حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....57



محمد الحنفي
2009 / 4 / 15


إلى:

• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


علاقة التقاليد بالمعرفة الدينية بتنوع مذاهبها:.....43

وإذا تحدد النوع الواجب من الحجاب، في حالة عدم التحرر منه، في أحد المذاهب، أو فيها جميعا، أمام طرح السؤال:

ماذا نقول في المذاهب الصغيرة المتفرعة عن كل مذهب على حدة؟

فإذا كانت المذاهب الكبرى تعبيرا عن اختلاف فهم النص الديني الأصلي المعتمد في الدين الإسلامي، انطلاقا من شروط محددة، وسعيا إلى تحقيق أهداف محددة، خدمة لهذه الجهة، أو تلك، وسعيا إلى تكريس التقاليد التي لها علاقة بالنص الديني، من وجهة نظر المقتنعين بمذهب معين، فإن المذاهب الصغرى، في فهمها للدين، وفي سعيها إلى تكريس وجهة نظر المقتنعين به، في مكامن شيوع ذلك المذهب، لا تنطلق من النص الديني الأصلي، كما فعل أصحاب المذاهب الكبرى، بل مما توصل إليه أصحاب تلك المذاهب، باعتباره نصا دينيا، أو نصوصا دينية، يعمل المومنون بها على تطبيقها في حياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. إلا أنه عندما تطرح إشكاليات في الواقع المختلف، فإن أصحاب المذاهب الأخرى يفهمون من أدبيات المذاهب الكبرى ما يخدم مصلحتهم، أو مصالح من يضعون أنفسهم في خدمته، لتتبلور، بسبب ذلك، مذاهب دينية جديدة، متفرعة عن المذاهب الأصلية، التي تفرعت هي بدورها عن الفهم العام للدين، وللنصوص المعتمدة في الدين الإسلامي.

وانطلاقا من هذا الفهم المتعدد للنص الديني الأصلي، وللأدبيات الأصلية، الناجمة عن قيام المذاهب الكبرى، كما تدل على ذلك الكتابات المتراكمة عن العصور القديمة، والتي تجسد تعدد الفهم إلى درجة التناقض بين الأفهام المختلفة، فإننا يمكن أن نقول بأن الدين الإسلامي ليس دينا واحدا، كما يتم الترويج لذلك، بل هو دين متعدد تعدد المذاهب الكبرى، ثم تعدد المذاهب الصغرى، مما يجعلنا لا نتحدث عن دين واحد، بل عن مجموعة من الأديان التي حافظت على الانتماء إلى الوقائع، والأحداث المرتبطة باختلاف فهم هذه الجهة، أو تلك.

وإذا كانت المذاهب الصغيرة تدل على تعدد الأديان، فلأن لكل مذهب صغير، كدين، تصوره الخاص للحجاب الذي قد يختلف من بلد إلى بلد، حسب المذهب المعمول به في كل بلد، ومن جهة إلى جهة في نفس البلد، تبعا لاختلاف المذاهب المتفرعة عن المذهب المعتمد في نفس البلد، مما يجعلنا لا نتحدث عن حجاب ديني واحد للمرأة؛ بل عن حجابات مختلفة واجبة على المرأة.

ومن الناحية المعرفية العلمية، فإن هذا الاختلاف يرتبط بالشروط الموضوعية القائمة في الزمان، والمكان، والتي تفرض قيام فهم مختلف للنص الديني، أو للمذهب الديني، مما يؤدي إلى قيام المذاهب الكبرى التي تتفرع إلى مذاهب صغرى.

وإذا كانت الشروط الموضوعية القائمة في الزمان، والمكان، متخلفة، فسيكون من الطبيعي جدا أن تصير المذاهب الدينية، بتفرعاتها المختلفة، محط اهتمام المسلمين، لتأكيد هويتهم المذهبية، أمام أنظار هذه الحداثة الجارفة، التي صارت تستهدف مختلف الهويات.

فالمذاهب الصغيرة إذن، هي مذاهب ناتجة عن التنوع في الشروط القائمة في الزمان، والمكان. وهو ما ينتج تنوعا في بناء تصورات مختلفة للحجاب، التي يعتبر كل تصور منها نفسه هو الحجاب الإسلامي الحقيقي الواجب على المرأة، حتى تعتبر مطبقة للشريعة الإسلامية.

وإذا كانت الشروط الموضوعية القامة في الزمان، والمكان، على تخلفها، تؤدي إلى قيام فهم مختلف للمذاهب الكبرى:

فماذا نقول في الفهم المختلف لكل مذهب على حدة؟

هل الفهم الرسمي لكل مذهب على حدة هو الصحيح؟

هل الفهم العام للناس هو الصحيح؟

هل فهم "العلماء"، و"الفقهاء" هو الصحيح؟

إننا عندما نقر بقيام الاختلاف في الفهم، انطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة في الزمان، والمكان، المؤدية الى الاختلاف في تصور الحجاب، لا نأتي بذلك من أنفسنا، بقدر ما نأتي به من الواقع العيني، المنتج لأشكال الفهم المذهبي.

ولذلك، فالفهم المذهبي المختلف، يوقع المسلم المتلقي للخطابات المختلفة، والمتناقضة في مسارب التضليل، مما يجعله يتخبط في الأخذ بهذا الفهم، أو ذاك، تبعا لقدرته على التمييز بينها، أو عدم قدرته على ذلك. وحتى إذا أخذ بتصور معين، فلا يدري:

هل ما فعله يعتبر صحيحا دينيا، أم لا؟

وبناء على هذا الخلط الذي يعاني منه المسلمون ذكورا، وإناثا، فإنهم يقضون أوقاتهم، مدققين في اختياراتهم المذهبية الدينية، سواء تعلق الأمر بأتباع المذهب المالكي، أو المذهب الشافعي، أو المذهب الحنفي، أو المذهب الحنبلي؛ لأن كل فريق من أتباع كل مذهب، يعاني من الحيرة، عندما يتعلق الأمر باختيار أحد المذاهب الصغيرة المتفرعة عن المذهب الأصلي، أو التي تتفرع عنها إلى ما لا نهاية، حتى نصل إلى الفتاوى التي يصدرها الفقيه المنتمي إلى هذا المذهب الصغير، أو ذاك.