حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....59



محمد الحنفي
2009 / 4 / 22

إلى:

• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


علاقة التقاليد بالمعرفة الدينية بتنوع مذاهبها:.....45

وإذا تبين لنا أن الفهم الصحيح للدين، وللمذهب الرئيسي، أو الفرعي غير وارد، نظرا للشروط المختلفة المتحكمة في ذلك الفهم الذي يتفرع إلى ما لا نهاية. وفي حالة تسليمنا بان فهما معينا هو الصحيح، لاعتبارات معينة.

ألا يتغير هذا الفهم من زمن إلى آخر، ومن مكان إلى آخر؟

إن طرح هذا السؤال يعني ما يعني بالنسبة إلينا، نظرا لكونه يعيدنا إلى مسالة النسبية التي اعتمدناها في التعامل مع المعرفة التقليدية، أو مع فهم النص الديني، ومع فهم المذاهب الرئيسية، ومع فهم المذاهب المتفرعة عنها.

وانطلاقا من منطوق هذا السؤال، وفي حالة تسليمنا بالفهم الرسمي للدين، وللمذهب الديني المعتمد رسميا، وكما تفرع عن ذلك المذهب، ولما ترتب عن ذلك الفهم، في مستوياته المختلفة، من اعتماد لشكل معين من أشكال الحجاب، فإن هذا التسليم يجد نفسه أمام تعدد الفهم الرسمي، بسبب تعدد الأزمنة، والممكنة، من منطلق أن لا شيء ثابت في هذا الكون. فالأشخاص يتغيرون باستمرار، والأجيال تتغير باستمرار، والدول تتغير باستمرار، بفعل المؤثرات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ولذلك، نجد أن فهم الرسمي في عهد دولة الخلفاء الراشدين، ليس هو الفهم الرسمي في عهد دولة بني أمية، وليس هو الفهم الرسمي في عهد دولة بني العباس، وليس هو الفهم الرسمي للدولة التي قامت في الأندلس، وفي المغرب، وليس هو الفهم الرسمي للدولة المتفرعة عن دولة بني العباس، وليس هو الفهم الرسمي لكل دولة من الدول التي تعاقبت على مر العصور، وليس هو الفهم الرسمي لكل دولة من الدول القائمة الآن؛ لأن لكل دولة، في كل مرحلة، وفي كل مكان، فهم خاص للدين، وللمذهب الرئيسي، وللمذهب المتفرع عنه، مما يجعل كل دولة قائمة في الزمان، والمكان، هي الدولة الحاملة للفهم الصحيح. وما تذهب إليه كل دولة، يقضى بقيام فهم محدد للحجاب، هو الذي تعتبره تلك الدولة صحيحا، وعلى أساسه تقضي بوجوبه على المرأة، ونظرا لهذا التعدد في الفهم الرسمي للدين، وللمذهب، وللحجاب، فإنه يصعب علينا القول بصحة فهم هذه الدولة التاريخية، أو تلك، أو فهم هذه الدولة المعاصرة، أو تلك، بل إن التعدد، في حد ذاته، كاف للوصول إلى استنتاج أن فهم الدين، والمذهب، هو مسالة نسبية، يجب أن لا تكون أساسا للقول بشكل معين من الحجاب، الذي لا وجود له في الدين ولا في النص الديني، بقدر ما هو تصور قائم في مخيال مستغلي الدين، في مستوياتهم المختلفة، من أجل الاستبداد بنصف المجتمع، كمنطلق لاستبداد الطبقات الحاكمة بالمجتمع كله.

أما في حالة تسليمنا بالفهم العام للمسلمين على أنه هو الصحيح، فإنا نجد أن المسلمين في مرحلة نزول الوحي، يختلفون عن المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين، وعن المسلمين في عهد بني أمية، وعن المسلمين في عهد بني العباس، وعن المسلمين في الدول التي قامت في الأندلس، والمغرب، وعن المسلمين في الدول المتفرعة عن دولة بني العباس، وعن المسلمين في كل دولة من الدول القائمة في الزمان، والمكان المعاصرين؛ لأن كل جيل من أجيال المسلمين يتأثر بشروط اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية قائمة في الزمان، والمكان.

ولذلك، لا نستطيع الجزم بصحة الفهم العام، للمسلمين للدين، وللمذاهب الدينية الرئيسية، وللمذاهب المتفرعة عن كل مذهب على حدة.

أما في حالة تسليمنا بفهم من يسمون "العلماء" و"الفقهاء"، فإننا نجد أن هؤلاء ليسوا وحدة متماسكة. فهم يختلفون من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان، بل، ومن جماعة إلى جماعة، إن لم نقل من شخص، إلى شخص آخر، نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية التي تتفاعلون معها في الزمان، والمكان، من جهة، ولكونهم ينتمون، غالبا، إلى الطبقة الوسطى التي تتميز بركوبها كل المراكب المؤدية إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعلها تتأرجح بين التودد إلى الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، وبين الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال.

وانطلاقا من الوضع الذي يعرفه من يسمون ب"العلماء"، و"الفقهاء"، الذين يدعون، في معظم البلدان، وصايتهم على الدين الإسلامي، فإن فهمهم المتغير، تبعا لتغير الشروط الموضوعية في الزمان، والمكان، وتبعا كذلك، لمرضهم بالتطلعات الطبقية، وانطلاقا من وصايتهم على الدين الإسلامي، من أجل توظيفه لخدمة مصالحهم الطبقة، فإن فهمهم المتغير، والمتنوع للدين الإسلامي، وللمذاهب الدينية الرئيسية، وللمذاهب المتفرعة عنها، لا يمكن أن يكون صحيحا، لأنه فهم غير علمي، ومرتبط بخدمة هذه الجهة، أو تلك، ومحكوم بالتطلعات الطبقية لعموم "العلماء"، و"الفقهاء" العامة، والخاصة.

وبما أن التسليم بصحة فهم هذه الجهة، أو تلك، لا يفيد في القول بصحة الفهم، فغن التصورات المتعددة، والمختلفة، لحجاب المرأة، لا يمكن اعتماد صحة نسبتها إلى الدين الإسلامي؛ لأنها ترتبط بفهم غير صحيح لا للدين، ولا للمذاهب الدينية، ولا للمذاهب المتفرعة عنها.

ولذلك نجد أنه من الضروري العمل على تفكيك الرؤى، والتصورات التي تنسج حول حجاب المرأة الذي يراد له أن يكون دينيا، من أجل الوصول إلى إبطال هذا الوجوب، واعتبار الحجاب مجرد لباس عادي، يمكن أن تختاره المرأة الحرة، التي تتمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة، في مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل، لا وجود فيه لشيء اسمه استغلال الدين الإسلامي لصالح هذه الجهة، أو تلك، ولا لمصلحة طبقية، أو شخصية، التزاما بمبدأ "لا إكراه في الدين"، كما جاء في القرآن.

وإذا كان الفهم المتغير في الزمان، والمكان، يقودنا إلى القول بعدم صحته:

فهل نكتفي بالفهم الذي كان سائدا في عهد الرسول، لتعميمه على جميع المذهب المترتبة عن الفهم المختلف، اختلاف الشروط المؤثرة في الزمان، والمكان؟

إن المرحلة التي صادفت نزول الوحي على الرسول، شكلت مرحلة الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، ومن مكان "مكة"، إلى مكان آخر "يثرب"، ونظرا لاعتبار المرحلة انتقالية، فإنها تعتبر، في نفس الوقت، مرحلة صراعية تناحرية، لا وجود فيها لشيء اسمه الاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.

وغياب الاستقرار، في مستوياته المختلفة، لا يمكن ان يؤدي إلا غلى الشعور بالعجز عن فهم النص الديني، الذي ينزل، والذي يعتبر مصدرا للممارسة الدينية / الدنيوية: "العبادات / المعاملات"، مما يجعل الحاجة إلى الرسول، في حياته، حاضرة في الزمان، والمكان. وكل ما يستوعبه المسلمون، حينذاك، إما في القرآن، أو في أقوال الرسول، أو في أفعاله. وبالتالي، فغن الحديث عن صحة الفهم، او عدم صحته في هذه المرحلة، وتبعا لذلك، فإن وجود التصور شيء اسمه الحجاب، غير وارد أبدا؛ لأن ما كانت عليه المرأة، حينذاك، هو استمرار لما كانت عليه قبل بداية نزول الوحي على محمد بن عبد الله.

والمسلمون المعاصرون لنزول الوحي، لا يطلبون الفهم، ولا يعملون على تنوعه، بقدر ما يتوقفون عند منطوق النص، لإثراء إيمانهم، كدافع للعمل على تغيير العقيدة من الوثنية، إلى الدين الإسلامي، مع ما يترتب عن ذالك التغيير، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي الذي يعمل البعض على إيجاد أصل له في النص الديني، مع أن النص الديني كان واضحا منذ البداية، من خلال ما ورد في القرآن "وأمرهم شورى بينهم".

ولأن الشروط التي كانت تحكم معايشة المسلمين لنزول الوحي، الذي وقفوا عند منطوقه، لم تعد قائمة بسبب هذا التراكم الهائل في المعارف الدينية، والمذهبية، ولأن المعارف الدينية، والمذهبية، تتغير باستمرار، انطلاقا من الشروط القائمة في الزمان، والمكان، فإن اكتفاءنا بمنطوق النص الديني، كما نزل على الرسول، لم يعد واردا، ليبقى الوارد هو ما نفهمه نحن من تلك النصوص، انطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة في الزمان، والمكان، مما سيجعل الحجاب بمفهومه الديني غير وارد، إلا إذا كان اختيارا حرا للمرأة.