ميسون الدملوجي بين فقر الواقع الديمقراطي والمحاصصة الطائفية



جاسم المطير
2009 / 1 / 31

ميسون الدملوجي بين فقر الواقع الديمقراطي والمحاصصة الطائفية
جاسم المطير
نموذج أخير من نماذج قضية المرأة العراقية وخصوصية النظر إليها تتجلى في الموقف الذكوري من ترشيح ميسون الدملوجي لرئاسة البرلمان العراقي الشاغرة باستقالة محمود المشهداني . هذا الموقف لمسه الكثير من المراقبين لدى مجموعات محدودة داخل البرلمان ولدى مجموعات غير محدودة لدى الأحزاب الإسلامية خصوصا .
كانت مبادرة متواضعة ، كأنها متلبسة بإلهام خجول ، هدفها الدخول بثقة إلى باب ديمقراطي من أبواب البرلمان ، أقدمت عليها مجموعة من المثقفين العراقيين بترشيح السيدة ميسون الدملوجي لرئاسته في محاولة من محاولات ثقافية – سياسية لتخصيب دور المرأة العراقية في الظروف الجديدة الناشئة في عراق يدعو فيه غالبية القادة الجدد وغالبية الأحزاب العراقية إلى إزالة الحواجز بالأساليب الديمقراطية لكي تأخذ المرأة العراقية مكانتها في العملية السياسية وفي العملية القيادية أيضا ولكي تغدو العلاقة الجدلية بين المرأة ومراكز القرار السياسي واقعا ً عمليا ً في الفكر الديمقراطي العراقي .
لكن هذه المبادرة جوبهت بمحاولات مشروعة وغير مشروعة لوضعها داخل الانغلاق التام من عدة وجوه :
الوجه الأول : أن كثيرا من القوى والأحزاب الديمقراطية العراقية لم تنهض من قيلولتها لدعم وإسناد هذه المبادرة التي يعني نجاحها أول ما يعني بداية التحرر من كبسولة الطائفية السياسية وحقائب المحاصصة الضيقة المسيطرة منذ 5 سنوات على كل مناصب ومواقع مراكز القرار السياسي مما ينبئنا بحظ غير سعيد في تقدم مكانة المرأة العراقية وإبقاء حقوقها محاطة بالقلق .
الوجه الثاني: أن المبادرة ظلت تدور في محيط ضيق جدا ، حتى بين المثقفين العراقيين داخل العراق وخارجه ، ولم يدخل إلى أعماقها إلا بضع كتابات تأييد أو مشاعر سرور من عدد من الكتاب والكاتبات من خارج البرلمان ومن خارج الأحزاب السياسية الديمقراطية تدفقت من خلالها نوايا طيبة للبدء بأولى الخطوات العملية لتخليص المرأة العراقية من الغبن الكبير الجاثم على قضيتها .
الوجه الثالث : أن الغالبية من المنظمات النسوية العراقية ظلت مختنقة ، حذرة ، مترددة ، إزاء ترشيح السيدة ميسون الدملوجي ولم أجد ، ، حتى الآن ، صوتا نسائيا واسعا قد اهتدى إلى المعنى العميق لهذا الترشيح بل أن بعضهن من النساء والمنظمات النسوية لم ير في الترشيح غير حلم من أحلام لا تصدق رافق هذا الترشيح فيما عدا منظمة واحدة هي شبكة المرأة العراقية التي وجدت في المبادرة يقظة جديدة تنسجم تماما مع مكانة المرأة العراقية ودورها من جهة ومع مواهب وتأهب ميسون الدملوجي وقدرتها الشخصية لإشغال هذا المنصب من جهة أخرى .
لم أجد حتى الآن سببا مقبولا لبقاء أحزاب ومنظمات ديمقراطية كثيرة غارقة في صمتها وفي سلبيتها إزاء ترشيح ميسون لرئاسة البرلمان العراقي . هذا الصمت وهذه السلبية لا ينفصلان من حيث الجوهر عن بيت القصيد الطائفي والمحاصصي أو هما بأقل تقدير وبأقل الحسابات تعبير عن الخضوع اللاارادي لحالة الطوارئ الطائفية السائدة في المناصب السيادية العراقية حيث العاطفة الذكورية هي المهيمنة إلى درجة أن القائمة العراقية التي يقودها إياد علاوي طوقت قرار ترشيح ( الأنثى ) ميسون الدملوجي بترشيح عنصرين آخرين من أعضاء قائمتها هما (الذكرين ) أسامة النجيفي ومهدي الحافظ ، أي أن قرار هذه القائمة قيـّد نفسه بالهيمنة الذكورية لتجاوز عائق الترشيح الأنثوي فجاء قرار القائمة العراقية بمعادلة جديدة هي ( للأنثى حق الترشيح لرئاسة البرلمان مقابل ذكرين ) ..!
في المشهد الأخير استعدادا ليوم انتخاب رئيس البرلمان المحدد في 4 شباط 2009 نجد أن المرشحين لرئاسة البرلمان صار عددهم عشرة أسماء . تسعة من ( الذكور ) هم أياد السامرائي ، أحمد العليان ، مهدي الحافظ ، أسامة النجيفي ، محمد تميم ، عبد مطلك الجبوري ، وثاب شاكر و آخرين مقابل ( أنثى ) واحدة هي ميسون الدملوجي . هذا المشهد يشير بوضوح إلى بقاء وضعية المرأة العراقية منغلقة ولا احد من قادة الدولة العراقية الجديدة يريد أن ينفتح على تجارب شعوب العالم المتحضر التي حققت للمرأة انجازات كبرى كان رفاعة الطهطاوي أول مفكر عربي أشار إليها ونبه العرب للاستفادة منها قبل أكثر من مائة وخمسين سنة مؤكدا ارتباط قضية تقدم الأوطان بقضية تقدم المرأة .
بالمصادفة شاهدت ُ يوم 20 – 1 – 2009 حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما حيث قدم لنا نموذجا معاكسا تماما لواقع المرأة العراقية . ففي حفل التنصيب الذي شاهد العالم كله صورة (ذكر واحد ) هو الرئيس اوباما مقابل تسعة نساء ، هن : عريف الحفل كانت ( أنثى ) من مجلس الشيوخ والقصيدة الشعرية ألقتها ( أنثى ) من شعراء الحداثة الأميركية والأغنية غنتها (أنثى ) والرقصة قدمتها (أنثى) وغير ذلك من الفعاليات النسوية التي مدت ذراعيها على سعتها لتكشف لنا حقيقة الفرق بين الديمقراطية والطائفية ، بين التقدم والتخلف ، بين الموقع الحقيقي للمرأة في المجتمع الأميركي وبين الدمدمة غير الصادقة المتناثرة بعبارات عن حقوق المرأة العراقية التي تصدر في تصريحات بعض المسئولين العراقيين في المؤتمرات الصحفية والحزبية وفي الدعايات الانتخابية خصوصا .
لا بد لي أن أشير هنا إلى محاولات ايجابية أخرى قام بها بعض القادة العرب كان أولهم الملك المغربي محمد الخامس الذي ألقى خطابا عام 1947 وقفت على المنصة إلى جانبه ابنته( للا عائشة ) من دون حجاب . وقد ترك هذا المشهد أثرا مهما في مكانة المرأة العربية في ذلك الزمن ، كذلك لا بد من الإشارة هنا عن دور المرأة الجزائرية في المقاومة البطولية ضد الاستعمار الفرنسي حين ظهر اسم جميلة بوحيرد مقترنا بالنضال السياسي والعسكري . ولا بد من التذكير بالخطوة البيضاء الجريئة التي تألقت بقرار الزعيم عبد الكريم قاسم بوضع الدكتورة نزيهة الدليمي في ضوء الشمس الوزاري عام 1959 لأول مرة في العالم العربي . كما لا بد من التذكير بالدور الاجتماعي والتربوي الذي تلعبه السيدة المصرية الأولى سوزان مبارك والملكة الأردنية السابقة نور الحسين والملكة الحالية رانيا العبد الله بينما يراد للمرأة العراقية في بدايات القرن الحادي والعشرين أن تظل ربة بيت أو فلاحة أو مجرد موظفة في مجتمعنا الذي ينادي فيه قادة سياسيون عديدين بضرورة توسيع الديمقراطية والدفاع عن حقوق المرأة لكنهم يستكثرون على كفاءة نسوية عالية المستوى كالسيدة ميسون الدملوجي أن تكون متصلة بمركز من مراكز الدولة العراقية الجديدة ذي قدرة على اتخاذ قرار سياسي أو تشريعي لذلك وضعوا أمامها أغلالا كثيرة منها سياسية ومنها طائفية ومنها حزبية واضعين الاسيجة الكثيرة المتنوعة بوجه مبادرة مجموعة من المثقفين العراقيين لانتخابها رئيسة للبرلمان العراقي .
لماذا لا ينتخبون المرأة العراقية عضوا في رئاسة الجمهورية .. لماذا لا ينتخبونها نائبا لرئيس الوزراء .. لماذا لا ينتخبونها عضوا في رئاسة البرلمان مع وجود كوتا 25 % داخل البرلمان ..؟
هل ما زالت المرأة العراقية ( عورة ) يستنكفون منها رغم أنهم لا يستنكفون من وجودها ( وزيرة ) كشكل من أشكال اللمعان الديمقراطي المجرد لكنها غير قادرة على اتخاذ أي قرار سياسي يرضي ضميرها وينصر قضية بنات جنسها رغم مرور 5 سنوات على وجودها في مراكز المسئولية الوزارية التي لم تتحرر حتى الآن من الممرات الضيقة ذات الهيمنة الذكورية حتى غدت الوزيرات العراقيات جميعهن موصوفات بحب صارم للعمل وخدمة الشعب لكنهن يواجهن كل يوم نزعات التفكير الشكاك بقدراتهن من قبل غالبية المدراء والمستشارين ( الذكور ) مما حولهن إلى رابضات فوق الكراسي في انتظار اللحظة التي بإمكانهن حل هذه أو تلك من مشاكل وزاراتهن التي ظلت تتراكم فيها دون حل نتيجة تحديات الصقور الذكور .
السؤال الكبير المحاط بقضية ترشيح ميسون الدملوجي لرئاسة البرلمان هو : هل سيكون يوم الرابع من شباط زاخرا بالحركة في محيط المرشحين التسعة .. هل تنفطر قاعات البرلمان قبل انعقاد الجلسة أو خلالها لتظهر أصوات مرتفعة عالية تحمل معان عالية القيمة لوجود امرأة عراقية على رأس البرلمان العراقي .. هل ستوجد قناعة كافية لدى أعضاء البرلمان من ذوي التوجهات الديمقراطية بضرورة انتخاب ميسون الدملوجي للرئاسة ليكون هذا الانتخاب خطوة مهمة للانتقال بقضية المرأة العراقية إلى محطة جديدة تسر كل القوى التقدمية والديمقراطية في كل مكان من العالم ، أم أن هذه القضية ستواجه بنوع من التذبذب والتردد لان قيم الانتصار لقضية المرأة لم تجد الجرأة بعد على الدخول إلى عالم الديمقراطية والتقدم في عراقنا الجديد ..؟
من هنا أتوجه اليوم إلى الدكتور أياد علاوي للنهوض بمهمة إقناع احد مرشحي القائمة العراقية السيد أسامة النجيفي على جرأة اتخاذ قرار سحب ترشيحه بهدف تركيز الجهود وتكثيفها على ضمان أن يكون نجم واحد فقط من نجوم القائمة العراقية في سماء الانتخابات يوم 4 شباط .
أما المرشح الدكتور مهدي الحافظ وهو الصديق العزيز منذ أكثر من 50 عاما فأنني اعرفه الأكثر خبرة وتجربة والمتمسك بالديمقراطية من بين جميع المرشحين العشرة لكنني أرى حريتي في الحديث معه اليوم وكأنني احدث نفسي بأن يكون المساهم الرئيسي الأول في زحزحة الصخرة من أمام صعود المرأة العراقية إلى إحدى منصات القرار العراقي وأنني لا اشك في أن مثل هذا الحلم يراود الصديق مهدي الحافظ وهو الديمقراطي الأصيل مذ كان شابا في سوح النضال ضد كل أنواع الدكتاتورية وضد تهميش دور المرأة العراقية في الحياة السياسية فأرجو ان تجد مناشدتي هذه صداها في أن يكون الممر أمام ميسون الدملوجي نحو رئاسة البرلمان مدعما ومسنودا ببيان يصدر باسم مهدي الحافظ شخصيا يرسو داخل البرلمان حاثا أعضاءه على التصويت لحق المرأة العراقية .
كما أرجو أن تترامى إلى سمع السيد خلف العليان مناشدتي له بأن يرسم ابتسامة سعيدة على وجهه معبرا فيها عن مرونته السياسية في دعم ميسون الدملوجي لهذا المنصب كي يقدم لشعبنا العراقي كله مثالا ونذرا لن ينساه التاريخ .
لقد كان تاريخ العراق منذ قدمه السومري والبابلي هو من صنع الرجال العراقيين وقد جاء زمان جديد لا بد أن يؤشر عملا جماعيا إنسانيا جديدا يشترك فيها الرجل العراقي والمرأة العراقية يدا بيد لبناء مجتمع مدني حر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 29 – 1 – 2009