حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....56



محمد الحنفي
2009 / 4 / 12


إلى:

• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


علاقة التقاليد بالمعرفة الدينية بتنوع مذاهبها:.....42

وإذا كانت المذاهب الدينية وسيلة لاعتبار حجاب المرأة مسألة دينية صرفة، تستلزم وجوبه بقوة الفهم المذهبي للنص الديني:

فما هو نوع الحجاب الذي يعتبر واجبا دينيا؟

هل هو حجاب المذهب المالكي؟

هل هو حجاب المذهب الشافعي؟

هل هو حجاب المذهب الحنفي؟

هل هو حجاب المذهب الحنبلي؟

لقد سبق أن تعرضا إلى اختلاف التقاليد الاجتماعية، وأثرها على المعرفة التقليدية، وأثر تلك المعرفة على بناء تصور مختلف للحجاب، من زمن إلى زمن آخر، ومن بلد إلى آخر، بل ومن طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى، وهذا الاختلاف في التصور الذي تعرضنا له، سجلنا أنه يرتبط بالشروط الموضوعية القائمة في الزمان، والمكان، وانطلاقا من هذا الاختلاف في تصور شكل الحجاب القائم في الواقع، نجد أن كل مذهب ديني يعتبر تصوره للحجاب هو الأنسب للمرأة، حتى تكون ملتزمة بتطبيق "الشريعة الإسلامية"، كما تصورها مؤسسوا المذهب الواحد، ومنتجو معرفته المذهبية الدينية، التي تجمع حولها قطاعات عريضة من المسلمين، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ودون اعتبار لقدرتهم على اقتناء اللباس المناسب للحجاب، أو عدم قدرتهم على ذلك.

ذلك أن كل مذهب من المذاهب الشائعة لدى السنة، أو الشيعة، يرجع في تشريعه للحجاب، وفي تقرير وجوبه على المرأة، إلى النصوص الدينية المتمثلة في القرآن، والحديث، والقياس، والاجتهاد من أجل اعتبار فهم كل مذهب أساسا لبناء تشريعات يأتي في إطارها شكل الحجاب المقرر، والمفروض مذهبيا على المرأة.

وفي هذا الإطار، يمكن أن نتحدث عن الحجاب الديني المالكي، والحجاب الديني الشافعي، والحجاب الديني الحنفي، والحجاب الديني الحنبلي، والحجاب الديني المتفرع عن كل مذهب من المذاهب المذكورة.

وتبعا لهذا التوع المذهبي الديني في تصور الحجاب، نجد أن هذه المذاهب جميعا، تتفق على اعتبار المرأة متاعا، أو سلعة، أو عورة، وفي عدم اعتبارها إنسانا له حق اختيار شكل اللباس الذي يرتديه، وهو يخالط الناس في الحياة العامة، انطلاقا من تمتع ذلك الإنسان بحقوقه كاملة، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

فالطبقة الإقطاعية المومنة بالدين الإسلامي، حسب تصور المذهب المالكي، ترى المرأة متاعا يلازم البيت، من أجل تقديم المتعة إلى الرجل الإقطاعي، وهي لذلك محجوبة عن جميع الناس، لا يراها إلا زوجها الذي يتمتع بوجودها معه، وما لتلك المتعة من قداسة بين الرجال، والنساء، على حد سواء، وما تستلزمه تلك القداسة من طقوس في العلاقة بين الرجال، والنساء.

والطبقة البورجوازية ترى المرأة سلعة يجب استغلالها في العمل، بعد تحريرها من أن تصير محجوبة في البيت، حتى تساهم كمستخدمة، أو كعاملة في بناء ثروة البورجوازيين الذين لا يمانعون من عرض متعة النساء في السوق كبضاعة، عندما تضطرهن ظروفهن الاجتماعية إلى ذلك، كما أنها لا تمانع من أن ترتدي المرأة الحجاب، كما تتصوره البورجوازية المقتنعة بالمذهب المالكي، عندما ترى أن ذلك يخدم مصلحتها الطبقية.

والطبقة البورجزاية الصغرى، التي تتأرجح، في تصورها للحجاب، بين التصور الإقطاعي، وبين التصور البورجوزاي، فإنها كمقتنعة بالمذهب المالكي، وبسبب طبيعتها كمريضة بهاجس التسلق الطبقي، فإنها ترى أن الحجاب الذي يساهم في تحقيق ذلك التسلق، تأخد به، سواء كان مبنيا على اعتبار المرأة متعة، أو سلعة، أو عورة. ولا باس عندها أن تأخذ بأشكال الحجاب السني، أو بأشكال الحجاب الشيعي، أو أنها تتنكر لأشكال الحجاب كله ، من منطلق أن من حق المرأة أن تختار ما تشاء.

والطبقةالعاملة، ومعها سائر الكادحين، فإنها تختار أحد أمرين:

إما أن هذه الطبقة تقع تحت تضليل الإقطاع، أو البورجوازية، أو البورجوازية الصغرى، وإما انها تصير متحررة من كل الرؤى، والتصورات، فتأخد بما ورد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ففي حالة وقوعها تحت طائلة التضليل، فإنها تعتبر المرأة متاعا، او سلعة، أو عورة، وستعتبر شكلا من أشكال الحجاب المذهبي واجبا دينيا، لتصير لمرىة مستهدفة بالاستغلال المزدوج، استغلال الرجل، واستغلال الطبقة الحاكمة لمجموع أفراد المجتمع.

أما في حالة تحرر الطبقة العاملة، وحلفائها إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، فإن المرأة الكادحة أيضا، تصير متحررة، وتحررها يجعلها تختار شكل اللباس الذي تراه مناسبا لها، في إطار احترام الآخر، وقد يصير أي شكل من أشكال اللباس مستهدفا باختيار المرأة الكادحة، إذا توفرت لديها إمكانية اقتنائه.

فالتصنيف الطبقي للمجتمع، المؤدي إلى اختلاف المصالح الطبقية، لم يمنع، ولن يمنع، وتحت تأثير سيادة قيم دينية معينة، وبفعل التأثير الناجم عن المدرسة، والإعلام، واستغلال المساجد من الإيمان بتصور مذهبي معين للحجاب كواجب ديني. وإذا كان لا بد من فعل شيء يؤدي إلى الانعتاق، والتحرر من أسر التصورات المذهبية للحجاب، فهذا الشيء يتمثل في نشر الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وبأهمية النضال الحقوقي، من اجل تمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق. وبالنضال الفعلي، والملموس، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؛ لأنه بدون تمتيع الناس بجميع الحقوق، وبدون تحقيق مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل، يصعب التحرر من أسر التصورات المذهبية للحجاب، لتبقى سطوة تلك التصورات، التي هي من وضع البشر، جاثمة على صدور النساء اللواتي لا يستطعن الحراك من أجل الانعتاق، والتحرر.