تحقيق / ضمن منظومة القيم والأعراف ....سلطة الرجل لا حدود لها !!



إبتهال بليبل
2009 / 5 / 1

•تسلط الرجل مسألة مرتبطة بالموروث الاجتماعي والتقاليد والأعراف ...
•الأنانية النكدية التي يتعامل بها بعض الأزواج زوجاتهم ...
•الرجل المتسلط هو شخص مستبد غير مرن ، يطالب بالطاعة العمياء ...

كان هنريخ هاينيه من أدباء أوربا الذين كتبوا النثر بمعاني الشعر وإيقاعه ، وهو ألماني الأصل ، فرنسي الأسلوب ، أنساني النزعة ، وكانت الأمراض قد حطت عليه وألزمته السرير سنوات يقابلها بابتسامات التهكم وكلمات المزاح التي أثرت عنه كأنها من الخوالد التي لا يزال يتندر بها الأدباء ويتفكهون بمعانيها الأنيقة العميقة ، ولما رأى أن الوفاة قد اقتربت ، وأن زوجته لا تزال في شبابها كتب وصيته وشرط على زوجته إن تحرم من ميراثه إلا إذا تزوجت بعده ... وهذا العمل هو نقيض ما نراه في بلادنا حيث تحرم الأرملة من الميراث إذا تزوجت ، لان الزوج يغار وهو في قبره من زواجها ، وهو يريد أن يتحكم في مصيرها حتى عندما تكون الديدان قد تولت إفناء جسده ، وهذه الأنانية النكدية التي يتعامل بها بعض الأزواج زوجاتهم عندما يفرضون عليهن أمور قد تلقي بهن في المآزق الاجتماعية الخطرة ، فثقافة الرجل في مجتمعنا توصف بأنها ثقافة عاجزة عن رؤية المرأة كمخلوق طبيعي ، مثلها مثل الرجل ، لنجد الرجل غارق بالازدواجية التي يهرب بها من مواجهة الواقع في محاولاته لتهميش دور المرأة فيضع لها قائمة بالممنوعات التي تحجبها عن عالم اليوم لتبقى هي بذلك ضمن منظومة القيم الشاذة والمنتشرة في مجتمعنا والتي من شأنها تكريس سلطة الرجل عليها وجعلها مصدر أساسي لقوته من خلالها فنراه يتحكم في طريقة تناولها لطعامها ونومها ومالها الخاص وقراراتها وغيرها الكثير من الأمور ، أن سلطة الرجل وهضمه لحقوق المرأة بل والتحكم في كل ما يخصها موضوع يستحق الوقوف عنده ، ونحن اليوم نحاول رفع الستار عن حقيقة أصبحت مؤلمة للكثير من النساء ...

تربينا على احترام الزوج

كانت البداية مع أم حيدر / 56 سنة أم لخمسة أبناء حدثتنا عن رأيها بهذا الموضوع قائلة " تربينا عند أهالينا أن السلطة والقرار بيد الرجل وكنت أرى والدتي كيف كانت تتعامل مع والدي ( ألحجي ) فقد كانت لا ترفض له أي قرار أو رأي حتى لو كانت غير راضية عنه ، كما أنها كانت تحاول دائما أن تجعل خصوصية له ولا تتخذ أي قرار أو عمل شيء دون الرجوع إليه ، وكانت تغدق علينا نحن البنات النصائح عن كيفية التعامل مع الزوج بحيث أنني عندما تزوجت تصورت أن وجودي يكمن في خدمة الزوج والأبناء فقط حتى مصير أبنائي وقراراتهم هي من شأنه ولم أشعر بيوم في حاجة إلى اتخاذ قرار دون الأذن منه ، وتواصل أم حيدر حديثها بالقول " نحن تربينا وتعودنا على ذلك وكم أتعجب لحال نساء اليوم لكثرة تذمرهن وفقدانهن إلى القناعة ، فأنا إلى الآن لا تعجبني طريقة تعامل الزوجة مع زوجها وطبعاً هذا ما لمسته في زيجات أبنائي لكثرة مشاكلهم وصراعاتهم إلى مرحلة الانفصال ( الطلاق ) ، وتؤكد أم حيدر أن الزوج في السابق كان يعامل الزوجة بكل احترام وتقدير ولا يشعرها بأي معاناة أو هم من هموم الحياة فالرزق هو من يتكفل به وليس للزوجة علاقة بذلك ، كما أنني حتى هذه اللحظة لم أسمع يوماً زوجي يناديني بغير لقب ( أم حيدر ) فربما لهذا السبب جعل من شخصية الرجل في السابق لها مكانة كبيرة وعظيمة لدى المرأة ...

يكره زوجته إذا أظهرت جاذبيتها

أما هدى سلمان فقط عبرت عن استنكارها لتسلط الرجل وفرضه على المرأة أسلوب حياة يتماشى مع أهوائه ورغباته الخاصة ، الرجل المتسلط هو شخص مستبد غير مرن ، يطالب بالطاعة العمياء ، وهو أشبه ما يكون بطاغية يبحث بشكل دائم وراء زوجته حتى إنه قد يقوم بالتجسس عليها لمعرفة خصوصيتها ، وبرفض السماح لها بأي قدر من الحرية حتى أنه يكره زوجته إذا أظهرت جاذبيتها ، ويجب أن يسألها عن كل صغيرة وكبيرة ، وقد يشك في تصرفاتها ويتهمها بالخيانة إذا شاهدها تهتم بهندامها ..

خشية المستقبل المجهول

أننا في مجتمع أعتاد على تسلط الرجل وتَحكمه في مصير المرأة خشية المستقبل المجهول ، كما ويعود هذا إلى كهزازة نفسية ، وانطواء عاطفي ، كأن يكون شعار هذا الرجل في الحياة ( أنا وحدي ) ويسري هذا الإحساس في كيانه ويسيطر عليه فينساق به ، ويحاول أن يجعل هذا الإحساس خالداً بشروط وقيود على زوجته ، فيمنع ويمنع ، ويترك البغض والكراهية تتولد بينهم ثم يشترط الشروط والقيود على زوجته بحيث لا تستطيع أن تأكل لقمة من دون علم زوجها ، هذا ما قاله لنا بسام هادي / 44 عام ...

المرأة الذكية

تفسر الناشطة بحقوق المرأة / نيران مؤيد هذه الحالة بالقول " في الوقت الحالي نرى الأمور تسير بشكل معاكس ، ففي السابق كان الرجل الذي يدعي السلطة هو المسيطر الأول على زمام الأمور وشؤون الأسرة ، ويرفض مشاركة زوجته لخلق مكان تربوي تتم فيه تربية الأبناء وتنشئتهم على الخير والصلاح ، ولكن اليوم بما أن الرجل عادة ما يكون غائباً عن بيته بسبب انشغاله ، فلا يمكن للبيت أن يدار بمدير غائب ، نجد أن المرأة تسلمت منه هذا الدور ، ولقد أجادت وتفوقت به ، بوجود الرجل أو عدمه ، واستطاعت أن تدير الأسرة وتربي أبنائها ، وهذا ما قلص احتكار الرجل للسلطة ..وتضيف أن الظروف التي نعيشها في المجتمع ولدت أيضاً ذلك فنزول المرأة إلى العمل مع زوجها جعل منها تطالب بحقها في السلطة وهناك أيضاً أزواج عاطلين عن العمل والزوجة تعمل وتعيل الأسرة جعل منها متمردة على أي قرار يفرض عليها من قبل الزوج باعتبار أنه ليس من حقه التدخل باتخاذ قراراتها ، كل هذه الأمور إضافة إلى تدني المستوى الفكري لدى الرجل والتقليد الأعمى جعل منه كالأسد لا يرغب إلا بأن يمسك السلطة لنفسه ويهمش ويهضم دور المرأة ، وتتابع : المرأة الناجحة في حياتها هي المرأة الذكية التي تستطيع أن تتغلب على كثير من المشكلات دون ضجيج وتفهم أبعاد شخصية الرجل وحبه لتحقيق ذاته وفرض سيطرته على زوجته فمن الجميل أن يكون للرجل كلمته الخاصة به وشخصيته القوية ، ولكن هذا لا يعني أن يفرض رأيه عليها فالمشاركة جميلة والحوار مرغوب بين الطرفين للوصول إلى نهاية ترضي الاثنين ..

الموروث الاجتماعي والتقاليد

أما صفاء علي باحثة اجتماعية فقد جاءت وجهة نظرها من منظور ديني واجتماعي وقالت " تعد مسألة تسلط الرجل مسألة مرتبطة بالموروث الاجتماعي والتقاليد والأعراف التي نشأت في المجتمعات الشرقية ، حيث أن أكثر الرجال يعلق مسألة تسلطه على المرأة إلى شماعة العرف والدين مما جعل منها مشكلة أزلية لا يمكن التخلص منها مهما بلغت تلك المجتمعات من تطور وثقافة وانفتاح ليبقى الرجل هو السيد الأمر والناهي وتبقى المرأة هي التابعة له كالعصور البدائية ..