زواج الصغيرات.. خطر يهدد حياتهن ..



حنان محمد فارع
2009 / 3 / 14

بعد قراءتي خلال الأيام الماضية أخبار الجدل المثار بين أعضاء مجلس النواب بشأن وضع وتحديد السن القانونية المناسبة للزواج ما بين المؤيدين والمعارضين له، تذكرت موقفاً قد مر عليّ مسبقاً أثناء وجودي في إحدى المؤسسات المختصة بشؤون المرأة..

إذ دخلت شابة صغيرة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، وكان بادياً عليها ملامح الحزن والتعب والشقاء كأنها تعاني مشكلة ما، عرفت أنها ضحية أخرى من ضحايا جريمة الزواج المبكر وما ترتب عليه من تبعات خطيرة قد تحملتها هذه الصغيرة لوحدها.

اضطرّت مرغمة من ولي أمرها في سن الحادية عشرة على ترك الدراسة ليتم تزويجها من قريب لها يكبرها بالعمر بسنوات عديدة، وكان الدافع وراء هذا الزيجة هو المال، حيث تم اقتيادها عبر وليها إلى مقبرة تدعى (زواج) هناك دفنت براءتها ووئدت أحلامها الصغيرة في اللعب بعروستها والحياة الصاخبة المليئة بالقفز والجري والمشاغبات والمرح.

ولأن تكوينها الجسدي لم يكتمل بعد تعرضت الطفلة الصغيرة للإجهاض مرتين متتاليتين، ولم تستطع أن تتحمل حملها كاملاً، ففي المرة الثانية أصيبت بالتسمم الحملي وكادت أن تفقد حياتها وتم استئصال رحمها خشية من حمل آخر قد يودي بحياتها، وهكذا فقدت إلى الأبد أعذب كلمة تتمنى سماعها كل فتاة (ماما) وفي نهاية الأمر سيقت إلى مصيرها المحتوم وهو الطلاق.

شيء مؤسف ما حدث بحق هذه الصغيرة وغيرها من صغيرات اليمن من ظلم اجتماعي تحت مسمى «زواج» في سن لا تمتلك الطفلة النضج الكافي لبناء عائلة والقدرة على تحمل مسؤوليات الزواج وما يترتب عليه من تلبية احتياجات الزوج وأعباء البيت والحمل والولادة وتربية الأطفال.

في حين لا تستطيع بهذا العمر الصغير التمييز بين الصح والخطأ، والخير والشر، وهي مازالت بحاجة إلى التربية، فلا استوعبت كيف يمكن لطفلة فجأة القفز من عالمها وهي غارقة في أحلام الطفولة وتتحول إلى وعاء للجنس والحمل وأن تقسم وقتها بين طفولتها وحياتها الجديدة (حياة الكبيرات) .

إن الظلم الاجتماعي حرم الصغيرات من استكمال دراستهن وتعلم مهارات الحياة بشكل عام، وفقد المجتمع المعلمة التي تنير العقول، والطبيبة التي تفيد بني جنسها، وارتكب بحقهن جريمة يرفض البعض حتى الآن إيقافها.

لاشك أن الزواج يُشكّل استقراراً نفسياً وعاطفياً واجتماعياً، والمحير في الأمر هو: هل الطفلة الصغيرة ستتمكن من تحقيق هذا الهدف المنشود من الزواج؛ في حين لم يكتمل نضوجها العقلي والنفسي والجسماني؟!.

حيث يعتبر التكافؤ في العمر شرطاً صحياً واجتماعياً لنجاح أي زواج ومثل هذه الزيجات غير متوازنة، وتفتقر الحياة الزوجية المعنى الحقيقي للمشاركة وتجعل من الطفلة مجرد سلعة أو جائزة يحصل عليها من يدفع ثمنها لا أن تكون شريكة حياة ومصارعة للشدائد لبناء أسرة ناجحة.

هناك أمور تتغير بصفة مستمرة، وثقافة الأمس الناتجة عن قلة الوعي لدى أفراد المجتمع عن مساوئ الزواج المبكر وأضراره على الفتاة الصغيرة اجتماعياً ونفسياً وصحياً لم يعد العمل به صالحاً، ويتوجب بتر هذه العادة السوداء وتصحيح الفهم الخاطئ لموقف الإسلام.

فلم يرد أي نص لإباحة مثل هذا الزواج، كما أن زواج الرسول من السيدة عائشة أمر لا يجوز القياس عليه، ولم نعرف أن الرسول الكريم طلب القياس عليه وأباح تزويج الصغيرات قبل البلوغ .