نريد ثقافة للافراح والميلاد



توفيق التميمي
2009 / 1 / 20

هناك
ينتهز المواطنون في الغرب المضئ بالمسرات والحياة السعيدة ودولة المواطنة والمؤسسات الفرص لابتكار مواسم الفرح ويتفننون بصناعة طقوس المسرات ويبالغون فيها.وتتسابق اجيالهم بالتعاقب على حذف مساحات الحزن من ذاكرتهم ومسح آثار الفجيعة من وقائعهم.
يحتفلون بذكريات الميلاد للرموز والشخصيات والافكار في احتفالات متواصلة تحت ايقاعات الفرح والمراجعة والتعديل، ويستذكرون رموزهم في لحظة الميلاد ويحتفلون باعمارهم الابداعية ولحظات توهجهم فقط وباسرار هذه الابداعات التي جعلتهم يستحقون ذلك التقدير.
هناك
الفرح يغطي على اليوميات والافعال والوجوه والذاكرة.
هنا
يهيمن السواد على المشهد كله يستوطن القلوب والارواح ويسكن في الذاكرة الجمعية ويشوه الجدران بلافتات السواد التي علقتها مشاجب الحروب، على الارواح والقلوب ونحيب الارامل وضياع اليتامى، وأوجاع المعاقين.
هنا
الحزن اغنية تتوارثها الاجيال لتنطبع على حياتنا وتفكيرنا وتسد ابواب مستقبلنا بظلال سوداء شاحبة توأد الامل وتقلع جذوات العنفوان من ارادتنا الجماعية..
هنا
يستوطن الحزن وجنوده ممالك الروح والذاكرة واوراق القصائد وايقاعات الاغاني وتمتمات الامهات .
هنا
يتجول السواد الحزين في مطابخ منازلنا واسواقنا ويشاركنا العشق على مصاطب الحدائق المهجورة.
هنا
الذاكرة تتواطئ مع ازمن الفجيعة والمصائب بعقد كاثوليكي ابدي وتصدرها للصغار في هيئة علب سوداء مليئة باغاني الحزن وتوارث طقوسه وتحنيط الرموز الميتين في متاحف اللطم والبكاء والنحيب.
هنا
نبرع في الحذف المتعمد والاقتصاص الغرائبي من كل جذوات الفرح والابداع من حيوات امواتنا وشخصياتنا وحوادثنا التاريخية .
فهل من المعقول ان لانحتفظ من الزهراء فاطمة بنت محمد الا بلحظات انكسارها وحزنها ومصائبها؟
وهل من المعقول ان لانحتفل بالحسين الثائر المحدث والفقيه الا بلحظة الفجيعة وتكرارها السنوي؟
وهل خلت حياة السياب الشاعر من المرح وحكايات البهجة حتى نجهل يوم مولده ونقيم اعراس المراثي والمناقب في يوم موته سنويا ونستذكر لحظات مرضه الكئيبة وضلال احزانه ؟
.وهل ان سيرة الثائر الوطني سلام عادل تخلو من محطات التألق والكتابة والحب والفرح حتى ترتبط ذكراه السنوية بالمشهد الوحشي لذئاب الحرس القومي وهي تنهي حياته مبكرا؟.
هنا
نكرر الفجيعة ونزرعها في حدائق الاجيال ونطارد الفرح من حياتننا بهروات غليظة وقوة عمياء غاشمة واحيانا نلجأ لتعطيل الحياة ومصالح الناس من اجل مراسيم احزاننا السنوية واحياء مواسم مصائبنا التاريخية
ولاجل اطفالنا القادمين:
لابد من انقلاب من الفرح يقوده الصغار والناشئة التي لم تتورط باحزاننا ولم تتلطخ بميراث مصائبنا وفواجعنا، انقلاب في الافكار وتدوين الذاكرة وتغيير لون ملابسنا وطرق احتفالاتنا واحياء رموزنا واستبدال ذاكرة الموتى بعنفوان الاحياء واستبدال مواقيت الموت بلحظة الولادة والولادة فقط لانها تقترن بالبدايات وتقترن بألوان الامل التي ستفتح في بساتين الحياة المزهرة بينما الموت ينغلق على سواد بحجم الاحزان الابدية وقبر ينغلق على مشاوير الابداع الانساني ويفتح كراديس العزاء ويعلن الحداد الابدي على حياتنا منذ بدايتها.
متى نستبدل ثياب السواد بالابيض الملائكي، ومتى نطلق سراح الاحزان من الاغاني والذاكرة ومتى نحرر رموزنا التاريخية من متاحف التقديس ومواسم النحيب الى كرنفالات الولادة و مواسم الفرح ؟
متى يحدث انقلاب الفرح هذا ونستذكر عبقريات موتانا في لحظة الميلاد لا لحظة الموت ؟
ومتى ننتصر على سواد الحزن الذي يعطل الحياة ويكبل عنفوانها ويستأصل زهرات الامل من عيون الصغار...متى؟