(كوتا.. كم.. نوع!!..) المرأة العراقية والمرحلة..!



سامي فريدي
2009 / 3 / 22

لا بدّ من إشارة هنا إلى مسألة معقدة في هذا المجال.. ترتبط بطبيعة التغيرات الدولية في ربع القرن الأخير وانعكاساتها الاجتماعية والحضارية، ومنها..
- تراجع حركة المرأة الشرقأوسطية جراء انتكاس برامج التنمية الاجتماعية وتخلي الحكومات عن كثير من مشاريعها وسياساتها العامة.
- ان قضية المرأة تعاني من موجة عامة من الاهمال والتبخيس في كثير من بلدان العالم، ولاسيما في الشرق والجنوب، وبضمنها مجتمعات الشرق الأوسط.
- هيمنة الصراعات السياسية والعسكرية في العراق وافغانستان وباكستان وايران وفلسطين، إضافة الى اضطراب الظروف الأمنية في بلاد أخرى، مما يدفع الاهتمامات الاجتماعية وقضايا المرأة إلى آخر قائمة الاهتمامات الوطنية والعامة.
- ان قضية المرأة – عند كثيرين- أقرب للترف السياسي منها إلى قضايا الراهن الملحة.
- تنامي تيارات اليمين المحافظ أو المتطرف في مجتمعات الشرق الأوسط وهيمنة موجة ثقافة مسطحة تستقطب أبناء العقدين الأخيرين بأساليب ترهيب وترغيب في إطار تنامي موجة العداء للغرب.
- بعد قرن من جهود التنويريين الجبارة لتحديث البنى الاجتماعية والمدنية، عادت تسود الشارع العام فكرة الخلط بين الحداثة والعصرنة بالغرب والاستعمار، سيما في ظلّ استمرار سياسات الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان وتزايد التوتر السياسي في بلدان الجوار.

لقد تعرضت أوضاع المرأة الرافدينية لتدهور تراجيدي في السنوات الماضية يمكن تقسيمه على ثلاثة مراحل..
1- مرحلة الثمانينيات واستقطاب الرجال في ماكنة الحرب الطويلة، بما يعنيه ذلك من تحمل المرأة لوحدها مهام الزوج والأخ والأب في داخل العائلة وخارج البيت، مع الأخذ بنظر الاعتبار الصعوبات الاقتصادية والسياسية لظروف حرب تدميرية طوية الأمد.
2- مرحلة التسعينيات واشتداد ضراوة الظروف على صعيد الحصار الاقتصادي وأزمات المعيشة من جهة، ومن جهة أخرى، اهمال الدولة لقضايا الأمن والرعاية الاجتماعية وانتشار مظاهر الفوضى والفساد الاداري والتسيب التعليمي والسماح بتنامي الحركات الدينية المتطرفة الشيعية والوهابية والاخوانية على السواء.
3- مرحلة الغزو ومظاهر الانفلات العام جراء سقوط النظام وغياب القانون وتعطل دوائر ومؤسسات الحكومة ، ناهيك عن تصاعد موجة العنف والارهاب اليومي بمختلف أنواعه ودرجاته وتعدد مصادره وجماعاته.

الحقيقة المرة في ذلك، أن كلّ هذه التغيرات ومستوياتها الكارثية، انما استهدفت المرأة في المقام الأول، وبكل امتياز. فالحروب الخارجية، والأزمات الاقتصادية، والفوضى الأمنية، والدعوات الدينية حتى الغزو والاحتلال المباشر انما يقع على كاهل المرأة بالدرجة الأولى، في آثاره المباشرة وغير المباشرة. أن ازدواجية دور المرأة، بين كونها كيانا اجتماعيا وذاتا مستقلة إسوة بالرجل ، من جهة، وممارستها لدور الأم والزوجة ومعيلة العائلة من جهة أخرى، تجعلها تدفع فاتورة مضاعفة وتواجه عبئا مضاعفا، لا تجد من يتفهم وضعها فيه ويمدّ لها يد المساعدة، وانما على العكس، زادت القيود الاجتماعية والدينية والتدخل في نشاطها الاجتماعي وحريتها الشخصية في العمل وتحديد مظهرها الخارجي ما يجعل منها أسيرة تاريخية تفتقد معظم حقوقها الأساسية دون أن يتم اعفاؤها من بعض مهماتها وواجباتها اليومية الثقيلة.
*
المرأة والاحتلال والفوضى
هل ثمة من ينظر بعين الجدية للمرأة العراقية في هذه الظروف..
هل تشكل قضية المرأة حيزا ما بينما تعاني حركات سياسية ونخب ثقافية وقطاعات عمالية ومهنية ومكونات اجتماعية من مصادرة حقوقها وتغييب دورها..
ما هي صورة الخطاب الثقافي أو الحضاري في هذه المرحلة، وما هو دور المرأة في هذا الخطاب؟.
في الدرجة الأولى جاء قرار الغاء الدستور واقرار دستور جديد ليطيح بقانون الأحوال الشخصية الصادر في السبعينيات ويصادر بالتالي الكثير من حقوق المرأة ومستحقاتها في نص مكتوب، أما القانون غير المكتوب والذي يحكم المواطن في الشارع ومجالات الحياة فهو أكثر تماديا في قضايا المرأة الراهنة.
ان منظور الحياة العراقية الراهن على الصعيد السياسي أو الثقافي العام، اكثر ضيقا من أن يتسع لأية أحلام أو تصورات تتجاوز سقف المجتمع والدولة أو تتحدى حدود الرؤية المفروضة. ما هي درجة مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية المدنية المؤمنة بواقع جديد ورؤية متقدمة للحياة والمستقبل. ما هي درجة مشاركة المرأة في سوق العمل والجامعات والمراكز الرئيسة في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص؟.. ما هو مستوى المشاركة الاقتصادية للمرأة في البلاد؟.. كم كان عدد المرشحات المستقلات أو في قوائم الأحزاب في ما يسمى الانتخابات العامة الأخيرة؟..
ان المشاركة السياسية الحقيقية للمرأة هي تحصيل حاصل لمستوى مشاركتها الاقتصادية ودورها الاجتماعي والسياسي في حركة البلاد، وبدونه تكون المشاركة الشكلية أو "الكوتا" مجرد عطف ذكوري أو مكرمة تقدمها الدولة لكائن غير مسموح له بممارسة حريته الانسانية وحقوقه الذاتية خارج وصاية الذكر والمجتمع والدين والدولة. وعندما تكون فرصة المشاركة عطفا ومكرمة من قبل جهة ما، فانها تتضمن إشارة ضمنية إلى محدودية الحرية في الحركة والمطالبة المتاحة للمرأة، ودون أن تضع الحكومة أو الجهة السياسية في موقف حرج!.
تقول الدكتورة فاطمة قاسم * في هذا الصدد: "انا هنا اطالب النساء ان ينظرن الى نظام " الكوته "على انه اعتذار مبدئي لهن عن دهور من الظلم والتجاهل ، وعلى أنه تعويض رمزي لهن عن الخسائر التي تعرضن لها ، وتعرض لها المجتمع العربي في أقطاره المتعددة ، بسبب عدم اتاحة الفرص المتساوية لهن في مجالات الديمقراطية والعمل النسائي وحقوق النساء في هذا كله." ان مجرد "الاعتذار" هنا، لا يشكل قيمة مضافة إن لم يقترن بالمراجعة التاريخية أو قرار فتح صفحة جديدة في نظرة المجتمع للمرأة أو للأنثى، تبدأ من مناهج التربية المنزلية والمدرسية وصولا إلى ساحات العمل والمشاركة العامة.
ان استمرار سياسات العزل الاجتماعي بين الجنسين ومن سنوات مبكرة، تشكل امتدادا لتاريخ اغتراب الأنثى في مجتمعها، واستمرار نظرة الامتهان واعتبارها رمزا للشر والخطيئة والرذيلة والحرام. وبالتالي، استمرار فرض الأسوار والقيود حولها وعزلها عن الحياة الاجتماعية العامة.
كان اقرار الكوتا السابق ـن يكون ربع التمثيل البرلماني من النساء، فماذا كانت النتيجة؟ .. وهل استطاعت المرأة ايقاف قرار مجحف بحقها أو حقوق الطفولة والعائلة، أو حق الوطن. أم أن حركتها محدودة تحت قانون وصاية هذه الجهة أو تلك؟..
وإلى ذلك تطرح الدكتورة فاطمة قاسم أمورا جديرة بالبحث في مسألة الكوتا النسائية.. ومنها..
- ان من بين ما يؤخذ على الكوته "الحصة" أنها تتعامل مع المرأة وكأنها أقلية قومية ، أو طائفة دينية من الأقليات والطوائف التي تعطيها أنظمتنا السياسية حلولا سطحية من هذا النوع،..
- وأستغرب كيف تتباهى المجتمعات بأن النساء يشاركن بكثافة في العملية الديمقراطية حضورا وانتخابا ، حتى إذا أفرزت النتائج ، وجدناها مخيبة للامال ، بل وجدناها متناقضة كل التناقض مع هذا التفاخر العلني المليء بالنفاق.

ومن أجل تعزيز دور المرأة وتفعيل مشاركتها السياسية في هذه المرحلة الحرجة، لا بدّ أن يكون اختيار نساء الكوتا قائما على أسس موضوعية علمية ونوعية، خارج لعبة المحاصصات الطائفية والأثينية. وقد شهدت السنوات المنصرمة ناشطات متميزات في مجالات المجتمع المدني وحقوق الانسان وهن الأكثر جدارة للتمثيل النيابي وايصال أصواتهن للرأي العام وأصحاب القرار. إضافة إلى رموز الحركة النسائية والثقافية والحقوقية في بلاد المهجر، والمغيبة تماما عن المشهد السياسي للوطن.
ان "الكوتا".. ليست غير برشومة مهدئة لبعض الوقت، لا تنفي الحاجة لورقة عمل وطنية تتناول أوضاع المرأة ومتطلباتها الاجتماعية والحضارية. كما تهتم بتهيئة الظروف الموضوعية لتمثيل نفسها عبر حركات وتيارات نسائية وأحزاب سياسية، لردم الهوة في الثقافة الاجتماعية والمناهج التربوية بين (أنثى وذكر)، وإتاحة المجال لتولي المرأة مراكز قيادية وإدارية، لتطعيم المشهد السياسي والثقافي العراقي بألوان جديدة وأفاق أوسع.
*
العشرين من مارس 2009
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
• الدكتورة فاطمة قاسم- مقال عن المرأة والكوتا- شبكة النت- (مع التقدير!).