لماذا لم تعضد -القوى العصرية- قانون الاسرة في البحرين



حميد خنجي
2009 / 2 / 2

يرى أحد "الأنارخيين" المتميزين، الذي شاءت الظروف أن يكون ضمن النخبة المتنفّذة، العاملة في إحدى الجمعيات السياسية الديمقراطية / العصرية ؛ إن أي عضد لمشروع قانون الأسرة البحريني - قبل أوانه- من قِبَل أية قوة سياسية، كان سيحولها ( الجمعية المعنيّة المعاضِدة) إلى أضحوكة أمام الناس أو الشارع (لاحظوا الوجل من هول الشارع!) خاصة بعد أن رضخت الحكومة للقوى التقليدية/الدينية وسحبت القانون المذكور من مجلس النواب!.. كان بودي أن أناقش صاحبنا هذا وأمثاله ممن يحملون مثل هذا الرأي غير السديد، المليء بالهواجس المتأتية من نظرية المؤامرة والشر المطلق لـفكرة"الدولة"، بُغية تفتيت هذه البنية الغرائبية وتحليلها، لعلني أصل لفهم أفضل حول الجذور النفسية والتربوية والثقافية والفكرية المتحكمة في تشكيل وعي مثل هذا.. لكن هل يمكن مناقشة أو إقناع من لا يقتنع أصلا، كونه صاحبَ رأسٍ يتميز بـ "الصلابة" والهشاشة؟! لعل الطامة الكبرى أن هكذا عناصر ونُخب، الذين تستهويهم أبدا فكرة التمرد المطلق ضد سلطة أية "دولة" موجودون في جميع العصور(خاصة العصر الحديث) حيث يستلهمون زادهم "الثوري" من ذخيرة مريدي"الصرح" الفكري العدميّ القديم/ الحديث المشيد من قِبَل الفوضويّ الأكبر"باكونين"، الذي عجز شخصية في وزن "ماركس" عن إقناعه أو إقناع أتباعه وهديهم لسواء السبيل!


بعيداً –ما أمكن- عن الشخصنة وقريبا أو قُربا- ما أمكن- من مقارعةٍ لظاهرةٍ متفشيةٍ لدى "الانتلجنسيا" في بلدنا أو حتى في البلدان القريبة والشبيهة، نقصد بها ظاهرة الزعيق "الثوري" والادعاءات "المبدئية" والتمسح بمنهج العقلانية العلمية –ظاهريا- من قبل نفرٍ من "الثورجيين"/ المتمركسين ولكن عمليا وباطنيا مَثَلُهم كمثل من ظل سبيله وفقد التواصل السوي مع حركة الواقع العصيّ على الإدراك السطحي، ناهيك عن العجز التام للتمكن من ناصية قوانين علم الجدل، المتحكمة في حركة الواقع الموضوعي في المجتمع البشري، الذي بدونه (التمكن من تلك القوانين) لايمكن لكائنٍ مَن كان، مهما بلغت درجة إخلاصه لمُثله العليا، أن يستطع إدراك ما يحدث أمامه من أحداث ووقائع ملتبسة ومتناقضة تتفاعل على مسرح الحياة الاجتماعية المعاصرة!


من هنا نستطيع تفسير سرّ اصطفاف أسراب من "العلمانيين" والعصريين مع الماضويين/التقليديين ووقوفهم في خندق واحد معهم ضد الدولة وخطتها في كل شيء، حتى لو صبت شذرات بسيطة من تلك الخطط الحكومية في مصلحة العصرنة والتنوير. لعل القصور النظري الذي يعاني منه هؤلاء - ضمن قصور عديدة- هو فهمهم العدميّ لنظرية "الدولة"، الأمر الذي يفسر مواقفهم السياسية الملتبسة والمتسمة بالعدائية المطلقة ضد الدولة، حيث يشكل ذلك الفهم النظري القاصر بمثابة المحرك والحافز لتلك المواقف الغريبة والمغلوطة لفهم حركة الواقع من حيث ضرورة التعامل السليم معه كما هو وليس كما نريده أو نبتغيه أن يكون، وما يتلو ذلك من الإتيان بهذه أو تلك من التكتيكات السياسية الصائبة (ما أقلها) والخاطئة (ما أكثرها). أضحى بإمكان المرء رصد تلك الرؤى والمواقف السياسية العملية وتقسيمها إلى موقفين متناقضين .. فهناك موقفان سياسيان يطلان برأسهما في مجتمعنا فيما يتعلق بأصل اللعبة السياسية وأصولها المتمثلة في كيفية التعامل الأمثل مع خطط الحكم والمخططات الحكومية واتخاذ الموقف السليم من النظام السياسي برمته :

• موقف عقلاني.. غير سائد / غير ظاهر على السطح، قد يمور في حنايا الأغلبية الصامتة، غير مُفعّل بعد

• موقف غير عقلاني.. عاطفي/ فوضوي/ عدمي/ أبيض أو أسود، سائد / ظاهر على السطح، وقوده الطائفية البغيضة، من أيما جهأتت



لهذا يجب أن نعرف سبب عزوف الجمعيات الديمقراطية، المؤيدة للحركة النسوية –ضمن منهاجها وبرامجها-عن تبيان موقفها الواضح والصريح من هذا المشروع اليتيم والمحاصر(قانون الأسرة) وترددها في عضدها له –عمليا وجهارا- خوفا من قوة "الدهماء" وهيجان "الشارع" وعقابه لها من مغبة إن هي بدت وكأنها مصطفة مع الحكم في أي شان مهما صغر . وخشية من هول "الانزواء السياسي"، إن هي ترددت في غزل قوى "الإسلام السياسي"، التي جاهرت على الملأ - بكل صلافة- عن وقوفها الواضح ضد أي حدّ من الهيمنة والتحكم الذكوري والأبوي/البطريركي في المجتمع أو أي حل (ولو جزئي) لمشاكل المرأة والأسرة، المتراكمة كجبلٍ من المشاكل الاجتماعية/النفسية التي ترزح تحت وطأتها وتئن ليست نساؤنا وأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا فحسب بل الرجال أيضا! فسياسة مراضاة القوى والأفكار التقليدية والرجعية، التي تنتهجها القوى الديمقراطية والعصرية هي سر مقتلها وضعفها الحالي والمستقبلي، متناسية جدوى الصراع الفكري وضرورته مع القوى المعادية للتقدم والعصرنة وخاصة فيما يتعلق بتقدم المرأة، المرتكز الأساس لانبعاث الفكر الديمقراطي/العصري وتراجع الفكر الاستبدادي/التقليدي



حقا أن الأضحوكة الكبرى أو المضحك المبكي أن تتعشعش عناصر يلبسون القناع الزائف للتقدم والأفكار العصرية وحناياهم ملأى بالتطرف والانفلات وعدم التوازن السياسي، والأدهى أنهم يدعون أنهم من قلب اليسار البحريني، الذي اشتهر تاريخيا باعتداله وحلمه وحكمته وعقلانيته وواقعيته في تعامله مع حركة التاريخ في البلد. لقد بلغ السيل الزبى من السياسة الرعناء التي يقوم بها نفرٌ من مدّعي أهل اليسار وحان تنظيف بيتنا اليساري الداخلي - اليوم قبل الغد - حتى لا يحاسبنا التاريخ غدا إننا لم نبادر في الوقت الصحيح. كم نحن في حاجة إلى بذل جهود وطاقات جبارة لتغيير هذه الثقافة الفكرية السياسية السائدة والمدمّرة، التي تتحكم في هذا الكم الهائل من المنغصات والشحن والتصعيد من خلال جهود وطاقات تذهب هباء منثورا، بلا أي مردود حقيقي، عدا إشباع الغرائز النفسية وتحقيق الذوات المريضة !



فمنطق هذه الفكرة الجنونية يدّعي أن ما أتي ويأتي من الحكم/ النظام سيكون مرفوضا ومضراً بالضرورة! فالمطلوب- حسب ادعاء أخينا وأمثاله- عدم الثقة بالإطلاق في هكذا نظام، وكأنه الأسوأ في المنطقة! .. متناسين أن النظام البحريني كونه نتاج منظومة عربية إسلامية تاريخية/ جغرافية، تتحكم في تركيبتها عوامل موضوعية/ ذاتية، خارجية/ داخلية، ولو أنها تظل (تلك العوامل) خارج نطاق الفهم والقبول من قِبَل الموتورين السياسيين وهو- بالضرورة- كأي نظام لابد أن يتناغم مع العصر ويستجيب –إيجابا أو سلبا- للقوى الضاغطة، سالكاً طريقه التدريجي والمعقّد في عملية الاتجاه نحو الحداثة والعصرنة والتنوير، وان كانت المسيرة وئيدة مملة لايتحمل بطء وقعها المستعجلون من أمرهم الذين يهفون لتسجيل انتصاراتهم الوهمية وتحقيق ذواتهم العليلة ورؤية مجدهم الشخصي وهم أحياء !