودة في عيوننا ، فلا يمكن أن تبقى تلك الخناجر دون محاولة من أحدانا بسحبها لنفتح طريق الأبصار ...