الابداع النسوى فى السودان



منال حمد النيل
2004 / 4 / 3

منذ اربعينيات القرن الماضى . اخذ الصوت النسوى فى الكتابة الابداعية , يعلو ويرتفع محاولا ان يفسح لنفسه ازاء هيمنة الرج على مشهد الكتابة . ومثلت قصة ملكة الدار محمد عبد الله , التى فازت بالمرتبة الاولى فى المسابقة التى اجرنها اذاعة ام درمان سنة 1947نقطة البداية لانطلاقة المراة السودانية الكاتبة .
لقد ارتبطت المراة فى السودان الى وقت طويل بالشعر , فنجد ان الشعر الشعبى الذى كانت تلقيه ( الحكامات )الى وقت طويل ظل يؤدى دور التعبئة العامة , لطاقات المجتمع البسيط , بانشطته المختلفة , وبهذا المعنى مثلت الشاعرة الشعبية ( الحكامة )فى ذلك الوقت دور جهاز الاعلام . .. ولذلك فى مسيرة الابداع النسوى الطويل . مثل اهتمام المراة فى السودان بمجال الكتابة القصصية , واحدة من حلقات اتصالها بابداع المراة السودانية فى مجال السياسة والاقتصاد والمجتمع ..
ومنذ ثلاثينيات القرن الماضى ( ذروة معركة المراة فى سبيل حقها فى التعليم )وحتى الان , خاضت المراة فى السودان صراعا قاسيا ومريرا , انعكس على كتاباتها . التى تجلت عن انسانه مقهورة , فى عالم قاهر , يهيمن عليه الرجال , وظلت كتابة المراة احد اهم التعبيرات , عن نضالها منذ الاربعينيات عبر_( الاتحاد النسائى) و(جمعية المرشدات ), حيث انتج الواقع الصراعى الذى ظلت تعيشه المراة , اسماء لامعه مثل فاطمة عبد الرحمن التى كانت تنشر انتاجها الادبى والفكرى فى( مجلة الفجر )التى كانت تصدر فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى ..يقول الاستاذ معاوية البلال بالاحالة لمنير صالح عبد القادر :انه بتكوين الاتحاد النسائى وجمعية نهضة المراة , وجدت الفتيات فرصة مواتية للتعبير وابداء الراى فى شتى المواضيع فى الصحف التى ازرت النهضة وشجعتها , وافسحت لهن مجال النشر ..على اقتضاب للمطالبة بحقوقهن ولمعالجة المواضيع الاصلاحية , التى تتعلق بهن والرد على اولئك الذين راوا فى نهضة المراة وتكوين اتحادها وخروجها للمجتمع مع الرجل نكسة اخلاقية ضارة ___وقد افرز الصراع بين قوى التقدم التى تساند المراة وقوى التخلف التى تقف ضد نيل المراة لحقوقها . اسماء بارزة فى مجال الابداع النسوى المكتوب , فى تلك الفترة مثل الاستاذة امال عباس العجب التى عبرت قصصها عن الازمة الوجودية للمراة فى المجتمع الذكورى المهيمن . كذلك ظهرت القاصة امنه احمد يونس فى الخمسنيات وتميزت كتاباتها بالجراة وتناول قضايا الحرية والتحرر . على مستوى الذات والجسد والاخر , وفى ذات الفترة ظهرت قامات اخرى مثل القاصة بخيته امين مدنى التى ركزت على تناول القضايا الاجتماعية والعلاقات الاسرية وزينب عبد السلام المحبوب التى عبرت قصصها عن حوار الذات الاخر والعالم المحيط للبيئة الذكورية المتخلفة .. وضمن هذه الفترة ايضا نجد القاصة سلمى احمد البشير , التى اهتمت بمعالجة موضوعات التشرد والحرمان . وارتبطت الكتابة النسوية عموما فى هذه الفترة بالقضايا الاجتماعية والتطلعات المشروعه فى التحرروالنهوض .كما تلاحظ الوجود المهيمن لشخصية المراة المقهورة كشخصية اساسية داخل النص القصصى . واقع عليها القهر التاريخى وهى فى حالة ضعف وانهيار . حيث ان الانثى تكتب معاناتها من واقعها المرير بشكل فيه كثير من الخصوصية .. ومنذ سبعينيات القرن الماضى .حيث تم تصعيد الخطاب التحررى , الى اقصى حد ممكن , وعلى كافة المستويات . برزت اصوات تعبر عن ذلك مثل عوضية يوسف التى استطاعت تفجير الاسئلة الصعبة , التى احتقنها ذلك الخطاب . ما تبلور فى كتابة الثمانينيات خلال سلمى الشيخ سلامة وسعاد عبد التام وامال حسين وفاطمة السنوسى حيث تهجسن جميعهن بالخطاب التحررى الحداثى انطلاقا من مفهوم ان المراة تعيش نفيا وجوديا . خاصا بها حين تعبر عن وجودها المنفى خلال الرمز _ اللغة . تنتج كتابة جذرية . ومثلت فترة التسعينيات وخواتيم القرن الماضى وبدايات هذا القرن . خلاصة للتجربة الانسانية للابداع النسوى فى صراعه الطويل للرد على القهر الوجودى العام الذى تمارسه مجمل العلاقات الاجتماعية والاخلاقية والنفسية والذكورية . على الرغم من هيمنة الخطاب الدينى منذ 1989..
وضمن هذا السياق المقهور بالفكر الدينى الظلامى ولدت اصوات جديدة كاستيلا قاتيانو واميمة عبدالله ومنال حمد النيل .. ولكن تسلط الفكر الدينى فى هذه الفترة انعكس على تراجع الخطاب التحررى , اذ تعرضت المراة فى هذه الفترة للقمع بمختلف اشكاله التى حملتها اليات القمع الدينى . ونجد تعبير ذلك عند مها الرشيد وبثينه خضر مكى وكلتوم فضل الله وهدى الجزار ومنال النيل وسارة يوسف وعواطف عوض الكريم وعدد اخر كبير من المبدعات السودانيات لا يمكن حصره فى هذه العجالة ...
الى جانب هذه الاصوات فى شمال السودان نجد بروز اسماء من جنوب السودان فى اوقات متاخرة من مسيرة الكتابة النسوية فى الشمال نظرا للظروف الاستثنائية التى يعيشها جنوب السودان على نحو خاص كمنطقة حرب مستمرة . بسبب مشكلة الهعوية والتنوع الدينى والتباين الحضارى وتالثقافى .ومن الاسماء التى برزت رغم هذه الظروف الاستثنائية للجنوب القاصة اغنيس لوكودو وثريا فرح يعقوب واستيلا قاتيانو .. وحملت كتاباتهن كل الام واشواق واحزان المراة الجنوبية الارملة بسبب الحرب والمشردة اثر غارات الجيش الرسمى الى اخره من قضايا معقدة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا تعانيها المراة فى الجنوب بصورة اكثر خصوصية من رصيفتها فى الشمال ..
نموذج (1)............صوت شمالى
الكمبو ..............قصة قصيرة .................................مها الرشيد
رائحة البخور البلدية تشتد كلما توغلت فى الداخل . الصغار يستقبلونك عراة وقد تلونت وجوههم بكل ما يوجد على وجه البسيطة
ويحملون عيون براقه . تشبه الى حد كبير عيون قط كبير فقد صغاره ..
ويلعبون فى فرح غير عابئين بما يحدث والنساء قد كشفن عن بعض اجسادهن وهن يصنعن الخمور وقد اختلطت رائحتهن برائحة الخمر . حتى تكاد تحس بانك فى مكان ما من جهنم ..
الرجال فى حالة نوم فمنذ تباشير الصباح وبعضهم استسلم لنوم عميق ..
*
واخيرا عثرت قدماه على غرفة من الصفيح بدلا عن الكرتون والقش . فعلم انها غرفة الزعيم . قبل ان يدخل اعترض طريقه شخصان . اشبه ما يكونان بالجان فى قصص الاطفال . اخبرهم عن هويته . اسمه . سبب زيارته ..
سمحا له بالدخول .. دخل ........
كان الزعيم شاب فى مقتبل العمر فارع الطول به بعض الوسامة وقد ارتدى قطعه صغيرة من القماش غطى بها اسفل جسده . وقميص شفاف من فوق يعلن عن سخونة الجو .............
جلست بجانبه فتاتان لا يزيد عمرهما عن اربعة عشر عاما . كل واحدة تنافس الاخرى فى جمالها الافريقى .
حيا الزعيم بادب وخوف خفى . دعاه الزعبيم للجلوس وتناول المشروب اعتذر عن الشرب لانه يصلى ..
تناقشا .. اتفقا ...على كل ما يريد الاخر .. خرج وفى فمه ابتسامه خبيثة ..بعد اسبوع ..كانت العربات الكبرى تنزل اشياء بحذر شديد . كانت هذه الاشياء عبارة عن علب لبن . بطاطين . سجاير .وبعض الاشياء الخاصة والخاصة جدا بالزعيم ...بعد الاسبوع الثانى حضر شخصان تبدو الصرامة على وجهيهما وهم يحملون بعض الملفات والاوراق الرسمية .. اوقفوا اهل الكمبو صفا بعد صف . وبدا تسجيل الاسماء : مادوت .. جون .. ميرى .. اكول .. فليب .. ديم ..وهكذا .. حتى ظهرت نتيجة الانتخابات وفاز ذلك الزائر مرشحا عن الدائرة 31والتى يقع الكمبو على اطرافها ..
مضى اسبوع واسبوع اخر ...ولم يحدث تغيير فى الكمبو .. نفذ اللبن والسائر ولم يات امر باعتبار الكمبو سكن رسمى ..
*
فى غرفة الزعيم يتم نقاش حاد . اسفر عن خروج الزعيم متجها الى ارقى المساكن فى العاصمة القديمة . قابل الزعيم الزائر وقد بدا اكثر بدانه من ذى قبل ....افرغ الزعيم كل ما فى جعبته من غضب ثم خرج وهو يحمل الوعود والامال .. وبعد اسبوع فقط . حضر امر الى سكان الكمبو باعتباره سكنا عشوائيا ياوى اللصوص ومنطقة لصنع الخمر البلدى ,,وحتم حرق الكمبو ...فى ذلك المساء اوقفت العربة المرسيدس والتى تحمل رقم حكومى امام ذلك المبنى ونزل السيد البدين يتمخطر او يتلقى التحايا .. فجاة ظهرت مجموعة من الرؤوس السوداء وهى تحمل شقاء السنين فى عيونها البراقة . هجمت على السيد البدين بمشاعلها التى لوحت بها فى وجهه حتى احرقته تماما .. صرخ باعلى صوته .. ابعدهم ا.. ابعدهم ...ما زال يصرخ باعلا صوته وزوجته تحاول تهدئته . حتى افاق من نومه ...
نموذج (2)................قصة قصيرة .........................اجنيس لاكودو
زواج نابورو
اشتهر الزعيم مودى بتعدد زوجاته . كان الاكثر شهرة فى هذا المال . لدرجة انه كان لا يستطيع التمييزبين زوجاته الاصغر سنا وبناته . ومع ذلك لم ينجب الا من زوجته التاسعة . حيث رزق بطفلين ولسؤ حظه ان الطفل الاول توفى فى الرابعة من عمره وبقى له الطفل الثانى لادو .. عندما وصل لادو السابعة من العمر قرر الزعيم ارساله الى المدرسة متوافقا فى ذلك مع رغبة السلطات الحكومية .. فعل ذلك رغم اعتراض مستشاريه الذين كانوا يريدون ان يقوم بتعليمه هو نفسه حتى يكون صورة من والده ..قالوا له : من سيكون الزعيم بعد مغادرتك هذه الدنيا ؟ هل تعلم ان المدارس تفسد الاولاد ؟ دعه يعيش معنا وسط اهله . ماذا سيفقد ؟؟ظلوا يناقشونه لعدة ايام . لكن مودى تمسك بموقفه وهكذا ارسله الى مدرسة الرحاب الاولية وصحبه عدد من اولاد القرية . لكنهم جميعهم تركوا المدرسة وعادوا الى القرية بسبب صعوبة الحياة هناك . استمر لادوا فى دراسته رغم الصعوبات ولم يفكر قط فى الهروب من المدرسة كان تلميذا ذكيا مواظبا فى دروسه وعندما جلس لامتحانات دخول المدارس الوسطى كان فى مقدمة الناجحين ولذلك قبل حسب رغبته فى مدرسة توريت الصناعية وفى الاجازة السنوية عاد الى اهله وفى صباح اليوم التالى اجتمع الى اقرانه من ابناء القرية واخبرهم انه يتطلع الى رؤية نابورو ابنة جوى _تركها صغيرة لم تبرز نهودها فى صدرها بعد ويريد ان يرى الان ماذا حدث لها . بعد عام كامل من غيابه فى المدرسة .. ضحك اقرانه وقالوا له : كنت بعيدا فى المدرسة نابوروا هربت قبل شهر مع شاب من احدى القرى المجاورة لعزبة مانولا . البنات مثل نبات القرع المعروف بنموه السريع .. لقد كبرت البنت وهربت مع عشيقها . تركتك وحيدا . ضحكوا عليه كثيرا لانه لم يصدق . كان يعتقد انهم يسخرون منه . لا اكثر من ذلك لذلك شاركهم الضحك . وفى النهاية اتفقوا على ارسال لرورو قريبه وصديقه العزيز للتفاكر مع البنات فى مساء نفس اليوم الاربعاء حيث يجتمع الجميع فى حلبة الرقص الاسبوعيه وبالتاكيد ستكون نابورا هناك.. فى مكان الرقص . القريب من منزلها ارسل لورو بنتا صغيرة للبحث عن كاكوا واحضارها له . زوكاكو هذه من اسرة دوننق وصديقة حميمة لنابورو