هلوسات.. بمناسبة يوم المرأة



إكرام يوسف
2009 / 3 / 14

فتاة مليحة في منتصف العشرينيات دقت جرس الباب، حاملة قواميس كنت طلبتها من مكتبة شهيرة. لم أستطع أن أخفي انزعاجي، وبقلق الأم طلبت منها ألا توصل طلبات إلى المنازل بعد ذلك. قالت إنها الضرورة، وهي لا تستطيع أن تستغني عن وظيفة البائعة التي وجدتها أخيرا، بعدما فشلت في الحصول على عمل في تخصصها؛ كحاصلة على بكالوريوس علوم ـ قسم كيمياء!.. تذكرت صديقة حكت لي قبل فترة أن ابنتها المهندسة تركت مكتب الديكور الذي تعمل به واضطرت للبقاء في البيت بلا عمل، بعدما اكتشف أحد زملائها أثناء عبثه بجهاز كمبيوتر المدير، أن الأخير يقوم بتصوير الفتيات العاملات في المكتب بكاميرات خفية ويحتفظ بصورهن على الجهاز!.

تذكرت أيضا حالات نساء يتعرضن لأهوال كل يوم من أجل تدبير لقيمات يقمن بها أود الأبناء. ناهيك عن أمثلة لا تحصى لمن يتحملن حياة لا تمت لحقوق الإنسان ـ أو حتى حقوق الحيوان ـ بصلة؛ تضطر الواحدة منهن لتحمل سفالات وقسوة زوج مدمن أو ساد، لا لسبب إلا لضيق ذات اليد. ومؤخرا، سمعت واحدة تقول في برنامج تليفزيوني إنها وبناتها تحملن تصرفات زوجها الوحشية من ضرب وإهانات، بل وانتهاك أعراض بناته لأنهن في بيته يجدن على الأقل مكانا للمبيت ولقمة تسد الجوع!.. تذكرت أيضا الفتاة التي تعرضت للتحرش وعندما ذهبت تشكو في القسم لم يرحمها ضباطه وتعاملوا معها كفريسة، ناهيك عما نسمعه كل يوم عن نساء يتعرض للإيذاء من أفراد الشرطة نكاية في ذويهن الهاربين.. تذكرت كل ذلك في اليوم العالمي لتحرير المرأة، وحرت بأي وجه يمكن أن أهنئ صديقاتي وزميلاتي بالمناسبة؟ ..قلت لنفسي ربما لا تكون المناسبة تستحق التهنئة، بقدر ما تستحق البحث في أجندة تحرير المرأة، أو ما تطلق عليه المؤسسات النسوية والمؤتمرات الخاصة بحقوق المرأة منذ فترة، "تمكين" المرأة! وهو على أي حال تعبير لا أستسيغه ولم أجد حتى الآن ما يدعوني لتصديقه؛ فكل ما نسمعه عن جهود المنظمات المعنية بحقوق المرأة لا يخرج عن قضايا الختان أو التحرش، أو الزواج المبكر. وهي قضايا، رغم أهميتها إلا أنها ـ في رأيي المتواضع ـ تهتم بعلاج الأعراض ولا تنشغل كثيرا بالمرض نفسه. وتحدثني نفسي الأمارة بالسوء دائما، أن المسألة تتعلق بالتمويل الأجنبي لمثل هذه الجمعيات. فالمانحون الأجانب ربما لا يعرفون كثيرا عن المشكلات الحقيقية للمرأة المصرية؛ وربما يعتقدون أن إنفاق الأموال على بعض حملات ومؤتمرات التوعية، قد يساعد على "تمكين" المرأة، ويدفع عنها خطر الختان والتحرش والزواج المبكر. لكنني أعتقد أن النشطاء المصريين القائمين على هذه الجمعيات، يعرفون تماما حقيقة المرض؛ وإنه لا يتعلق بانعدام حرية المرأة وإنما بانعدام حرية المواطن في ظل هذا النظام . فأي حرية يمكن أن يمارسها من لا يجد حقه في التعليم أو العلاج أو السكن؟ وما هي حدود حرية من لا يجد فرصة عمل تضمن له الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟ أو من تضطره الظروف لبيع أعضاء من جسده حتى يسد رمق أبنائه؟ أعتقد أن على جمعيات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة أن تعيد النظر في أولوياتها، وأن تدرك أنها لن تكسب مصداقية، طالما تدور في فلك أولويات المانحين ولا تبحث في جذور المشكلة.. المرأة يا سادة لن تتحرر طالما لا تشعر بالأمان المادي والمعنوي في لقمة عيشها ومأواها.. إذا أردتم تحرير المرأة حقا، فلتعملوا على المطالبة بحق المرأة (والرجل) في وطن يتمتع أبناؤه بالعيش الكريم أولا.. دافعوا عن حق البنت(والولد) في الحصول على التعليم بناء على المهارات الخاصة وقدرة الاستيعاب وليس القدرة المادية. وطالبوا بحق الفتاة (والشاب) في فرصة عمل كريمة وفق ساعات عمل محددة وتأمينات اجتماعية وصحية مضمونة. طالبوا بحق المرأة (والرجل) في توزيع عادل لثروة البلاد. باختصار؛ لا معنى لتحرير المرأة في وطن ليس حرا.
• خير الكلام: اقترح الصديق الكبير الشاعر زين العابدين فؤاد، إعلان 9 مارس، يوما للمرأة المصرية والعربية، تخليدا ليوم خروج المرأة المصرية، قبل تسعين عاما، للشوارع تتحدى الاحتلال البريطاني مع اندلاع ثورة 1919، وأرى أنه بالفعل أولى من 8 مارس الذي لا يخصنا.