القمع اللفظي للمرأة



توفيق أبو شومر
2009 / 5 / 5

لماذا ليس هناك يومٌ في العام لتقدير الرجال، الرجال الآباء والرجال العاملين والرجال المضحين بأنفسهم من أجل الوطن؟
مع أن هناك ساعات محددة في يومٍ واحدٍ من أيام السنة نُخصصه للاحتفال بالمرأة، الأم والأخت والزوجة؟
أليس هذا دليلا على أن الرجال استولوا على كل أيام السنة، بسطوتهم الذكورية ، ومنحوا المرأة ساعات في العام فقط ليحتفلوا بها احتفالا بروتوكوليا؟
أننا نحتاج قبل أن نحتفل ساعاتٍ بأفضال النساء إذا رغبنا رغبة صادقة في إنصافهن إلى غربلة مخزوناتنا اللفظية من مفردات وتعبيرات القمع التي تعتبر الأنثى رمزا للمهانة والجبن والضعف، فإذا اتهمنا فردا بالجبن فإننا نسميه(مَرَه) وهو نحتٌ تحقيري من لفظ امرأة ، وإذا أردنا أن نُسخِّف كلاما ، نقول: " كلام نسوان" ولا نكتفي بتلك الألفاظ، بل نُوَرِّثها لأبنائنا وأبناء أبنائنا
وقد أزعجني أحدهم عندما جلستُ أمام بيته يوما، فأمر ابنه بالدخول إلى البيت، وعدم اللعب في الشارع، فلم ينصعْ لأمر والده، فشتمه وهو يبتسم قائلا: يلعن أمك!
ابتسم الطفل ولم يُطع أباه، حاولت أن أعرف سبب ابتسامة الطفل الذي لم يبلغ الخامسة من عمره فعرفت بأنه عندما يسمع شتيمة الأم ، فإنه يظنها (دُعابة) من الأب، لأن الشتيمة الحقيقية التي رسختْ في عقل الطفل الصغير والتي تُثير الغضب وتكون تهديدا جادا، هي شتيمة الأب وليس الأم!
كما أن كثيرين أيضا يستخدمون صيغة أخرى للمداعبة والمزاح قائلين عن زميلهم : " يلعن أخته" ! ولا يلعنون أخاه.
هكذا إذن نحن بحاجة إلى أكثر من مناسبة مدتها ساعات في العام لنكرم المرأة ، ونتغنى بأفضالها في عيدها، ونهديها باقات الورود، ونُكرر أقوالنا المعتادة في مثل هذه المناسبة:
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ، والأمُ هي الأخت والزوجة والأم"، والمرأة هي أم الشهيد ومربية الأجيال.....!!"
إننا في حاجة إلى برامج عديدة لتنقية لغتنا من مفردات الضعة والدونية التي علقت بالمرأة طوال التاريخ، والأهم أننا في حاجة إلى تربية أبنائنا على قيم احترام الأنثى، ليس لأنها ضعيفة ، وليس لأن احترام الذكور لها مِنَّة ومنحة منهم، يجودون بها على النساء ، بل لأن المرأة صنو الرجل ، وهي مساوية له تماما ، بل إنها تتفوّق عليه في كل المجالات.
ليس صحيحا بأن تنقية اللغة من مفردات احتقار المرأة أمر صعبٌ ، بخاصة في المجتمع الذكوري، مثلما هو الحال في مجتمعنا، وليس صحيحا أن تقاليدنا الاجتماعية تحتقر المرأة ، فالمرأة الفلسطينية ظلتْ طوال التاريخ حاضنة النضال الفلسطيني ، مكونة الأسرة والمجتمع.
يمكننا أن نُكثّف التثقيف العام في هذا المجال ، وأن نعالج هذا الخلل في برامجنا التربوية والتعليمية، لنعوِّد أبناءنا على أن إهانة النساء جريمةٌ، ليست في حق النساء فقط، بل إنها تحطُّ بقيمة الرجال أيضا.
وما أزال أرى بأن المرأة نفسها تتحمل مسؤولية ضعفها وهوانها، عندما تنصاعُ للتقاليد الموروثة ، فتميّزُ الأمهاتُ والبناتُ والأخواتُ الذكرَ عن الأنثى في العناية والطعام والمصروف، وتغضُّ الطرف عن أخطاء الذكور، وتعاقب البنات على الأخطاء نفسها.
وما أزال أرى بأن نساءً كثيرات ما يزلن يعتبرن إنجاب البنات نقيصةً، بل إن بعضهن يعتبرنه ليس إنجابا، فالإنجاب عند بعض النساء، هو إنجابُ الذكور فقط.