حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....60



محمد الحنفي
2009 / 4 / 24

إلى:

• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


علاقة التقاليد بالمعرفة الدينية بتنوع مذاهبها:.....46

وإذا كنا لا نكتفي بما كان يفعله المسلمون في مرحلة نزول الوحي، لاختلاف الشروط القائمة في الزمان، والمكان:

فهل نعتمد الفهم المتعدد، والمتنوع في كل عصر من العصور اللاحقة؟

إننا عندما ننطلق من قيام فهم متعدد، ومتنوع في كل عصر من العصور اللاحقة، فإننا نلغي مفهوم الثبات، الذي يرتكز عليه وجود الدين في الأصل، ونعلن مفهوم التحول، والتغير، الذي يحكم حركة الواقع في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ليصير فهم الدين، بدوره، متحولا، ومتغيرا، انطلاقا من حركة الواقع ذاته.

وبما أن الواقع مختلف في الزمان، والمكان، فإن ما يفهمه المسلمون، في كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، من النص الديني، وانطلاقا من شروط حركة الواقع الذي يعيشونه، يصير صحيحا بالنسبة إليهم، بعيدا عن الإملاءات الرسمية، أو الحزبية، أو المذهبية التي تحاول تجميد الفهم، وتثبيته عند مرحلة معينة.

وإذا كان المسلون يعتقدون أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان، ومكان، فإن تثبيت الفهم عند نص، معين، من النصوص التي وصلتنا، وفي عصر معين، وفي مذهب معين، لا يمكن إلا أن يكون متناقضا مع صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان، ومكان، التي تقتضي إتاحة الفرصة أمام حركة الفكر، من اجل الإبداع في الفكر، تبعا لتجدد حركة الواقع، وتطورها.

ولأن الفهم المتجدد، والمتطور، يعطي للدين الإسلامي دينامية غير محدودة، فإنه يجب مواجهة جميع القيود الدينية، التي تقيمها الأحزاب الدينية، والتوجهات المذهبية، والدول التي تستند، في حكمها، إلى النص الديني، من أجل الاستبداد بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، تبعا لثبات فهم الأحزاب الدينية، والتوجهات المذهبية، والدول للنص الديني، من أجل تحطيم تلك القيود، لإطلاق حركة الواقع، وحركة الفكر في نفس الوقت، من أجل أن يصير فهم الدين فهما متناسبا مع تلك الحركة، وسعيا إلى جعل النص الديني صالحا لكل زمان، ومكان.

ولأن الفهم المتطور للدين الإسلامي، ينعكس على مجمل حياة المسلمين، فإنه لا بد أن ينعكس، كذلك، على واقع المرأة كجزء من المجتمع، ولا بد أن يتطور ذلك الانعكاس على مستوى اللباس الذي يصير منسجما مع حركة الواقع المتعددة الأبعاد، مما يجعل شكل اللباس، الذي يسمونه حجابا، مجرد اختيار من ضمن ما تختار المرأة المسلمة استعماله على مستوى كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين؛ لأن صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان، ومكان، تقتضى ذلك. وإلا فان فهم الدين الإسلامي، إذا صار جامدا، لا يتجاوز فهم المسلمين في مرحلة معينة، لأنه يصير عقبة كأداء أمام حركة الواقع، وسيصير مصدرا لكل أشكال الإرهاب المادي، والمعنوي، في افق تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل، كما يحصل الآن في العديد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين.

وإذا لم نسلم بصحة الفهم المتعدد، والمتنوع في كل عصر من العصور اللاحقة، إلى يومنا هذا:

فهل نكتفي بالفهم المتنوع الذي كان سائدا في الجزيرة العربية، وفيما حولها، عبر القرون؟

إن الجزيرة العربية، أو على الأصح شبه الجزيرة العربية، هو مصدر انتشار اللغة العربية، عبر العالم، وهو مصدر انتشار الدين الإسلامي، سواء كان ذلك بواسطة الفتوحات، أو بأي وسيلة أخرى دعوية، أو إعلامية، أو غيرها، مما جعل الجزيرة العربية حاضرة في المرجعية الدينية، شاء من شاء، وكره من كره. ومنذ نزل الوحي على محمد رسول الدين الإسلامي، والمسلمون في الجزيرة العربية، وما حولها، ينكبون على فهم القرآن، والحديث، والسيرة النبوية، وسيرة الصحابة، والتابعين، لإعطاء أشكال من الفهم التي لا حدود لها، إلى درجة أن تلك الأشكال من الفهم، صارت معتمدة عند الدارسين على اختلاف مذاهبهم، باعتبارها معرفة تقليدية أولا، وباعتبارها معرفة وافدة من الجزيرة العربية، ومما حولها ثانيا، مما يكسبها قوة النص الديني، الذي يرفعها إلى مستوى التشريع، لتصير مطبقة في الواقع، أو مصدرا وحيدا له، أو من جملة مصادره في أحسن الأحوال.

ذلك أن الجزرة العربية، وما حولها، باعتبارها أماكن تواجد المقدسات، تعتبر كذلك أماكن تلقي رسل الأديان الثلاثة الأكثر تأثيرا في البشرية، هي أماكن تواجد الاتصال المستمر بالسماء، من خلال الأماكن المقدسة، وعلى مدار السنة، وخاصة في مكة، ويثرب، وبيت المقدس. وأماكن الاتصال هذه التي قال فيها رسول المسلمين: "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، هي التي تكسب المعرفة الدينية المنتجة للمذاهب الدينية الكبرى، وما تفرع عنها من مذاهب صغرى، نفحة قدسية، ترفعها إلى مستوى المعرفة المقدسة، التي تكتسي طابع الإطلاقية، فتصير معبودة، باعتبار ما تدل عليه، ويصير منتجوها معبودين، باعتبارهم يمتلكون قدرات خارقة، ترفعهم إلى مستوى الأنبياء، والرسل.

فالفهم المتنوع الذي كان سائدا في الجزيرة العربية، وما حولها، والذي نجد الرجوع إليه من قبل الدارسين، على اختلاف مشاربهم لا على أنه فهم بشرى مرتبط بشروط موضوعية معينة، تجعل منه مجرد فهم بشري؛ بل على أنه إلهام، ووحي من الله تعالى، إلى من يختاره من البشر، مما يدعو إلى اعتبار هذا الفهم، مهما كان، وكيفما كان، هو الفهم الصحيح.

والواقع، أننا عندما نرتبط بالجزيرة العربية، وما حولها، ومنذ انتهاء نزول الوحي، وموت الرسول، ودخول المسلمين في الصراع على السلطة، ثارة بين المهاجرين، والأنصار، وأخرى بين الأوس، والخزرج، وثالثة بين بني أمية، وبني هاشم من جهة، وبين آل الزبير، وآل هاشم من جهة أخرى، وبين الشيعة والخوارج من جهة ثالثة، نجد أن فهم سكان الجزيرة العربية، وما حولها، لا يختلف عن فهم المسلمين في أي بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، مما يجعلنا نستنتج أن الفهم المتنوع الذي كان سائدا في الجزيرة العربية، إنما هو فهم بشري نسبي، لا يرقى إلى مستوى القدسية، كما تدل على ذلك هذه الأشكال من الصراع الدموي، التي تقع بين الفرق الحاملة لهذا الفكر في الجزيرة العربية. وفيما حولها. ولو كان الفهم المذكور صحيحا، لعمل على تجاوز كل الخلافات القائمة بين الفرق الحاملة للفهم المختلف، ولساعد على تقدم المسلمين، لا على تكريس تخلفهم.

وعندما لا نسلم بصحة فهم سكان الجزيرة العربية، وما حولها، فإننا نمجد أنفسنا متسائلين:

هل نعتمد الفهم المحدد، والمتنوع، في كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، خارج الجزيرة العربية، وعلى مر العصور؟

إننا، في الواقع، نجد أنفسنا أمام إشكالية الوقوف على الفهم الصحيح، وخاصة إذا وجدنا، أثناء نزول الوحي في عهد الرسول، أن المسلمين يلتزمون بحرفية النص. وإذا كانت هناك محاولة للفهم، فإنه يتم الرجوع إلى الرسول، خوفا من الوقوع في الخطأ، الذي يتجاوز ما ورد في القرآن "وما يحلم تاويله الا الله"، ووجدنا أيضا أن الفهم الذي كان شائعا في الجزيرة العربية، وما حولها، ورغم أنه وقف وراء ظهور المذاهب الكبرى، والمتفرعة عنها، وبسبب ما ينتجه هذا الفهم من تطييف للمسلمين، وما يترتب عنه من صراع دموي في الجزيرة العربية، وفيما حولها، إلى درجة العبادة، على تعدده، وعلى كثرة ما أنتجه المنتمون إليه من أبحاث، ودراسات حول صحة فهم هذا التوجه، أو ذاك، غير صحح أيضا، ولم يبق لنا إلا أن نقلب النظر في الفهم المحدد، والمتنوع في كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، خارج الجزيرة العربية، وما حولها.

ذلك أن الشروط الموضوعية القائمة في كل بلد من البلدان العربية، بل وفي كل جزء من كل بلد، تساهم الى حد كبير في إنتاج فهم مختلف للدين، أو للمذهب الكبير، أو للمذاهب المتفرعة عنه. وهذا الفهم المختلف، والمتنوع، ومن وجهة نظر منتجيه الذين يتعاملون معه كفهم مطلق، لا يمكن أن يكون إلا فهما صحيحا، لاعتبارات تذكر منها:

الاعتبار الأول: حاجة المسلمين في كل بلد، أو في كل جماعة، إلى من يقدم لهم فهما محددا، على انه هو الفهم الصحيح.

والاعتبار الثاني: أن الفهم الذي يمكن اعتماده كفهم صحيح، يجب أن يخدم بطريقة مباشرة، وغير مباشرة، المصالح الطبقية للطبقة الحاكمة، ولمنتجي الفهم الديني، والمذهبي، في كل بلد، وفي كل جماعة، وأن يعمل على تضليل الكادحين، الذين يخضعون للاستغلال الأبدي، في ظل الأنظمة الاستغلالية التي توظف الدين لهذه الغاية.

والاعتبار الثالث: أن الاختلاف في الشروط، لا يلغي الانطلاق من نفس النص الديني، ومن نفس المرجعية المذهبية، لصياغة فهم محدد، ينسجم مع الشروط الموضوعية القائمة.

وهذه الاعتبارات التي وقفنا عليها، تجعلنا نقف على تعدد الفهم من بلد إلى بلد آخر، ومن جماعة إلى جماعة أخرى في نفس البلد. وهذا التعدد، في حد ذاته، كاف لأن نجد أنفسنا عاجزين عن تحديد:

ما هو الفهم الصحيح؟

وما هو الفهم الخاطئ؟

وما هو الفهم الوسط؟

ولكننا إذا وقفنا على دور الشروط الموضوعية، والذاتية، المنتجة لفهم معين، وعلى تحول تلك الشروط، المستمر في الزمان، والمكان، والقول بصحة فهم معين، يرتبط أيضا بالزمان، والمكان، والقول بخطئه يرتبط أيضا بالزمان، والمكان. وهكذا... وعلى المستوى العام، فصحة الفهم، أو عدم صحته، هي مسالة نسبية عابرة، ولكنها تترك بصماتها على مسلكية المسلمين الفردية، والجماعية، من خلال تحول الأفهام المختلفة، والمتناقضة، إلى معرفة تقليدية، تساهم، بشكل كبير، في عرقلة مسار التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ليبقى التخلف الذي يتمظهر في أشكال الحجاب المفروض دينيا، واجتماعيا على المرأة.