نعم لمفاخذة الرضيعة



بكر أحمد
2009 / 3 / 6

كالعادة ومن جامعة الإيمان تخرج ما تسمى بفتوى دينية تحرم تحديد سن الزواج للفتاة لأن ذلك _ حسب رأيهم _ مخالف للشريعة الإسلامية و للدستور اليمني ، وتطالب هذه الفتوى التي لا تخلوا أيادي الزنداني منها بعدم تحديد سن الزواج وترك الأمر مفتوحا دون أي قيد أو ضابط ، والأخطر من ذلك أن مجلس النواب سيناقش هذه الورقة ليعيد النظر في سن زواج الفتاة بعد أن تم تحديده بـ17سنة نزولا عند طلب بعض من يرى أن طراوة الفتاة ولذة تذوقها يكون قبل السن المحددة سابقا بكثير .

لا يخلوا الأمر بتاتا من رؤية جنسية محضة خالية من أي بعد إنساني ، وإلا ما هو الضرر الذي سيعود على رجال الدين لو تم تحديد سن قانوني للزواج لأسباب كثيرة منها طبية وجسدية ونفسية وثقافية ، فخطورة الأمر في تلك الفتوى يكمن في أنها لا تريد تحديد أي سن للفتاة ، مما يعني أنه يمكن الزواج بها وهي رضيعة وهو احتمال قاسي ومؤلم خاصة إذا تذكرنا أن الخميني لم يصدر فتوى بهذا الأمر وكان أكثر رقة منهم إذ أجاز فقط مفاخذتها تقديرا لصغر سنها ،وربما يستدرك أصحاب الفتوى اليمنية ويظهروا بعض الرقة بطلب شفوي بأن من يتزوج فتاة صغيرة عليه أن يبقيها لديه في البيت ولا يقربها حتى تصير في التاسعة من عمرها ، فالإسلام دين رحمة !

حاولت كثيرا أن ابحث عن الضرر الذي سيلحق بالشعب اليمني وبدينه وبتقاليده لو تم تحديد سن قانوني للزواج ، بل وجدت في ارآء وأبحاث دينية وصحية تذهب نحو ضرورة تحديد هذه السن وأن هذا لا يتنافى إطلاقا مع الدين ، لأن أي دين لا يستطيع أن يستوعب التقادم الزمني والتطور البشري هو دين جامد ،وهنالك فعلا من يحاول أن يصور الإسلام بصورة سيئة وكأنه يقف دوما ضد المرأة وأقل حقوقها الإنسانية ، الأمر برمته خاضع لرؤية دينية أحادية يريدون وبدون أي حياء فرضها على الجميع ، فسحب رأيهم _ وأصر هنا على انه مجرد رأيي خاضع للنقد والرفض _ أن الإسلام لم يحدد سن قانونية للزواج ، غافلين في نفس اللحظة أنه أيضا لم يحرم تحديد سن معينه ، أنها من الأمور المتروكة للبشر في تقييمها وتحديد مصلحتها ، أما مرجعيتهم في ما قام به النبي محمد من الزواج بعائشة بسن مبكر فهذا لا يعني انه هنالك حث أو ترغيب بمثل هكذا عمل بل كانت رؤية اجتماعية وسياسية فرضت هذا الأمر كما أن طبيعة تلك الأوقات تختلف جذريا عن الوقت الحالي من حيث البيئة والصحة والثقافة السائدة ، أن محاولة إسقاط زمن واحد وفترة معينة على كل الدهر وإلى ما لا نهاية هي محاولة بائسة تجعل من الحياة تكرار جامد لا يقوى أبدا على خلق ما يساعد على التقدم .

إذا هي جامعة الإيمان تلك الجامعة التي تثبت يوما بعد يوم مدي خطورتها على المجتمع اليمني وكيف أنها تحاول جاهدة نحو ترسيخ كل ما هو متخلف بدءاً من الوضع السياسي حتى تثبيت الطبقية والأحادية الدينية المذهبية و الذكورية على هذا الشعب الذي مازال _ بسبب أميته وتقاليده _ يكن الكثير من الاحترام لأي رجل دين لمجرد أنه ملتحي ويحفظ بعض من الآيات القرآنية .
الأمر ليس بالهين لو تم فعلا تمرير رغباتهم العوجاء والغير منطقية ، لأنه متعلق بنصف الشعب اليمني وجعله سلعة جسدية وجنسية قابلة للبيع والشراء منذ نعومة أظافرهم مما يعني الحرمان من طفولة وحياة مستحقة وتعليم وصحة جسدية ونماء فكري وثقافي ، إنها تعني وبكل اختصار حق الإنسان بقضاء فترة معينة من عمره لا يحق لأحد أن يحرمه منها ، وأن قال قائل بأنه هنالك أسر قد ترفض تزويج بناتها في سن مبكرة ، فسيكون مقابل تلك الأسر ملايين الأسر وممن يعيشون في الأرياف ذريعة قوية نحو استمرارهم في تزويج أطفالهم في سن الخامسة والسادسة خاصة إذا كانت هنالك فتوى دينية تحثهم على مثل هذه الأعمال وتخبرهم بأنها أعمال قد يكتسبون من خلفها الأجر وأنهم وبتزويج أطفالهم سيدخلون الجنة وأن هذه الأعمال هي نصرة للإسلام وللمسلمين .

نقر أننا في مجتمع جاهل وبسيط ، كما أن المجتمع الجاهل ينتج رجال دين جاهلين وسياسيين جاهلين ومثقفين جاهلين ، لأن كل تلك العينات خرجت من رحم مجتمع واحد ، مما يجعل عملية تشكيل هذا المجتمع هي عملية بسيطة وسهلة ، فكيف الحال إذا كانت أدوات هذا التشكيل هي أدوات دينية يملك مفاتحيها رجال دين كهيئة الزنداني وجامعته التي تقوم بتفريغ الآلاف من الشباب سنويا لينشروا بين المجتمع كل ما تعلموه من تلك الجامعة المتشددة والمتطرفة دينيا ، ثم والأهم من كل هذا أين هو الصوت المدني والمنظمات النسوية أمام قضية خطيرة بهذا الشكل ، وما الذي يشغلهم عنها ، ولماذا دوما صوتهم نخبوي لا يختلط بملح الأرض من البسطاء نحو نشر الوعي الأساسي المتعلق بأقل حقوقهم .

وحتى لا يأتي زمن نرى في مضاجعة الرضيعة عمل ديني ومحبب ، وحتى لا نحرم أطفالنا حقوقهم في العيش كما أرادها لهم الله ، أتمنى أن يسقط مشروع تلك الفتوى الغير إنسانية وأن ننتصر ولو مرة لأنفسنا .