الفكر شريان الحياة



إبتهال بليبل
2009 / 3 / 22

لو حاولنا اليوم بقليل من المقارنة بين إمراة لزمت البيت وحرمت المجتمع وأخرى عملت في حرفة واختلطت بالمجتمع ، لنحاول وضع سقف زمني لهما ولنقل عشرة سنوات مثلاً ، يوضح لنا مقدار الفرق الشاسع بينهما ، فأن قيم الحياة إلى حد كبير قد ألغيت عن المرآة التي لزمت البيت ولم تختلط بالمجتمع بينما هي قد روعيت عند الأخرى ، فنجد الأولى تركد وتسمن وتترهل لقلة حركتها ، ولضيق آفاقها الفكرية والنفسية ، بينما الثانية تنشط في عملها وتحافظ على جسدها ولنقل أنوثتها أو هندامها وكلما مر الوقت بها تتسع آفاقها وتتطور ..حتماً نحن قد ورثنا من التقاليد أخطاء كثيرة ألغت المرأة في مجتمعنا وكادت تغيبها عن إحساسنا ، وقد كوفحت هذه التقاليد بتعميم حرية المرأة وانتشار المدارس على حد بعيد ، ولكن لا يزال لهذه التقاليد رواسب أذا لم ترفع إلى إحساسنا الذهني فأنها لا تزال تصبغ عواطفنا وتؤثر في حياة المرأة ...
يقضي على المرأة أن تعمل كالرجل فتحترف مهنة ترفعها من الأنثوية إلى الإنسانية وتربيها طوال العمر وتحملها على النمو والإيناع النفسي ، ولو نحاول المقارنة مع الرجل لوجدنا الرجل غير منفصل عن المجتمع على الرغم من أن هناك رجال قليلي الاختلاط بالآخرين ، لكن الرجل يختلف بذهنيتهُ عن المرأة ولسبب واحد أنه يشبع ذهنهُ باستمرار في البحث عن ما في هذا الكون فنجد بعضهم يذهب إلى المقاهي وآخرين يقرؤن الصحف ويتابعون الأخبار وغيرهم يحاول الإمساك بعطل كهربائي أو فك شفرة معينة للغز الكتروني ، بينما المرأة لا تحاول أن تنمي ذهنها وفكرها متكئة على جانب العمل المنزلي اليومي فقط فنادراً ما نجدها تقرأ وان حاولت الاستفسار عن سبب ذلك تقول بردٍ بائس يوحي عن مدى تهميشها لوجوديتها ( راحت علينا ، كبرنا ) هل هذا رد يكمن في المرأة التي تربي أجيالاً وأي جيل هذا سيكون ؟؟؟
الحياة عطاء مستمر وملازم لوجوديتنا ، الحياة هي الشيء الوحيد في هذا الكون يكون عطائه بنظرية عكسية نعطيها من خلال إمداد أفكارنا وعقولنا بما يخدمها فهي نار ملتهبة تمتص كل ما يرمى فيها كي تكبر وتعلوا وتضيء ، وقودها عطاء فكري قبل أن يكون مادي ، فالفكر هو الذي يمد شريان المادة وهو الذي يحيه ....والعطاء الذهني والفكري يولد السعادة فالجميع ينشدها ويتحدث عنها كأنها بديهية لا تستحق مناقشة لأننا نعد السعادة خير ما يطلب في هذا الوجود ، ومعنى السعادة يختلف من شخص لأخر ، وأن كان المألوف أننا نعني بهذه الكلمة راحة البال وسلامة النفس والصحة ، ولكن إذا كان هذا مفهوم السعادة لدينا ـ إذا لماذا نجد الكثيرين الذين حققوها لا يشعرون بها فحياتهم شبيه بالركود والذهول خالية من التفزز والتنبيه ، ليعقب ذلك تلبد ذهني يشبه الجمود .... حتماً هناك سر ؟؟ ولكن ما هو يا تُرى ؟؟ أول ما يجب أن نعرفه أن السعادة ليست مادية وعلينا التمييز بين السعادة والسرور ، لأنهما كثيراً ما يتشابهان ـ ذلك إن السرور أو اللذة مادية ـ أما السعادة فهي فكرية فنحن نسعد بالأيمان أو عكسهُ ونسعد بالأمل لأنه يحفزنا ويولد الكفاح ولكننا نسر ونتلذذ بالطعام أو اللباس أو المال ، وبما أن هذه مادية فأنها تتوقف على جوع يشبع أو طمع يحقق ثم تؤجم في النهاية أي تؤدي إلى السأم ، لكن السعادة ولأنها فكرية ولأنها تقوم على إيمان أو كفاح أو اتجاه لا تؤجم ولا تؤدي إلى السأم ، السعادة باقية دائماً والسرور وقتياً وزائلاً ، الناس سعداء عند السيطرة أي عندما يشعرون بأن الجميع يلبون رغباتهم ويحققون أهدافهم ...
السعادة تكون أكثر شيوعا بين أولئك الذين تربطهم علاقة حميمة (مثلاً كالأزواج ) ، وهذا يعكس الدرجة التي استطاع بها هؤلاء الناس تلبية احتياجاتهم الاجتماعية والعاطفية ، السعادة تميل إلى أن تكون أكثر شيوعا بين المديرين لمهنتهم ، أي الناس الذين هم من يسيطر على العمل الذي يقومون به ، وليس تابعين لرؤساء.
إذن فالسعادة ذهنية ولن تنتج دون عطاء فالفكر كي يعيش ويستمر يحتاج إلى عطاء، وهذا العطاء يكمن في التعقل الذي ينتج بدوره من البحث والقراءة والتطلع...
ينبغي أن نبحث عن السعادة في معناها الإنساني العالي ، لتزيد حياتك حيوية لا أن ينقص هذه الحياة بالاقتصار على المعيشة الحسية الآنية كالمسرات مثلاً هذه هي السعادة التي يجب أن ننشدها الفهم والتعقل وتغذية إحساسنا الذهني والفكري ...