الرفض المطلق لكل محاولة تشريع لا يضمن حقوقا ولا حماية قانونية للمراة



عالية بايزيد اسماعيل
2009 / 3 / 27

دعا عدد من الإخوة الكتاب في الآونة الأخيرة إلى ضرورة العمل والتسريع في انجاز مشروع قانون الأحوال الشخصية الخاص باليزيدية ..... والكل يحث الخطى ويتساءل عن مصير مشروع القانون الذي طال انتظاره ... والكل يأمل أن يشرع هكذا قانون يعتمد المرجعية الدينية اليزيدية في أحكامه ومواده ... أسوة بالديانات الأخرى التي لها قوانينها الخاصة بأحوالها الشخصية ... وفق أحكامها الدينية ... وتطبيقا للمادة 41 الدستورية ... التي دعت إلى تنظيم القوانين الشخصية ... لغير المسلمين ... وفق المرجعيات الدينية ...
وبالنسبة لنا فقد جرت عدة محاولات لتشريع هذا القانون ... وشكلت عدة لجان من مجموعة من القانونيين والحقوقيين لوضع مسودة ... قانون الأحوال الشخصية ... وعقدت ندوات .. واجتماعات ... ومناقشات.. واستفتاءات .. وأعيد النظر في مشروع القانون أكثر من مرة ... لإيجاد صيغة نهائية ملائمة لمواد القانون ... وكان أحكام المواريث ... الذي هو احد أسباب انتقال الملكية ... والتفاوت في حقوق الوارثين ... وبالتحديد حصة المرأة في الإرث ... هو السبب الرئيسي في تأخير تقديم هذا المشروع .. بل والفشل ... والتباطؤ في انجاز مشروع القانون ... لسبب بسيط ... لأنها كانت تحمل مقترحات لسن مواد ... تسلب المرأة شرعا حقوقها المالية في الإرث ... ولا يمنحها الحماية القانونية اللازمة ...
ومؤخرا تم الانتهاء من إعداد صياغة جديدة لمسودة القانون ... وهي الآن في دور المناقشة .. للاتفاق على صيغة نهائية للقانون ... لرفعه إلى برلمان إقليم كردستان للتصديق عليه ... وتشريعه ...
الملاحظ على هذا المشروع إن اغلب أحكامه ومواده جاءت ... اقتباسا من القانون العراقي النافذ ... لكنه اقتباسا مبتورا ومشوها ... عدا بعض الأحكام التي اعتمدت الخصوصية اليزيدية ... في بعض قضايا الزواج والطلاق ... خاصة من ناحية المحرمات الدينية في الزواج ... هذا من جهة ... ومن جهة أخرى ... فقد جاءت أحكام المواد فيها متناقضة مع بعضها البعض ... فمثلا في الوقت الذي ساوت بين الرجل والمرأة في ... الشهادة أمام المحكمة .... لأجل أحكام هذا القانون ... وساوت في توزيع الحصص الارثية بين أولاد المتوفي ... ذكورا وإناثا من غير المتزوجين بالتساوي ... وهذه نقطة ايجابية بحد ذاتها وتعتبر خطوة مباركة ... حقق فيه مشروع القانون العدالة والمساواة والإنصاف ... بما يتلائم والمبادئ الديمقراطية والتطور الحضاري ...
إلا إنها من الناحية الأخرى .... حجبت البنت المتزوجة بإخوتها الذكور ... ولم تمنحها إلا 1/10 الميراث من تركة أبوها ... ونفس النسبة أيضا لزوجة المتوفي ... أي 1/10 الميراث من تركة زوجها ... ثم ماذا لو طلقت البنت المتزوجة ... ورجعت إلى بيت والدها ... قبل وفاته ؟؟... أو لو طلقت البنت المتزوجة ورجعت إلى بيت والدها ... بعد وفاته بمدة قليلة ؟؟... فكيف سيحتسب نصيبها وحصتها من ميراث أبوها ؟؟... هل ستبقى نفس النسبة المقترحة 1/10 ؟؟..
إن في هذا إجحاف كبير بحق المرأة المتزوجة ... سواء كانت بنت المتوفي المتزوجة أو زوجته ... والتضييق عليهما ... ومصادرة حقهما الطبيعي في الإرث ... وجعلهما بمنزلة أدنى من الرجل بمراحل كبيرة ... مع أن كل التشريعات الدينية تعطي حقوقا ارثيه أكثر بكثير من هذا المقترح ... وهو يتناقض مع ما قد تضمنه المشروع نفسه من مبادئ ساوى فيه بين الجنسين ... في الشهادة ... وبين الأولاد الذكور والبنات غير المتزوجات... لماذا إذن هذا التقسيم غير العادل لحصة البنت المتزوجة والزوجة ؟؟... ولماذا هذا الإمعان في التفرقة بين الرجل والمرأة المتزوجة ؟؟ ... فهل يراد لشريعتنا أن توصف بأنها شريعة دينية متخلفة تجاه حقوق المرأة المتزوجة ؟؟ .. إلا يكفي التضييق المفروض عليها بسبب الأعراف الاجتماعية ... التي تجعلها حبيسة الفقر والجهل والأمية ؟؟؟ .... ولم لا نكون أول من يشرع موادا يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث بالمطلق ... وهذا شي ممكن وليس بمستحيل ...خاصة انه لا يوجد في نصوصنا الدينية ما يشير إلى التفرقة بين الرجل والمرأة في استحقاقاتهم الارثية ...
إن معاناة المرأة اكبر بكثير من مجرد تخصيص حصة منصفة لها في الميراث ...
فوضعها داخل العائلة وما تتعرض له من... عنف عائلي واجتماعي ... باعتبارها الأفقر والأضعف اقتصاديا ... يجعلها الأضعف في طلب الحماية القانونية ... خاصة وان اغلب النساء هن ربات بيوت ... لا مورد لهن ... ولا دخل يعتشن منها في أمورهن المعاشية ... فإذا توفى الزوج ... فمن النادر أن يتحمل أحدا عبء معيشتها .. فلم نجعلها عبئا ثقيلا على الآخرين ... أو أن تعيش على ما يجود به الآخرون عليها ؟؟... بما يكون دافعا للبعض في التمادي في اضطهادها ... وهذا ما نراه في واقع الحياة اليومية ... وموجود بكثرة من حولنا ... صور لنساء بائسات .. بعد فقدهن المعيل .. وهن يتعرضن لأنواع الانتهاكات .. خاصة المعيشية منها ... لذلك يوما بعد يوم تزداد المشاكل مع المرأة... وتكبر وتأخذ أبعادا جديدة ... بسبب ما تتعرض له من ضغوط وتعسف وتمييز ولا مساواة ... لذلك من باب العدالة والإنصاف .. وصيانة لكرامة المرأة ... بعد فقدها لمعيلها ... وحماية لها .. أن يعاد التوازن ... ويعاد النظر في هذه النسبة الشحيحة المقترحة ..
وبالعودة إلى مسودة القانون المقترح .... التي تقترح منح البنت والمرأة المتزوجة 1/10 من الإرث ... نسال اللجنة التي صاغت هذا المقترح ... ماهي الأسس ... وماهو المعيار الذي استندت عليه في تخصيص جزء واحد من عشرة أجزاء الميراث للمرأة ؟؟... ولماذا 1/ 10 ؟؟... وما هي دلالة هذه النسبة ؟؟...هل هو نص ديني ... أم عرف اجتماعي ...أم هو هوس وإعجاب بهذه النسبة العشرية ؟؟.. لابد أن يكون هناك جواب منطقي ومقبول في تحديد هذه النسبة ... لم لم يجعلوها 1/5 مثلا ؟.. أو 1/4 ؟.. أو 1/3 ؟ .. اوأي نسبة أخرى ... لم بالتحديد نسبة 1/10 هذه بالذات ؟؟.. وما مغزاها ؟ ... إن كان شرعيا أو قانونيا ...
وكيف يمكن أن ترضى النساء بهذه الحصة الشحيحة ... وتتخلى عن نسبة 1/2 ... أي النصف ... رغم قلته ... على الذي يمنحه لها القانون العراقي النافذ ؟؟... ثم ما هي المرجعية التي استندت عليها اللجنة في تحديد هذه النسبة ... فلا النصوص الدينية ... ولا الأقوال الدينية... ولا علم الصدر ... فيها ما يشير إلى منع أو تحريم النساء من حق الإرث ... إنما هي مجرد .. أعراف عشائرية .. وقبلية .. تسلب النساء حقهن الارثي .. ثم الم يكن من المفروض ... أن تضم تلك اللجنة نساء من بين أعضائها ... على الأقل لأخذ أرائهن .... ألا توجد العشرات بل المئات من الخريجات .. والمثقفات .. والناشطات .. من النساء الواعيات والمدركات ... خاصة وان الموضوع له مساس مباشر بهن وبحقوقهن ؟؟.. أليس من المفروض أن يكون على الأقل نصف أعضاء اللجنة من النساء ؟؟... خاصة وان القانون يعالج مشاكل الأسرة ؟؟... أم انه لا توجد من يمكن الأخذ برأيها في موضوع يخصها هي قبل أي احد ؟؟.. سؤال نتركه لمن يهمهم الأمر ...
إلى جانب المسائل الارثية ... فان مشروع القانون ... قد ضم موادا فيه تفاوتا كبيرا في الحماية القانونية .. بين الجنسين ... على سبيل المثال ... في حالة التفريق بسبب النشوز ... فان للزوجة لها حق طلب التفريق بعد مرور 6اشهر على صدور الحكم بالنشوز ... بينما يحق للزوج أن يطلب التفريق بعد صدور حكم النشوز مباشرة ... هذا إضافة إلى إن المفروض أن يكون التفريق بسبب النشوز ... بائنا لا رجعيا ... وهذا خطا قانوني كبير يجب ملاحظته ...
وهناك خطا قانوني آخر ... ورد في المادة 31 من المقترح التي نصت على أن الطلاق واحد يقع من الزوج أو الزوجة أو القاضي... وهذا خطا ... لان الطلاق حق خالص لا يملكه إلا الزوج فقط ... أما طلاق الزوجة أو تطليق المحكمة ... فيسمى تفريق ... وهو أي التفريق ... حق يملكه الزوج أيضا إلى جانب حقه في الطلاق ... وهناك جانب مهم ... اغفل المشروع عنه ... وهو التفريق الاختياري أو المخالعة ... وهو التفريق الذي يتم باتفاق الزوجين ... عندما تكون الزوجة كارهة لزوجها ... وترغب في إنهاء الرابطة الزوجية أمام المحكمة ... لقاء إبراء ذمة الزوج المالية مقابل التطليق ... وهو موجود في القانون العام العراقي النافذ ... وفي جميع القوانين الأخرى .. لكنه لم يرد في مسودة المشروع المقدم ...
والمسالة المهمة الأخرى .. هي أن المقترح جعل عدة الأرملة والمطلقة 5 أشهر لكلاهما ... ونسال هنا لماذا الخمسة شهور هذه ؟؟.. ومالحكمة من تحديد عدة الأرملة والمطلقة بهذا العدد من الأشهر ؟؟.. إن العدة وجدت كضمانة للتأكيد من خلو الأرحام من الحمل .. ومنعا لاختلاط الأنساب ... والتي حددها القانون بثلاثة قروء للمطلقة وبأربعة أشهر وعشرة أيام للأرملة .. حسب ما جاء في الشريعة ... لكننا لم نفهم الحكمة من جعل عدة الأرملة والمطلقة عندنا بخمسة أشهر ؟؟.. أما زوجة المفقود ... التي يحق لها طلب التفريق أمام المحكمة ... بعد مرور 3سنوات على فقدان الزوج ... فقد جعل مشروع القانون عدتها 40 يوما ؟؟... وكأن انتظار الزوجة ثلاث سنوات... حتى يمكنها إقامة دعوى التفريق ... غير كافية ... فأضافوا مدة أربعين يوما أخرى لإكمال عدتها ؟؟... أي تعسف هذا .؟... إن القانون النافذ حدد مدة سنتان يمكن بعدها لزوجة المفقود أن تقيم دعوى التفريق ... وهي مدة كافية ومناسبة تماما ... بدلا من مدة الثلاث سنوات التي وردت في المشروع .
كما لم يحدد المقترح في المادة 34 مقدار التعويض الذي تقرره المحكمة للزوجة في حالة الطلاق التعسفي ... وكان يجب تعيين مقداره ... وهو محدد في القانون النافذ بما يعادل نفقة سنتين ... وينبغي على اللجنة أن تحدد قيمة ومقدار هذا التعويض ... بدلا أن يترك لتقدير المحكمة والخبراء ..
إذن مما تقدم .. رأينا أن مسودة مشروع القانون المقترح ... قد منح المرأة اليزيدية ... حقوقا يقل عن مثيلاتها ... من الأديان الأخرى ... الواردة في قانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي ... فكيف يمكن لنسائنا إن يقبلن بهكذا قانون ... ليكون بديلا عن القانون النافذ ... الذي أعطى امتيازات اكبر وحقوقا أكثر ؟؟... إن تشريع قانون خاص بأحوال اليزيدية ...إنما هي دعوة حق يراد بها باطل ... إن كانت ستصادر الحقوق الممنوحة لها في القانون النافذ وتجعلها بمنزلة اقل من مثيلتها ... المرأة غير اليزيدية ... ولا اعتقد أن أي منصف يقبل بهذا ...
خاصة ونحن ألان نعيش في زمن يسير نحو الأمام ونحو الحريات العامة ... وحقوق المرأة فيه هو جزء لايتجزء من حقوق الإنسان في الثقافة والسلوكيات ... لذا نأمل من الإخوة أعضاء البرلمان في إقليم كردستان من اليزيديين ... ومن لجنة المرأة والطفل في البرلمان المذكور ... ومن كل المنظمات المجتمعية والمدنية والرابطات والاتحادات النسائية ... الوقوف بالضد من أي تشريع لا يمنح حقوقا منصفة للمرأة ... لأننا لا يمكن أن نقبل الرجوع إلى الوراء ... من النقطة التي وصلنا إليها في قانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي ...