خنساء العرب الجريحة



إبتهال بليبل
2009 / 2 / 12

لن أُنظم لنساء غزة ملحمة رثاء بأزميل السجع والجناس ، ولن أفجر كلماتي قنابل مسيلة للدموع على محنتها ، فكثيرة هي محن النساء العربيات ، وما مر للمرآة الفلسطينية من مصاب وأوجاع لم يكن بعيداً أو غريباً عن المرآة العراقية ..
ويحضرني اليوم المثل الشعبي الذي يقول ( اللي فات مات ) ، فهناك الكثير من يسمع عن محنة المرآة الفلسطينية في غزة ليقول ( أن الذي فات مات ، ولتحاول أن تنسى ) .. أحقاً ( فات ومات ) أبناءها الذين استشهدوا هناك على تراب غزة ، أحقاً فات ومات وذلك الدمار في الشوارع ، أحقاً فات ومات وجثث أطفالها مشتولة هناك ، وهل يمكن أن تموت دون أن تنبت في الموسم القادم ( موسم الحروب القادمة ) ، ومن قال أن أطفالنا الذين قتلوا يموتون ، أنهم ولدوا من رحم الموت ، ومن قال أن الأم تفوٌت وتنسى لتموت ذكرى أبناءها ...
حرب غزة البشعة ، والدور الخنسائي الذي قامت به المرآة الفلسطينية ، وكيف أن القهر يأكلها لأجل أبناءها ، وقد نسفت أحلامهن وآمالهن الصواريخ والقنابل واحدة تلو الآخرة ، ترتدي السواد وتشبك ذراعيها وتسير في مواكب الحزن المفجعة ، لتختلط الدموع بشهقات ألام والزوجة بفقدان الأعزاء ...
فالمرآة جاءت إلى الكون حاملة رسالة حافلة ومتعددة الأهداف النبيلة لتجدد حياة الآخرين بالآمل ، ولكن ماذا نقول عن فقدانها لأبنائها في تلك الحروب القاسية ، هل ستبقى كما كانت حاملة لتلك الرسالة ؟؟؟ أم أن رحيل الأعزاء يشل منطق العقل أمام حسرة الفؤاد ، ويندحر الآمل أمام نزف الأعماق وتظل مختبئ تبكي بيأس ...
" يقال أن المعجزة ليست أكثر من الجنين الغريب الذي ينمو في رحم اليأس ، ثم يولد على غير توقع من أحد ليضحي جزءاً من الأشياء ، تبدوا ثمة ناقصة من دونه " ، يُخيل إلي أحياناً أن المرآة هي ذاك الخيط الشفاف والمتين كالفولاذ ، فلو حاولنا الدخول إلى دهاليزها المنفتحة على دهاليز والتي تقود بنا إلى المزيد من الدهاليز في حجرات نفسها وتكوينها وعلاقتها الإنسانية ، وحبها المعطاء وصبرها اللأ محدود ، نكون قد قمنا بالإجابة على كل سؤال يتقافز إلى أذهان المستغربين من حال المرآة ، وتحديداً ( العراقية والفلسطينية ) ، وكم نشعر بالفخر ونحن نتأمل طاقتها اللا منتهية على الصبر وتكرار محاولة الوقوف أثر كل سقطه في بئر الأوجاع ، ورغم كسورها النفسية كلها ، ألا إنها تُصر على ترميم ذاتها في كل مرة ، بل توظف هذه الكسور لصالح العطاء الذي في داخلها ....
كم هو جميل أن تحب المرآة التحدي وتحب كلمة لا بقدر حبها لكلمة نعم ، ما دامت تقولها بصدق وثقة ، وكم هو رائع أن تحب وقفة الاعتداد والتصميم رغم كثرة راجموها بحصى الحزن والألم ، فأن تحدي الحزن هو التضحية التي لا بد منها لكل من يمتلك قيم ومبادئ ، وأعلمي يا صابرة أننا نعيش في مجتمع طيبتهُ لا تخلو من قصر النظر وحب الذات ، والحياة تحب التجديد ونحن نساء العصر ، فلا بد أن لا نكون نساء الضحية اللواتي يدفعن ثمن المخاض حيرة وألماً ، ولا مفر ألا لنا أن نكون أمهات ونلد الأجيال وننكوي بنار الوجع عليهم ...
وفي خضم معركة الوجودية هذه لفتت أنظاري المرآة الفلسطينية وهي تقف وقفت تحدي رائعة حاملة جثت طفلتها وبجانبها زوجها يصرخ من الألم على استشهاد الطفلة وهي تحاول تهدئتهُ وتصبيرهُ بهذا المصاب ، وكم أعجبت بهذه المرآة والتي لا يسعني ألا أن أصفها بالخنساء ، نعم أنها الخنساء ، أنها توجت قناعتها ، وأدت عملها لأحد طقوس العبادة الحقيقية ، وظلت مصرة على أن تخوض معركتها ضد ألانهزام واليأس ...
حتماً أن الأحاسيس في أعماق المرآة تدور في نفس الحلقة وتمتزج البداية فيها بالنهاية ، وألا لما أنعكس ذلك على تاريخ المرآة الإنساني ، ولما كانت قافلة النساء هكذا ، إذن فلماذا يدهشنا دورانها حول نفسها في تلك الحلقة من مشاعر الإنسانية ..