غارة نسائية : لسنَ عوانسَ .. إنما أنتم (عانسون)!!



اسماء محمد مصطفى
2009 / 3 / 14

نظرة ضيقة .. تلك التي ينظرها الكثيرون في مجتمعاتنا الى المرأة التي فاتها قطار الزواج، وجاوزت بإعتقادهم السن القانونية للزواج ! فهي متهمة من قبلهم بـ (العنوسة) وكأنها عيب أو حرام أو نقيصة!! مع إنها غير مسؤولة عن أسباب تأخر زواجها .
هذه النظرة جعلت العنوسة ( مع تحفظي على هذه المفردة ) كابوساً في نظر الكثيرات، فأثقل صدورهن بالحسرات لأنّ إلتصاق هذه التسمية بهن يعني – وكما يظن الآخرون – إنّهن غير مرغوب بهن من قبل الذكور .. وهذا التصور السطحي يجعل بعضهن يشعرن بالنقص، فتظل عيونهن تترقب ذلك القطار الذي فاتهن عسى أن يغير إتجاهه ويعود ليحملهن معه. وإزاء هذا التصور المريض والقاصر لابد لنا أن نقول :
جميعنا يعلم الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة ، وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والكثير من المداخلات الإجتماعية وغير الإجتماعية ، والحروب التي مرّ بها بعض البلدان كالعراق الذي عانى ظروفاً غير طبيعية على مدار عقود من الزمن ، ومازال ، وجميعنا يعلم إنّ هناك دعوات فردية لعلاج العنوسة مع إقتراح بعض المعالجات التي يرى البعض إنها مناسبة لإحتواء المسألة ، بينما يرى البعض الآخر إنّ جزءًا من تلك الحلول غير واقعي أو غير إنساني . وفي كل الأحوال لم تتحرك الحكومات لعلاج الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد آخر .
وقد يطول الإنتظار قبل أن تكون هناك حلول عملية على أرض الواقع ..

ولأننا لانريد أن نكرر ماذهب اليه الآخرون من حلول ومقترحات ، نطرح السؤال الآتي :

ـ ما العمل حتى يحين وقت الحلول العملية فعلاً ؟

العمل يتعلق بالجانب المعنوي الإعتباري للفتاة العازبة ، حيث يفترض بالمجتمع أن يخفف عنها ، لا أن يرمقها بنظرات توحي لها إنها ليست إلاّ فتاة مسكينة ، أو يُسمعها الأهل والغرباء كلماتٍ تثير الشفقة عليها .
ألاتجدون معنا إنّ من الإنسانية والواجب الأخلاقي زيادة ثقة الفتاة بنفسها ومساعدتها لتفهم إن عدم حصولها على زوج لايعني إنها غير مرغوب بها أو إنّ فيها نقصاً .
وحتى تحين فرصة زواج ملائمة ، فإنّ من المهم أن تتجه الفتاة الى إشغال نفسها بالعمل النافع وبأمور مجدية تزيد من ثقتها بنفسها وتشعرها بإنها إنسان كامل وتجعل أسرتها تفخر بها ، كأن تمارس الهوايات النافعة بدلاً من تضييع وقتها في الإنتظارات والتساؤلات المريرة والأفكار السوداوية .

ثمة نقطة أخرى :

حينما يظن ضيقو النظر إنّ هذه المرأة أو تلك أصبحت عانساً لأنّ أحداً لم يطرق بابها!! لماذا يفوتهم إحتمال آخر هو إنّ المرأة ربما تكون قد أختارت العزوبية بنفسها لأسباب شتى منها أن لايكون بين خطابها من يلائمها إجتماعياً أو نفسياً أو فكرياً أو أخلاقياً.. الخ؟
ولماذا لايظن سطحيو النظرة إن ّهذه العازبة على درجة عالية من الوعي تجعلها ترفض الزواج للزواج فقط ، إذ ترى في هذا الإرتباط المقدس مؤسسة حياتية لابد أن تقوم على أسس سليمة ومتينة ، في مقدمتها الإختيار الصائب كي لاتنهار هذه المؤسسة يوما ً ما؟
بيد إنّ بعض بنات اليوم يتعلقن بأول فرصة زواج مضمونة عملاً بالمثل القائل :
( رجل في اليد خير من أشباح عشرة في المحطة ) !!
على غرار : (عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة) تحوطا ً من إحتمال أن لاتأتيهن في الغد فرصة أخرى، ومن غير أن يسألن عن مدى التوافق مع الشريك من عدمه ، ذلك إنّ المهم عندهن هو إرتداء الفستان الأبيض والتباهي بإرسال شبح العنوسة الى المقصلة ..
أما المرأة الواعية ، فتفضل تأخير زواجها على أن تتورط في زيجة قد تفشل من جراء العجلة والإختيار العشوائي ، إذ إنّ الزواج غير المدروس يؤدي بالمرأة الى الفرار من مفردة عانس ولكن لتقع في براثن تسمية أخرى كأن تكون مضطهدة أو مقهورة أو مستعبدة أو فاشلة أو مُطلقة.
كما لانغفل النظر عن رفض بعض العازبات الإرتباط برجل متزوج لاسيما إذا لم يكن ميسور الحال ، حيث تجد المرأة نفسها في زواج كهذا تنفق على نفسها ومن ثم على أطفالها وتدفع الإيجار وغير ذلك ، لأنّ الزوج لايكفي راتبه أو دخله المالي إلاّ لمعيشة أسرته الأولى ، إلاّ باستثناءات قليلة .
ومع إننا لسنا ضد أن تُعين المرأة زوجها ـ لاسيما إنّ الكثيرات يتحملن مسؤوليات أكبر مما كان عليه الأمر في السابق ـ لكن ليس الى درجة أن تتكفل هي بكل متطلبات حياتها الأسرية ، ليظلَ هو مجرد ( ظل رجل ) لاأكثر ، كظل الحائط !!!!

لا يعني ما نذهب إليه هنا إننا نحرض الفتيات على العزوبية ، بل إننا ننطلق في حديثنا هذا من نظرة موضوعية مادامت الحكومات عاجزة أو غير جادة لتبني الحلول كتسهيل زواج الشباب من خلال القضاء على البطالة وتوفير السكن ومستلزمات الزواج الأخرى ، لذا نلجأ الى أضعف الإيمان وهو التنبيه الى أهمية النظر الى العنوسة بموضوعية عميقة بعيداً عن القناعات الخرقاء، فلا نتصور العنوسة عيباً بحيث تُرمَق العازبة بنظرات الشفقة أو الإنتقاص ، إذ لايُشترط في العانس أن تكون إمرأة فاشلة بل على العكس قد تكون المرأة الناجحة محسودة من الرجل، فلا يتقدم للزواج منها حتى لو أعجبته مفضلاً الزواج من أخرى أقل شأنا ً منها ومنه! .. هذا هو صنف من الرجال تقابله المرأة الناجحة عبر حياتها مثلما هناك صنف من الرجال الذين لايعانون عقدة إستضعاف المرأة ، بل يفضلون الناجحة ، ويتقدمون لخطبتها، لكنها قد لاتجد في أيّ منهم زوجا ً يناسبها – وكما ذكرنا آنفا ً ، وربما تكون هناك عوامل أخرى أسرية أو خاصة بها تؤدي الى تأخير زواجها ، وقد تجد مَن يلائمها ، فتحلِّق معه الى عش الزوجية .

إذا ً .. ياضيقي النظر ( من أفراد المجتمع ، ممَن لايتركون الناس وشؤونهم ) إذا كنتم ترون العنوسة نقيصة، فإننا نقول لكم إنّكم أنتم (العانسون) بأفكاركم المظلمة. وإذا فاتكم القطار.. لاتحزنوا .. بل تمتعوا ( بعنوسة سعيدة لعقولكم ) في محطات الإنتظار!!